استعمار مصر تأليف تيموثى ميتشل وترجمة بشير السباعى واحمد حسان3

خالد محمد جوشن
khalidgoshan@hotmail.com

2018 / 8 / 12

مظهر النظام
اتيحت لعلى مبارك الذى شغل لاحقا ناظر للمعارف وناظرا للاشغال العمومية فرصة زيارة باريس والتجول فيها واثار انتباهه انتظام الشوارع وانضباط الذين يتحركون فيها بحيث لايسمع لهم صوتا ولا لغطا

وكيف ان كل واحدا منهم مشغول بامر نفسه سائرا فى طريق وكانهم اجتمعوا للصلاة على عكس الواقع فى شوارع القاهرة والاسكندرية الذى لاتكاد ساعة تمر بالناس بها الا ويحصل فيها تشويش لمخاطر المارين وازعاجهم من كثرة الصياح والصراخ والسب والشتم وسماع الالفاظ الفظيعة

ووضع على مبارك يده مباشرة على جذر المشكلة وهو افتقار المصريين للانضباط والتعليم ، والتعليم الاولى بصفة خاصة لان الفرد يتعود على ما نشأ عليه

وفور عودته الى مصر شرع على مبارك فى تحقيق حلمه حيث هدم مئات البيوت والحوانيت والجوامع وشق طريق محمد على الذى كان يجاوز كيلوا مترين وانشأ مدارس ودواوين بحيث كان الزائر للمنطقة يراها وكانها تعرضت للقصف حيث ازيلت بعض كامل البيوت وانصافها كانت لاتزال كامله مأهولة بالسكان

وقد يبدو الامر عديم الرحمة ولكن وفقا لنظرية العدوى التى كانت سائدة فى اوربا فقد اعتبر البعض ان ضيق الشوارع وازدحامها سببا لانتشار الروائح الكريهة وتفشى الامراض مثلما كان عدم الانضباط وتخلف التعليم المدرسى السبب الرئيسى لتخلف البلاد

وجرى اعتبار القاهرة باعتبارها مكانا للاستهلاك والريف مكانا للانتاج لدرجة قيل ان الهدف من الصرف الصحى اعادة البراز البشرى الى الريف على شكل سماد يعادل ما تحصل عليه القاهرة من مواد استهلاكية
واذا كان المكان قد اصبح مرئيا من خلال بناء الشوارع الرئيسية المنتظمة التى تتفرع منها شوارع على خط مستقم

فقد رأى فى نفس الوقت ان هذا الانضباط فى الشوارع يجب ان يتم على عقول المصريين واجسامهم التى هى فى حاجة الى الانضباط والتدريب

وهكذا تغيرت سياسة التعليم من عصر محمد على الذى كان يستهدف انتاج جيش وفنيين متميزين مرتبطين به الى تعليم تبناه ابراهيم ادهم المفتش الحكومى المغرم بالنظارات الطبية الملونة فى الفترة من 1839 الى عام 1849 ومعه على مبارك الى تعليم يهدف الى انتاج مواطن فرد

الطاعة المطلقة
وعلى غرار مدارس لانكستر فى انجلترا بدأ فى انشاء مدارس بهدف خلق اعضاء مجتمع منضبطين سميت هذه المدارس بمدارس الملة تميزا لها عن المنشأت العسكرية وخطط لبناء هذه المدارس فى طول البلاد وعرضها

وفى مدرسة لانكستر النموزجية كان التعليم عملية انضباط وتفتيش وطاعة متواصلة وجرى تحديد كل ساعة من ساعات اليوم وكانت كالتالى
15و5 الاستيقاظ
15و5 – 45و6 الاستذكار
45و6- 45و7 تناول الافطار
45و7 – 45و9 التعليم العسكرى
10 – 45و10 تناول الغذاء
50و10 – المنادة على الاسماء
11 – 1 الرياضيات والجغرافيا والتاريخ
15و1 – 15و 3 تعليم اللغة
15و3 - 15و5 علم المدفعية
15و5 – 45و6 تناول العشاء
7 – 9 تمرينات
10 اطفاء الانوار والنوم

اما العقاب فلم يكن عنيفا كما فى المدارس العسكرية ولكنه كان حرمان من الخروج او الاحتجاز فى الغرف بدلا من الضرب بالكرباج كما فى المدارس العسكرية

وكما هو الحال فى مدرسة لانكستر فان جانبا جوهريا كان يتمثل فى التفتيش عند الاستيقاظ وعند اداء الواجبات وكانوا تحت التفتيش الدائم

وللاسف عام 1849 عندما تولى عباس باشا السلطة الغى التعليم الحكومى
وحاول على ادهم بمشاركة رفاعة الطهطاوى اعادة الحال الى ما كان عليه ولكن الزمن كان قد تغير

وعلى عكس هذا النظام كان التعليم فى الجامع الازهر كان التعليم هناك كما يقول المفتش العام يثير العجب فهناك اكثر من الف تلميذ من شتى الاعمار ومن كل الالوان يتناثرون فى مجموعات وبرتدون ملابس متباينة والمدرسين لايفعلون سيئا سوى ان يستندوا جالسين الى اعمدة الجامع لالقاء الدروس دون الاهتمام بتسجيل الطلاب وحضورهم او تسجيل غيابهم او تقدمهم فى الدروس عبر الحصص المتوالية
والبعض من الطلاب كانوا ينامون على حصرهم والبعض ياكلون والبعض يستذكرون والبعض يتجادلون والباعة يتحركون فيما بينهم فى حالة عشوائية لبيع الماء والخبز والفاكهة والتنظيم غائب والفوضى تخيم على المكان

طبعا يمكن اعتبار ان هذا التعليم كان مرنا ومتحررا من القسر اذا ما قورن بالتعليم الانضباطى

فى عام 1868 تاسست فى القاهرة هيئة اسمها جمعية المعارف لنشر الكتب النافعة على يد محمد عارف باشا احد خريجى المدرسة المصرية فى باريس وكان محمد عارف موظفا حكوميا كبيرا

وقد ساهم فى الجمعية 660 شخص معظمهم من ملاك الاراضى او من موظفى الحكومة كنمط طوعى من عملية تربية المواطن

العمل بدء من الداخل
لقد جرى بناء القرى النموزجية فى مصر فى العزب الخاضعة لكبار الملاك وفى عزب الشركات التى كانت خاضعة لسيطرة المصالح التجارية الاوربية ولكنها فشلت

وقد فسر هنرى عيروط ذلك لان اولئك الذين اجبروا على العيش فى هذه القرى المنظمة قد اعتبروها سجنا ذى شكل هندسى

وفسر ذلك بقوله بان الفلاح يتميز بمزاج اشبه بالطفل ولايمكن تقديم منزل نموذجى له دون تعليمه باسلوب رقيق طرائق استخدام المنزل الجديد واسباب تميزه عن منزله القديم
التربية اهم من الانجاز المادى
وهكذا بدأت السلطة تسعى الى التاثير ليس على ما هو خارج الجسم شوارع وبيوت ولكن ايضا بدأ من الداخل عن طريق تشكيل العقل الفردى
والى مقال قادم حول هذا الكتاب البديع



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن