إلى تل ابيب!

عصام مخول

2018 / 8 / 10


هناك لحظات تاريخية يكون علينا ان نتدفق فيها بالألوف وعشرات الالوف الى قلب المنصة المركزية في اسرائيل لنفرض حضورنا وهويتنا الوطنية وهيبتنا كأقلية قومية في وطنها، وأن نبني ونراكم آليات التغيير، لا أن نتلهى بالمناكفة على ملاعبنا الداخلية ولا بالهذيان "الثوري" المنزوع عن الواقع.. والمواجهة مع قانون القومية هي لحظة تاريخية تتطلب من الجماهير العربية الفلسطينية المواطنة في إسرائيل، أن تتعامل مع نفسها بمسؤولية وأن تتصرف كشعب يعيد طرح كل الاسئلة والمعادلات الجوهرية، ليثبّت بقاءه ويرسّخ شرعية ارتباطه بوطنه وبلغته وبانتمائه الى شعبه وتاريخه الكفاحي وحقه في إحداث التغيير التقدمي..
إن المواجهة مع الحالة الخطيرة التي فرضها تشريع قانون القومية وعناصره الفاشية لا تتم برد فعل عيني أو مظاهرة واحدة أو خطوة تظاهرية، وانما ببناء عملية سياسية تراكمية متواصلة لها ديناميكيتها، وقابلة للتطور والتدحرج وحشد عناصر القوة القادرة على تحقيق الانتصار وإسقاط قانون القومية ومحاصرة القوى الفاشية المتنفذة في الحكم في اسرائيل. إن مظاهرة تل ابيب الحاشدة مساء غد السبت الحادي عشر من آب 2018، يمكن ان تتحول الى مظاهرة تاريخية غير مسبوقة على الساحة المركزية الاسرائيلية، تشارك فيها الجماهير العربية بكل قواها السياسية وأوسع قطاعاتها الاجتماعية، ويشارك فيها أكبر حشد من القوى الديمقراطية اليهودية التي استفاقت على وقع المعركة لإسقاط قانون القومية والمخاطر التي يحملها على شعبي هذه البلاد ولنا مصلحة حياتية في استنهاضها.
نحن شعب اكتنز تجربة نضالية هائلة نجحت في تحقيق انجازات تاريخية في مقارعة المؤسسة الصهيونية الحاكمة وفي المواجهة مع سياسات عنصرية لا تقل خطرا عن قانون القومية وانتصرت عليها على مدار عقود من النضال دفاعا عن بقائنا، نحن الذين أسقطنا الحكم العسكري وخرجنا من مجزرة كفرقاسم أصلب عودا، ومن معركة يوم الارض أكثر شموخا، ومن هبة أكتوبر 2000 أكثر إصرارا على حقوقنا، نحن الذين بنينا تراثا وطنيا طلابيا وشبابيا كفاحيا، حراك وثيقة 6 حزيران 1980 والمؤتمر المحظور، ومخيمات العمل التطوعي،علينا ان نكون واثقين بقدرة نضالنا الواعي والموحد على إحداث التغيير، وبقدرة أجيالنا الصاعدة من الشابات والشباب اليوم أيضا أن يتركوا بصماتهم هم ايضا، على تاريخنا الكفاحي وأن نجعل خيارنا الوحيد النضال بنفس طويل ومعركة متراكمة حتى اسقاط قانون القومية المشؤوم.
نحن لسنا متسولين على طاولة أحد بمقدوره أن يمنحنا شرعيتنا او ينزعها عنا، فقط لأن لديه أكثرية برلمانية عنصرية جاهزة لكل تضييق على مواطنتنا، نحن أهل هذا الوطن ولا وطن لنا غير هذا الوطن.وعلى المؤسسة الصهيونية الحاكمة في اسرائيل ان تستوعب وتذوِّت الحقيقة المدوية، أنه من بين مواطني الدولة نحن الجماهير العربية الفلسطينية دون غيرنا، نشتق مواطنتنا من ارتباطنا بوطننا وانتمائنا اليه، ولا نشتق ارتباطنا بوطننا من مواطنتنا في الدولة التي قامت على وطننا عنوة.. وعلينا نحن أن نعي ونذوّت أنتشريع قانون القومية بطابعه الفاشي، جرى بهدف فك ارتباطنا بوطننا، فبعد أن انتصرنا في معركة البقاء وفشلت المؤسسة الصهيونية الحاكمة في اقتلاعنا ونفينا ماديا خارج الوطن، يحاول قانون القومية ان ينفينا سياسيا خارج المواطنة.. وخارج الشرعية السياسية وخارج دائرة التأثير وخارج المنصة المركزية ..فهل نرضخ وهل نستسلم؟ وهل نتطوع للتنازل عن شرعية بقائنا في وطننا ماديا وسياسيا ومعنوياً أم نقاوم هذه السياسة حتى اسقاطها؟!
هناك بين بعض النخب العربية، من يدعونا الى الاسترخاء في المنفى السياسي الذي أعده لنا نتنياهو والقائمون على قانون القومية، قانعين بتحويل المعركة من مواجهة مع السلطة الى مواجهة يغلب عليها طابع التفشيش والمناكفة على ساحتنا الداخلية وملاعبنا المحلية لدفع أجندات "كل ما دق الكوز بالجرّة" .. أجندات كانت قائمة قبل قانون القومية وبمعزل عنه وستبقى من بعده.
لقد أثبت شعبنا عبر نضاله المرير ومقارعته الفكر والممارسة الصهيونية أن المعارك الوطنية الكبرى انتصرتعندما نجحنا في بناء وحدتنا الكفاحية من جهة، وحين قاومنا محاولات المؤسسة العنصرية لعزلنا ودفعنا لممارسة صراعنا السياسي في معازل سياسية على ساحاتنا المحلية، وانتصرت معاركنا حين رفضنا دعوات الانعزال الطوعي الخارجة من ساحتنا ذاتها ومن بين ظهرانينا. حققنا الانجازات حين نجحنا في نقل النضال من ساحتنا المحلية الى الساحة المركزية في اسرائيل، والى الساحة العالمية، وحين استطعنا ان نستقطب حلفاء لنا من مجتمع الأكثرية اليهودية وسلخهم عن الاجماع القومي الصهيوني وجرهم الى النضال الى جانب حقوقنا مهما ضاقت رقعة المساحة المشتركة بيننا، وحين نجحنا في استقطاب التضامن العالمي مع نضالنا العادل.
أثبتت تجربتنا الكفاحية وأثبت تراثنا السياسي أن المعارك الوطنية والمدنية الكبرى تبنى وتتراكم لبنة لبنة، ولا يستلها "عبقري" أو مشاهد سياسي كسول، من جيبه جاهزة معلبة للمناكفة، يطلق توجيهاته المتعالية ويعود الى استرخائه السياسي، وما على الناس الا ان يستجيبوا.
ومع ذلك ترافق سن قانون القومية مع اطلاق اجتهادات وأفكار كثيرة جديرة بالنقاش، واقترحت اقتراحات عينية صادقة تنطلق من الرغبة في أن يكون رد جماهيرنا فاعلا بمستوى التحدي، تراوحت بين مقترح الاضراب الفلسطيني العام والعصيان المدني وإخلاء الكنيست وغيرها، وبغض النظر عن موقفي من مضمون أي من هذه الاجتهادات، وبغض النظر عن ان الكثير من الاجتهادات المطروحة تضمنها البرنامج الكفاحي الذي نشرته لجنة المتابعة، فإنني أدعو الى مناقشتها موضوعيا من خلال الاجابة على السؤال الحاسم: ما الذي يفيد نضالنا ويراكم عناصر القوة في ايدينا وينزعها من أيدي المؤسسة العنصرية الحاكمة، وما هي الادوات المتوفرة في ايدينا لبناء آليات نجاحها؟
إن هذه الاجتهادات المشروعة يفترض ألا تتناقض، بل يفترض ان تتكامل مع العمل على إنجاح المظاهرة الكبرى التي دعت اليها لجنة المتابعة العليا غدا السبت، فمظاهرة جبارة في تل ابيب من شأنها أن تعزز خطواتنا الكفاحية القادمة لا أن تمنع مناقشتها. والشجاعة الانسانية والوطنية تقتضي منا جميعا أن نتدفق الى تل ابيب غدا، رجالا ونساء، شيبا وشبانا في مظاهرة تاريخية جبارة، نملأ ساحاتها وشوارعها، ونشق سماءها بهتافنا الكفاحي في مظاهرة عربية يهودية تعلن إصرارنا على إسقاط قانون القومية وتطرح بديلا لعقلية الأبرتهايد الحاكمة في اسرائيل، بديلا تشكله الاقلية القومية العربية والقوى اليهودية المناهضة للفاشية وعقلية الابارتهايد وهي قائمة في المشهد اليوم برغم حلكة الليل العنصري.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن