الإمبراطورية الآشورية (2)

مهدي كاكه يي
mahdi_kakei@hotmail.com

2018 / 10 / 8

نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (58) – الآشوريون

الإمبراطورية الآشورية (2)

3. العصر الآشوري الحديث (911 – 612 قبل الميلاد): تميّز هذا العصر بِتصاعد القوة العسكرية الآشورية إلى أقصاها وأصبحت بلاد آشور من الإمبراطوريات العظيمة التي عرفها العالم القديم. في هذا العصر قامت الإمبراطورية الآشورية بأعمالٍ عسكرية كثيرة وتصاعدت حدة حروبها، بالإضافة الى حصول أحداث ومشاكلٍ داخلية متواصلة والتي إمتدت الى العاصمة الآشورية و الى داخل العائلة المالكة نفسها. كما أنه خلال هذا العصر الآشوري، إنتشر إستخدام معدن الحديد في الشرق الأدنى، فقام الآشوريون بإستغلاله في بناء أضخم جهاز حربي عرفه العالم القديم، وصنعوا منه أسلحتهم الهجومية الفتّاكة.

ينقسم هذا العصر إلى فترتَي حُكم هما: الإمبراطورية الآشورية الأولى (سنة 911 - 744 قبل الميلاد) والإمبراطورية الآشورية الثانية (سنة 745 - 612 قبل الميلاد).

أ- الإمبراطورية الآشورية الأولى (911 – 744 ق. م.)

من أهم ملوك هذه الإمبراطورية هم:

1. (أدد- نيراري الثاني Adad-nirari II) (سنة 912 - 891 قبل الميلاد): هو مؤسس هذه الإمبراطورية ومن أبرز حُكامها، حيث بلغت القوة العسكرية أوجها في هذا العصر، فإستطاعت آشور خلالها السيطرة على حياة الشرق القديم لمدة 3 قرون. قام بحملة عسكرية على بلاد بابل سالكاً الطريق الشرقي، وعقد معاهدة معها لتثبيت الحدود بين الدولتَين الآشورية و البابلية[a]. كما أنه قام بِحملاتٍ عسكرية على خانيكلبات الواقعة في شمال ميزوبوتاميا والتي كانت من بقايا مملكة ميتاني وكانت غالبية سكانها من الخوريين وكذلك هاجم الأقوام الآرامية و مملكة نايري التي كانت واقعة حول بحيرة (وان) في شمال كوردستان الحالية.

تركيز الآشوريين على تقوية مؤسستهم العسكرية، جاء نتيجة التحديات الإقليمية الكثيرة التي كانت تواجهها آشور من جيرانها، مملكة بابل من الجنوب، المملكة الحثّية من الشمال، إيلام من الشرق، و الدويلات الآرامية من الغرب. كما أن شيوع إستخدام معدن الحديد في الشرق الأدنى، كان عاملاً آخراً في قوة الماكنة العسكرية الآشورية، حيث أنّ الاشوريين إستغلوا هذا المعدن في بناء أضخم أسلحة حربية عرفها العالم القديم.

2. (توكلتي – نينورتا الثاني Tukulti-Ninurta II) (891 - 884 قبل الميلاد): هو إبن (أدد- نيراري الثاني)، وكان أيضاً من أبرز ملوك هذه الفترة، حيث أنه قام بِإعادة بناء أسوار مدينة آشور و قام أيضاً بِحملةٍ عسكرية على بلاد بابل في محاولةٍ منه للسيطرة عليها. تمكن هذا الملك من الإنتصار في معركة (نهريا) ضد الحثيين فتمكن بعدها من السيطرة على أراضي واسعة في الأناضول وبلاد الشام وبلاد أورارتو[b]. بعد ذلك بدأ يحارب بلاد بابل التي كانت آنذاك تحت الحُكم الكاشي، حيث أنه إنتصر في حربه وأنهى السلالة الكاشية الحاكمة وقام بِضم بابل إلى مملكته. قام ببناء عدة معابد في بابل وقام بِنحت تمثال جديد لإله بابل الرئيسي ( مردوخ) [c]. تم قتله وكان من بين المشاركين في قتله، إبنه (آشور نادين أبلي)[d].

3. (آشورناسرپال الثاني Assurnasirpal II) (سنة 884 - 859 قبل الميلاد): هو إبن (توكلتي –ننورتا)، حيث أنه إستلم الحُكم بعد وفاة أبيه. كان من الملوك الآشوريين الأقوياء في هذه الفترة. كان هذا الملِك عسكرياً قاسياً، حيث أنه قام بِترسيخ حُكم الإمبراطورية الآشورية وجعلها قوية ومستقرة. سيطر آشورناسرپال الثاني على ميزوپوتاميا وعلى لبنان الحالية وإقليم غرب كوردستان الحالية[e] وقام بِضمّهما إلى الإمبراطورية الآشورية النامية. كان يمتاز بالوحشية، حيث كان يستعبد الأسرى لبناء العاصمة الآشورية الجديدة في (نمرود "كالح") والتي جعلها عاصمة جميلة. كان (آشورناسرپال الثاني) من المُتعلقين بالإلهة (عشتار)، كما أنه قام بِبناء عدة معابد لها في نينوى وأربيل[f] .

كان هذا الملِك إدارياً جيداً أيضاً، حيث أنه عرف أنه من خلال تعيين حكام آشوريين على البلدان التي يستولي عليها أو تعيين حكام محليين فيها والذين يقومون بِدفع الجزية، يتمكن عن طريقه ترسيخ حُكمه في هذه البلدان وبالتالي تقوية إمبراطوريته.

لم يقُم (آشورناسرپال الثاني) بِتدمير المدن الفينيقية التي إستولى عليها. لم يفلح في حصاره لمدينة (صور)، إلا أنه أنشأ مستوطنة (كيتيون) في قبرص وفتح طرق تجارية عديدة في بحر إيجة، في رودوس وميلتوس. من خلال الحصول على الجزية، أصبحت (صور) مصدراً للمواد الخام التي كان يحتاجها الجيش الآشوري لبِناء بلاد آشور، حيث تمّ إستخدام الحديد في صناعة الأسلحة، والأرز اللبناني للبناء، والذهب والفضة لِدفع رواتب منتسبي الجيش.

4. (شلمنصر الثالث Shalmaneser III) (859 - 824 قبل الميلاد): خلّف أباه (آشورناسرپال الثاني). إستمر هذا الملِك في توسيع الإمبراطورية الآشورية، حيث أنه قضى 31 سنة من فترة حُكمه البالغة 35 سنة في سلسلة من الحملات العسكرية المتواصلة التي جعلته سيد الشرق الأدنى وغرب آسيا والخليج الفارسي، وأصبحت مملكته تمتد الى تخوم الأراضي الميدية وسواحل البحر الأبيض المتوسط. وصلت الحملات العسكرية لهذا الملِك الى إقليم (مشكي) في شرقي الأناضول وحارب الحثيين في سوريا وقام بالسيطرة على الدويلات الآرامية، حيث أنّ قواته وصلت الى البحر الأبيض المتوسط من خلال إجتيازه جبال لبنان، فأخضع كلاً من مدن صور وصيدا وجبيل وأرغم سكان هذه المدن على دفع الجزية.

في سنة 827 قبل الميلاد، ثار عليه أحد أبنائه، تُسانده 27 مدينة، بِضمنها آشور، نينوى، أربيل، كركوك. أوكل الملك العجوز إلى إبنه الثاني (شمش- أدد) إخماد الثورة التي قادها أخوه والتي تسبّبت في إندلاع حربٍ أهلية مُدمّرة، إستمرت لمدة أربع سنوات والتي إنتهتْ بالقضاء على هذه الثورة. مات (شلمنصر الثالث) خلال فترة الحرب الأهلية[8، 9]. كانت هذه الثورة عبارة عن إنتفاضة النبلاء القرويين والمواطنين الآشوريين الأحرار ضد رجال المملكة الكبار وضد ظلمهم وتجاوزهم لسلطاتهم[10، g].

قام (شلمنصر الثالث) بِتجديد العواصم الآشورية، (آشور) و (نينوى) و(كالح " نمرود "). من أهم الآثار العمرانية لهذا الملِك هي الأبواب البرونزية الجميلة التي تُغلّف أبواب قصره في مدينة (نمرود). كما أنّ هذا الملِك تركَ سجلاً حافلاً لِأعماله المدوّنة في قصره في مدينة كالح (نمرود) والتي تتضمن مشاهداً من حملاته الحربية.

5. (شمشي- أدد الخامس Shamshi-Adad V) ( 828 - 822 قبل الميلاد): إستلم الحُكم بعد وفاة والده (شلمنصر الثالث) في وقتٍ حرجٍ من حياة الإمبراطورية الآشورية، حيث إندلعت خلاله حروب داخلية وحصل إنقسام داخل البيت الآشوري و حلّت فترة ضُعف وإنكماش دامت حوالي 80 سنة منذ توليه الحُكم، كما هو مُسجّل في مسلّة هذا الملِك. رغم نجاحه في التصدّي للتحديات التي واجهته خلال حُكمه الذي دام لِمدة 12 سنة[11]، إلا أنه لم ينجح في القضاء التام على عوامل السخط والتذمر الذي كان منتشراً بين الناس.

عند وفاة ملِك بابل (مردوخ شمي دان) في سنة 819 قبل الميلاد، الذي كان صديقاً للملِك (شلمنصر الثالث) ، والد شمشي أدد الخامس، إستلم حُكم بابل غريمَهُ السابق (مردوخ بلاصو إقبي)، حيث أنه رفض تبعية مملكة بابل للآشوريين وأعلن إستقلال بلاده عن الدولة الآشورية. لذلك هاجم الملِك الآشوري (شمشي أدد الخامس) بابل وقام بإحتلالها وأخضع ملِكها للحُكم الآشوري، إلا أنه بعد مضي سِت سنوات على ذلك، إستلم الحُكم في بابل الملِك (باوخ دان) ورفض الخضوعَ لسُلطة (شمشي أدد الخامس)، ولذلك نشِبت الحرب من جديد بين بابل وآشور وأثناء هذه الحرب، توفي الملِك (شمشي أدد الخامس). بعد مجئ إبنه (أدَد نيراري الثالث) الى الحُكم، واصلَ الحربَ ضدَّ ملِك بابل، فإنتصرَ عليه وأسِرَهُ وإقتادهُ إلى بلاد آشور وعيّن رَجُلاً من الموالين له حاكماً لِبابل[h].

6. (أدد- نيراري الثالث Adad-nirari III) ( 810-783 قبل الميلاد): إستلم الحُكم بعد والده (شمشي- أدد الخامس)، وحينئذٍ كان قاصِراً، فتولت الحُكم والدته (سمّو- رامات) التي عرفتها المصادر الإغريقية بإسم (سميراميس) لمدة 5 سنوات، كَوصية على العرش. إشتهرت هذه الملِكة بِشدّة جبروتها وقسوتها وتمّ نسج الأساطير حولها بِأنها إبنة إلهة وبأنّ نصفها سمكة والنصف الآخر حمامة[21]، حيث تمت عبادتها في (عسقلان). تذكر الأساطير أنّ الإلهة قد تخلت عن هذه الملِكة، فأخذها طير وربّاها وعثر عليها رعاة الملِك، حيث تولى الملِك تربيتها[21]. إلتقى بها حاكم نينوى (أونيس) فأحبها وتزوّجها والى غير ذلك من الأساطير. تمّ ذكر هذه الرواية الأسطورية من قِبل المؤرخ اليوناني (هيروديتس) الذي إستقى معلوماته من كهنة بابل. كانت (سمور- آمات) (سميرأميس) فتاةً كلدانية بارعة الجَمال من مدينة (بورسيبا) البابلية، أحبها الملكُ الآشوري (شمشي أدد الخامس) وتزوَّجَها ثمَّ جعلها تشاركه حكم مملكته الواسعة. بعد وفاتِهِ أصبحت وَصِيةً على إبنِها وريث العرش الآشوري (أدد نيراري الثالث)، حيث أنها حَكَمَت مملكةَ آشور بكل اقتدار وحافظَت بأمانةٍ على إرثِ زوجِها. لقد تمّت المبالغة في وصفها ووصف شهرتها كونها زوجة (شمشي أدد) الذي وحّد بلاد آشور من جديد. تشير بعض النقوش التاريخية إلى إرسالها قادة جيشها للقيام ببعض الحملات العسكرية ضد الميديين والمانيين وحملة تأديبية وجهتها ضد آراميي بيت بخياني. بعد أن أصبح (أداد نيراري) بالغاً، إستلم الحُكم من والدته، حيث أنه قام بِعدة حملات ضد الميديين و في سوريا وفلسطين. في سنة 804 قبل الميلاد وصلت قواته الى مدينة (غزة). حارب أيضاً في بابل وساعد في حفظ الامن في شمال ميزوپوتاميا. وجه (أدد - نيراري الثالث) عدة حملات إلى سورية، حيث أنّ سبب اهتمامه الكبير بالممالك والاراضي التي تقع إلى الغرب من بلاد آشو،ر كان يعود لأهميتها الفائقة في تمويل الدولة الآشورية لما تحتاج إليه من أخشاب و معادن و يد عاملة. أجبرت تلك الحملات ملك دمشق (مريئي) على دفع الجزية للآشوريين. وقام كذلك بمهاجمة إمارة بيت (أجوشي) وعاصمتها (أرباد) وكان حينذاك يحكمها الملِك ( أترشمكي).

بعد عهد الملِك (أدد- نيراري الثالث)، تعاقب ملوك ضعفاء على حُكم آشور، حيث أنهم لم يتمكنوا من السيطرة على زمام الحُكم بشكلٍ كامل وكانوا عاجزين عن القيام بِإنجازات سياسية وإقتصادية وعسكرية للبلاد وأخفقوا في الحفاظ على مناطق نفوذ الدولة نتيجة المشاكل الداخلية التي عانت منها المملكة، بدءاً من عهد (شلمنسر الثالث) حتى ظهور الإمبراطورية الآشورية الثانية. مما زاد من المصاعب التي كانت تواجهها آشور، هو المواجهات المستمرة لآشور مع مملكة أوراراتو التي كانت تستعصي على الجيش الآشوري غزوها. إستمر هذا الوضع الى أن إستلم الحُكم الملِك (تغلات بلاسر الثالث).

المصادر

8. طه باقر. مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. الجزء الأول، الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، الطبعة الأولى، بغداد، 1973، صفحة 506.

9. جورج رو. العراق القديم. ترجمة وتعليق حسين علوان حسين، بغداد، وزارة الثقافة والإعلام، الطبعة الثانية، 1986م - 1406هـ، صفحة 400.

10. المصدر السابق، صفحة 403 - 404.

11. طه باقر. مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. الجزء الأول، الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، الطبعة الثانية، بغداد، 1955، صفحة 184.

12. المصدر السابق، صفحة 184-185.


a. https://www.civgrds.com/adad-nirari-second.html

b. https://wikivividly.com/wiki/Battle_of_Nihriya

c. John Malcolm Russell (1999). "The Writing on the Wall: Studies in the Architectural Context of Late Assyrian Palace In-script-ions". Eisenbrauns. p. 222. ISBN 9780931464959.

d. J. M. Munn-Rankin (1975). "Assyrian Military Power, 1300–1200 B.C.". In I. E. S. Edwards. Cambridge Ancient History, Volume 2, Part 2: History of the Middle East and the Aegean Region, c. 1380–1000 BC. Cambridge University Press. pp. 287–288, 298.

e. Healy, Mark (1991). The Ancient Assyrians. New York: Osprey. p. 10.

f. W.G. Lambert. "Ištar of Nineveh". Iraq 66: 35–39. The British Institute for the Study of Iraq, 2004.

g. Hallo, William W. (1957). Early Mesopotamian Royal Titles. New Haven, CT: American Oriental Society, p 125.

h. The Cambridge Ancient History, Second Edition, Volume III part 1, The prehistory of Balkans and the Middle East and the Aegean world, tenth to eighth centuries B.C., Edited by John Boardman F.B.A. Lincoln professor of Classical Archeology and art at the University of Oxford I. E. S. Edwards F.B.A. Formerly Keeper of Egyptian Antiquities, The British Museum N. G. L. Hammond F.B.A. Professor Emeritus of Greek, University of Bristol E. Sollberger F.B.A. Formerly Keeper of Asiatic Antiquities, The British Museum, Cambridge University Press, 2003, pp. 269-277.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن