بنات جسر يعقوب

صلاح زنكنه
salah_baran@yahoo.com

2018 / 7 / 31

رواية مذهلة للصديق الروائي الفلسطيني حسن حميد *
الرواية سفر سردي جمالي مدهش في ذاكرة التاريخ, تاريخ الأمكنة والأشخاص والحيوات في قرية الشماصنة حيث الدير ومعصرة الزيتون ومقلع الحجر ومطحنة الحبوب والجسر العتيق المشيد على نهر الأردن الذي بات يسمى باسم بنات يعقوب, و(حنا) بلحيته الكثة وشعره المرسل الذي هام عشقا بـ (بديعة) المتزوجة, وغدا وكيلا للدير وحارسا وطباخا وفلاحا وحوذيا وراعيا للمواشي في آن, والرهبان الثلاث وهن في حقيقة الأمر راهبات لبسن لباس الرجال كي لا يطمع فيهن أحد وهن كل من (ماريا) التي أحبت (دعاس) وأحبها وهجرها في النهاية بعد ترك جنينا في بطنها, والطفلة (صفية) ذات الخمس أعوام والتي جاء بها جدها العجوز إلى الدير فترعرعت وترهبنت, و(مرجانة) التي جربت المتع واللذائذ كلها وقررت أن تهجع بقية عمرها في هذا الدير الرابض على أعالي الجبل المطل على القرية المتناثرة البيوت.
وبطل المحوري للرواية هو المهاجر اليهودي (يعقوب) الذي شد رحاله من الشمال صوب فلسطين مع بناته الثلاث (جوديت) و(ميمونة) و(دينة) اللواتي هن رأسماله الحقيقي, ورأسمالهن جمالهن وأجسادهن النظرة الطرية ومغامراتهن مع (رحمون) فتى قرية الشماصنة فضلا عن (نانا) البنت الكبرى ليعقوب التي قتلها زوجها حين أكتشف بأنها تخونه مع وكيل أعماله (أيوب) وسليمان عطارة الذي سبق يعقوب إلى هذه البقعة النائية الموحشة التي يلجأ إليها بعض الفرارين طلبا للأمان حيث الأشجار الوارفة والينابيع والصخور والطبيعة الخلابة المعطاءة مثلما لجأ إليها يعقوب حين فضحت زوجته أمره للأرمني الذي ابلغه يعقوب بأنها أخته فطرده من دياره, وثمة المرأة العجوز النحيلة التي تبارك رحلة يعقوب وتسانده في مسعاه وتتحكم بزمام شخصيات الرواية بدءا من يعقوب وسليمان ومرورا بعبوسي صاحب المقلع وسمعان المعماري الذي شيد خان يعقوب وانتهاء بجوديت التي يهبها والدها إلى صديقه سليمان عطارة مقابل بناء الخان, الخان الذي يموت فيه يعقوب ميتة بشعة على يد الزوج الغيور الذي هرس رأسه بحجارة حين وجده عاريا مع زوجته العاقر التي جاءت تطلب شفاعة يعقوب الحكيم.
الرواية لا تقبل الاختزال والاختصار أبدا كونها تزخر بمشاهد وصفية غاية في السحر والرونق والجمال وترصد حالات وجدِ وهيام وتماس جسدي ورغبات جنسية عارمة بمهارة سارد حاذق فضلا عن المواقف الإنسانية التي تعبق بالحزن والأسى عبر 278 صفحة من الحكي الباهر الباذخ وكأنها حكاية مضافة أو منسية من ألف ليلة وليلة بكل عنفوانها وعذوبتها وغرابتها لتوثق بدايات النزوح اليهودي إلى أرض كنعان مطلع القرن الثالث عشر ميلادي وفق مخيلة سارد محترف.
رواية (بنات جسر يعقوب) التي صدرت عام 1996 وفازت بجائزة نجيب محفوظ لعام 1999 وطبعت بثلاث طبعات لا تقل شأنا وغرائبية وإبداعا من رواية (مائة عام من العزلة) لغابريل غارسيا ماركيز حسب رأيّ الشخصي غير المتواضع.
...
*الورقة المسودة أعلاه وجدتها مطوية بين ثنايا الرواية مذ 14 عاما .. وتحديدا سنة 2004 في دمشق مع إهداء ممهور بالحب من يراع حسن حميد وهذا نصه (إلى الفنان المبدع أخي صلاح زنكنه راية القصة القصيرة في بلاد الرافدين مع محبتي الدائمة) وها أنا أنشرها لأول مرة محبة وعرفانا.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن