أحاديثي مع الشيطان صديقي .. !! (5)

محمود الزهيري

2018 / 8 / 14

بعد أن تصنعت أن الإتصال التليفوني الذي قطعي حديثي مع الشيطان , إتصال هام , وهو ليس كذلك , لأنني استشعرت ان حديثه عن حلا شيحه وحجابها أو نقابها ذا أهمية , وتركته للقاء أهم من اللقاء مع , فإذا بالشيطان , وأن جالس بنفس المكان اليوم , في وقت مابعد العصر وماقبل الغروب , حيث درجة الحرارة بدأت في الإنخفاض في ذلك الشهر اللعين الذي أكرهه , وتمنيت أن يكون مشطوباً من السنة , وتمنيت أن تكون 11 شهر فقط ويخصم منها شهر أغسطس اللعين بحرارته التي تصل بي لحد الإختناق , وتحرك أمنياتي التي ترافقني كلما حلت لعنة أغسطس , بأن أكون من مواليد محافظة الإسكندرية أو بعض الأماكن التي تطل علي البحر , أو من مواليد إحدي الجزر التي تحيط بها المياه من جميع الإتجاهات , ولو كانت الأحوال المالية تمكنني من الهجرة الدائمة لفعلت , ولكنها أزمة مؤسسة الأسرة , ومنتجات الأسرة من الأولاد , فهي التي تعيق الإنسان عن نوال حرياته في الحل أو الترحال أو السفر والهجرة , فالأسرة أو ل قيد أو أسر أو سجن دائم تجعل الحياة روتينية مملة مع وجود أولاد , وحينما يوجد الأولاد تبدأ مؤسسة الأسرة تضع شروطها التي تتحول لقوانين واجبة الإتباع , وحتي إذا حدث الطلاق أو الخلع , فإن شروط هذه المؤسسة تزداد تعقيداً , وتصير قوانينها أشد وأشد , وتتحول الحياة إلي مايشبه إستكمال رحلتها بعقدة ذنب مؤسسة الأسرة ..
ولا أدري ما الذي جعل الحديث يستدرجني إلي هذه المسائل المعقدة كشهر أغسطس !؟
وما حدث أثناء جلوسي بين الحقول والمزارع وسماع اصوات زقزقة العصافير وهي عائدة إلي أعشاشها بعد عمل نهاري دائم , وبين سماع أصوات حشرات الحقول المتخالطة وبدء حركات أغصان الأشجار في حركتها وحفيف فروعها وأوراقها بالفروع الأخري وأوراقها , ومع تزايد حركة الهواء في تتابعها لتشبه النسيم , إذا بالشيطان تتراءي لي صورته من مسافة ليست ببعيدة , وودت لأول مرة أن لا ألقاه حتي لايفسد علي متعة الإختلاء بالنفس والروح في هذه اللحظات الإنسانية التي تتكرر قليلاً , فحال حضوره فإنه يتسفز عقلي ويستنفر التفكير ويجعلني في حالة حشد للأفكار لتترجم علي لساني في صورة أسئلة أو إجابات ..
ولكن ليس من الشيطان من مهرب , فقد صار هو والحياة قرناء , ولايمكن الهرب منه والإنفصال عنه أو تركه وحيداً بمعزل عن حياتنا , لأن الكفر بوجوده صار كالكفر بالأديان وبالإيمان , فهو المكمل للمنظومة الإيمانية / العقائدية , وصار الإيمان بعدم وجوده يؤدي إلي إنهيار المنظومة الإيمانية بالكامل , وصارت الحياة وجميع التصورات الدينية والإيمانية بمثابة هباء منثور علي عتبات الكفر بالدين والإيمان , فالله في الأديان الإبراهيمة الثلاث جعل الشيطان من أصول وأساسيات المعتقدات الدينية , وصار وجوده مواجهاً لوجود الاله / الرب في الأديان , فلو محيت فكرة الشيطان لمحيت فكرة الله / الرب , ولمحيت فكرة الجنة والنار , والثواب والعقاب , ولم يكن هناك موسي ولن يوجد عيسي / يسوع المخلص , ولن يكون محمد موجود , ولن تكون هناك سنن ونواميس , وأعمال وأقوال للانبياء والرسل , وتصير الحياة شانها شان الكثير من الدول التي لاتؤمن بالأديان والإيمان السماوي , كالصينين والهنود واليابانيين , وغيرهم من الكثير من الدول الوثنية , بجانب بعض الأماكن في أوروبا خاصة في الشمال الأوروبي , وأبرزها الشمال الألماني والذي ينتشر فيه الإلحاد وتزداد فيه أعداد الملحدين ..
وما علينا من هذا فإن هذا الحديث سيطول , ولنعد إلي هذا الشيطان الذي صار يتتبعني ويتعرف علي أماكن تواجدي , ويسعي للحوار معي , ويدعي أنه صديقي , مع أنني أعلم بأن الكثير من المسيحيين والمسلمين بكافة طوائفهم وفرقهم ومذاهبهم , سيتخذون مني موقفاً بسبب مصادقة الشيطان لي , وسيتهموني في الدين بصفة عامة وفي أديانهم ومعتقداتهم بصفة خاصة .
وأهل علي الشيطان قائلاً لي هذه المرة :
مساء الخير , أفضل مكان اخترته علي ما أظن , ولاحظ ياصديقي أنني لم أقل علي ما أعتقد , لأنني أعلم أنك لاتكرر هذه الكلمة ولاتهوي إستخدامها في كلامك , لأنك تري أن الإعتقاد هو أن تكون الحقيقة كاملة لديك وتلمسها بكافة حواسك وتشاهدها رأي العين , ومع ذلك رددت عليه التحية قائلاً له :
مساء زقزقة العصافير علي أغصانها وقت الغروب , وأنت أتيت وقت الغروب , وإياك أن تقول أن سيرك علي هذا الطريق كان محض مصادفة أو أن هذا الأمر قد جاء إعتباطياً بلا سابق إرادة منك !؟
أجاب الشيطان بهدوء كعهد حديثه معي , قائلاً :
وهل أنا قلت بذلك , أو أنا ادعيت كذباً أن هذا الأمر مصادفة أو اعتباطاً , ياصديقي أنت وغيرك الملايين من الناس , بل قل المليارات منهم من يؤمنوا بالمصادفة وقانون الإعتباط , وانا ليس لي شأن بما تؤمنون به أولاتؤمنون , وظنكم السيء بي هو من جعلكم في ذيل الأمم والشعوب , فلاتوجد حضارة أو علم ومعرفة وتكنولوجيا وتقدم واسع يفوق مساحة الأرض كاملة ليتخطي عتبات السماوات ومابعدها , وليصل إلي المريخ ويرسل للشمس أعظم مسبار عملاق ليكتشفها ويكتشف أيوناتها وسحبها وموجاتها ورياحها اللاهبة وتاثيرها علي الأرض والمريخ وغير ذلك من الأمور التي يختص بها العلماء المختصين بالفضاء والبحار , فهؤلاء مزلت أري أن الشيطان لايحتل مثقال ذرة من تفكيرهم ولايشغل عقولهم علي مدار اليوم والليلة , ولايرموه بالإتهامات والجهل والخرافات , وانت أنت ياصديقي, وكأنك تناقض نفسك بنفسك ألست أنت من نشرت علي صفحتك بالفيسوبك الخبر المنقول عن المسبار الشمسي والذي يخبر عنه " بأنه شيء يسبح الآن في ظلام الفضاء باتجاه النور الذي يمدنا كل يوم بنور شمسنا لنشعر بضوئها وبحرارتها وفوائد.. هذا الشيء الذي صنعته أيدي البشر للسفر إلى شمسنا الحبيبة يذهب الآن إليها وكله أمل وثقة ويحمل أحلام وطموحات الملايين من البشر .. مسبار باركر الفضائي أقرب مركبة فضائية ستلمس الشمس .. ويحمل المسبار أربعة أجهزة ستعكف على التقاط صور مقربة لسطح الشمس لمراقبتها عن كثب وهي : جهاز فيلدز ومهمته فهم السبب الذي يجعل هالة الشمس أشد حرارة من سطحها والكشف عن هذا اللغز الذي حير العلماء , وجهاز سويب ومهمته تقصي أسرار العواصف الشمسية وكشف سبب نفث الشمس للعواصف الشمسية ,وجهاز إيسويس لدراسة الإيونات الثقيلة وهي الجزيئات التي تحمل قدراً كبيراً من الطاقة، لفهمها قبل ارسال رحلات مستقبلية إلى المريخ وأخيرا جهاز ويسبر وهو آلة تصوير متقدمة ستكون مهمتها مراقبة سطح الشمس والانبعاثات في هالة الشمس وحركة الجزيئات الإيونية وجزيئات المادة وكل أنواع التقلبات. وسيكون المسبار مزودا بدرع لحمايته وحماية الأجهزة من الحرارة الشديدة التي ستزداد استعارا مع الاقتراب من هذا النجم الملتهب."
ياصديقي مازلتم تتحدثون وتنشغلون بحجاب أو نقاب حلا شيحة , ومازلتم منشغلين بقضايا تافهة , معذرة لأنها ناتجة من تصورات عقولكم المريضة بالغرائز والشهوات وبالمرأة وبجسد المرأة وزيها وزينتها وملابسها , ومازلتم منشغلين بتعريفات الفقهاء لعقد النكاح الذي تخشون أن تسموه بأنه عقد زواج , وأنتم من جعلتم المرأة مملوكة للرجل , وجسدها وروحها ومجهودها الإنساني وما ينتج عنه مملوك للرجل , والمرأة لديك يتزوجها الرجال بمقدم ومؤخر وكأن الزواج بالأجل , فجزء منه مؤجل للوفاة يستحق من الورثة , وجزء يستحق بالطلاق , وجعلتم عقد النكاح كما سماه ووصفه فقهاؤكم وكأنه عقد إزعان تخضع فيه المرأة وهي الطرف الضعيف للطرف القوي وهو الرجل , ودارت بينكم الصراعات بين شيعتكم وسنتكم , وبين أرثوذكسكم وبروستانتكم وكاثوليكم , وصرتم تلقون بالإتهامات لبعض , وتحاربون بعضكم البعض , وتدعون إمتلاك حقائق السماء , وأنكم وكلاء للآلهة / الأرباب علي الأرض , وضيعتم ثرواتكم علي ملذاتكم وملذات حكامكم المستبدين الطغاة , وصارت شعوبكم عبيداً لحكامكم المحكومين بالحديد والنار , وتلعنون الغرب وتتهمونه بالكافر وتموتوا غرقاً علي شواطئه هروباً من نيران أوطانكم , ومن وساخاتكم انكم حينما تنالون الحق في الإقامة تريدوا أن تفرضوا أديانكم ومذاهبكم علي من آووكم واستقبلوكم بإنسانية الإنسان , لا بأنانية وانحياز وعنصرية الأديان للمؤمنين بها وفقط ..
ياسيدي , معذرة , ياليتني ما جئت إليك , وياليتني ما تحركت قدماي واصيبت بالشلل حينما فكرت في المجيء إليك , ولكني مازلت أثق بك , واثق بعقلك وتفكيرك , فاعذرني وسامحني , ولعلك تقبل لي الأعذار وتسامحني , وتغفر لي , مع انني اعلم أنه لن يحدث ذلك أبداً من جانب أي مؤمن من المؤمين بالأديان الإبراهيمية الثلاث , لأنهم يعتقدوا أن الله طردني ورفض مسامحتي والغفران لي , وهذا ما آمنوا به , وهذا ما اعتقدوه , وصار إيمانهم مبني علي لعني وسبي , وإلا إن فعلوا غير ذلك صاروا كفاراً بالإيمان والأديان والمعتقدات .
مع العلم انني ليس لي إرادة فيما حدث لي , وإن أخضعت كل الأمور لقضية المشيئة والإرادة الإلهية, والقضاء والقدر , ومادون في اللوح المحفوظ من أسباب ومسببات , ونتائج , فأنا موجود بإرادة الله ومشيئته وقدرته , وبقائي بينكم مرهون بإرادة الله , ولي تساؤلات كثيرة علي سبب وجودي , ولكني لا أريد أن أناقشك فيها حتي لاتقطع صلتك بي , وتكون خاتمة العلاقة سيئة بيني وبينك !!
ياصديقي اللدود , مازلت أريد ان أحدثك بهذه الصفة , لأنني أراك وكأنك تكره أن أناديك بصديقي , وأحدثك بصديقي الحبيب , فكيف تكون بيني وبينك محبة , لقد كنت بالأمس , أسير بالقرب من مكان تكثر فيه دور العبادة , وهذا ليس بغريب أن تجد أي كنيسة محاطة بمسجدين , ولا بد أن تكون مآذن المسجد أكبر وأعلي من مآذن الكنيسة , وكأن هذا يظهر الإيمان , ويظهر قوة الدين , وقوة أتباعه , ولقد سمعت دروس تدار هنا , وتدار هناك , في المسجد والكنيسة في آن واحد , وكان الحديث يتضمن ذكر مساوئي وحيلي الخبيثة , والألعيب التي استخدمها لصرف المؤمنين عن العبادة , وتحريضهم علي فعل الشر , ولكني انتابتني غصة , مما أسمع , ففي هذا التوقيت حدثت جريمة نكراء من جانب راهب قتل راهب آخر , وهما من ذهبا للرهبنة مختارين بلا إرادة مني ولا من أي أحد , وهما من إختارا لباس الجناز , وطلقا الحياة الدنيا بما فيها وبمن فيها وعاشا للرب وللرب فقط , فما الذي جعل هذا الراهب يقتل أخاه الراهب وهما متجردين من لباس الحياة ومتاع الحياة ومتفرغين للرهبنة , فهل أنا من حرضت علي القتل , وفي نفس الوقت , حدث خلاف بين اسرتين , وكان أحد أفراد الأسرتين متواجد بالمسجد لصلاة العشاء , واستغل أفراد الأسرة الأخري وجوده بالمسجد ليقتلوه ذبحاً , كأضحية من أضاحي الحج وهو ساجد بين المصلين, فهل انا من حرضتهم علي ذلك ؟!
فما زال إيمان الطرفين يؤدي إلي ذلك , ويذهب إلي أنني الموسوس لهم بالشر والمغيب لعقولهم علي الدوام والسالب لإرادتهم , ومن ثم يرتكبون كافة الجرائم , وحتي لوحدثتك عن جرائم رجال الدين في أي دين من الأديان لشاب شعر رأسك أكثر وأكثر مما أصابه الشيب والبياض , ومع ذلك يدعوا بأنني من أحرضهم .. تباً لهؤلاء وهؤلاء , فأنا لست المحرض علي كل هذه الجرائم , ولكنها عقولهم وإرادتهم هي من تصنع بهم ولهم ذلك , وليتهم يدركوا ذلك !
ياصديقي , وأنتم الأن في موسم الحج , نعم إنه موسم الحج , فإذا ..وهنا قاطعته , وقلت له وإذا ماذا ؟! .. لالا .. معذرة .. فإن الحديث طال بنا وخيم علينا الظلام , وبعد إذنك نستكمل الحديث في لقاء قادم بيننا , ولاتظن بي أنت ظنون السوء , كن واثق أني أمتلك عقلي , وأتحكم به , ولايمكن له , ولا حتي لنفسي الأمارة بالسوء مثلك أن تمس عقلي وتتحكم به .. هيا ياصديقي نرحل , وعلي وعد بلقاء آخر !!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن