دروع بشرية و رهائن لخدمة شعب الله المحتار

هاله ابوليل
HALAABULAIL@YAHOO.COM

2018 / 9 / 21

كانت ليلة حافلة بالموسيقى والضحك والحلوى اللذيذة والتعليقات السمجة ورغم كل تلك الفوضى , وكل ذلك الشغب
لم يمنع والدتنا أن تعيد قصة قتل والدها في عكا بعد معركة ترشيحا التي قتل بها نحو ثلاثين جنديا انجليزيا على سفوح جبال عكا كما كانت تقول دائما :" ولنترك للسيدة الجليلة أن تروي قصتها ,فنحن نحتاج أن نعيد الذاكرة للأجيال القادمة لكي لا ننسى النكبة و لا ينسى الجيل القادم ما حدث و ليعرف أن استعمار فلسطين هو مثل أي إستعمار عسكري حدث بقوة السلاح
وما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة " هذا هو ديدن الحروب القديمة والحديثة ولن تنفع كل معاهدات السلام لإعادة الأرض المستلبة .
كان هذا صوت الجد الفلسطيني الثائر الذي استشهد في معركة ترشيحا * لذلك حدق الجميع في اللوحة المقابلة والتي ألصقتها الأم على الجدار
متعجبين , فهل كان في فلسطين في ذلك الزمن القديم الآت تصوير وكاميرات !
ردت الأم الجليلة قائلة : و مسارح و دور سينما أيضا
لقد كانت فلسطين مثل باريس في زمنكم هذا
كانت مدينة مليئة بالأضواء و مشعة بالنور مثل جوهرة ثمينة في متحف طبيعي لذا زغللت أعين الغزاة فقدموا لإحتلالها
هذا ما قد يفعله الجمال الطاغي أحيانا فقد يكون سببا في احتلالك وإغتصابك
تقول السيدة الجليلة بعد أن شربت قدحا من الماء الزلال "

اختفى رجال عكا الثوار - المجاهدين في أعالي الجبال تخطيطا منهم للهجوم على معسكرات الجيش الإنجليزي وإلحاق الخسائر بها بسبب ما فرضته عليهم من ضرائب و عقوبات و سرقة الآف الدونمات من أراضيهم و مصادرتها و تقديمها لليهود . كانت ليلة مثل كل الليالي , نسهر حتى الفجر , نصلي ثم ننام ولكن ما حدث في صباح اليوم الثاني كان مختلفا هذه المرة وتحديدا بعد صلاة الفجر بساعة توقفت دوريات للشرطة أمام منازل ترشيحا
وجمعت نساء و أولاد الثوار و أطفالهم و وضعتهم في شاحنات كبيرة , وجعلوا احد سكان ترشيحا ممن يعرف قيادة الشاحنة
لكي يسير بهم في طرق وعرة غير ممهدة لا يعرف السائق الفلسطيني أين يذهب بهم ولم يدر بخلد أحد إن الجيش البريطاني يتبعهم من بعيد لكي يمهد الطريق له
فبدلا من أن تنفجر عبوات الألغام بهم , فسوف تنفجر بأطفال وزوجات الثوار الرابضين في أعالي الجبال .
كانت الشاحنة تسير بهم في الطرقات الملغومة وهم لا يعرفون أي مصير ينتظروه و لكنهم كانوا يرون سيارات الجيش تتبعهم من على مسافة ليست ببعيدة جدا
لكي تكون بمأمن وهكذا ماتت والدتي وأخوتي ,لأن والدي كان من هؤلاء المجاهدين الذين كانوا يتربصون لسيارات الجيش والجند .لم أمت معهم في تلك الليلة المشؤومة لأنه كتب علي فيما يبدو - أن أموت ببغداد بعد سنوات طوال بعد أن يرتوي جسدي من ماء دجلة والفرات كل يوم .
(السيدة الجليلة ماتت في عمان )
بقيت على قيد الحياة , لم أمت فقط لأن صبحية ابنة عمي , أقنعت أمي بتركي بالذهاب معهم إلى عكا , حيث يقيم عمي هناك , فنجوت .
أرأيتم تقادير رب الكون يا أولادي
(هكذا خاطبتنا وبنفس اللحن الحزين في كل مرة ) .
أتعرفون ,كانت تلك المرة الأولى في حياتي التي تسمح لي والدتي بالمبيت خارج البيت !
كنت مصعوقا لدى سماعي القصة لأول مرة وأتذكر إني قلت :"
هل تقصدين إنهم إستخدموا والدتك وإخوتك وإخواتك كرهائن لتفجير الألغام!
فقالت: هذا ما أخبرونا به السكان ,لقد سحبوهم من فراشهم مبكرا و وضعوهم بشاحنات على طرق يعتقدون إنها ملغومة لكي يمهدوا لهم الطرق
كانوا رهائن بسطاء من عامة الشعب , لا يملكون أسلحة وذهبوا الى الموت مجبرين لأن الإنكليزي المستعمر يريد أن يأكل من أكتاف غيره
فهل مر بكم أو سمعتم بمثل تلك الدرجة من الحقارة البشرية
علق سعيد بتألم - كان يبدو متأثرا بالقصة الصادمة
:" فعلا
ليس هناك أحقر من عدو بدون أخلاق!
رد أبي قبل أن يسبقه أحد
هذه حقيقة لا يمكن نكرانها
أن الجيش الإنجليزي من أنذل جيوش العالم قاطبة, لقد ابتدع الإجرام الحربي , وصدره للعالم -خدمة للتاج البريطاني المستعمر .
فلم يحدث قط أن استخدم العدو - النساء والأطفال كدروع بشرية إلا في عهد الإنجليز .
ردت والدتي ولكن هناك من هو أقذر منه في القرن العشرين .
إنه جيش الحرب الصهيوني يا ولدي ,
ففي زماننا عندما كانت تمهد انجلترا لليهود طريقها لإستعمار فلسطين ,كان اليهود يعاقبون الإنجليز على تراخيها في وضع اليد على الأراضي المشاع أو عند قيام أحد ضباطها في استنكار افعال عصاباتهم المسلحة في القتل والتفجير .
لقد علموا الانجليز في ذلك الزمان أن العنف ليس حكرا عليهم , فصارت عصاباتهم المسلحة من الهاجاناة , تحاربهم بنفس السلاح الذي منحوه لهم بطيب خاطر .
هل تذكرون كيف فجر اليهود فندق الملك داوود لكي يقتلوا مبعوث السلام السويدي المسكين في ذلك الزمان !
رد إبي:" الكل يعرف أي عصابات إجرامية تلك التي هاجرت لفلسطين لقتل أهلها العزل و سرقة بلادهم بحجة أرض الميعاد والشعب المختار و ذلك ليس .....
يقول سعيد مصححا :" تقصد الشعب المحتار .

ترد أمي حائرة :"يقولون أن الله اختارهم
فهل يعقل أن يقف الله موقفا متحيزا مع عصابات اجرامية
هل يعقل ذلك !
يرد سعيد بعد أن قاطعته السيدة الجليلة لا شعب مختار ولا يحزنون
فعندما تصبح كلمة حبيبي ,خبيبي
فإذن كلمة محتار – حتما ستصير مختار
يضحك الجميع ,فأكاذيب اليهود مكشوفة ولكنهم يعولون على الزمن لكي ينسى أصحاب الأرض
فلطالما قالت زعيمتهم العجوز الشمطاء – جولدا مائير
يموت الكبار وينسى الصغار
ونسيت العجوز الشمطاء ان ذاكرة الكبار لن تدع الصغار ينسون , فقد ماتوا وهم يورثون هذا الجيل مفاتيح البيوت في فلسطين وحق العودة الذي لا يكفله قانون وضعي
لأنه الحقيقة و الحق الذي سيستعاد رغم انف كل الصهاينة والأوغاد .




ملاحظة لابد منها
الأحداث المسرودة حقيقية وهي من كتاب للمناضل الفلسطيني الصحفي - اكرم زعيتر في توثيقه للنكبة الفلسطينية .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن