المُسَاءَلَةُ المُجْتَمَعِيَّةُ ... رَافِعَةٌ للتَنْمِيَةِ المُجْتَمَعِيَّةَ فِي فِلَسْطِين

مؤيد عفانة
moayadafanah1@gmail.com

2018 / 9 / 24

المُسَاءَلَةُ المُجْتَمَعِيَّةُ ... رَافِعَةٌ للتَنْمِيَةِ المُجْتَمَعِيَّةَ فِي فِلَسْطِين
بقلم: مؤيد عفانة
كاتب وخبير في قضايا المساءلة المجتمعية

تَضَمّنَت أَجِنْدَةُ السياسات الوطنية 2017-2022م، محوراً لإصلاح وتحسين جودة الخدمات العامة، ومن أجل تحقيق ذلك أقرّت الحكومة الفلسطينية الأولوية الوطنية الرابعة تحت عنوان "الحكومة المستجيبة للمواطن"، وفسّرتها بأنها "تعني إقامة المؤسسات العامة التي ترتكز في تشكيلها وتنفيذها للسياسات العامة على المواطنين، وتركّز على تقديم أفضل الخدمات لهم؛ ولتحقيق هذه الغاية سوف نعمل خلال السنوات الست القادمة على تنفيذ إجراءين رئيسين من إجراءات الإصلاح، أولهما: إعادة هيكلة هيئات الحكم المحلي لإتاحة فرصة أكبر للمواطنين؛ للتعبير عن الطريقة والآلية التي تدار بها شؤون حياتهم، وثانيهما: إطلاق مبادرة رئيسة ترمي إلى الارتقاء بنوعية الخدمات التي نقدمها لأبناء شعبنا". ومن أجل ذلك اعتمدت الحكومة السياسة الوطنية السابعة "تعزيز استجابة الهيئات المحلية للمواطن" والسياسة الوطنية الثامنة: الارتقاء بمستوى الخدمات العامة المقدمة للمواطن.
ولا يمكن تحقيق الإصلاح وتحسين جودة الخدمات العامة، والذي يعدّ مدخلا لإحداث التنمية المجتمعية دون تفعيل منظومة "الحَوْكَمَة" التي تقوم على جملة مبادئ ومعايير ومؤشرات، من أهمها: تفعيل مبدأ المساءلة التي تَعنِي التزام القائمين على السلطة بالخضوع للمساءلة وتحمّل المسؤولية عن أفعالهم، ومن أجل الربط التكاملي ما بين توجهات الحكومة المعلنة، وما بين معايير الحَوْكَمَة، ومتطلبات التنمية المجتمعية، توجد ضرورة ملحّة في المجتمع الفلسطيني؛ لتفعيل مفهوم "المساءلة المجتمعية"، والتي تشير إلى مجموعة واسعة من الأعمال والآليات التي يستخدمها المواطنون ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام وغيرها من الأطراف الفاعلة غير الحكومية في مطالبة من يقومون على إدارة الشأن العام والمال العام؛ لتوضيح قرارات تمّ اتخاذها، والاجابة على أسئلة متعلقة بالمشاريع والخدمات أو الفرص التي تم توزيعها أو إدارتها.
والمساءلة المجتمعية تُعَدّ الإطار الحاكم للعقد الاجتماعي ما بين الحكومة والمواطنين، وتوفر مساحة تسمح للمجتمع المدني (مواطنين، ومؤسسات، واعلام) بالمشاركة في عملية التنمية، وتعزز دورهم في إدارة الشأن العام. كما تُعَدّ المساءلة المجتمعية من الأدوات المهمة في خلق واقع متقدم ونوعي للإدارة العامّة الرشيدة؛ مما يسهم في إخضاع كل من يتولى سلطة ومسؤولية، للمساءلة عن أفعالهم وقراراتهم، سيّما المتعلقة بإدارة الموارد العامة، من أجل الإسهام في عملية تنمية المجتمع، وتحقيق المزيد من الرفاه للمجتمع والمواطنين، حيث تعمل منظومة المساءلة المجتمعية على تحسين نُظم إدارة الحكم من خلال إخضاع المسؤولين للمساءلة كعنصر أساس؛ لضمان الحكم الرشيد، وكذلك تحسين كفاءة الخدمات العامة وجودتها، وتحقيق المساواة والعدالة فيها، ومتابعة الانحرافات، والحدّ من فرص الفساد، وضمان مشاركة القاعدة العريضة من المواطنين في وضع السياسات ومتابعتها، وبالتالي إلغاء حالات الإقصاء والتهميش القائمة على النوع الاجتماعي بمفهومه الشامل. وتكمن أهمية المساءلة المجتمعية في محاور عدّة منها: تعزيز الحوكمة، رفع كفاءة عملية التنمية المجتمعية وفاعليتها من خلال الاستخدام الأمثل للموارد وتحسين تقديم الخدمات ورسم السياسات بطريقة تشاركية وكفؤة، تعزيز انخراط المواطنين في الشـأن العام وتمكينهم للمساءلة والرقابة على الأداء الحكومي، والمساهمة في الجهد الرسمي والأهلي في مكافحة الفساد.
وحتى نخرج من دائرة النظرية إلى التطبيق، فإنّ نجاح المساءلة المجتمعية يعتمد على أربعة أركان، لا يمكن الاستغناء او إهمال أيّ منها، فهي مترابطة عضوياً، ودونها تغدو المساءلة المجتمعية عدمية وعبثية، فالركن الأول للمساءلة المجتمعية يتمثل في المشاركة المجتمعية الواسعة التي تميّز المساءلة المجتمعية عن الآليات التقليدية للمساءلة، والمقصود هنا المشاركة الحقيقية لكافة فئات المجتمع وليست "المشاركة الديكورية"، والتي تشمل مشاركة الشباب والنساء وذوي الإعاقة، والفئات المهمشة كافّة، بالإضافة الى وسائل الاعلام والمؤسسات ذات الصلة.
أما الركن الثاني فيتمثل في الشفافية، التي تتمحور حول دعم الاجراءات التي تمكّن المواطنين من الوصول إلى المعلومات في الشأن العام، والتي تشمل: الموازنات والميزانيات، الخطط التنموية الاستراتيجية والمشاريع، القرارات، التقارير.. وغيرها من البيانات المهمة للمواطن، وتكمن أهمية هذا الركن في ظل عدم إقرار قانون الحق في الحصول على المعلومة في فلسطين، رغم الحديث المتكرر عن قرب إقراره من سنوات طوال، وبخاصّة أنّ معادلة المساءلة المجتمعية لن تستطيع التفاعل دون الحصول على المعلومات اللازمة.
اما الاستجابة فهي الركن الثالث، وتعني قدرة ورغبة صناع القرار بتلبية احتياجات وأولويات المواطن التي تمّ طرحها من خلال المساءلة المجتمعية، ودون هذا الركن تبقى المساءلة المجتمعية دُمية شكلية لا روح فيها. وتكتمل أركان المساءلة المجتمعية بركنها الرابع "الرقابة والمتابعة"، وهي عملية جمع منهجي للمعلومات وتحليلها؛ لتحديد أوجه القصور في الأداء أو الخدمات ومدى الاستجابة، قبل وأثناء وبعد عملية المساءلة المجتمعية، وتشمل سلسلة إجراءات تَتّكِئ على منهجية علمية موضوعية، ويلعب الإعلام دورًا حاسمًا في تعزيز المساءلة المجتمعية، وخاصة في مجال الرقابة والمتابعة؛ إذ تشكل وسائل الإعلام المستقلة السلطة الرابعة الرائدة في إعلام المواطنين وتوعيتهم بدورهم في المساءلة المجتمعية، ورصد الأداء الحكومي وكشف الانحرافات، وبخاصة في ظل الثورة المعلوماتية وقدرة الإعلام على التواصل المستمر مع المواطنين وصنّاع القرار على حدّ سواء، والقدرة على اثارة أيّ قضية مجتمعية، بفضل وسائط الإعلامي المجتمعي.
وختاما، إذا كانت المساءلة المجتمعية ضرورة في المجتمعات، في ظل ضعف وقصور آليات الرقابة التقليدية، ومدخل لعملية التنمية المجتمعية، فإنها في فلسطين تكتسب أهمية خاصّة ومضاعفة، وتُعَدّ رافعة للتنمية المجتمعية، وبخاصّة في ظل تراجع منظومة المساءلة الرسمية، وبوصف السلطة التشريعية والتي أناط القانون الأساسي بها مهمة المساءلة والرقابة، معطلة ومغيبة منذ أكثر من عقد من الزمن، ولا يلوح بالأفق أيّ بادرة لإعادة البَعث فيها، فيبقى الأمل معقوداً على منظومة المساءلة المجتمعية؛ لتعزيز الحوكمة والمساهمة في تحقيق التنمية المجتمعية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن