تموز الثورة

خليل محمد إبراهيم
khmoib2005@yahoo.com

2018 / 8 / 11

مرة أخرى تنطلق حركة شعبية تموزية في العراق الحبيب، وقبل تقويم هذه الحركة، والتنبيه إلى ما لها وما عليها؛ أحب أن أشارك الشاعر العظيم (معروف الرصافي) هذه الفذلكة التاريخية، بأن أذكر بقصيدته (تموز الحرية)، فقد سبقنا إلى تمجيد ثورات قامت في تموز منها الثورة الفرنسية، ومنها ما كان في (إيران) أو في الدولة العثمانية مما سُمِّيَ ب(يوم المشروطية)/ يوم الدستور العثماني في تموز من عام 1908، حيث أنطلق إلى ما لم يصل إليه الشاعر العظيم في قصيدته، لألقي عليه ضوءً تاريخيا تحليليا بسيطا يؤدي بي إلى تقويم هذا التحركُّ، فالذي يبدو لي/ قبل كل شيء- أن نجاح أية ثورة/ أو تحرُّك ثوري- محتاج إلى ثلاثة أمور أساسية؛ تُحدد نجاحه أو فشله، وبالتالي تتمكن من استشراف القائم منه أهو على أبواب النجاح أم غير ذلك، فأول ما تحتاجه الثورة:- (قيادة واعية) تعرف متى تتقدم، ومتى تُغيِّر اتجاهها، فبدون ذلك؛ تضيع الجماهير.
الأمر الثاني (أهداف واضحة) قابلة للتحقيق؛ على أساسها يتم تقدير النجاح أو غيره.
ثالثها (ظروف موضوعية) تكون صالحة للتحرك، وهنا نناقش ثورات تموزية محددة، لنعرف مدى نجاحها أو غير ذلك على هذه الأسس، فقد نجحت الثورة الأمريكية، لأن لها قادة محددين متفاهمين، لديهم أهداف محددة يعملون على تحقيقها هي تأسيس الرأسمالية الأمريكية، لذلك نستطيع القول بأنها نجحت، لأنها ثبتت أهدافها في الدستور الأمريكي الذي تمَّ تعديله بطرق طبيعية، وفي أوقات رأوا أنها مناسبة للتعديل المعروف، والمفهوم المقصود منه.
ثم جاءت ثورة المشروطية في الدولة العثمانية التي كان قادتها معروفين، كما كانت أهدافها محددة، ومنها الحالة القومية/ بغض النظر عن رأينا فيها- والسماح بانطلاقة فكرية/ ما كانت متاحة قبلها- تُنادي بالعدالة والمساواة والإخاء.
ثم جاءت ثورة 17 تموز الظالمة، بقيادة معروفة، وبأهداف محددة هي محاولة عسكرة العراق، وتبعيث العراقيين، وإخضاعهم/ مع ثرواتهم- لتلك القيادة الضالة، وأهدافها الشريرة، فكان ما كان من نتائجها، وبغض النظر عن كل شيء، فقد حققت أهدافها، ولولا تدخل خارجي، فلعلها ما تزال تجثم على قلوب العراقيين.
هذه أنموذجات من الثورات التموزية الناجحة؛ رضينا أم رفضنا، فعلينا مناقشة الثورات الأخرى، لعل أبرز ثورة تموزية معروفة؛ هي الثورة الفرنسية المجيدة، والتي قامت لأهداف معروفة، لكن أحدا لا يستطيع أن يقول أن قياداتها كانت موحدة، تريد تحقيق تلك الأهداف، لذلك، فالثورة الفرنسية؛ ما تزال تترجّح، بين مَن يؤيد مبادئ الثورة الأصيلة، ومَن يؤيد (نابليون) ودكتاتوريته، وما تحقق في زمانه من انتصارات فرنسية كبرى، دون ما ذكر للانهزامات النابليونية الصاعقة، وهناك ما يُماثله في العراق، فما يزال الكثيرون يحلمون بالمرحوم (عبد الكريم قاسم)، ومنجزات الشعب الثورية/ التي أنجزت بعد ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة- ناسين/ أو متناسين- أن ما نُعانيه/ حتى يوم الناس هذا- جانب من جوانب أفضاله على العراقيين، فهو وطني/ لا شك في ذلك- لكنه قدّم العراق ونفسه، وجملة من أتباعه المخلصين، ومن أفاضل العراقيين؛ للبعث؛ على طبق من ذهب، فالنوايا الحسنة، ليست كافية.
مثل هذا ما يُقال عن (صدام حسين)، فهُم يذكرون التأميم ومحو الأمية والتعليم المجاني والإلزامي، لكنهم ينسَون أن هذا كله تم تسخيره لتحقيق عسكرة العراق، وتبعيث العراقيين، ثم هُم ينسَون ما أصاب العراقيين على يده وأيدي أزلامه الذين لم يخلصوا من شره- من مصائب وآلام ليس أقلها الحرب الإيرانية، والحرب على الكويت، والحصار، وما انتهى إليه من سقوط على الأيدي الأمريكية،أفلا نُفكر فيما تراه الجماهير الخارجة في تموز هذا؟!
لا شك في أن مطالب الجماهير الشعبية؛ مطالب حقيقية؛ ما كان منها مطلبيا أو سياسيا، فمَن الذي يعترض على حق الناس في أن يشربوا ناءً نظيفا، وأن يتمتعوا بكهرباء مستمرة؟!
بل مَن الذي يعترض على أن يجد كل إنسان عملا شريفا يعيش عليه؟!
مرة أخرى هذه أهداف لا يعترض عليها عاقل، لكن ما الذي فرض هذه الأشياء؟!
وما الذي منع من تحقيقها؟!
لا بد أن ننتبه إلى أن أول مَن ضرب الكهرباء في العراق؛ هي القوات الأمريكية في عام 1991، وأنه لم يتحقق للعراقيين كهرباء كما يجب، فهل هذا لأن العراقيين لا يُريدون الكهرباء؟ أم لأن هناك مَن لا يُريدون لهم أن يتمتَّعوا بالكهرباء، ويستفيدوا منها وطنيا أو استثماريا؟!
الذي يبدو واضحا هو أن وزراء الكهرباء؛ ينبغي أن يكونوا معادين للكهرباء، ومنهم (أيهم السامرائي)/ الذي كان موقوفا لأنه متهم بالفساد- لكن القوات الأمريكية/ كما ذكر الإعلام آنذاك، ولم يُكذّبه أحد على حد علمي- أخرجت (أيهم السامرائي) من التوقيف، ثم شحنته في طائرة أمريكية، ووُضِعَت السلة عليه، فلا أعرف عنه شيئا، فهل هذه الحادثة؛ تدل على شيء؟!
قد يقولون الخصخصة، ورفض العراقيين لها هي التي منعت من تيسير الكهرباء، ولنذهب معهم إلى آخر الطريق غير الدقيق، الخصخصة؛ قضت على الهاتف العراقي قضاءً مبرما عبر شركات عليها ما عليها، وأوشكت القضاء على البريد العراقي عبر النت و DHL/ اللذين هما كذلك قطاع خاص- فما لهما ينتصران، بل وينتشران، ثم تفشل الخصخصة مع الكهرباء؟!
هناك خصخصة أخرى لا يتحدث عنها أحد هي خصخصة النفط؛ ترى لماذا يتحقق هذا كله وسواه كثير، ولا تتحقق الكهرباء مخصخصة أو غير مخصخصة؟!
هذا سؤال، ألا ينبغي بحثه؟!
ثم مَن قال أن الكهرباء غير مخصخصة منذ تسعينات القرن الماضي؟!
ما هي المولدات؟!
أهي حكومية أم أهلية؛ تابعة للقطاع الخاص؟!
ومع ذلك، فأين نجحت الخصخصة، حتى تنجح في الكهرباء؟!
وأكثر من ذلك، فقد أثارت خصخصة جباية الكهرباء الناس، فما لوزارة الكهرباء تُحوِّل مديريات النقل والإنتاج؛ إلى شركات ربحية؟!
أليس هذا دليلا على قصدية الوزارة؛ في إثارة الناس، وأعصابها؟!
لمصلحة مَن؛ حجب الكهرباء عن الناس والصناعة والزراعة، وسائر المصالح الأخرى؛ مخصخصة أو غير مخصخصة؟!
هذا يعني أن هناك توجها أكبر من أية حكومة، لحرمان المواطن العراقي من الكهرباء، فهل بمقدور قيادات مجهولة، بلا أهداف ثابتة قابلة للتحقيق من النجاح في الوقوف أمام هذه القوة العاتية؟!
قضية الماء:- مَن عاش معنا في العراق المسكين، وكان متابعا للإعلام الصدامي، فإنه يعلم/ بما لا يقبل الشك- أن السيد (سعدون حمادي) نفسه قام/ أكثر من مرة- بتحليل مياه الشرب، فتبين أنها غير صالحة للاستهلاك البشري؛ ترى متى صارت بعد ذلك صالحة للاستهلاك البشري؟!
ولماذا لا يُمكن إصلاحها لتكون مناسبة للبشر؛ ناهيك عن الحيوان والنبات؟!
هذا سؤال آخر؛ يجدر بالمتفضلين بالتحرك في هذه الأيام؛ أن يتساءلوا عما إذا كانوا قادرين على الوقوف في وجه الظالمين الحقيقيين للعراقيين أم سيكونون مجرد أدوات جديدة مخدرة للعراقيين، حتى تتحقق للظالمين الحقيقيين؛ أهدافهم الأخرى؟!
من هنا أعود لأؤكد ضرورة تحديد القيادات الوطنية التي تتصدى لقيادة الحراك، لنعرفها، ولنتمكن من تقويمها، فهناك الكثير من الفاسدين؛ يشتمون الفساد، فمن يعرفهم إذا كانوا ضمن هذه القيادات؟! ثم أن يُحددوا أهدافا حقيقية قابلة للتحقيق، لنتمكن من محاسبتهم على عدم تحقيقها لو لم تتحقق، فالقضية التي أراها تحتاج إلى تفكير، هي أن الكثيرين؛ ينتخبون الفاسدين/ أو يُقاطعون الانتخابات- لينجح الفاسدون، ثم ينتقدون الفاسدين، فما لك لا تُغلق الأنبوب من بدايته، فتعرف مَن تنتخب، ثم تُحاسبه إذا فاز.
هناك الكثير ممَن فشلوا في هذه الانتخابات/ أو الانتخابات السابقة- يصعدون هذه الموجة؛ دون أن تدري ما يُريدون، فالكثير منهم، لا يتقدم بغير الشتم، فهل هذا هو المطلوب؟!
هل المطلوب شتم الفاسدين، بلا تحديد، وكأن العراقيين كلهم فاسدون؟!
هل المطلوب الشتم، باعتباره أهدافا مطلوبة؟!
لو عاد النت، لأريتكم مئات المناقشات الجارية بيني وبين مثقفيهم، وهُم لا يملكون غير الشتم أهدافا، بل مَن يقول لك علنا/ وبلا خجل- أنه يُريد دكتاتورا عادلا مثل (صدام حسين)، ثم يقولون إنه ليس للبعثيين/ في هذه المسألة- توجيه.
وتقطع (إيران) الكهرباء في هذا الوقت، وهي تعلم ما يجري في العراق، فلماذا؟!
أليس لأن هناك أهدافا مقصودة يجهلها الشعب، لكن يعلمها الراسخون في الظلم؟!
حين أحلل مطالب الناس الحقيقية، فإنني أستطيع حصرها فيما يلي:-
1الماء الصالح للشرب والسقي.
2 الكهرباء المستمرة.
3 العمل عند الدولة.
وهذه قضايا ثلاث حقيقية؛ تستحق النضال من أجل تحقيقها، فهي قضايا شعبية، لكن هل تستطيع حكومة مُصِرّة/ هي وخبراءها، ومستشاروها- على الخصخصة؛ أن تُحقق هذه المطالب؟!
هذا مستحيل، فأين/ في كل الدول الرأسمالية- لا تجد العطالة؟!
الدول الوحيدة التي كانت خالية من العطالة؛ هي الدول الاشتراكية، والحزب الشيوعي لا يُنتخَب، ولا يقود، فمَن الذي يتمكن من تحقيق هذه الأهداف غيره؟!
أنا لا أستطيع أن أصدق أن أوركسترا رأسمالية؛ قادرة على عزف موسيقى اشتراكية، ألا هل بلغت؟!
اللهم فاشهد، واشهد أن مَن يُريد إسقاط النظام من أجل أن تسود الفوضى، أو أن يُسقط الدستور، لأجل دكتاتور، أو مَن يُقرر علنا أنه يُريد دكتاتورا مثل (صدام حسين)، لا يُمثلني، ولا أنا منه، ولا هو مني، وأنني سأُقاومه مهما كانت الأحوال.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن