عندما يهمل غضب الجماهير، يحتقن ويتفجر!

كاظم حبيب
khabib@t-online.de

2018 / 10 / 8

الغضب حالة إنسانية ضرورية حين تتعرض حاجات ومطالب الفرد أو الجماعة أو المجتمع إلى الإهمال والازدراء أو حتى الإصرار على رفضها، كما يشير الى ذلك مهاتما غاندي في حكمته وفلسفته المناهضة للعنف والداعية للنضال أو المقاومة السلمية لتحقيق الأهداف. ويتراكم الغضب ويشتد حين يدرك المجتمع بأن هناك محاولات جادة من جانب الفئات الحاكمة للضحك على ذقنه والادعاء الكاذب بمعالجة مشكلاته المزمنة والمتفاقمة. والسؤال كيف يمكن السيطرة على الغضب وتحويله الى قوة إيجابية فاعلة وقادرة على تحقيق الأهداف المنشودة دون ممارسة العنف والقوة؟ لنعالج الموضوع بشكل ملموس مع واقع العراق الراهن.
نحن امام واقع مرير في العراق أدى، ولا زال يؤدي يومياً، إلى تراكم شديد وكثيف للغضب في نفوس الغالبية العظمى من المجتمع العراقي وفي كل أنحاء الجمهورية دون استثناء. ولم يكن هذا الغضب افتعالا، بل نتيجة منطقية لسلوك خمس حكومات عراقية متعاقبة لأربعة رؤساء وزارات لم يخيبوا ظن الشعب بهم، إن كان هناك ظنا حسنا بهم، فحسب، بل داسوا بأقدامهم القذرة على مطالب الشعب الأساسية بكل عنجهية ورفض الاستجابة لأهم تلك المطالب الأساسية والضرورية الملحة. ولهذا كان احتمال تحول الغضب الى فعل مؤذٍ قائماً فعلاً وفي كل لحظة، لاسيما حين تتدخل عناصر من صلب النظام الحاكم مع سبق إصرار لتشوه المظاهرات السلمية الغاضبة غير العنيفة باستخدام العنف لتبرر استخدام سلطتها للعنف والقوة بل والرصاص الحي ضد المتظاهرين وبالتالي تعبئ ضد المظاهرات وتمنع وقوعها. لقد حصل هذا في البصرة وفي جنوب العراق كله، وحصل في إقليم كردستان أيضاً. يقول غاندي في حكمته وفلسفته بان الغضب نافع لأنه يدفع بالغاضب فرداً أو جماعة إلى الأمام شريطة أن يسيطر عليه ويتحكم به الفرد أو المجتمع. إذ أنه في مقدوره أن يعبئ أعداد غفيرة من البشر لتساهم في الغضب وتعبر عنه بالمظاهرات والاعتصامات والاضرابات والعصيان المدني لتحقيق الأهداف. إنها أساليب سلمية يقرها الدستور وتشكل جزءاً من حقوق الإنسان، فرداً أو جماعة أو شعباً.
ولكن ما هي المطالب التي لم تتحقق حتى الان والتي كثفت من غضب الجماهير وعمقت الصراع، رغم الاعتراف الشكلي المعيب لتلك الحكومات المتعاقبة، بما فيها حكومة العبادي، التي قادت بنجاح معركة تحرير نينوى والمناطق الاخرى من رجس الإرهابيين الدواعش القتلة، ولكنها عجزت وفشلت عن تلبية مطلب واحد من مطالب الشعب الأساسية والتي تنتظر الحل بإلحاح شديد وعاجل، بعكس من يرى مخطئاً، بأن العبادي يماثل نلسن مانديلا، وفي هذا لا يختلف عن الذين ارتكبوا خطئاً فادحاً حين اعتقدوا بان صدام حسين هو فيديل كاسترو العراق!!!
ماذا ينتظر الشعب حين يراد تشكيل حكومة جديدة في إطار الوضع السياسي الطائفي القائم وفي ظل مجلس نيابي تكون على أسس طائفية ورؤساء لسلطات الدولة الثلاثة الذين احتلوا مواقعهم على الأساس الطائفي والأثني المحاصصي المعيب ذاته، وحين يجري التركيز من جانب الفئات الحاكمة بأن تشكيل الحكومة الجديدة سيتم بناء على إرادة المرجعية الدينية المذهبية الشيعية في العراق، وهي التي لا ينبغي لها من حيث المبدأ والدستور، أن تتدخل في السياسة، حتى لو كان الموقف إيجابيا، لأن ذلك سيعرضها في مواقف اخرى الى المزيد من الإشكاليات والنقد والإساءة.
ما هي مطالب الشعب التي أعلن عنها طيلة السنوات المنصرمة ومنذ إسقاط الدكتاتورية البعثية الغاشمة؟ يمكن تلخيصها، كما أرى، بالآتي من المهمات:
أولاً: التخلي عن الطائفية السياسية في الحكم وعن توزيع سلطات الدولة على أسس المحاصصة الطائفية والأثنية والتي تعتبر إساءة كبيرة للشعب ومبدأ المواطنة الحرة والمتساوية. وإقامة حكومة من عناصر سياسية ديمقراطية ومستقلة وتكنوقراطية واعية لإرادة ومصالح وحاجات الشعب وقدراته على تحقيقها.
ثانياً: الإقرار بوجود الفساد السائد والالتزام بمحاربته الفعلية من خلال إبعاد كل الفاسدين علن الحكم ومواقع المسؤولية في الدولة بسلطاتها الثلاث أولاً، وملاحقة وتقديم الفاسدين المعروفين للجميع والذين تسببوا في كوارث العراق خلال الـ 15 سنة الأخيرة إلى القضاء العراقي لمحاكمتهم بعدالة وإنزال العقاب بالمجرمين منهم واسترداد المبالغ التي نهبوها أو فرطوا بها ووضعها في خزينة الدولة ثانياً.
ثالثاً: الإصرار على حل المليشيات الطائفية المسلحة ومنع امتلاك السلاح الفردي أو الجمعي ومصادرة كل الأسلحة ووضعها تحت تصرف القوات المسلحة العراقية. إضافة إلى حل الحشد الشعبي بعد أن انتهت مهمة "الجهاد الكفائي" واستعادة السلاح منه ووضعها تحت تصرف القوات المسلحة العراقية.
رابعاً: البدء مباشرة بتنفيذ خطة قصيرة الأمد لمعالجة المشكلات المزمنة التي يعاني منها المجتمع، ومنها بشكل خاص: الكهرباء والماء الصالح للشرب والصحة والتعليم والسكن والنقل، إضافة إلى معالجة الفقر واتساع الفجوة بين أكثرية المجتمع الفقيرة والقلة الغنية والتي تعيش غالباً على حساب الشعب وعلى السحت الحرام.
خامساً: إيجاد فرص عمل للعاطلين من خلال التشغيل في المشروعات العاجلة. وهذا يتطلب أيضاً وضع خطة اقتصادية ذات مدى متوسط وبعيد يركز على مهمات تغيير بنية الاقتصاد الوطني وتخليصه من الريعية النفطية الوحيدة الجانب وبناء اقتصاد وطني متنوع، دينامي ومستقل، ولاسيما بناء المشاريع الصناعية الزراعية الحديثة ومعالجة مشكلات البيئة الملوثة. ولا بد من استخدام نسبة عالية من إيرادات النفط للتنمية الاقتصادية والبشرية المستدامة من جهة، وتلبية حاجات المجتمع الأساسية والملحة من جهة أخرى.
سادساً: الانتباه إلى عدم التوسع في اخذ القروض الخارجية، ولاسيما قروض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لما لهما من آثار سلبية على نهج الدولة الاقتصادية الذي يراد فرضه على البلاد، نهج اللبرالية الجديدة، الذي برهن عن فشله وعن إساءته للغالبية العظمى من السكان ولاسيما الفقيرة والكادحة منها.
سابعاً: إجراء تعديل للدستور العراقي بما يسهم في جعله أكثر ديمقراطية واستجابة لإرادة ومصالح الشعب وفصل الدين عن الدولة والسياسة، وإقرار القوانين المفسرة لبنود الدستور والمنظمة لمضامينه وكذلك القوانين الأخرى الخاصة بالمجتمع المدني وحقوق المرأة ومساواتها بالرجل ومنع زواج الأحداث من البنات والأولاد.
ثامناً: وضع حد للتدخل الخارجي في شؤون العراق الداخلية والخارجية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والدينية ومن أي دولة إقليمية أو دولية جاء مثل هذا التدخل والذي عاش العراق تحت وطأته ولا يزال يعاني منه حتى الآن، والذي سلب استقلال وسيادة العراق وقراراته ومواقفه المستقلة.
تاسعاً: محاكمة من وجه النار لصدور العراقيين في العام 2011، ومن تسبب في وقوع الاجتياح للموصل ومحافظة نينوى والمحافظات الغربية قبل ذاك، ولم يعمل على مقاومة الإرهابيين وصدهم ودعا إلى انسحاب انهزامي لقوات المسلحة العراقية من الموصل ونينوى، وكذلك في المظاهرات الأخيرة في العام 2018، ولاسيما في البصرة، من اجل منع تكرار مثل هذه الأساليب الوحشية في قمع مظاهرات الشعب العادلة والمشروعة، إضافة إلى محاسبة من يقوم الآن في اعتقال الناشطين المدنيين وتعذيبهم وأخذ البراءات منهم أو حتى قتلهم، كما حصل لعدد غير قليل من الناشطات والنشطاء في البصرة وبغداد وغيرهما من المدن العراقية.
إن معيار الحكم الوطني يخضع للموقف من هذه المطالب العادلة والمشروعة التي نادى بها المتظاهرون والمحتجون على امتداد السنوات المنصرمة. فهل في مقدور الحكومة التي يراد تشكيلها البدء بإنجاز هذه المهمات؟ أستطيع أن أضع إجابتي عن هذا السؤال بوضوح تام، بسبب معرفتي بواقع ما يجري اليوم خلف الكواليس لتشكيل حكومة تستجيب لإرادة ومصالح إيران قبل إرادة ومصالح الشعب العراقي، ولكن مع ذلك أترك الإجابة للعراقيات والعراقيين الذين اكتووا بنار وحكم الأحزاب الإسلامية السياسية خلال سنوات العقد ونصف العقد المنصرمين، والتي يراد بإصرار أن يبقى هؤلاء في الحكم مع تغيير في بعض الوجوه الكالحة والساقطة أصلاً، والذين لن يكون في مقدورهم معالجة أي من المهمات الواردة في أعلاه.
8/10/2018



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن