فلاديمير لينين-بداية البونابرتية

عمرو عاشور
amrashour62@yahoo.com

2018 / 9 / 23

بداية البونابرتية
فلاديمير لينين
ترجمة: عمرو عاشور

- الآن، وقد تشكل مجلس وزراء يتألف من كيرنيسكي ونكراسوف وأفكسنتييف، فأخطر ما يمكن أن يفعله الماركسيون هو التحليل الخاطئ للأفعال والمظاهر الزائفة للواقع وعموماً لأي شأن خطير.

لنترك اللهو للمناشفة والاشتراكيين الثوريين الذين بالفعل وصل بهم الأمر إلي حد القيام بدور المهرج أمام البونابرتي كيرنيسكي.

ففي الواقع، إنه لإبتذال ذلك الدور الذي يقوم به تشيرنوف وأفكسنتييف وتسيريتيلي في إتخاذ المواقف والتشدق بالكلمات الطنانة في الوقت الذي يقوم فيه كيرنيسكي بأمر من الكاديت بتشكيل مجلس سري مكون منه ومن نيكراسوف وتيريشينكو وسافينكوف، مع التزام الصمت بخصوص كل من الجمعية التأسيسية وإعلان الثامن من يوليو، زاعماً الحلف المقدس بين الطبقات في خطابه للجماهير، مبرماً في ذات الوقت إتفاقاً بشروط مجهولة للجميع مع كورنيلوف(الذي قدم إنذاراً صارخاً وإستمر في سياسة الإعتقالات بشكل سافر).

في وقت كهذا، سيكون من الإبتذال التام تحدي ميليوكوف من جهة تشيرنوف للمثول أمام المحكمة، أو صراخ أفكسنتييف حول الفشل من وجهة نظر طبقية ضيقة، أو إعطاء اللجنة التنفيذية المركزية للسوفييتات قرارات تسيريتيلي ودان الفارغة المرصوصة بعبارات عديمة المعني، قرارات ترجع للذهن مجلس الدوما الأول لحزب الكاديت خلال أسوء فترة ضعف له في وجه القيصيرية.
مثلما أحط حزب الكاديت عام 1906 من الجمعية الأولي للنواب الشعبيين في روسيا عن طريق تقليصها لحانوت وضيع للكلام في وجه الثورة المضادة(القيصيرية)، فإن الإشتراكيين الثوريين والمناشفة أيضاً قد أحطوا من السوفييتات عن طريق تقليصها لحوانيت وضيعة للكلام في وجه الثورة المضادة (البونابرتية النامية) . ومجلس وزراء كيرينيسكي بدون شك يتخذ الخطوات الأولي تجاه البونابرتية.

نري الإرهاصات التاريخية الرئيسية للبونابرتية في مناورة سلطة الدولة سياسياً (والتي تعتمد علي الزمرة العسكرية وعلي العناصر الأكثر سوءاً من الجيش بوجه خاص لدعمها) بين طبقتين وقوتين متضادتين بالموازنة أو الإخلال بينهم.

وصل الصراع الطبقي بين البرجوازية والبروليتاريا أقصي حدوده، ففي العشرين والواحد والعشرين من إبريل بالإضافة إلي الثالث والرابع والخامس من يوليو كانت البلاد علي قيد شعرة من الحرب الأهلية.

تلك الظروف السوسيو-إقتصادية تشكل الأسس الكلاسيكية للبونابرتية.
واذا بذلك الظرف متحد مع ظروف أخري مشابهة له من صراخ وهذيان البرجوازية في وجه السوفييتات مع عجزهم عن مقاومتها، إلي وقوف السوفييتات، تحت قيادة تسيريتيلي وتشيرنوف وأضرابه، بعد أن احطوا منها، عاجزة عن مقاومة البرجوازية بشكل حاسم.

يعيش ملاك الأراضي والفلاحون أيضاً أجواء الحرب الأهلية، فيطالب الفلاحون بالأرض والحرية. ويمكن كبحهم فقط في حالة وجود حكومة بونابرتية قادرة علي إطلاق اكثر الوعود زيفاً لكل الطبقات مع عدم تنفيذ أياً منها.

أضف لذلك، الوضع الناتج عن الإعتداء الأرعن والنكسات العسكرية، حيث الجمل المنمقة عن إنقاذ الدولة رائجة بشكل خاص(مضمرين النية في إنقاذ برنامج البرجوازية الإمبريالي) وتكون قد حصلت علي الإطار السوسيو-سياسي للبونابرتية.

دعونا لا ننخدع بالعبارات، أو نضلل بفكرة ان كل ما يوجد هو المراحل الأولي فقط من البونابرتية، إنها تلك المراحل الأولي هي من يجب أن نعيها، حتي لا نجد انفسنا في ذلك المأزق السخيف حيث يتحسر البرجوازي الصغير السطحي علي وصولنا المرحلة الثانية بالرغم من مساعدته في إتخاذ الأولي.

سيكون من غباء البرجوازي الصغير الأن الإحتفاء بالأوهام الدستورية. علي سبيل المثال، إعتبار مجلس الوزراء الحالي أكثر يسارية من كل السابقين عليه (إنظر إزفستيا)، أو أن نقد السوفييتات حسن النية يمكن أن يتدارك أخطاء الحكومة، أو إعتبار الإعتقالات التعسفية وقمع الصحف حوادث منفردة ومن المأمول ألا تتكرر ثانية، أو أن زارودني رجل شريف ومحاكمة عادلة في روسيا الجمهورية والديموقراطية شئ ممكن ويجب علي الجميع المثول أمامها. وهكذا دواليك.

فوضوح سذاجة تلك الأوهام الدستورية البرجوازية الصغيرة لا يحتاج إلي تفنيد خاص. والصراع ضد ثورة البرجوازية المضادة يتطلب اليقظة والقدرة علي رؤية الأشياء والتحدث بها كما هي.

ليست البونابرتية في روسيا وليدة الصدفة، ولكنها نتيجة طبيعية لتطور الصراع الطبقي في بلد البرجوازية الصغيرة ذات الرأسمالية المتطورة لحداً ما والبروليتاريا الثورية. المراحل التاريخية مثل العشرين والواحد والعشرين من إبريل، والسادس من مايو، والتاسع والعاشر من يونيه، والثامن عشر والتاسع عشر من يونيه، ومن الثالث للخامس من يوليه، عبارة عن معالم تظهر لنا بوضوح كيف مضت الإستعدادات لظهور البونابرتية. والإعتقاد بأن الوضع الديموقراطي يستبعد ظهور البونابرتية سيكون خطأً كبيراً. فعلي النقيض من ذلك، لا تظهر البونابرتية إلا في ذلك الوضع بالذات (تاريخ فرنسا قد أكد ذلك مرتين) مع إفتراض علاقات معينة بين الطبقات وصراعهم.

علي أية حال، الوعي بحتمية البونابرتية، لا يعني علي الإطلاق نسيان حتمية سقوطها. ويتيعن علينا تجنب تلك المشكلة، فقط إذا قلنا أن الثورة المضادة قد إمتلكت اليد العليا مؤقتاً في روسيا.

لو حللنا أصل البونابرتية وواجهنا الحقيقة بلا خوف، وأخبرنا الطبقة العاملة وكافة الشعب أن بداية البونابرتية حقيقة، عند ذلك يتحتم علينا بدء كفاح حقيقي وعنيد للتخلص من البونابرتية، كفاح يشن علي صعيد سياسي واسع ومرتكز علي مصالح طبقية بعيدة المدي.

تختلف البونابرتية الروسية لعام 1917 عن بدايات البونابرتية الفرنسية لعامي 1799 و1849 في عدة نواحي، منها حقيقة أنه لم يتم إنجاز أياً من مهمات الثورة هنا. والصراع لتسوية المسألة الزراعية والقومية مجرد قوة دفع.

كيرينيسكي ومعسكر الثورة المضادة من الكاديت الذين يستخدمونه كبيدق، لا يستطيعون أن يعقدوا الجمعية التأسيسية أو يأجلوها بدون تعزيز الثورة في الحالتين. والكارثة الناتجة عن إطالة أمد الحرب الإمبريالية تظل تقترب بقوة وسرعة أكبر مما مضي.

نجحت الوحدات المتقدمة من البروليتاريا الروسية في الخروج من أحداث يوليو ويونيه بدون خسارة الكثير من الدماء. ويمتلك الحزب البروليتاري كل فرصة لإختيار تكتيكاته وشكل أو أشكال التنظيم التي ستمنع تحت أي ظرف أي اضطهاد بونابرتي غير متوقع (ظاهرياً غير متوقع) من قطع وجودها ورسالتها للجماهير.

بصوت عالي وواضح، دع الحزب يخبر الجماهير الحقيقة الكاملة، أن البونابرتية في بدايتها، أن الحكومة الجديدة، حكومة كيرينيسكي وأفكسنتييف وأعوانه مجرد غطاء لمعسكر الثورة المضادة من الكاديت والزمرة العسكرية المتحكمة في السلطة الأن. وأن الجماهير لن تحصل علي السلام، والفلاحين لن يحصلوا علي الأرض، والعمال لن يحصلوا علي ثمان ساعات يومياً، والجائع لن يحصل علي خبزه، إلا لو قضي علي الثورة المضادة تماماً. دع الحزب يقول ذلك، وكل خطوة في مسيرة الأحداث ستدعم هذا.

مضت روسيا بسرعة ملحوظة خلال فترة كاملة وضعت فيها غالبية الجماهير ثقتها في البرجوازية الصغيرة (اشتراكيين ثوريين) وأحزاب المناشفة. والأن تبدأ غالبية الجماهير العاملة بدفع ثمن سرعة تصديقهم بشدة.

كل الدلائل توضح أن مسيرة الأحداث تتقدم بخطي سريعة وان البلاد تتقدم لمرحلة جديدة، مرحلة ستضطر فيها غالبية الطبقة العاملة إلي وضع ثقتها في البروليتاريا الثورية. وستأخذ البروليتاريا الثورية السلطة وتبدأ بثورة إشتراكية، وبالرغم من كل الصعوبات والتعرجات الممكنة للتنمية، فسوف تستقطب كل عمال الدول المتقدمة للثورة وستهزم كل من الحرب والرأسمالية.
----------------------------------------------------------------------------------------
ملاحظات:-

1-كيرنسكي ألكسدنر فيودوروفيتش: اشتراكي-ثوري، نائب في دوما الدولة الرابع ابان الحرب العالمية الاولي، اشتراكي شوفيني بعد ثورة شباط-فبراير البرجوازية الديموقراطية(عام1917) كام وزيرا للعدل والحربية والبحرية ثم رئيس الوزراء في الحكومة المؤقتة البرجوازية.

2-افكسنتييف نيقولاي دمترييفيتش: احد زعماء حزب الاشتراكيين الثوريين، عضو اللجنة المركزية بعد الثورة البرجوازية الديموقراطية في شباط-فبراير (عام1917) -رئيس اللجنة التنفيذية لسوفييت نواب الفلاحين لعامة روسيا، وزير في الحكومة المؤقتة بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية، أحد منظمي الفتن المعادية للثورة.

3-ميليكوف بافل نيقولاييفيتش: زعيم حزب الكاديت وايديولوجي البرجوازية الامبريالية الروسية، مؤرخ وكاتب اجتماعي وسياسي، احد مؤسسي حزب الكاديت في تشرين الاول اكتوبر 1905، وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة عام 1917، انتهج سياسة ترمي الي مواصلة الحرب الامبريالية حتي النصر النهائي.

4-حزب الكاديت: الحزب الرئيسي للبرجوازية الليبرالية الملكية في روسيا، انشئ حزب الكاديت في تشرين الأول اكتوبر عام 1905 وقد انضم اليه ممثلو البرجوازية، والملاكون العقاريون، والمثقفون البرجوازيون ولأجل خداع الجماهير الكادحة، اطلق الكاديت علي انفسهم اسما زائفا، اسم (حزب حرية الشعب)، ولكنهم لم يمضوا في الواقع الي ابعد من المطالبة بالملكية الدستورية، في مرحلة الثورة البرجوازية الديموقراطية شباط-فبراير حاول الكاديت أن ينقذوا الملكية.


لينك المقال: https://www.marxists.org/archive/lenin/works/1917/jul/29.htm





https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن