النخب الوطنية والقوانين التاريخية؟!

خلف الناصر
kh_anaseeratamyme@yahoo.com

2018 / 8 / 24

كثيراً من قوانين التاريخ لم نلتفت إليها جيداً، ولهذا بقينا نراوح في أمكنة قريبة من نفايات التاريخ ومساحاته الفارغة، وليس في صلب التاريخ نفسه، كقوة حية فيه أو كقوى تاريخية فاعلة داخله!
وأول قانون : من قوانين التاريخ التي تتكرر أمام أبصارنا دائماً دون أن نلتفت إليها.. يقول:
إن أي تغير نوعي أو نهضة شاملة في الحياة الأمم والشعوب والمجتمعات الإنسانية، لا يمكن أن تقوم إلا إذا كانت هناك [نـــخـــبـــة] على مستوى ذلك الحدث التاريخي الكبير، سواء كان ذلك الحدث دينياً أو دنيوياً، فكرياً أو حضارياً سياسياً كان أو اجتماعيا...الخ
فالأنبياء والمصلحون والقادة التاريخيون، لم يقوموا لوحدهم بتلك الأعمال التاريخية الجبارة وتلك النهضات الإنسانية النوعية، التي أعادت بناء واقع حياة الإنسانية ككل، بل كانت دائماً معهم (نــــخـــب) آمنت بما آمنوا به والتزمت بما خططوا له.. فاستطاعوا متضامنين ومتكاتفين ومتوحدين، من فرض شروطهم على واقع الحياة وتغير نوعيتها .
والنخبة أو النخب دورها معروف في التاريخ، وقد ذكرت حتى في القرآن الكريم: "محمد والذين معه..." .. "عيسى والحواريون..." وذكرت مع المصلحين الكبار كبوذا وزارادشت وكونفوشيوس وغيرهم.. ومع الثوار العظام كلينين وغاندي وجمال عبد الناصر وماوتسي تونغ وكاسترو وسلفا دي لولا وهوغو شافيز وغير هئولاء كثيرون!!
والثاني : من قوانين التاريخ التي لم نلتفت إليها أيضاً:
أن (الـــنـــخــبـــــة) ليست توصيفاً وليست مزاجاً وليست ادعاءاً يمكن أن يدعيه أي شخص، فيصبح واحداً من أعضائها.. إنما هي حالة إنسانية نوعية متطورة ومتجاوزة للواقع الذي تعيش فيه، أثبتت صفتها النخبوية في الواقع نفسه من خلال التأثير فيه، والتغير النوعي لهياكله المادية والأدبية والفكرية، سواءً في الوصول إلى [الحالة المثالية المطلوبة] لذلك المجتمع، أو في الحالة التمهيدية وصولاً إليها .
وطبعاً لا يمكن الوصول إلى هذه [الحالة المثالية] إلا إذا تحول الشخص أو الأشخاص إلى تجسيد مادي حي (لفكرتهم المثالية) وتطهروا فكرياً وروحياً وضميرياً وعقلياً وفي السلوك والتصرف ، وحتى في علاقاتهم العائلية والاجتماعية من أدران الواقع المفروض عليهم.
والثالث : من قوانين التاريخ التي لم نلتفت إليها بوعي كاف هي:
أن الواقع مهما كان ثقيلاً وقوياً وراسخاً يلد معه وفي احشائه ـ حسب قوانين الجدل الاجتماعي والتاريخي ـ نقيضه الذي يؤدي إلى دماره التام في النهاية.. وهذا يعني:
أن لا واقع مفروض في مجتمع معين، ومهما كان قوياً وراسخاً لا يمكن التأثير فيه أو تثويره استعداداً لتغيره.. بشرط:
توفر [النخبة التاريخية] بالمواصفات التاريخية التي سيفرزها ذلك الواقع المفروض وتولد من رحمه حتماً، كنقيض أو معادل موضوعي لوجود ذلك الواقع نفسه، ويحمل له معه جرثومه فنائه الحتمي!!
***
والواقع الموضوعي هو الذي يفرز (الـــنــــخــــبــــة) وليست النخبة هي التي تفرز ذلك الواقع الموضوعي، كما أن النخبة أو النخب ليست مواصفات شخصيه او دراسات أكاديمية، إنما هي اشتراطات موضوعيه تتوفر في بعض الأشخاص، كتوفر الملكات الطبيعية والمواهب الفنية في اشخاص من المجتمع، وتقوم التجربة والدراسة بتنميتها وصقلها وتهذيبها لاحقاً لتناسب واقعاً معيناً أفرزها، لتؤدي دور التغير التاريخ فيه!
ليس المقصود بــ [الـــنــــخــــبــــة] (هنا) النخبة السياسية وحدها ـ كما قد يتصور البعض ـ ، إنما هي (نــخــب) عديدة وكثيرة تتوزع على جميع مفاصل الحياه، وتمثل جميع اختصاصاتها اليومية وفروعها الإنسانية.. فبالإضافة إلى النخب السياسية، التي دائماً ما يطلق وصف النخبة عليها، هناك أيضاً نخب اقتصاديه ونخب علميه وأخرى ثقافيه ودينيه وأدبيه وفكريه...............الخ
فإذا كانت هذه النخب تاريخيه، فإنها ستعمل موضوعياً متساوقة ومتماهية مع بعضها ـ أي بدون وعي منها ـ كي تستطيع أن بمجموعها أن تؤدي الدور التاريخي ـ نكرر الموضوعي ـ المناط بها.. لأنها بهذه الصفة وحدها، يمكنها أن تحدث تغيراً شاملاً ونوعياً في حياه وواقع إنساني معين، وبدون هذا الشمول النخبوي الجمعي سيكون التغير ناقصاً، ومحصوراً في جيوب أو أجزاء من حياه ذلك المجتمع، وليس في واقع حياته ككل!

ومثل هذه النتائج البائسة التي قد تتمخض عنها تجارب بعض من يطلقون عليهم اسم النخب، ستكون تشويها لذلك المجتمع وليس تغيراً تاريخياً أو نهضه شامله له، كما أثبتت تجارب دول ومجتمعات العالم الثالث برمته تقريباً، وفي طليعتهم العرب والمسلمون ونخبهم البائسة، التي أوصلت شعوبها إلى حاله الدمار الكامل والعجز الشامل، والخروج من التاريخ!

فمثل هئولاء ليسوا نــــــخــــبـــــاً.. إنما هم "أسلحه دمار شامل" دمرت مجتمعاتها وشعوبها وحضاراتها العريقة!!
kh_anaseeratamyme@yahoo.com



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن