البصرة المنكوبة من يتحمل مسؤولية موتها البطيئ ؟!

صبحي مبارك مال الله
subhimubarak@yahoo.com

2018 / 9 / 13

محافظة البصرة ليست مدينة إعتيادية، وإنما هي مدينة تتميز بكثير من الخصائص ومنها الثروات الهائلة التي تمتلكها سواء في باطن الأرض أو على سطحها، حيث تمتلك الجزء الأكبر من الإحتياطي النفطي العراقي 60%، و65% من إنتاج العراق من النفط الخام ويصل مجموع الحقول النفطية فيها إلى 15 حقلاً نفطيَّاً، 10 منها منتجة أما الخمسة الأخرى لازالت تنتظر الإستثمار والتطوير وتساهم البصرة بنسبة كبيرة من إنتاجها في تغذية موازنات الدولة، وتشير الدراسات إلى تدني كلفة الإنتاج فهي الأقل تكلفة على النطاق العالمي، كما إنها تمتلك ثروات أخرى غير النفط والغاز سواء معدنية أو زراعية وحيوانية، وللبصرة موقع ستراتيجي في المنطقة ولديها المنفذ الوحيد في العراق على البحر، كما تعتبر مركز تجاري كبير للبضائع القادمة من دول العالم عبر البحار ولتصدير النفط. ولكل هذه المميزات تعتبر البصرة مدينة غنية ويفترض أن يكون سكانها من أسعد الناس، متوفرة لديهم كل الخدمات الملائمة للعيش الآدمي، ولكن التقارير تشير إلى غير ذلك منذ زمن بعيد، حيث الواقع المرير الذي يعيشه أبناء البصرة من إنعدام الخدمات والبطالة وتدهور الأوضاع الصحية والبيئية وتفشي الفساد، وإزدياد الفقر وتدهور الوضع الزراعي وتحّمل ويلات الحروب في العهد الدكتاتوري، هذا ما كان في السابق ولكن حالياً تعتبر البصرة من نتاج أزمة عامة تعيشها البلاد، حيث تحملت الجزء الأكبر من هذه الأزمة المتعددة الجوانب ورغم الإحتجاجات والمطالب المشروعة والتحذيرات من المواطنين إلا إن ذلك لم يدفع الحكومتين المحلية والإتحادية لإتخاذ الإجراءات في إتجاه الحلول، ولكن بعد تفاقم المشاكل والأزمات بعد شحة المياه وإرتفاع الملوحة في مياه شط العرب وكذلك إرتفاع التلوث الجرثومي في الأنابيب الناقلة للمياه القديمة الذي تسبب في دخول الآلاف من المواطنين إلى المشافي فضلاً عن نقص وتدهور الخدمات إنتفضت جماهير البصرة للإحتجاج. رئيس منظمة الطبيعة في العراق عزّام علّوش صرّح بأن هذا البلد تحول من أزمة الفياضانات إلى أزمة نقصان المياه التي تهدد نهري دجلة والفرات بسبب السدود التركية وأسباب أخرى منها عملية الإرواء الزراعي التي تستهلك المياه بكميات كبيرة وإن لم توضع الحلول فأن الزراعة في العراق ستنتهي . كما يذكر وزير الموارد المائية في مؤتمر صحفي عُقد في بغداد في 07/حزيران –يونيو /2018 بأن إيرادات العراق المائية حتى نهاية العام الحالي تصل إلى 30 مليار متر مكعب وهي الأقل بحسب قول الوزير منذُ عام 1931 م. كما حذرت نقابة المهندسين الزراعيين في محافظة البصرة من مخاطر تزايد الملوحة التي تسببت بفقدان المحافظة 87% من أراضيها الزراعية وإرتفاع نسبة الملوحة غير المسبوقة، وشح المياه. الملوحة قتلت الأسماك والمواشي وتسببت في إختفاء العشرات من الطيور وجفاف مساحات زراعية واسعة، محطات التصفية والتعقيم متآكلة وغير مؤهلة للتعامل مع الملوحة. تعتمد محافظة البصرة على مياه شط العرب لتغذية مشاريع الإسالة إلا إن نسبة الإملاح الموجودة في المياه تجاوزت الحد الذي تسمح به منظمة الصحة العالمية. وتلافياً لإرتفاع نسبة الملوحة في شط العرب تم تنفيذ مشروع منذ ستينات القرن الماضي، بمد إنبوب من منطقة البدعة في محافظة ذي قار إلى البصرة بطول 200 كلم لكي يصل الماء إلى البصرة وبإنتظام، ولكن هذا الإنبوب تعرض إلى تكسير من عدة أجزاء منه من قبل الأهالي في ظل الفوضى لغرض سحب الماء ولم تبادر الحكومة المحلية بإصلاح هذا الانبوب ومنذ فترة طويلة .
لم تكن بقية المحافظات بأحسن حالاً من البصرة، ولكن الأزمات التي عاشتها البصرة تفجرت بعد نضال طويل من قبل المواطنين في الإحتجاجات وعرض المطالب،منذ ُ 2005 م بعد الإستفتاء على الدستور والدورة البرلمانية الأولى،وبعد ان تحكم الفساد وتثبيت سياسة المحاصصة الطائفية والسياسية من قبل الكتل السياسية المتصارعة حول المناصب والمكاسب والأموال. لقد بدأ الحراك الشعبي منذُ عام 2011 حيث إشترك في هذا الحراك القوى المدنية وعلى نطاق واسع للمطالبة بإلغاء المحاصصة الطائفية والإثنية وتوفير الخدمات من الماء والكهرباء ومعالجة البُنى التحتية ومكافحة الفساد. وإستمر هذا الحراك في جميع المحافظات حيث أشرَّ إلى التحديات التي تواجه الشعب وضعف إدارة الدولة مما دفع المواطنين للمشاركة في التظاهرات السلمية، والإحتجاجات وكتابة المذكرات وإصدار البيانات بالرغم من إشتداد المعارضة لسياسة الحكومة ولكن لم تتخذ إجراءات لوضع الحلول وكانت نقطة التحول المفاجئ هي إحتلال محافظة الموصل وعدد من المحافظات الأخرى على يد داعش المجرم وهذه كانت ضربة قوية للقيادات الحزبية العراقية الحاكمة والمتنفذة والتي أثبتت فشلها وسوء إدارة الدولة، وبعد مرور ثلاث سنوات تحررت الموصل وبقية المحافظات التي كانت تعيش تداعيات متنوعة وخطيرة. ومنذ خمسة عشر سنة، لم يجد المواطن ما كان ينتظره ويحلم به بعد سقوط النظام الدكتاتوري، فالفساد تفشى في كل مكان ونهب المال العام والرشا والإختلاسات والتجاوز على أحكام الدستور وتخلف العراق على كافة المستويات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية وإنتشار الأمراض وإنعدام المشاريع التنموية أو إعادة البناء ونهب المنح الدولية بقصد إعادة الأعمار . وبدلاً من معالجة الأزمات أصبح التوجه نحو تعميق الخلافات تحت تأثير التدخل الإقليمي والدولي وفقدان الإرادة الوطنية والهوية الوطنية المستقلة والولاء الوطني. وبدلاً من ترسيخ المؤسسات الدستورية وحكم الدولة، ذهبت الكتل السياسية نحوالتمسك بمليشاتها. وبدلاً من التجاوب مع الجماهير المحتجة ووضع الحلول السريعة، من قبل الحكومتين المحلية والإتحادية، سارعتا إلى مواجهة التظاهرات الأخيرة بالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع وإعتقال النشطاء من المدنيين ثم تحركت المليشيات التابعة للأحزاب نحو ضرب وخطف وإعتقال وإغتيال المتظاهرين فأخذت حصيلة العنف المفرط تزداد من الشهداء والمصابين، ثم صار التوجه نحو تشويه صورة التظاهرات السلمية بقيام بعض المندسين المدفوعين من قبل أوساط خائفة من الهبّة الجماهيرية، بحرق دوائر الدولة ومقرات الأحزاب والإعتداء على المال العام، لغرض حرف التظاهرات عن وجهتها الإحتجاجية السلمية . ولغرض فهم ما يبيت لجماهير البصرة المنتفضة، فالمشهد السياسي في البصرة يمور بالصراعات السياسية بين الكتل السياسية والإحتراب العشائري الذي تصاعد في الآونة الأخيرة، كما أخذت المليشيات التي عدّت العُدة لغرض القيام بإعتداءات تحت أجواء التهديد والتدخل الإيراني السافر في شؤون العراق والبصرة بشكل مركز، ومحاولة إعداد المسرح لأجل إصطدامات مسلحة بين المليشيات وبالتالي إفتعال حرب أهلية. في الوقت الذي كان الشعب ينتظر تنفيذ التوقيتات الدستورية من قبل مجلس النواب المُنتخب والخاصة بإنتخاب رئيس المجلس ونائبيه ورئيس الجمهورية وتحديد الكتلة الكبرى وتكليف رئيس الوزراء الجديد من قبل رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة، نجد الكتل السياسية لازالت متمسكة بالمنهج السياسي السابق والفاشل والذي يتبع المحاصصة الطائفية والسياسية. ولهذا نجد إن الجلسة الأولى تعثرت ولم تحقق مايريده الشعب في الإسراع بإنجاز المهمات الدستورية وبقيت شبه مفتوحة ولكن التطورات الخطيرة الأخيرة التي حصلت في البصرة دعى تحالف سائرون لعقد جلسة إستثنائية تخص البصرة وبالفعل عُقدت الجلسة في الثالث من سبتمبر-أيلول وبحضور رئيس الوزراء وبعض الوزراء وبعد مناقشات ومداخلات، لم تخرج الجلسة بنتائج حاسمة لحل مشاكل وأزمات البصرة المتفاقمة بسبب الإحتقان السياسي بين الكتل، وكانت الجلسة عبارة عن تراشق للتهم والتنصل عن المسؤولية إزاء أحداث البصرة، الصراع السياسي إنعكس على الجلسة بشكل واضح كما إن الجميع يحاولون إلقاء المسؤولية على خصومهم فلم تكن أجواء الجلسة مهنية. ولكن الذي خفف الأمر هو وعي قيادات تنسيقيات التظاهرات التي إنتبهت إلى ما يحاك في الخفاء ضد أمن وإستقرار البصرة ومحاولة تحويلها إلى حمام دم، ودعت إلى توقف التظاهرات والإنسحاب من الشوارع إلى وقت آخر بعد التأكيد على كفالة الدستور الدائم للتظاهرات السلمية، كما بادر شباب التظاهرات بالقيام بتنظيف الشوارع وتقديم الزهور للجيش العراقي والتعاون معه و الذي أكد على عدم التعامل مع التظاهرات بالقوة والعنف لأن المتظاهرين هم أبناء الشعب والجيش، بل واجب الجيش حمايتهم. كما كانت الإجراءات السريعة التي إتخذها مجلس الوزراء بإحالة قائد عمليات البصرة الفريق الركن جميل الشمري وضباط ومراتب الشرطة التي تسببت في إستشهاد وإصابة المئات من المواطنين، إلى التحقيق والبدأ بتقديم المساعدات السريعة إلى البصرة. ولكن ذلك لايكفي، وإنما ضرورة وضع سقوف زمنية وعلى الحكومة القادمة أن تعمل على إدارة المشاريع، وإنجاز توفير محطات تحلية المياه وإصلاح شبكات نقل وتوزيع المياه، وحل أزمة الكهرباء وهذا يشمل بقية المحافظات. كما يتطلب وضع حد للمليشيات وتسليم السلاح للدول وإنهاء الصراعات السياسية المسلحة التي ستنعكس على أمن المواطن. لابد إن تفهم الكتل المتنفذة الدرس جيداً، وإن الأسلوب السابق لايفيد ولابدّ للتغيير والإصلاح إن يجد طريقه نحو التنفيذ، لأن الشعب لن يسكت كما على جميع القوى السياسية تحّمل المسؤولية والإسراع بتشكيل الحكومة وحل إشكاليات تفسير معنى الكتلة الكبرى وقطع دابر تنقل النواب بين كتلة وأخرى مع اختلاف المنهج حيث تعتبر خدعة للمواطن الناخب.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن