رسالة إلى مكسيم غوركي - فلاديمير لينين

سامي حسن موسى
samy.hassen1995@gmail.com

2018 / 9 / 19

فلاديمير لينين
ترجمة/ سامي حسن موسى


عزيزي أليكسي مكسيموفيتش..
لم يكن في استطاعتي الرد على رسالتك مباشرة لأنه (ومهما بدا هذا غريبا من الوهلة الأولى) كان لدينا معركة جدية إلى حد كبير مع بوجدانوف -في هيئة التحرير- حول مقالتك، أو بالأصح بارتباط معين بها. احم احم، إنني لا أتحدث عن هذا الموضع أو ذاك الموضوع الذي خطر على بالك.
لقد حدث الأمر على هذا النحو:
هذا الكتاب "دراسة حول الفلسفة الماركسية"1 جعل الخلافات القديمة حول الأسئلة الفلسفية بين البلاشفة أكثر حدة. إنني لا أعتبر نفسي مؤهلا بما فيه الكفاية للرد على هذه الأسئلة لأندفع إلى الطباعة. ولكنني دائما ما كنت أتابع عن كثب الجدالات داخل حزبنا حول الفلسفة، بداية بصراع بليخانوف ضد ميخائليوفسكي في أواخر الثمانينيات وحتى 1895، ثم صراعه بعدها ضد الكانطيين بداية من 1898 فصاعدا (ومن هنا لم أكن أتابعها فقط، ولكني شاركت فيها إلى حد ما بوصفي عضوا في هيئة تحرير جريدة "زاريا"* منذ 1900)، وفي النهاية صراعه مع النقديين التجريبيين وشركائهم.
وقد كنت أتابع كتابات بوجدانوف الفلسفية منذ كتابه حول علم الطاقة "الرؤية التاريخية للطبيعة" الذي درسته في فترة وجودي بسيبريا. وكان هذا الكتاب مجرد موقف انتقالي بالنسبة لبوجدانوف لوجهات نظر فلسفية أخرى. وأصبحت شخصيا على دراية به في عام 1904 مباشرة بعد أن تبادلنا الهدايا، أنا أعطيته خطواتي2 وهو أعطاني واحدا من أعماله الفلسفية وقتها3، وحينها كتبت إليه مباشرة في فرنسا من جنيف (في ربيع أو بداية صيف 1904) أن كتاباته أقنعتني بقوة أن آراؤه كانت خاطئة وأن آراء بليخانوف كانت صحيحة.
وعندما عملنا معا أنا وبليخانوف، كثيرا ما ناقشنا بوجدانوف. وشرح بليخانوف لي خطأ وجهات نظر بوجدانوف، ولكنه لم يكن يعتقد أن انحرافه خطير للغاية. أنا أتذكر جيدا أنه في صيف 1903 أني وبليخانوف (كممثلين لهيئة تحرير "زاريا") أجرينا محادثة في جنيف مع مندوب محرري ندوة "الخطوط العريضة للأفاق الواقعية للعالم"4 والذي أتفقنا أن نشارك فيه، أنا حول المسألة الزراعية، وبليخانوف حول الفلسفة المناهضة للماخية، وجعل بليخانوف شرطا لتعاونه أن يستطيع الكتابة ضد ماخ، وهو شرط وافق عليه مندوب الندوة بسرور. اعتبر بليخانوف في هذا الوقت أن بوجدانوف حليفه ضد التحريفية، ولكنه كحليف اخطأ في اتباع أوستوالد، وفي اتباع ماخ نفسه بعد ذلك.
وخلال صيف وخريف 1904، توصلنا أنا وبوجدانوف لاتفاق كامل كبلاشفة، وشكلنا كتلة ضمنية تستبعد الفلسفة ضمنيا كحقل محايد. كان هذا خلال الثورة كلها وأمكننا من تنفيذ التكتيكات الديموقراطية الاجتماعية الثورية معا (البلشفية)، والتي كنت مقتنعا بعمق وقتها، أنها التكتيكات الوحيدة الصحيحة.
كانت الفرصة ضئيلة للمشاركة في الفلسفة وقت اشتعال الثورة. كتب بوجدانوف جزء آخر في السجن في بداية عام 1906، "الجزء الثالث من الوحدانية التجريبية" على ما أعتقد، وقدمها لي في صيف 1906 فجلست لدراستها. وبعد قرائتها أصبحت غاضبا جدا، فقد أصبح واضحا لي أكثر فأكثر إن هذا التوجه على مسار خاطئ تماما، ليس على المسار الماركسي. عند ذلك كتبت له "بيانا وديا"، رسالة في الفلسفة أخذت ثلاث دفاتر، أوضحت له فيها أنني ماركسي عادي في الفلسفة، وأن أعماله الرائجة والواضحة والرائعة هي بالضبط التي أقنعتني بأنه كان مخطئا بشكل أساسي، وأن بليخانوف كان على حق. أطلعت بعض أصدقائي على هذه الدفاتر (ومنهم لونشارسكي) وفكرت في نشرهم تحت اسم "ملاحظات ماركسي عادي في الفلسفة" ولكنني لم أقم بذلك أبدا، وإني لآسف الآن إنني لم أفعل. لقد كتبت إلى سانت بطرسبرغ ليحصلوا عليها ويرسلوها لي.5
والآن تظهر لنا "الدراسات في الفلسفة الماركسية". لقد قرأت كل المقالات الواردة بالكتاب ما عدا مقالة سافروف (وسأقرأها الآن)، وكل واحدة منهم جعلتني ساخطا بعنف. لا، لا، هذه ليست ماركسية! إن نقديونا التجريبيون ووحدانيونا التجريبيون ورمزيونا التجريبيون يتخبطون جميعا في مستنقع، لكي يحاولوا إقناع القارئ أن "الاعتقاد" بواقعية العالم الخارجي "تصوف" (بازاروف)، ولكي يخلطوا المادية بالكانطية بأكثر الأساليب خسة (بازاروف وبوجدانوف)، ولكي يبشروا بنوع من اللاأدرية (النقدية التجريبية) ونوع من المثالية (الوحدانية التجريبية)، ولكي يعلموا العمال "الإلحاد الديني" و"عبادة" الإمكانات الإنسانية العليا (لونشارسكي)، ولكي يظهروا تعاليم إنجلز عن الديالكتيك كأنها تصوف (بيرمان)، ولكي يستقوا من البئر النتن لبعض الوضعيين الفرنسيين أو من آخريين، لا أدريين أو ميتافيزيقيين، استحوذ عليهم الشيطان هم ونظريتهم "الرمزية في الإدراك المعرفي" (يوشكيفيتش)! لا، فعلا، هذا كثير جدا. إنني أؤكد لك، نحن الماركسيون لسنا جيدين جدا في الفلسفة، ولكن لماذا يهينوننا بتقديم مثل هذه الأشياء لنا بوصفها فلسفة الماركسية! إنني أفضل أن يتم جرّي وتقطيعي على أن أوافق على العمل في جهاز أو هيئة تبشر بأمور كهذه.
وحينها شعرت برغبة جديدة في ملاحظاتي "ملاحظات ماركسي عادي في الفلسفة"، وبدأت في كتابتهم6. ولكنني أعطيت بالطبع انطباعاتي لبوجدانوف خلال عملية قراءة "الدراسات" بحدة ووضوح.
ولسوف تسألني بالتأكيد، ولكن مع علاقة مقالتي بكل هذا الذي سبق؟ إن علاقتها هو هذا:
فإنه في هذا التوقيت، حيث الاختلافات في الرؤى بين البلاشفة تهدد لتصبح خطيرة بوجه خاص، بدأت أنت بكل وضوح بعرض آراء اتجاه واحد في مقالتك لجريدة البروليتاري. أنا لا أعرف بالطبع ما الذي تنوي صنعه منه بأخذه ككل. وبجانب ذلك أنا أعتقد أن الفنان يمكنه أن يستخلص الكثير المفيد من كل أنواع الفلسفة. وفي النهاية أعتقد أيضا أنه في المسائل التي تخص فن الكتابة أنت أفضل قاض، وأنه من استخلاص وجهات نظر كهذه من خبرتك الفنية ومن الفلسفة (حتى من الفلسفة المثالية) يمكنك التوصل لاستنتاجات ستعود بالنفع الهائل على حزب العمال. كل هذا صحيح، ومع ذلك يجب أن تبقى "البروليتاري" محايدة تماما حيال جميع اختلافاتنا الفلسفية، وألا نعطي القارئ أدنى سبب لربط البلاشفة، كاتجاه، كخط تكتيكي للجناح الثوري للديموقراطيين الاجتماعيين الروس، بالنقدية التجريبية أو الوحدانية التجريبية.
وعندما انتهيت من قراءة وإعادة قراءة مقالتك، أخبرت بوجدانوف أنني ضد نشرها، فأخذ يربدّ مثل سحابة مرعدة. خطر الانقسام كان منتشرا في الهواء، وبالأمس عقدنا اجتماع خاص لثلاثي هيئة التحرير لمناقشة هذه المسألة. وقد أنقذتنا حيلة حمقاء على غير المتوقع من جانب جريدة "نوي تزايت"*. حيث نشر مترجم غير معروف في عددها العشرين مقالة بوجدانوف حول ماخ، وفي المقدمة سارع بالقول بدون تفكير أن الاختلافات بين بليخانوف وبوجدانوف لديها نزعة في الحزب الاجتماعي الديموقراطي الروسي لتصبح تعارض حزبي بين البلاشفة والمناشفة ككل. هذا المغفل الذي كتب المقدمة، سواء كان رجلا أم امرأة، نجح في توحيدنا. لقد اتفقنا فورا على أن إعلان حياد جريدة "البروليتاري" أصبح أمرا أساسيا في العدد القادم. كان هذا متماشيا تماما مع وجهة نظري بعد ظهور الدراسات. وقد تم إقرار البيان بالإجماع، وسيظهر غدا في العدد رقم 21 من البروليتاري والذي سيتم إرساله إليك.
أما فيما يتعلق بمقالتك فقد تقرر تأجيل المسألة، مع إرسال رسالة من كل عضو بهيئة تحرير البروليتاري لشرح الموقف لك، وسوف نسارع برحلتي أنا وبوجدانوف إليك. وهكذا سوف تتلقي رسالة من بوجدانوف ومن المحرر الثالث7 بخصوص هذا الموضوع.
وأنا أعتبر أنه من الضروري أن أعطيك رأيي بصراحة تامة، إنني اعتبر الآن أن نوع ما من العراك بين البلاشفة حول سؤال الفلسفة أصبح أمرا لا مفر منه بشكل كبير، ومع ذلك سيكون من الغباء الانقسام لذلك السبب. لقد شكلنا جبهة من أجل تأمين اتخاذ تكتيكات محددة في حزب العمال. وقد تابعنا هذه التكتيكات حتى الآن بدون أي اعتراضات (كان الخلاف الوحيد حول مقاطعة مجلس الدوما الثالث، ولكن أولا هذا الخلاف لم يكن حادا جدا بيننا لكي يؤدي ولو لمجرد التلميح بالانقسام، وثانيا لم يطابق هذا الخلاف الخلافات بين الماديين والماخيين، فبالنسبة للماخي بازاروف مثلا، كان معي في معارضة المقاطعة وكتب مقال مطول حول هذا في البروليتاري).
وفي رأيي أيضا، إن إعاقة تطبيق التكتيكات الاجتماعية الديموقراطية الثورية في حزب العمال من أجل الخلافات حول مسألة المادية أو الماخية ستكون حماقة لا تغتفر. يجب أن نتعارك على الفلسفة بطريقة لا تتأثر بها البروليتاري ولا البلاشفة كفصيل من الحزب، وهذا ممكن جدا.
ويجب عليك، في اعتقادي، المساعدة في ذلك، ويمكنك ذلك بالمشاركة في البروليتاري حول الأسئلة المحايدة (التي ليس لها علاقة بالفلسفة) كالنقد الأدبي والدعاية والدراسات الأدبية وهكذا.. أما بالنسبة لمقالتك، فإذا كنت ترغب في منع الانقسام ومركزة المعركة الجديدة في مكانها المناسب، فسوف يلزمك إعادة كتابتها، وكل ما يدعم فلسفة بوجدانوف فيها ينبغي أن ينقل إلى مكان آخر، وأنت والحمد لله لديك أماكن أخرى غير البروليتاري لفعل ذلك، وكل ما ليس له علاقة بفلسفة بوجدانوف (والجزء الأكبر من مقالك غير مرتبط به) يمكنك أن تضعه في سلسلة من المقالات تنشر في البروليتاري. وأي موقف آخر من جانبك، كرفض إعادة كتابة المقال، أو رفض التعاون مع البروليتاري، سيوجه حتما في رأيي إلى مفاقمة الصراع بين البلاشفة ويجعل من الصعب مركزة المعركة الجديدة في مكانها المناسب، ويضعف القضية المحورية بشكل أساسي عمليا وسياسيا، للديموقراطية الاجتماعية الثورية في روسيا.
هذا رأيي، لقد أخبرتك بكل أفكاري وأنا أتطلع الآن إلى ردك.
كنا نعتزم الذهاب إليك اليوم، ولكننا وجدنا أنه يجب علينا تأجيل زيارتنا لمدة لا تقل عن أسبوع، ربما تمتد لأسبوعين أو ثلاثة.
مع أطيب تحياتي...
المخلص
فلاديمير لينين
____________________________________________________
1 يشير إلى مجموعة المقالات لكل من: بازاروف وبيرمان ولونشارسكي ويوشكيفيتش وبوجدانوف وجيلفوند وسافروف.
2 يقصد كتابه "خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الخلف" والذي أصدر في جنيف، مايو 1904.
3 يشير هنا إلى كتاب بوجدانوف "الواحدية التجريبية"، أصدر في موسكو، 1904.
4 لم تظهر مقالتي لينين وبليخانوف في هذا الكتاب.
5 لم يتم العثور أبدا على هذه الملاحظات.
6 في هذا الوقت، بدأ لينين في كتابه "المادية والمذهب النقدي التجريبي".
7 المحرر الثالث هو دوبروفينسكي.
---------------------------------------------------------------------------------------
*"زاريا"، بالروسية، وتعني "الفجر".
*"نوي تزايت"، بالألمانية، وتعني "العصر الجديد".
الترجمة من الأعمال الكاملة لفلاديمير لينين، الجزء الثالث عشر، رقم الصفحة 448، ترجمه إلى الإنجليزية برنارد إسحاق.
لينك الرسالة:
https://www.marxists.org/archive/lenin/works/1908/feb/25.htm




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن