خجي وسيامند: الفصل الثاني 2

دلور ميقري

2018 / 7 / 28

" تينا "، كانت من أولائي النسوة العاطفيات، سريعات التأثر، ممن يسهل خداعهن في أوان لمس وتر معيّن في قلوبهن. على أنها لم تكن ساذجة بحال، ولا بسيطة بشكل من الأشكال. مع ذلك، يمكن القول أنّ صدمة فقدان مَن كانت تعدّه شريك حياتها، قد هزت كيانها بشدّة لدرجة بدا أقرب للهشاشة. وليست المشكلة في كونها أرملة على الطريقة الأوروبية، بل هيَ في التصرف وكما لو كانت أماً عليها مسئولية البحث عن ابنة سبقَ وفقدتها في بلد غريب.. ابنة، لم تلتق بها مرة قط؛ ولكنها على الرغم من ذلك، راسخة الوجود في قلبها روحاً مثلما أنها ثاوية في حقيبتها صورةً.
في المقابل، ليسَ بالوسع المجازفة بالقول، أن تلك هيَ عاطفة عبثية تجاه طفلة أضحت الآنَ في الرابعة من أعوام عُمرها اليانع. إذ سبقَ للسيّدة السويدية، كما ذكرنا في مكانٍ آخر، أن اجتازت صراط التجربة ذاتها مذ أن كانت في سنّ ابنة صديقها الراحل. والداها البيولوجيان، لم يظهرا في حياتها مرة أخرى أبداً.. لم يباليا بوزر الإثم، أو فكّرا في هول أن تعيش ابنتهما في كنف أسرةٍ غريبة وما لو كانت تحظى بالرعاية الحقة. ولكن، مَن من مواطنيها لا ترتفع يده إلى سماعة الهاتف، كي يطلب البوليس، إذا ما رأى شخصاً أجنبياً يمدّ يده ليقطف ثمرة ناضجة من شجرة التفاح، العائدة لحديقة منزله؟
مع كل ما علمته من " فرهاد " عن أصالة الأسرة الراعية لابنته، والتي سبقَ لها أن فعلت الكثير لأجله وشقيقته، مع ذلك، جاءت إلى مراكش لمزيدٍ من الثقة والاطمئنان. مع أنها في قرارة نفسها، تدرك أن ثمة مشكلات كثيرة قد تواجهها لو صممت على اصطحاب الطفلة معها إلى السويد. ولن تلبث أن تشعر بالدهشة، وأيضاً بالرعب، حينَ ستعلم من " عبد الإله " أنّ التبنّي محرّمٌ في الإسلام.

***
" إنني هنا، في مراكش، من أجل العثور على هذه الطفلة "
قالت لرفيق الرحلة وهيَ تعرض عليه صورة " خَجيْ " الصغيرة، وكانت ما تنفكّ حديثة الولادة ملفوفة بالقماطات. ألقى نظرةً عجولة على الصورة دونما أن يمسّها، ثم تمتم بنبرة محايدة: " إنها كالقطة المولودة للتو.. ". أبقت الصورة لحظات أمامها فوق الطاولة، تودّ لو أنّ الرجلَ يلاحظ العينين الغضتين وهما ترنوان بلهفة إلى المرء وكأنهما تدعوانه إلى مراعاة براءة الطفولة. بيْدَ أنّ مَن تدعوه، " عبد "، لم يرَ حاجةً هنا لأيّ أداءٍ مسرحيّ: " وماذا بعد؟ إنها مجرد ابنة رضيع، يُمكن أن تحصل على حليب صناعي لو افتقدت ثديَ الأم "، لعله فكّر بهذه الطريقة على ما لاحَ من فتور عاطفته.
ولأنّ هذه الطفلة عزلاء إلا من براءتها، فإنّ " تينا " امتلأت مجدداً بالتصميم على نجدتها متسلّحةً بذكريات طفولتها التعسة. ما أسرعَ أن استردت هدوءها، طارحةً إلى جانب ما رأته من لا مبالاة فجّة. وهذا جلّيسها، الصارم الهيئة، ينتبه بدَوره إلى ما اعترى ملامحها من ضيق. انتفخ مجدداً في كرسيه، كما لو كان أمام عدسة كاميرا، ثم ما عتمَ أن تبرعَ بإيماءة أخرى للصورة الراقدة فوق الطاولة: " بلى، إنها وديعة وبريئة كالقطة! ولكنني فهمت منك، أنّ أمها مغربية؛ فهل هدفك هو الحصول على عنوانها؟ "
" أمها اختفت، حينما كانت الطفلة بنفس عمرها تقريباً في الصورة "
" آه، فهمتُ الآنَ. يا لها من قصة! "
" إنها قصة حقيقية، مع الأسف.. "
" نعم، لا أشك في ذلك "، قالها ثم مضى بفكره بعيداً. نافدة الصبر، عادت إلى إيقاظه بالقول: " بمناسبة إشارتك لمسألة العنوان، أعلمك أنني أمتلك عنوان أسرة قريبة للطفلة تقوم برعايتها ". أراد أن يعقّب على ما سمعه، وإذا بعزفٍ محليّ ينطلقُ من خلفه مباشرةً. كانوا ثلاثة أشخاص يرتدون ملابس أهل الجبال، أوسطهم يحمل ربابة؛ وهوَ من استهل الغناء على الفور باللغة الأمازيغية. بعد نحو دقيقة، أنصرف هؤلاء وبيد مغنيهم ورقة نقدية أجنبية كان ما ينفك ينظر إليها باستغراب. أما مواطنهم، فإنه لم يمتنع وحَسْب عن منحهم شيئاً، وإنما زاودَ بتشييعهم قائلاً لمضيفته مصرّفاً بأسنانه: " هذا ما بقيَ من ثقافتنا القومية، نشحذ عليها من الأجانب بوساطة الأغنية والسيرة الذاتية! ". لم يبدر منها سوى تقطيب حاجبيها المرسومين، كيلا تعطيه فرصة المضي بالثرثرة المعتادة. على أنه صرفَ النظر بنفسه عن الموضوع، منشغلاً بملاحظة فتاة فتيّة صُحبة ما ظهرَ لاحقاً أنه ثريّ عربيّ.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن