العراق الرأسمالي: من الحرب الى الديمقراطية الجزء/ 2

مظهر محمد صالح
mudher.kasim@yahoo.com

2018 / 7 / 14

العراق الرأسمالي: من الحرب الى الديمقراطية الجزء/ 2

الدكتور مظهر محمد صالح


فأذا كانت الحرب تشبه من الوجهة الاقتصادية قذف الامة بجزء من رأسمالها في البحر كما يقول كارل ماركس، فهي بالتأكيد امام الدماء التي اسيلت والموارد التي دمرت والطاقات الانتاجية التي هدرت، تعبر في كينونتها عن حرب لصوصية غير عادلة اذا كانت في مبتغاها استمرارا لسياسة الدفاع عن مصالح رأس المال المالي ونهب موارد البلاد وملاحقة الارباح الحدية والتسابق عليها كقوة دافعة للتطور الرأسمالي.
فاذا ما اخذنا بالاعتبار ما قاله جون ماينرد كينز الاقتصادي البريطاني الشهير بأنه ( لايمكن بلوغ الاستخدام الكلي الا في الحرب !) فان ذلك، ومن وجهة نظر المدرسة الكينزية انفا، تكون حالة عدم كفاية الاستهلاك والاستثمار وتشغيل الموارد الانتاجية كافة امرا لايمكن تصحيحه بشكل كامل الا بواسطة الحرب.
وعلى هذه الصورة فقد تكشف القانون الاساسي الاقتصادي للرأسمالية المالية الاممية المتقدمة والمتمثلة بالاقتصاد الرمزي الليبرالي الاممي الراهن، بأن الحتميات الاقتصادية العميقة التي ينبعث عنها التحول من المرحلة السلمية نسبيا للرأسمالية المالية وولوج مرحلة الحروب الامبريالية في عصر الليبرالية الجديدة، تاتي بكونها حروبا وظيفتها اسقاط الحدود بين الحكومات الكبرى والشركات الكبرى واجراء التحويلات الضخمة للثروة من القطاع العام الى يد القطاع الخاص اي التحول الى ما يسمى بالدولة السوق market state بدلا من الدولة الامة nation state وهي عملية تترافق مع اتساع هائل للدين العام وانفاق غير متناهي على حفظ الامن من خلال (الخصخصة الجذرية للحروب والكوارث) وخلق مزيج من الدولة - السوق وهذا هو ديدن التيار الراسمالي الليبرالي الجديد اليوم ومعتقداته الاقتصادية في الحرب والسلام.
اي قيام الحكومة والشركات الضخمة بتبادل الخدمات والعقود,...اي انهم جنود من القطاع الخاص واعادة الاعمار الهادف الى تحقيق الارباح الحدية وصناعة الامن القومي في آن واحد، حيث تقول نعومي كلاين في كتابها عقيدة الصدمة :(يكدس بعض الاشخاص الاغذية المعلبة والماء تحسبا لوقوع ازمات كبرى، اما اتباع ملتن فريدمان زعيم مدرسة شيكاغو في الاقتصاد فأنهم يدخرون افكار السوق الحرة وفرض التغيير السريع قبل ان يستيقظ المجتمع المرهق من الصدمة او الحرب).
انه عصر ثورة مدرسة شيكاغو في الليبرالية الاقتصادية او الرأسمالية غير المقيدة وهو الشكل الذي تنبأ به الرئيس الامريكي ديفيد ايزنهاور في نهاية ولايته التي انتهت في مطلع العام 1961 عندما تحدث عن رأسمالية الكوارث والتي تذهب ابعد من موضوع وحدة الصناعة العسكرية قائلاً : انها حرب عالمية تشنها على جميع الاصعدة شركات خاصة ذات صلاحية مستمدة من الاموال العامة، وانتدبت الى ما لا نهاية لحماية الاراضي الامريكية الى الابد من خلال القضاء على (الشر) في الخارج.
ولعل من الطريف انه بعد انقضاء اكثر من خمسين عاماً وفي ظل الليبرالية الجديدة اثير موضوع دول محور الشر يوم اطلقها الرئيس جورج بوش على بضعة بلدان في اسيا كان العراق من بينها وكان يقصد بلدان ذات نمط الانتاج الاسيوي او الاستبداد الشرقي.
ان الشكل الراهن لليبرالية الجديدة او الدولة - السوق لايمكن تحقيقه والحفاظ عليه الا ضمن برنامج اديولوجي يقوم عن طريق الاحتلال العسكري او الحروب التفكيكية واعادة زج الاقتصادات ماقبل الرأسمالية المالية الى داخل منظومة رأس المال تحت شعار: التجارة الحرة والديمقراطية وفرضهما بالقوة العسكرية المباشرة وغير المباشرة.
ان الدروس والعبر المستخلصة من حرب العراق لخصتها السيناتورة الامريكية عن الحزب الديمقراطي (كليرما كاسكل) مؤكدة اهمية تشديد السيطرة على العقود لان ارقام ارباح بضع شركات امريكية او حليفة لها التي تقود جيش من القطاع الخاص يسدي خدمات عسكرية خارج البلاد وفي العراق على وجه التحديد قد حققت ارباحاً خلال سنوات الاحتلال بلغت 72 مليار دولار وهو الرقم الذي يزيد على المتوسط السنوي لايرادات العراق النفطية خلال العقد المنصرم.
ويلحظ ان هذه الشركات قد جهزت بعد العام 2003 في العراق مليار وجبة طعام و25 مليار غالون ماء صالح للشرب واطنان لاتحصى من الثلج ... وهكذا... حسبما اوردته صحيفة الفاينانشيال تايمز اللندنية في تقريرها في اذار الماضي عن نتائج حرب العراق.
مع العرض ان الولايات المتحدة صرفت لوحدها على مشاريع اعادة الاعمار في العراق مايقرب 60 مليار دولار (وهي مبالغ تماثل من حيث القوة الشرائية ما خصص لاعادة اعمار المانيا بعد الحرب العالمية الثانية بموجب مشروع مارشال وخلق المعجزة الالمانية!) وهي نفقات من اصل 202 مليار دولار جرى التصرف بها تحت مسمى حقل اعادة الاعمار وكانت من مصادر مالية مختلفة، سواء من دول مانحة اومن قروض ميسرة اوبقايا برنامج النفط مقابل الغذاء وهي جميعها لم تخلق المعجزة العراقية! في بناء العراق المدمر



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن