العراق إلى أين ؟!

صبحي مبارك مال الله
subhimubarak@yahoo.com

2018 / 9 / 26

العراق إلى أين ؟!
بعد إن إطلع الرأي العام العراقي على مجريات جلسة مجلس النواب الأخيرة 15-09-2018 والتي تمّ فيها إنتخاب رئاسة المجلس، وما حصل وبشكل علني من إستخفاف بالتقاليد والنُظم البرلمانية وما تمّ توثيقه في الدستور العراقي الدائم عبر مواده الدستورية، حيث أصبحت عملية الإنتخاب السري، عملية علنية وتحت سمع وبصر السادة النواب. وبالتالي إن ماقيل بأن مجلس النواب خرج بنتيجة إيجابية وإنها بحق عملية عراقية بحتة دون ضغوط وتدخلات قد جانبَ الحقيقة من قِبلَ من هيأ وساهم وهو يعلم علم اليقين بأن الفساد وصل وبكل إصرار وترصد إلى أعلى سلطة تشريعية في الدولة العراقية، عندما ينظرون مثلاً للفاكهة وهي تملأ عيونهم يقولون عنها جميلة، ولكنها في الحقيقة فاسدة وفجة وإلا كيف يتم تصوير أوراق الإنتخاب بالهاتف المحمول والتأكد من هذا النائب أو ذاك قد وضع إشارته على الأسم المتفق عليه لكي يدفع له الثمن، ولهذا صرخت النائبة(ماجدة التميمي) من تحالف سائرون، بأن العراق(إنباع). حيث إن الجميع يعرف كيف تمت المساومات وكيف تم الترغيب وتوزيع المناصب حسب نهج المحاصصة، والعودة إلى التوافقات كما سميت بالتفاهمات والمصيبة التفاهمات تمت مع عناصر معروفة بدورها في إفساد الدولة العراقية، هل بالفساد والمفسدين نتجاوز ونعبر أزمات العراق المستعصية ؟ هل بالطاقم القديم الجديد يستطيع العراق الخلاص من محنته؟ لقد إنقلبت الموازين ومال ميزان العدالة نحو الأسوأ والشرير وليس نحو الأفضل والأحسن. بدأت التحركات المريبة تظهر عُقب المصادقة على النتائج من قبل المحكمة الإتحادية، حيث بدأ التفلسف حول الكتلة الأكبر ومحاولة لي أذرع العدالة والدستور في حين إن المادة واضحة في الدستور ولكن فُسّرت حسب أهواء الكتل المتنفذة، في حين الذي حصل على أعلى المقاعد واضح ويمكن من خلال هذه النواة أن تعمل على تكوين الكتلة الأكبر. ولهذا بدأ مارثون لغرض الوصول إلى الكتلة الأكبر، وبما إن الكتلة التي حصلت على أعلى المقاعد لم تستطع حسم الموضوع بسبب التردد والتذبذب وهي التي تمتلك برنامج ومنهج إصلاحي، دفعها حرصها لقبول الآخر والتفاهم، ولكن هذا الآخر إستطاع أن يستفيد من تمزق الكتلة السنية وإنسحاب مجموعة من تحالف نصر، لكي يعقد صفقة مع الكتلة السنية دون الإتفاق على برنامج أو منهج وإنما الحفاظ على العرف السياسي الفاشل وتحديد المناصب السيادية ليس من الإلتزام بالوطنية وإنما الإلتزام بالطائفة والمكون والقومية ولكي يجعل من هذه الإتفاقات جسراً للعبور إلى الكتلة الأكبر والإستيلاء عليها كرد عملي على توجهات المواطنين المطالبين بالتغيير والإصلاح. فكان هذا الإتفاق الذي سحب بدوره المكون الكوردي بأن يتفق وينتخب من أُريد له الفوز مقابل الحصول على منصب النائب الثاني. نعم عملت كتلة البناء والتي تضم الفتح بقيادة (هادي العامري) ، ودولة القانون برئاسة (نوري المالكي)وعصائب الحق ومن ثم سحب كتلة المحور الوطني السني بعد تشظي التحالف السني إليها، التي إعتمدت الأساليب السابقة والفاشلة ولهذا أصبح مرشح البناء هو محمد الحلبوسي وهذا يحدث لأول مرة بين الكتلتين المختلفتين، ومن ثم محاولة ضم الكورد من خلال الحزبين الكبيرين، الإتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني لغرض إنتخاب مرشح البناء،إلى كتلة البناء مقابل إنتخاب النائب الثاني لرئاسة المجلس هذا التغيير في المواقف والتذبذب لايدلُ على وجود حرص على المصلحة الوطنية العراقية وإنما على المصالح الضيقة والحفاظ على نفس النهج السابق، فالخوف من تكشف الحقائق عن عمليات الفساد الكبرى التي نخرت مؤسسات الدولة وعن أبطالها الذين باعوا وأشتروا بالدماء العراقية دون حساب لضمير أو أخلاق أو قيم، آولئك الذين عملوا وبصورة متناغمة بعضهم مع البعض الآخر لنهب خيرات العراق والإستفادة من المناصب والكراسي لغرض خدمة مصالحهم الشخصية مستخدمين كل الطرق غير القانونية وغير الشرعية، حيث لم يلتفتوا لصرخات الشعب وعذابه وإبتلائه بالفاسدين الذين لايملكون ذرة من المواطنة والوطنية. مثل آولئك لايتوانون عن إرتكاب أي فعل جُرمي في سبيل تنمية ثرواتهم، بحيث تكون المناصب معروضة للبيع، وهذا النائب وذاك مستعد لعرض صوته في السوق ، مما أدت إلى إرتكاب المهازل التي حلت بالبرلمان. هل نحن سعداء، هل الشعب سعيد بما شاهد ورأى بعينيه كيف أصبح النائب ضعيف وهزيل أمام مغريات المال بحيث لايستطيع رفع نظره بوجه من إشتراه، ولايستطيع أن يناقش أو يعترض أو يبدي رأيه لأنه مُشترى وليس عنده رادع يردعه. وبما إن هذه الفقرة قد تمت ونعني بها إنتخاب رئاسة المجلس، فكل شيئ يهون أمام إنهيار العدالة. إن إنتخاب رئاسة البرلمان شيدت جسراً لتكملة العبور إلى تبني الفساد شرعياً وفتح الأبواب أمام اللصوص، تحت غطاء التوازن والمحاصصة ما هو السبب؟ السبب إن أحزاب المكونات الطائفية والإثنية والقومية والعشائرية قد إستبعدت كيان الدولة ومؤسساتها وحلت محلها، مؤمنة بتقسيم أشلاء الدولة وأشلاء الشعب بينهم، والتمسك بمحاصصة الطائفة السياسية والذهاب إلى التفاهمات من أجل أن لايفقدوا السلطة التي تمتلك كل شيئ بما فيها السلطة التنفيذية وماكنتها القمعية، وتضعف السلطة التشريعية ويبقى العراق (خَرِبة) ومسرح للموت البطيئ. وهاهم رجال الأعمال جلسوا في أعلى منصب في الدولة، والبقية تأتي والتي تخص منصب رئيس الوزراء ورئاسة الجمهورية، والتي ستكون حسب القواعد الجديدة وهم فرحين لأن الكتلة أي كتلة لم تبق نقية ذات لون واحد وإنما لكي يرضى الشعب، فهي متعددة الألوان وبالتالي يقولون لقد حققنا الوحدة الوطنية العراقية، ولكن ماهذه الألوان، أنها نابعة من نفس المنبع الإنتهازي، الشره للمال، رفيعي الأنا والذات، متجبرين، محروسين بالمليشيات، سهلي الطاعة ومرنين مع الأجنبي الدولي والإقليمي ومستعدين لبيع كل شيئ وممنوع على الجميع النطق بالوطنية العراقية أو بكلمة الديمقراطية، أو المطالبة بالإصلاح أو تقول في العراق يوجد فساد تجاوز فساد العالم !!.وممنوع الإحتجاج.
العراق وشعبه تحت السندان الإيراني والمطرقة الأمريكية : دول العالم والدول المجاورة والإقليمية تبني علاقاتها بصورة عامة على العلاقات الإقتصادية، وبما إن الجميع يعيش في إطار العولمة الإقتصادية وتداخل المصالح بعضها مع البعض الآخر مما يؤدي إلى مسلزمات سياسية وعسكرية لحماية هذه المصالح، وقد يكون التبادل والعلاقات الإقتصادية غير متوازنة، من موقع القوة والهيمنة ، وفي وضع مثل العراق عانى من الحروب والحصار والإحتلال والغزو، قد أصبح تحت سيطرة وأحكام الدول المتنفذة في وضع فقدان البنى الإقتصادية والخدمية والسياسية، لأن الإقتصاد العراقي ريعي وحيد الجانب وبهذا يختلف فيه كل شيئ بما فيه المنظومة السياسية التي فسدت بفعل التدخل الخارجي وشراء الذمم لتتكون طبقة سياسية باعت نفسها دون إن تذرف دمعة واحدة على الوطن الأم الجريح العراق وبذلك عملت المطرقة الأمريكية عملها والسندان الإيراني عمله، محاط بجوقة من إنتهازي الدول العربية ودول الجوار الأخرى تركيا مثلاً. ولهذا فالكتل والطبقة السياسية التي حكمت العراق مدة خمسة عشر عاماً، فقدت إستقلاليتها وفقدت مواطنتها تجاه هذه الدول. ونتيجة ذلك كان التدخل في الآونة الأخيرة قبل وبعد الإنتخابات واضح، وكانت الإملاءات والتوجيهات مستمرة. فالطبقة السياسية مطلوب منها ان تحافظ على مصالح هذه الدول وتلبي ماتريد وإلا فهناك أكثر من داعش وبموديل جديد ينتظر العراق أو إفتعال حرب أهلية. ثم لابدّ من مواجهة صوت الشعب العراقي المُحتج لأنه يزعج الحكام ويزعج الدول أصحاب المصالح. كما إن العقوبات جاهزة في حالة أذا إمتلك العراق إستقلاله وإرادته فلابدّ من فتح الأبواب أمام الجنرلات الأجنبية ليطمئنوا على الأوضاع الأمنية. وما حصل للتظاهرات الإحتجاجية من تفريق بالرصاص الحي وخراطيم المياه الساخنة ومن ثم الخطف والإغتيالات والإعتقالات إلا مظهر من مظاهر الطاعة، لأن الأجنبي تسرب اليه الخوف من هذه الإنتفاضة، وكذلك الفاسدين وهاهو شبح التدخل الأجنبي قد ظهر على المشهد السياسي وتحت قبة البرلمان، فلماذا الإستغراب من تبدل المواقف، وتوزيع الأموال الطائلة وسياسة الحقد والكراهية ما بين الطبقة السياسية الفاسدة. فضلاًعن التخريب المستمر وإشعال النيران في دوائر الدولة ومقرات الأحزاب في البصرة وقطع المياه ألم تكن هذه الأفعال تهدف إلى تجريم المتظاهرين السلميين والبدأ بحملات الإعتقالات؟ إن العلاقات التي تُبنى بين الدول يجب أن تكون سليمة وبدون التدخل في الشؤون الداخلية وهي مطلوبة في العلاقات الدولية عندما تكون معتمدة على الإحترام المتبادل وعلى القانون الدولي. وبالتأكيد العراق والشعب العراقي يريد توطيد الصداقة وحسن الجوار مع الجميع. والملامح الواضحة هو جعل العراق فضلاً عن أزماته وإستعصاء نموه وتقدمه، بان يكون ساحة للصراع والقتل بين إيران وأمريكا وهذا مؤذي للشعب العراقي. كما إن هناك سياسة التخادم بين السياسيين بعضهم مع البعض الآخر وبينهم وبين الدول المرتبطة بها هذه الطبقة وهي إتباع سياسة (أخدمني أخدمك) ولهذا تغيرت المواقف حسب هذه القاعدة، فعندما ينشأ تحالف ما بين كيانات سياسية تراه في اليوم الثاني يتغيّر كما يحصل الآن في تحالف البناء أو تحالف الإصلاح والأعمار أو في التحالفات الأخرى نستنتج من ذلك بأن هناك ضغوط نحو العودة للمربع الأول، مربع المحاصصة والإهتمام بالشخصيات قبل المنهج والبرنامج . وأذا نجا تحالف سائرون من هذه الضغوط ولم يقبل أو يوافق على منهج المحاصصة الطائفية وتوزيع المناصب بناء على هذه القاعدة، هل يتوجه هذا التحالف نحو المعارضة السياسية ويؤسس هذه المعارضة تحت قبة البرلمان أم يستسلم للواقع؟ مع العلم المعارضة تحتاج إلى غطاء لغرض العمل و يحدث الآن نشاط متميز عند الأحزاب الكوردية والتنافس على منصب رئاسة الجمهورية، من قبل الحزبين الكبيرين، كما إن إقتراح السيد مسعود بارزاني حول تأسيس مجلس السياسات وهو مشروع سبق وقدمه الدكتور أياد علاوي ليكون سلطة عليا فوق التشريعية والتنفيذية ربما مقابل التنازل عن المطالبة بمنصب رئاسة الجمهورية.والآن السؤال العراق إلى أين ؟ بعد هذه المعطيات وإستمرار الأزمة العامة في العراق، فهل يذهب العراق بإرادته نحو الإبتعاد عن النهج السابق أم يذهب إلى تعميق الهوة بين الشعب والطبقة السياسية الحاكمة والتي يهمها مصالحها وعلاقاتها تحت ظل الحماية الدولية والإقليمية؟ هل يذهب نحو تعميق المنهج الوطني العراقي أم تعميق سطوة المكونات وحكمها على حساب الوحدة الوطنية والتمسك بالنظام النيابي الديمقراطي الإتحادي (الفدرالي) وبالحريات الديمقراطية ؟ والحرص على بناء الدولة المدنية الديمقراطية ؟ هل يستطيع ؟



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن