الثنائيات في رواية -حامل الوردة الأرجوانية أنطوان الدويهمي

رائد الحواري
read_111@hotmail.com

2018 / 7 / 21

مهام النظام الرسمي العربي، مراقبتنا، ملاحقتنا، البحث عن الأشخاص الذين نقيم معهم علاقة، كشف طبيعة هذه العلاقة، فرض الأعمال التي يجب أن نقوم بها، يمنعنا من السفر، يعتقلنا، يعذبنا، يعدمنا، وحتى أنه يقرر كيف وطبيعة وطريقة زواجنا، من نتزوج ومن أي بلد، فهو يتماثل بدور (الرب)، القادر والمتحكم بكل ما يصدر أو يقوم به (العبد)، لهذا عندما يفتش في أوراقنا الشخصية يعتبر عملا طبيعيا، وعندما يفرض علينا نوع وشكل ومضمون ما نكتبه، أيضا يعتبر عملا طبيعيا، وعندما يوجهنا لكتابة موضوع بعينه علينا أن نتقبل ذلك بروح الرضا، (فالرب) خصنا بهذه المهمة (الربانية) والتي سنؤجر عليها وندخل (الفردوس) بعد أن "فتحت أبوابها"!!، وإذا خالفنا ما يطلبه (الرب)، فبالتأكيد سيكون (الجحيم) هو البديل.
الترغيب والترهيب، الثواب والعقاب، الجنة والجحيم، الملائكة والشياطين، حاضرة في ثقافتنا، في تفكيرنا، في طريقة تعاملنا، لهذا نعتبرها مسألة طبيعية، وعلينا عدم البحث فيها أو مناقشتها، والتسليم بها أمر بديهي، لأنها حقيقة مطلقة، هكذا جاءت في الكتاب المقدس وفي القرآن الكريم، وعندما يعمل بها (الحاكم بأمر لله) ويطبقها على (رعيته)، يكون ذلك جزء من عمل (رباني)، يرضي الله، ويرفع مكانة (الحاكم بأمره).
بعد أكثر من ثمانية عقود على (استقلال) الدول العربية ما زال المواطن العربي يتعرض لعين الطريقة التي عُومل بها أيام الاستعمار الغربي، وكأن الزمن توقف عند عام 1921، والأشخاص بقوا هم أنفسهم، لكن أدوات القهر والمراقبة والتعذيب تطورت وأصبحت (عصرية)، فلا يبدي (الاستعمار/النظام) مجهودا كبيرا في عملية المراقبة والبحث والسيطرة على الأفراد والجماعات، فأداة القهر تطورت وسهلت ووفرت الكثير من الوقت والجهد على الاستعمار/النظام، بمعنى أن شكل وسيلة القهر تغير، لكن جوهر القهر ثابت، كما أن الجهة التي قامت بفعل القهر تغيرت، فبدل المستعمر الغربي، استُبدل ب(حكام) منا، فهل يعقل أن نرى (الغرب الكافر/المعادي/أل...) يتجاوز كل الخلافات والتباينات فيما بين دوله ويؤسس أوروبا الموحدة، يحق لأي مواطن في القارة أن يتنقل فيها دون أي قيود، ونحن أبناء المنطقة العربي ما زلنا نخضع لفكرة (التصريح) عندما نريد الذهاب من مدينة إلى أخرى، ويجب أن يسمح لنا (الرب) بهذا الأمر!!.
مقدمة كان لا بد منها لنتذكر بأن الإنسان في المنطقة العربية (كتب عليه) الشقاء والقهر "إلى يوم يبعثون" وإلا لماذا هذا النوع من الأدب الذي يتناول القمع والاعتقال والتعذيب والإخفاء في "غياهب السجون"؟، لولا وجود واستمرار الاعتقال والتعذيب.
الراوي
الرواية تتحدث عن كاتب مرموق، يشارك في أربع مقالات في احدى المجلات الرسمية وباسم مستعار، وعندما يُعرض عليه مكافأة مالية نظير تلك المقالات، يرفضها، "فأنا لا استطيع قبض ثمن المقالات الأربع، لقد حاولت جاهدا اقناع نفسي بذلك، ... كان هناك في العمق ذاتي رفض مطلق لمد يدي إلى هذا المال، لا طاقة لي، مهما رغبت ومهما فعلت، على تجاوزه، أمر يتخطى وعيي وإرادتي، هكذا أقبض ثمن المقالات، وقررت التوقف نهائيا عن الكتابة في "مرآة الشرق" ص105، مسألة طبيعة أن يكون لكاتب بهذه الافكار وهذه المشاعر، فهو شخص حساس ومرهف المشاعر، ومن حقه الطبيعي أن يكتب أو يمتنع عن الكتابة، ومن حقه أن يقبل أو يرفض المكافأة، فالكُتاب لهم عالمهم الخاص ولا يجوز لأيا كان أن يتدخل فيما يكتبونه.
لكن ما هي الأسباب التي جعلت "الراوي" يمتنع عن الاستمرار في الكتابة ورفض المكافأة؟: "وأني لو قبضت هذا المال لما عد صفائي هو نفسه، فماذا يفيدني إن ربحت العالم وخسرت صفاء نفسي؟ كانت ستدحل إلي مادة ثقيلة لا عهد لي بها، تضرب خفة وجداني، وتعلق بكل ما يعبر فضائي من مشاعر وأفكار ورغبات وأحلام وصور، فكيف أعود أنا هو أنا؟، كما أدركت أن مال "مرآة الشرق" هو في العمق خيانة لذكرى والدي، ولصورة والدتي، ولطفولتي، وللمربين الذين زودوني بالعالم في ذلك العهد الذي لم يعد موجودا اليوم ولا هم عادوا موجودين، هو خيانة لكل من عرفت وأحببت طوال حياتي، وأني لو قبضت هذا المال لاهتزت علاقتي بالأسفار، وتخربت، ولما عدت أستقل القطار الذي أحبه كثيرا، وتخربت، .. ولما عدتُ أتأمل من نافذته، بالحرية والشغف نفسيهما، السهول الندية، والقرى المائلة على التلال وفي فسحة الحقول، والطيور العابرة فوق البحيرات ومجاري الأنهر...من كان سيحرر نفسي هواء نفسي من هذا الثقل الملوث؟" ص106، في البداية نجد الأسباب نفسية، فهو يشعر بأن هذا المال ملوث، وسيفقده عالمه الجميل، وسيفقده ذاته ككاتب وكإنسان، ثم يقدمنا أكثر طبيعة هذه الأسباب التي جعلته بهذه المشاعر، فهناك ماضي ينتمي إليه الكاتب يجعله لا يقبل هذه المكافأة والاستمرار في رفد "مرآة الشرق" بالمقالات، فالأب والأم والمربين والمعلمين الذين أخذ منهم وعنهم القيم والمبادئ تجعله يحول دون قبول المال والاستمرار في كتابة، وهذا المال وهذه الكتابة تجعله يفقد علاقة الحميمة مع الطبيعة، مع الشعور بالحرية، ومن ثمة سيفقد ذاته ككاتب وكإنسان.
الأهم فيما تقدم أن الراوي يركز على الناحية النفسية، وليس على المادية، وكأنه بهذا يضعنا أمام فكرة الثنائية، المادة/المال من جهة والروح/القيم من جهة ثانية، وهي أيضا فكرة لها علاقة بالجنة والنار، الطريق إلى الجنة فيه التعب والجهد، والطريق إلى النار سهل وسلس.

آنا والراوي
هناك علاقة حميمة بين الراوي وبين "آنا" فهما يعيشان حالة ثنائية، فهما متفقان على عدد من الأشياء ويختلفان على اشياء أخرى، "فعلاقة آنا بأراضي الشرق هي علاقة المسافر، العابر، المكتشف، وعلاقتي بها هي علاقة المقيم، المتجذر، المتألم، والرؤيتان لا تنسجمان" ص11، الحركة عكسية، والشعور تجاه الأرض متعاكس، فآنا سائحة على هذه الأرض، والراوي مقيم، راسخ وثابت فيها. وهذه ثنائية المشاعر تجاه الشرق.
ثنائية الفعل والمفعول
الطبيعة تقوم على المتناقضات، "الصيف والشتاء، الخريف والربيع، الخير والشر، الراوي يقدم فكرته عن واقع الحياة: " ...تعبر كلها عن رؤية واحدة، راسخة، للحياة البشرية، قائمة على ثنائية مطلقة لا هوادة فيها، هي ثنائية القاتل والمقتول، والراعب والمرعوب، والجلاد والضحية" ص98، فهل الحياة لا تكون إلا بوجود هذه الثنائيات؟ أم أننا نستطيع أن نجعلها أجمل دون هذا المتناقضات؟


ثنائية الزمن
الإنسان يعيش زمنه، لكن في المنطقة العربية يجبروننا أن نكون/نعيش زمن ماضي، يرجعوننا إلى التاريخ، فيكون هذا الزمن عبئ أضافي علينا: "مسألتي مسألة الإنسان الذي يجد نفسه رغما منه في انهيارات التاريخ، كنت أود الاقامة في فسحة التأمل المستقرة التي أنشدها، لكن الانهيارات هي حولي من القوة بحيث لم يعد من مجال لأي فسحة" ص172، فحتى الانجازات التي تحققت في الماضي تكون عبئ، وتشكل حالة من الألم، لأنها تجعلنا نقارن ما نحن فيه من بؤس، بما كانا في من مجد، وهذا يعذب الإنسان أكثر، ويجعله يشعر بالهوة التي تفصله بين ما كان نعيم وما هو الآن من جحيم.

ثنائية المكان/الحالة
للكاتب عالمه/مكانه الخاص، إن كان كإنسان أو ككتاب، فالإنسان يجد ذاته في: "أن ما يميز علاقتي بالأمكنة في الغرب عما هي عليه في بلادي، أمران أساسيان: الجمالية والحرية، الجمالية لأني حين عودتي ذهلت أمام فظاعة التشويه والبشاعة اللذين أحدثهما الإنسان في الطبيعة، وفي هذا الموطن، الذي كان منذ أقدم الأزمان رمز الجمال الأرضي في المخيلة البشرية... كما أن المرء يتمتع بحرية داخلية في حله وترحاله في أنحاء الطبيعة الغربية لا تتوافر له في بلادناـ المجزأة، الموزعة وفقا لعصبيات القرى والمناطق والمذاهب والطوائف، حيث يشع المتنقل في أرجائها، كأنه مطالب في كل مكان وفي كل وقت، بتوضيح من هو وماذا يريد" ص121، فهناك ثنائية في المكان، وفي الشعور والاحساس الذي يُحدثه ويتركه في الراوي، المكان في الغرب يمنح الشعور بالحرية والجمالية معا، وفي "بلادنا" تم تشويه المكان/الجغرافيا، وأيضا الإنسان فيه مشوه ومختل، وعلى القادم/السائح/ تقديم كافة التفاصيل المتعلقة بحياته وأسباب تجواله/تنقله.
لكن للمكان في الغرب أيضا خصوصية، فلا يمكن التعاطي معه بعين الطريقة في كافة الأوقات والأزمان، فوقت الصباح غير وقت الظهيرة، وفي الشتاء غير الصيف: "حرصنا على الدوام على عدم إخبار أحد، وعدم إعلام المقربين إلينا، وحين نستقل القطار للذهاب إلى هناك، كنا نشعر كأنها رحلة إلى أعماق ذاتنا، حيث الاندماج الأمثل بين جسدينا وروحينا، ... وكنا نختار أوقات السنة الأكثر ملاءمة للعزلة حيث يخلو المكان من الزوار والسياح، فغالبا ما كنا وحدنا في الفندق" ص131، مثل هذه التفاصيل تشير إلى أن الراوي يحمل مشاعر خاصة، استثنائية، فهو يتعاطى مع المكان بطريقة استثنائية مميزة، فرغم جمال الطبيعة والمكان، ورغم الحرية التي يتمتع بها الإنسان، إلا أنه أختارة جمالية استثنائية، وأختار وقت معين، لكي يكون الاندماج الجسدي والروحي في كماله المطلق.
ونتوقف هنا عند "الجسدي والروحي" فالثنائية حاضرة فيهما، ورغم أنهما يحملان معنى حالتين متناقضتين، إلا أن الراوي يعمل على توحيدهما والجمع بينهما، وهذا يعود إلى أن الحديث يدور عن علاقة الراوي ب"آنا" عن علاقة الرجل بالمرأة، وهما أيضا يمثلان حالة ثنائية.
يقدم لنا الراوي حالة فريدة للثنائية، حالة الشعور بالغربة عن المكان وعن المجتمع الذي ينتمي إليه: "تعلمين، أشعر هنا أني في بلد محتل، وهو محتل من أبنائه أنفسهم، وقد تسربت روح الاستبداد إلى معظمهم وسلبتهم ذواتهم، فأضحوا بلا هوية وفي غربة عن أرضهم" ص170، فالثنائية هنا تكمن في اغتراب الراوي عن مجتمعه وعن وطنه، واغتراب المجتمع عن نفسه، عن ذاته، بمعنى أن المجتمع يعيش في نفس المكان الذي ينتمي له، لكنه يخربه ويشوهه ويدمره، ونجد الراوي يعي هذا الخراب ويعيشه، رغم أنه لا يشارك فيه، بينما المجتمع الذي يقوم بالخراب والتشويه لا يشعر به ولا يعمل ليحد منه أو إيقافه.
وهناك حالة من الغربة تجاه المكان تتمثل في: "هي قبل كل شيء أرض طفولتي وصباي الأول، وأرض والدي وأجدادي، التي طالما حلمت بها من بعيد، ولم استطع التأقلم مع ما آلت إليه ولا إعادة بناء حيلاتي فيها، وكما كنت أحلم بهنا حين كنت هناك، صرت أحلم بهناك حين أصبحت هنا" ص125، ثنائية مستديمة ومتواصلة، فعندما يكون هنا يكون هناك، وعندما يكون هناك يكون هنا، فالعلاقة بالمكان غير مستقرة وتعبر عن حالة (الاضطراب) وعدم الاستقرار عند الراوي، وعدم الاستقرار هذا يشير إلى إنسانية الراوي، وعدم قبوله بما هو كائن، عدم قبوله التشويه الذي يحصل على الجغرافيا وما عليها، إن كان بناء، عمران إسمنتي، أم حياة اجتماعية بشرية
ونجد صورة أخرى لثنائية المكان جاءت بهذا الشكل: "هل أقول أن كل هذه الابنية التي أجهدوا أنفسهم في تشيدها منذ ربع قرن، هي في نظري خراب بخراب؟ وإن شجرة سنديان أو صنوبر واحدة هي في عرفي أهم بما لا يقاس من بناء شاهق" ص18، المكان الأخضر بالنسبة للراوي أهم بما لا يقاس من المكان المشيد بالإسمنت والحديد، وهذا الحالة تعكس ثنائية المكان، شكل المكان بالنسبة للراوي يختلف تماما عن شكل المكان بالنسبة للمجتمع.
ويقدم لنا الراوي فكرة جديدة عن علاقة الإنسان بالمكان: "...شعوري بأن هذا البيت ليس لي وحدي، بل هو ملك كل الذين عاشوا فيه من أهلي على مر الزمان، وبأن تعلقهم به وبحديقته لا يزال موجودا وإن فارقوا الحياة؟ فمن قال إن المشاعر تزول مع أصحابها؟" ص19، ثنائية الوجود لمن هم غابوا/ماتوا وبين الراوي الحاضر تعد حالة فريدة، فهو يشارك الأموات في حقهم/حبهم للمكان.
والطبيعة الثائرة لها مكانة عند الراوي: " ...بينما يهدر البحر هدرا على وقع الرعود وصفير الرياح وانهمار المطر الشديد، لم يكن جموح الطبيعة سبب يقظتي، بل على عكس ذلك، كانت العاصفة تؤنس سهادي، كما في كل مرة، وتشعرني بقوة أني حي" ص39، نجد الراحة والمتعة والشعور بالحرية تتجاوز التفسير العقلي، فهل يعقل أن يكون صوت الرعد وهدير الموج، أصوات جميلة/محبوبة/مرغوبة؟، أعتقد شكل هذه الأشياء هو غير محبب، لكن جوهرها مرغوب ومحبوب، ويعود ذلك لأنها تعبر عن حالة الرفض/التمرد/الثورة على ما هو كائن، ساكن، وأيضا بهذا الحيوية وهذه الأصوات تؤكد على حيويتها وفاعلتها وحضورها في الحياة ووجودها، كل هذا يجعل الراوي يقدمها على أنها صورة جميلة للحياة.

السجن والراوي
للمكان وقع متباين على الإنسان، فهو أحيانا يكون جميلا وأحيانا يكون ومؤلما، عندما يتم اعتقال الراوي في "حصن الميناء" يكون بهذا الشعور: "أدركت أني معتقل في "حصن الميناء" فارتاحت نفسي قليلا إلى المكان الذي لم أكن أتخليه سجنا قط، في كل مرة كنت اتنزه فيها على شاطئ النخلتين، كنت أرنو من بعيد إلى "حصن الميناء"" ص24، الملفت للنظر أن الراوي عندما تحدث عن وطنه ـ وهو حر ـ استخدم تعبير الاغتراب والألم، بينما نجده هنا يستخدم وصف جميل رغم أنه في الأسر.
الراوي يخلق لنفسه مكان/عالم خاص به، رغم وجوده في السجن، إلا أنه يخلق لنفسه عالم جديد: " فحين أكون وحيدا لا أكون معزولا،... ذكرت مدى وحدتي التي أخترتها انفسي داخل هذا المجتمع، داخل هذه المدينة" ص28، فالراوي يتحرر من ضيق المكان إلى الفسحة التي يعطيها لذاته، لنفسه، فالوحدة تمنحه الراحة والتأمل، والتحرر من وقع المجتمع عليه.


ثنائية الكتابة
النص الأدبي واحد، لكن، يقرأهُ كلا حسب رؤيته الخاصة، وهذه القراءة تخضع لظرف، للمكان، للزمان الذي يُقرأ فيه، كما تخضع لتعدد القراء، فلكل قارئ مفهوم خاص، لغة خاصة، حالة خاصة، وهنا تحدث الإشكالية، فالشخص المتسلط يميل إلى لغة القسوة والشدة، والإنسان البسيط يريد لغة سهلة، والأديب بحاجة إلى لغة جميلة، يحاول الراوي أن يوضح/يفسر/يحلل لماذا هذا الاهتمام به وبكتاباته دون سواها: "ليس لأنها مكتوبة بالفرنسية... بل لأنها مصوغة بلغة أدبية، بينها وبين لغة جهاز الطاغية هوة لا تُردم" ص161، فالثنائية واضحة بين لغة "الطاغية" ولغة الراوي، فالأول يصر ويريد ـ حتى اللغة ـ أن تكون حسب إرادته، والثاني يستخدم لغة خاصة متميزة عن تلك اللغة الرسمية الدارجة، فالراوي يستخدم لغة، و"للطاغية" يستخدم لغة أخرى. بمعنى أن لكلا منهما عالم/لغة خاصة.

الطاغية/النظام
كما قلنا في البداية أن الرواية تتحدث عن الاعتقال السياسي، لهذا نجد الراوي يقدم لنا صورة هذا النظام وما يمارسه من أعمال: "فمن المعلوم أن النظام يعتقل من يشاء لسنوات، من دون أي تحقيق أو محاكمة، ويمكن أن يختفي خلالها السجين فلا يُعرف مكانه ولا مصيره، وهناك عشرات الألوف من المفقودين" ص66، هذه الصورة العامة للنظام، لكن لماذا تم تناول الراوي للطاغية؟ وما هي الاسباب التي جعلته يتعرض للاعتقال؟ "رفضي القاطع قبض المال المخصص لي وأنا في امس الحاجة إليه وعزوفي المفاجئ والنهائي عن الكتابة في المجلة" ص108، يبدو أن المسألة طبيعي، كاتب لا يريد أن يكتب لمجلة "مرآة الشرق" فما الضرر بذلك؟ وما هي المشكلة؟ وأين هي؟، سلوك طبيعي لأي كاتب، حتى لأي إنسان، اليوم يقبل القيام بهذا العمل، وغدا يجد نفسه غير منسجم مع عمله، فيأخذ البحث عن عمل جديد، لكن النظام الرباني يرفض أن يكون هناك من يعارضه أو يرفض له طلب، لهذا نجد النظام يمارس سطوته من خلال: "...ثابر رئيس التحرير على مكالمتي بالهاتف، ...لقاء رواتب وامتيازات كبيرة، عرض علي مضاعفة أجري، ثم في اتصال آخر، طلب مني تحديد المبلغ الذي أريد، فهم موافقون مسبقا عليه" ص109.
يرفض الراوي هذا الاغراءات، مما يجعل النظام يسخط عليه، وهنا تكون الواقعة، يتم اعتقال الراوي في السجن، تأخذ الاحتجاجات على اعتقاله في الظهور، ومع هذا نجد النظام: " كل ما صدر من بيانات الاستنكار الموقعة من مئات المثقفين، ذهبت أدراج الرياح، ما يهم النظام منها هو فقط التقصي عن محركها ومحاسبتهم، إن لم يكن اليوم فغدا، حتى لا يعود من يجرؤ على التضامن مهما بلغ شأو الظلم" ص158، وكأن الراوي يخبرنا أن طبيعة وتركيبة النظام تدفعه للتوغل أكثر في غيه وظلمه، وواهما كل من يفكر بإمكانية تغير هذا الواقع، هذه الطبيعة للنظام.
عنوان الرواية
عنوان الرواية "حامل الوردة الأرجوانية" لا يشير بأي شكل من الاشكال إلى أن موضوعها سيكون عن الاعتقال، لكن بعد أن ندخل إلى متن الرواية، نجد أحداث مخالفة لما تحمله فكرة العنوان، وهنا تُحدث فينا الرواية فكرة التباينات/الثنائيات الراسخ في عقنا ووعينا، فكرة الجنة والنار، بحيث نمحي وجود المنطقة الوسطى، ففي ثقافتنا السائد "أما أبيض أو أسود" وهذا ما يجعلنا نتعامل مع الآخرين، أما كأصدقاء أو اعداء، فلا يوجد اشخاص على الحياد.

الرواية من منشورات الدار العربية للعلوم ناشرون، دار المدى، الطبعة الثانية/ 2014



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن