عشتار الفصول:11193 الجزء الأول: السيد بحدي قريو ،قراءة نقدية في تاريخ الشوفينية.

اسحق قومي
ishak.alkomi@ok.de

2018 / 7 / 30

عشتار الفصول:11193
الجزء الأول
السيد بحدي قريو ،قراءة نقدية في تاريخ الشوفينية.
إذا مررنا بالخابور والجزيرة ،وبمدينة الحسكة لابدّ أن نتوقف عند شخصية قلعة مراوية ،سطرت للتاريخ إن شاء الخابور أم أبى.
عرفتُ عنه منذ أكثر من أربعين عاماً ونيف ،حين رحتُ أتلمس بعضاً من تاريخ مدينتا الوادعة على أكتاف نهر الخابور. ولكن الأمر يختلف حين تبحث عن الجذور وأنتَ في أمريكا ، يوم التقيتُ بالسيد جرجس قريو أبو إبراهيم وميشيل ،أدركتُ مدى مسؤولية الحديث عندما تسمع وهو يُحدثكَ عن مسألة الدولة السريانية وكيف تآمر عليها القاصي، والداني حتى أسقطوها بعد عام ِ وبضعة أشهر من قيامها .وشارك في إسقاطها ابنه جوزيف أيضاً .
أما اليوم فأنا أقرأ هذا الرجل قراءة حديثة ،نقدية، تقوم على منهج النقد المقارن، والمنهج التاريخي للأحداث في سوريا آنذاك.والحقيقة قراءة موضوعية تؤهلني للقول لقد ظُلم هذا الرجل رغم وطنيته.
أُطل عليه من خلال مذكرات كتبها ابنه المرحوم جوزيف بحدي قريو.والتي كاشفتني بها حفيدة الزعيم بحدي قريو .إنها الآنسة سمير أميس ابنة جوزيف قريو ،فقد أطلعتني على العديد مما كتبه أبيها لكنني استسمحتها أن أقف عند مايهمني في البحث وتركتُ أموراً لاتعنيني بقدر ما يُفاخر بها الأبناء والأحفاد..
بحدي قريو شخصية مثيرة للجدل. في الأوساط السياسية، والاجتماعية والإدارية والزراعية في الجزيرة السورية بشكل خاص والوطن السوري بشكل عام.
بحدي قريو ليس كما قدمه لنا بعض الذين لم يتورعوا في الطعن بوطنيته.
بحدي قريو ضحية سياق فكري ممنهج على الشوفينية والكره والبغض لمن يُخالفهم في الشكل والقومية والدين والمذهب.
بحدي قريو بعدما قرأتُ عنه ـ ولوكنتَ تملك ذرة من العدالة. عليك أن تسمع وتقرأ ولو بعد ألف عام عن الموضوع الذي تتناوله من عدة شهود وجهات وعليك ألا تقف عند قراءة واحدة فهي المقتل لكلّ باحث .
وهذه القراءة تأتي من خلال مادونه عنه ابنه جوزيف بحدي قريو ، إلا أننا أخذنا بعين الاعتبار مسألة العاطفة البنوية ،ولكن أثبتنا وتوقفنا عند سياقات جمل لها تفسيرها الاجتماعي والسياسي والوطني والنضالي،ومدى مالحق بهذا الرجل من إساءة وتزوير وتلفيق وتآمر ٍ عليه .كونه شخصية وطنية واجتماعية وتجارية ومتحدث لبق بين أبناء مدينته على اختلاف مشاربهم .
أجل الرجل يتمتع بشخصية بيولوجية ، قامته الشماء، وجهه الطافح بالرجولة والحكمة والحنكة ، لابدّ أن تتكالب عليه أشباه الرجال ،يحسدونه على غيرته على أهله ،وجماعته وعلى المنطق الذي يُزين حديثه ، والتواضع الذي يفتقد إليه رجالات تملكوا بعض أملاكه ،وتعلوه همة وإرادة صلبة ومحبة وتضحية لأبناء مدينة الحسكة ، يُعامل الكلّ بحكمة وبحذر ٍ، وكلّ يوم يراه أعداءه ،وهو ينمو في القامة والقيمة الاجتماعية والسياسية والتجارية ،وحتى مع الفرنسيين المحتلين لبلدته.
= لوكان بحدي قريو كما وصفه المغرضون ،لما تعرف إلى زعماء سورية الوطنية عام 1925م وما بعدها أمثال.سعد الله الجابري، فارس الخوري، فخر البارودي ــ وتوفيق شامية قبل أن يتسلم محافظا لدير الزور والحسكة فيما بعد ـ حيث كان هؤلاء من المنفيين إلى الجزيرة وكان بحدي قريو من استقبلهم وخصص جناحا في بيته لهم وأسكنهم وتحمل مسؤولية ،وجودهم من قبل الفرنسيين الذين نفوهم من دمشق.وكانت مخاطرة لايُقدرها إلا الرجال ، أما الصعاليك فلهم النميمة والحسد والغيرة ،رجل يهتم بالوطنيين مدة خمسة أشهر كاملة، وهو يعتني بهم من كلّ جانب.هل هذا الرجل غير وطني؟!!! أم ماذا؟!! خسئتم أيها التجار في الوطنية والدين منذ فجر التاريخ هكذا يتلقى الرجال من أنصاف الرجال.
ولكن الخبثاء وبعض الذين لايريدون له أن يكبر قامة وطنية ،دسوا عنه للفرنسيين بأنه يحوي في بيته من نفتهم فرنسا أصلا من دمشق ويقلقون الفرنسيين ،وبعد التحقق اجتمع القادة الفرنسيون في المدينة ،وأردوا التخلص منه ،ولكن كل جهودهم وجهود بقية عملائهم من كل المكوّنات باءت بالفشل لحكمته ،وحنكته، ولباقته وفضله على أغلب هؤلاء.
إننا حين نقرأ بعضاً مما كتبه عنه ابنه جوزيف ،يؤكد على أن بحدي قريو كان يرى الحياة لاتستقيم بغير التجارب فهي محك الرجال وهي موت لأنصافهم ، كان لايُحب الحياة الخالية من التجارب ، مغامر وعنيد وشرس، حكيم كالحيات ،ووديع كالحمام حنكة متوقدة، الحياة ليست سهلة، ولا تأتي إلى الإنسان بل الإنسان يعمل من أجل الحصول عليها، الحياة موقف، وشجاعة ،وبطولة ،وتضحية، وكرم وليس بالبخل يُكنى الرجال.
بحدي قريو ليس كما أخبرنا عنه التاريخ الجزري ومن أحبوا أن يُظهروه ،بل هومن صنع لنفسه التاريخ مع رجالات سورية آنذاك، ومع رؤساء سورية ومع الرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديغول وغيره الذين زاروه في مدينة الحسكة وكانوا في ضيافته هم وجميع شيوخ وبكاوات وآغوات الجزيرة ومعهم رجال الدين المسيحي والإسلامي واليزيدي.
إنهُ بحدي قريو) من مواليد قلعة مرا عام 1895م.
عاش في قريتهم . زمناً ثم نزل إلى رأس العين ، ولكن ابنة عمته المتزوجة من الخواجا عمسي موسي القلعة مراوي والذي بنى أول منزل له ولأسرته وأخوته عام 1890م .في المكان الذي سيُسمى بالحسجة.تجعله يفكر بالنزول إلى الحسكة وهكذا جاء إليها عام 1923م حيث ينزل بحدي قريو عند بيت ابنة عمته .وحال وجوده بالحسكة بأربع أيام
قدمه مختار الحسكة وزوج ابنة عمته الخواجا عمسي موسي إلى الحاكم الفرنسي علما بأن بحدي قريو يُجيد اللغات التالية: العربية والتركية والكردية والقليل من اللغة الفرنسية
وأثناء اللقاء رحب به الحاكم الفرنسي بالحسكة، ورأى فيه شخصية بيولوجية وفكرية تستحق التقدير والاهتمام.
بحدي قريو يبدأ مابين عامي 1923و1924م . اهتمامه بالمدينة التي كانت تكبر بسرعة مذهلة حيث تزداد بأعداد القادمين إليها من تركيا .وكان يملك مالا حيث شارك في بناء دور العبادة على اختلافها ،وكان يُشجع الناس على إرسال أولادهم إلى المدارس وأسّس مجموعة جمعيات خيرية ،ترأس معظمها.
وقد تعاون مع أول قائم مقام ((علي صائب بك الذي عينه الفرنسيون بعد عامين من دخولهم بُليدة الحسجة حيثُ شكلوا عام 1924م ،حكومة في الحسجة يرأسها علي صائب بك، وتم تعيينه كقائم مقام للحسجة .كما تم تعيين اليوتنان لومال معاون اليوتنانت تيريه. كرئيس لبلدية الحسكة ،ومديراً للأشغال العامة المسؤولة عن فتح وتأسيس الطرق والشوارع .وبقي اليوتنان لومال مدة تزيد عن سبعة أعوام كرئيس لبلدية الحسجة .يُعاونه المعلم إبراهيم كبسو (يونان) .الذي كان يُجيد عدة لغات ..
ويستمر تطوير الجانب الإداري في قضاء الحسجة حتى انفصلت أرض الجزيرة ،عن متصرفية دير الزور عام 1930م.وتسمت بقضاء الجزيرة .)).
بحدي قريو كان من بين من اقترح على الحكومة بدمشق أن تنفصل الجزيرة عن متصرفية دير الزور.وكان ذلك عام 1930م ،وعين أول قائم مقام (محافظ) .أول متصرف ، السيد نسيب بن محمد صادق الأيوبي الكردي الأصل في تشرين الأول عام 1930م.
وكان بحدي قريو عام 1933و1934م . المسؤول عن بناء القرى الآشورية القادمين من مذابح سميلي في العراق.حيث قابل بحدي قريو المفوض السامي آنذاك( الكونت دي مارتيل)
وكلفه هذا الأخير بالإشراف والمتابعة على بناء القرى للآشوريين القادمين ،وعلى الاهتمام بشؤونهم وأوضاعهم الإنسانية ،والاجتماعية، والروحية.ـ يقول ابنه المرحوم جوزيف ، بأن تكليف والده من قبل المفوض السامي، لم يكن لكونه شخصية عادية، بل لكونه كان رئيسا لبلدية الحسجة.
في عام 1936م زار بحدي قريو مع أعضاء مجلس البلدية بالحسكة الوفد السوري العائد من باريس بدمشق ،وبارك لهم إنجازاتهم بتوقيعهم معاهدة الانسحاب الفرنسي،كما بارك للكتلة الوطنية .
ولكن في ذاك الصيف يُشارك في جميع المهرجانات التي أُقيمت بالحسكة خصيصا بما حققه السوريون في اتفاق العهد الجديد ،كما أسموه،ولكن مع الأسف في تشرين الثاني من نفس العام 1936م .وقعت حوادث بين الوطنيين من جهة والفرنسيين من جهة ثانية ،وكان السيد بحدي قريو إلى جانب الحكومة الوطنية، والحزب الوطني آنذاك.وانضم ابنه جوزيف إلى الكتلة الوطنية بالحسكة تجاوباً ودعما لوالده المؤيد للحركة الاستقلالية الوطنية من الفرنسيين وكانت مواقفه ضد الفرنسيين.
ويكتب ابنه جوزيف، ولكن بعض من كانوا يلعبون بالنار ، وهم كُثر ويتزوعون على القوميات والديانات في الحسكة والجزيرة .اتهموا السيد بحدي قريو ، بأنه يتآمر مع الفرنسيين على وطنه ،وهذا الموقف من هؤلاء التجار كان نتيجة لتآمرهم على والدي حيث اجتمعوا وجمعوا المال، وذهبوا إلى حلب ودمشق وقابلوا المسؤولين السوريين لضرب والدي في الصميم، وحتى خالد بكداش لم يتوانى عن أنه كتب ضد والدي، والسؤال هل كان يعرف خالد بكداش والدي لولا من كانوا له عيوناً في الجزيرة .؟!!
إننا نستشف من خلال مذكرات ابنه جوزيف، بأنه كان برئياً من كلّ تلك التهم. لابل أغلبها كان بناء على الغيرة، والحسد، والتفرقة الدينية، والقومية، وغيرها من أسباب حتى أبناء دينه وطائفته حسدوه ولم يقصروا في التآمر على هذا الرجل.
بحدي قريو له أيادٍ بيضاء مع زعماء سورية آنذاك ، ولكن المتنفذين في الجزيرة كانوا يوغرون صدور المسؤولين في دمشق ضده ولكنه ينتصر على الجميع.
عندما لم تكترث الحكومة السورية بدمشق ،لنميمة هؤلاء ومؤامراتهم ضد هذا الرجل ، لكونهم
٫كانوا واثقين بوطنيتة السورية ، ويعلمون بأنه اللولب ضد أية حركة فاسدة كانت تُقام ضد سورية.
ولكن المنعطف الخطير الذي غير برأي الشخصي الزعيم بحدي قريو كان أثناء تعين الأمير بهجة الشهابي محافظاً للجزيرة عام 1937م .
والأحداث والاضطرابات قائمة فيها يومها ،وليس هذا وحسب بل يؤكد هذا الوطني على تمسكه بالخط السوري ،فيشارك مدينة الحسكة فرحتها بقدوم المحافظ الجديد (الأمير بهجة الشهابي). حيث كان على رأس المستقبلين ،وكان إن ألقى كلمة ترحيبية، هزت المجتمعين .أكد من خلالها على أنه تمسكه بموقفه الصلب ضد أيّ عمل يُسيء للوطن سورية .
وبعد أن انتهى من إلقاء كلمته .تقدم قائد الدرك السوري في الجزيرة يومها ،السيد عبد الغني القضماني .حيث رحب بالمحافظ الجديد وقال( سيدي المحافظ ،إني أقدم لكَ الجزيرة غنية وفقيرة بآن واحد، غنية بأراضيها الخصبة للزراعة ، وفقيرة برجالاتها المخلصين للوطن)).
وما إن أنهى قائد الدرك السوري هذه الجملة حتى استنكرها جميع الموجودين ولكن بحدي قريو وآغا حاجو ونواف قاموا قومة رجل واحد.
إن تلك الكلمات التي قالها عبد الغني القضماني قائد الدرك ، أدركت جميع المكوّنات الجزرية مدى الكره الذي يضمره لهم قائد الدرك.
ولكن كان برأي أغلبهم الموجودين موجهاً لرئيس البلدية السيد بحدي قريو على وجه الخصوص ،لكون قائد الدرك كان قد قدموا له بعضاً من المكوّنات مالا وأوغروا صدره بالتعصب الديني ،لكونهم كانوا يرون في سيطرة المسيحيين على الدوائر والمؤسسات ما يُزعج كبريائهم، أجل هي حقيقة لايقولها تُجار الوطنيات الكرتونية ، وقد شعر الزعيم بحدي قريو الوطني، بأنّ المقصود هو ويتم الضغط عليه ليستقيل ويتم تعيين غيره.
لكن ابنه يؤكد في مذكراته على نزاهة ووطنية والده ،وأنه كان يعمل لمدينته ولوطنه .
إنّ قراءة موضوعية وواقعية في مذكرات الابن عن والده لايرقى لها الشك بل نؤكد على ما سجله لنا كمادة تنقيبية للبحث عن الأسرار الخفية.

يتبع.
للباحث المدّرس
اسحق قومي.
من كتاب ((مئة عام مرت على بناء مدينة الحسكة))
29/7/2018م
شاعر وأديب وباحث سوري مستقل يعيش في ألمانيا



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن