كتاب جناية البخاري

زكريا أوزون

2006 / 3 / 25

جناية البخارى
إنقاذ الدين من إمام المحدثين
إهداء
إلى كل من يحترم العقل ويقدره.
إلى كل من يحتكم إلى العقل فى الحكم على النقل.
إلى كل من أضاء شمعة الإبداع فى ظلام التقليد الأعمى والتبعية.
إلى كل من أضاء شمعة الفكر فى ظلام القياس والآبائية.
إلى كل من أحب الناس على اختلاف أجناسهم وأديانهم ومعتقداتهم.
معًا فى هذا المشوار الشائك الطويل.


المقدمة
إن إشكالية الحديث النبوى من أهم وأعقد الأمور فى الدين الإسلامى، والبحث فيها يتطلب جرأة مدعومة بالعلم والحجة والبينة نظرًا لحساسيتها.
وقد تم انتقاء "صحيح الإمام البخارى" لمناقشة ومعالجة موضوع الحديث النبوى فيه، كونه أفضل وأصح كتب الحديث عند كثير من أئمة المسلمين، وزيادة فى الدقة والحرص فقد تم اعتماد الأحاديث التى اتفق عليها الشيخان بخارى ومسلم والتى يطلق عليها عبارة: المتفق عليه.
وإذا كان ما فى "صحيح البخارى" محاطًا بالهالة والقدسية فإن إعمال العقل والتخلص من أوهام النقل هو ما تم السعى إليه فى هذا الكتاب الذى جاءت أبحاثه مبسطة مركزة مباشرة وبعيدة عن التعقيد والتكرار والاستطراد الذى اتصفت به معظم كتب التراث.
أخيرًا فإن السلف قد رأى أن الأجر والثواب هو نصيب العاملين من الأئمة والسادة العلماء الأفاضل دوما-وإن أخطأوا-لكن الأجدر اعتماد قوله تعالى:
{وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا* ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا} صدق الله العظيم. (الأحزاب (67-68)

زكريا أوزون



الفصل الأول
زبدة الكتاب فى بدايته
البحث فى الحديث النبوى أمر شائك وعر مملوء بالمصاعب ومحفوف بمخاطر صيحات التكفير والخروج عن الدين والملة، ولكن النيات الحسنة والصادقة التى تترافق مع الجهد والبحث العلمى الموضوعى كفيلة بتذليل تلك المصاعب والمخاطر والوعورة وبتحريك العقول المرنة والضمائر الحية التى لا يمكن للأمة أن تتطور وتستمر بدونها.
ويتوجب على فى البداية أن أبين للقارئ المقصود بمصطلح الحديث النبوى هنا، فهو: أقوال وأفعال وصفات الرسول وكل ما يتعلق بكافة جوانب حياته الفكرية والسياسية والاجتماعية والعلمية والعسكرية... الواردة فى صحيح الإمام البخارى.
وعليه فإن كلمة السنة هنا معتمدة ومستمدة مما جاء فى التعريف اللاحق(1).
وقبل البدء فى الدخول إلى فصول وموضوعات الكتاب، نطرح على مائدة البحث الأسئلة الأساسية التالية:
س 1: هل الحديث النبوى وحى منزل؟
س 2: هل الحديث النبوى مصدر تشريع؟
س 3: هل الحديث النبوى مقدس؟
س 4: هل يفسر الحديث النبوى القرآن الكريم؟
س 5: هل كل رواة الحديث النبوى من الصحابة عدول ثقاة؟
س 6: هل يوافق الحديث النبوى كما وردنا المعطيات العلمية والنظم والأعراف السائدة اليوم؟
س 7: هل وحد الحديث النبوى كما وردنا الأمة وطورها؟
س 8: ماذا نأخذ من الحديث النبوى؟
س 9: هل وفق الإمام البخارى فى صحيحه؟!
وسأقوم هنا بالإجابة عن تلك الأسئلة بشكل موجز مبسط حيث سيجد الباحث بعدها الإجابات المفصلة من خلال أبحاث الكتاب اللاحقة، وهنا أطلب من القارئ الكريم التحلى بالحلم والهدوء والتفكير الموضوعى فى متابعة الاجابات التالية:
السؤال الأول: هل الحديث النبوى وحى منزل؟
الحديث النبوى ليس وحيًا منزلا ولو كان كذلك لأصبح متنه "نصه" قرآنًا يقرأه المسلم عند أدائه فروض صلاته، وهو ظنى الثبوت، نقل بالمعنى وإن حاول البعض إقناعنا بدقة الرواة فى نقل عين لفظ الحديث، وما اختلاف متون "نصوص" رواياته الصادرة عن راو واحد واعتمادها إلا دليل على ذلك.
والرسول الكريم لم يأمر بكتابة الحديث(2)، كما أمر بكتابة القرآن الكريم، وما جاء فى الصحيحين من حديث "اكتبوا لأبى شاه"-الذى سنورد نصه الكامل لاحقا-والذى تم الاستـناد اليه فى كتابة الحديث يتعلق بما قاله الرسول عن تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها.
وهو ما طلب أبو شاه كتابته تحديدًا ليكون بمثابة وثيقة لوصية الرسول حول مكة يظهرها لأهل اليمن ولم يطلب كتابة أى كلام غيره للمصطفى، وفيما يلى نص الحديث المذكور آنفا:
حديث ‏أَبُو هُرَيْرَةَ،‏ ‏قَالَ: ‏لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ‏ ‏(ص)‏ ‏مَكَّةَ‏، ‏قَامَ فِى النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ‏: " ‏إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ‏ ‏مَكَّةَ‏ ‏الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهَا لا تَحِلُّ لأحَدٍ كَانَ قَبْلِى، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِى سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لا تَحِلُّ لأحَدٍ بَعْدِى فَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلا ‏‏يُخْتَلَى‏ ‏شَوْكُهَا وَلا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلا ‏‏لِمُنْشِدٍ‏، ‏وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ‏ ‏النَّظَرَيْنِ‏: ‏إِمَّا أن يُفْدَى وَإِمَّا أن‏ ‏يُقِيدَ".‏ ‏فَقَالَ‏ ‏الْعَبَّاسُ ‏‏إِلا‏ ‏الإِذْخِرَ،‏ ‏فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏(ص)‏: "‏إِلا‏ ‏الإِذْخِرَ".‏ ‏فَقَامَ‏ ‏أَبُو شَاهٍ‏، ‏رَجُلٌ مِنْ‏ ‏أَهْلِ الْيَمَنِ‏؛ ‏فَقَالَ اكْتُبُوا لِى يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏(ص):‏ "‏اكْتُبُوا‏ ‏لأبِى شَاهٍ". (أخرجه البخارى فى: 45-كتاب اللقطة: 7 – باب كيف تعرف لقطة أهل مكة)
أما ما رواه البخارى عن أبى هريرة فى قوله: "ليس أحد من أصحاب رسول الله (ص) أكثر حديثًا منى، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب" فقد دفعنى إلى الرجوع إلى كتب الأثر لأجد أن مجموع ما رواه عبد الله بن عمرو لا يزيد بأية حال من الأحوال عن ربع ما رواه أبو هريرة(3)، مما يجعل أحدنا يتساءل عما حل بذلك الكم من الحديث الموحى؟!
أخيرًا فإن الصحابة أنفسهم اختلفوا فى جواز كتابة الحديث النبوى حيث كرهها عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى وأبو سعيد وآخرون غيرهم(4).
السؤال الثانى: هل الحديث النبوى مصدر تشريع؟
أغلب الحديث النبوى ليس مصدر تشريع لأن معظم ما وصلنا عن طريقه لم ينفرد به النبى (ص) عن غيره من الناس لكى يتخذ شرعة ومنهاجًا من بعده، فمثلا لم يكن النبى (ص) أول إنسان يأكل باليمين أو يأكل التمر أو يستخدم العود الهندى أو يحتجم أو يبكى على وفاة ابنه أو ينام على جنبه الأيمن أو يقبل النساء... أو... أو... إلى غير ذلك ليعتبر ذلك تشريعا.
وهنا يقول قائل: ولكن النبى هو أول من صلى الصلاة التى نراها وفصل أوقاتها وعدد ركعاتها وهو أول من حدد نسبة الزكاة 2.5% للفقراء!! وتأتى الإجابة: نعم! ولذلك قال تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول...}(النورـ 56).
وهو ما يدل على أن هذين القولين فقط هما ما يؤخذان عنه وقد حصلنا عليهما عن طريق السنة الفعلية المتواترة (وليس السنة القولية).
وهنا لابد من إظهار الفرق بين كلمتى الرسول والنبى(5) اللتين يتم الخلط بينهما عمدًا أو سهوا! فسيدنا محمد بن عبد الله رجل يحمل صفتين معًا هما صفة الرسول (من الرسالة) وصفة النبى (من النبوة) تماما كما يحمل أحدنا اليوم صفتين فى عمله كأن يكون مهندسًا ومديرًا للعلاقات العامة.
ففى مقام النبوة يقوم محمد النبى بالاجتهاد والعمل حسب المعطيات والإمكانيات والأرضية المعرفية السائدة، ويصحح له من خلال ذلك المقام، لذلك نجد أن التصويب يكون دائما من مقام النبوة كما فى قوله تعالى: {يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك والله غفور رحيم} (التحريم-1). {يا أيها النبى اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين أن الله كان عليما حكيما}(الأحزاب-1). {ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض...} (الانفال-67). {لقد تاب الله على النبى والمهاجرين...} (التوبة-117). لذلك فإن الأحاديث الواردة عنه سميت بالأحاديث النبوية.
أما فى مقام الرسالة والتى تشمل كافة التشريعات والأوامر التى أمره بها الله-عز وجل-عبر جبريل الأمين فى القرآن الكريم، فهو معصوم فيها من الوقوع فى الخطأ، وقد عصمه الله من ذلك، وعليه فإن الطاعة فى القرآن الكريم هى للرسول، {قل أطيعوا الله والرسول}(آل عمران-32). {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول... واحذروا...}(المائدة-92). {من يطع الرسول فقد أطاع الله...}(النساء-80).
وقد جاء أمر الاقتداء بالرسول فى الصلاة والزكاة من مقام الرسالة كما رأينا فى الآية الكريمة السابقة، لذلك فإنه لا يوجد لدينا أحاديث رسولية، لأن رسالة سيدنا محمد (ص) هى القرآن الكريم، وقد وعى الصحابة ذلك فلم يكتبوا عنه عندما كان يحتضر على فراش الموت ما أراد أن يوصيهم به لأنه قد أدى رسالته ممثلة بالذكر الحكيم المحفوظ فى السطور والصدور(6).
السؤال الثالث: هل الحديث النبوى مقدس؟
بناء على ما سبق فإن الحديث النبوى ليس مقدسا. وهنا أذكر أن معظم ما ورد فى الصحاح والمتون وغيرها عند أهل السنة مثلا لا يعترف به عند الأخوة الشيعة والعكس صحيح، كما أن ثقاة وعدول أهل السنة ليسوا كذلك عند أهل الشيعة وبقية الملل الإسلامية المختلفة.
السؤال الرابع: هل يفسر الحديث النبوى القرآن الكريم؟
لا يفسر الحديث النبوى معظم القرآن ولا يشرحه كما يؤكد السادة العلماء الأفاضل وغيرهم، وهنا أطلب ذكر سورة واحدة من القرآن الكريم يتجاوز عدد آياتها المائة-مثلا-قد تم شرحها من بدايتها إلى نهايتها آية آية من قبل الرسول ذاته!
مع الإشارة إلى أن الأحاديث التى تبحث فى تفسير القرآن فى صحيح البخارى-كتاب التفسيرـ لا تتجاوز نسبتها (6%) من مجمل أحاديث صحيحه، كما أننا نجد حديثًا أو حديثين لسورة كاملة فى حين نجد الكثير من الأحاديث لآية محددة واحدة.
أما الأحاديث التى تبين ما يسمى بأسباب النزول والتى يعتمد عليها فى الأحكام والفقة، فقد رواها الصحابة ولم تنسب للرسول الكريم-كما سنرى لاحقا-ونذكر هنا أن الصحابى الجليل (أبو بكر الصديق) لم يعرف ما تعنيه كلمة (أبَّا) فى قوله تعالى: {وفاكهة وأبَّا...} حسب ما جاء فى الأثر!!
السؤال الخامس: هل كل رواة الحديث من الصحابة عدول ثقاة؟
وهو من أهم الاسئلة المطروحة لأن الإجابة عنه تعنى رفض ونسف كل الأساليب والشروط والمبادئ التى اعتمدها البخارى وغيره من الأئمة فى صحاحهم أو متونهم، وذلك يعنى ببساطة نسف ظاهرة العنعنة (عن.. عن.. عن..) التى تعتمد على النقل لا على إعمال العقل، تعتمد على من قال وليس ما قال!! وإذا قلت: أن الصحابة كغيرهم من الناس يخطئون ويصيبون يضلون ويهتدون يعلمون ويجهلون وأنه نزلت فيهم آيات عديدة من الذكر الحكيم تنقدهم وتصحح مسارهم وأعمالهم حتى أن سورة التوبة سميت بالفاضحة، لأنها أظهرت حقائق الكثير منهم آنذاك(7).
فان الرد سيكون: ومن أنت لتقول؟ ومن أنت لترى؟ ومن أنت لتقيم الصحابة؟ من أنت؟!... لذلك فانى سأورد هنا آراء الصحابة حول بعضهم بعضًا حسب ما جاء فى كتب الأثر المعتمدة وعملا بالقول" أن الحديد بالحديد يفلح"
وما دام الحديث يتعلق بالحديث النبوى فإنى سآخذ أكثر الصحابة رواية عن الرسول الكريم وهم حسب ذلك التصنيف:
1-الصحابى أبو هريرة الدوسى.
2-السيدة عائشة أم المؤمنين.
3-الصحابى عبد الله بن عباس-حبر الامة.
وسأترك للقارئ التوصل إلى الاستنتاج الملائم من ذلك العرض وبالتالى معرفة الاجابة عن السؤال الخامس المطروح.
1-أبو هريرة الدوسى:
يحدثنا الصحابى أبو هريرة عن ذاته، فيقول: "نشأت يتيمًا وهاجرت مسكينًا وكنت أجيرًا لبسرة بنت غزوان بطعام بطنى وعقبة رجلى... وكنيت بأبى هريرة بهرة صغيرة كنت ألعب بها"(8) وغلبت كنيته عليه ونسب إلى أمه لاختلافهم فى اسم أبيه، وهو من قبيلة دوس قدم مع قومه إلى النبى فى غزوة خيبر، وأشهر إسلامه وانضم لفقره إلى أهل الصفة؛ وأهل الصفة أناس فقراء لا منازل لهم ولا عشائر كان إذا تعشى النبى دعا طائفة منهم يتعشون معه ويفرق طائفة منهم على الصحابة ليعشوهم!
والتقى أبو هريرة بالرسول لفترة لم تزد على السنة وتسعة أشهر بأية حال من الأحوال ومع ذلك فقد كان أكثر الصحابة رواية عن الرسول، مما جعل الصحابة-وعلى رأسهم السيدة عائشة-يتهمونه وينكرون علية ذلك. وهكذا فقد كان أبو هريرة أول راوية اتهم فى الإسلام(9).
وحين توفى النبى ولاه الخليفة عمر (عام 20 هـ) على البحرين بعد وفاة العلاء بن الحضرمى وسرعان ما عزله وولى مكانه عثمان بن أبى العاص الثقفى، أما السبب فى ذلك فكان عندما أجاب الخليفة عمر بأنه-أبو هريرة-يملك عشرين ألفًا من بيت مال البحرين حصل عليها من التجارة (بقوله كنت أتجر)(10) وكان رد الخليفة عمر: "عدوا لله والإسلام،عدوا لله ولكتابه، سرقت مال الله، حين استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين ما رجعت بك أميمة (أمه) الا لرعاية الحمير"(11) وضربه بالدرة حتى أدماه. وقد منعه تماما عن رواية الحديث النبوى بقوله: (لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القرود أو بأرض دوس)(12). ويؤكد أبو هريرة ذلك فيقول: "ما كنت أستطيع أن أقول قال رسول الله (ص) حتى قبض عمر" أو: لو كنت أحدث فى زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربنى بمخفقته"(13).
وقد التقى أبو هريرة كعب الأحبار (الحبر اليهودى الذى أسلم زمن عمر بن الخطاب) واختلطت بينهما المعلومات مما شوش الناس بين حديثهما، وهذا ما عبر عنه بسر بن سعد بقوله: "لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة يتحدث عن رسول الله (ص) ويحدثنا عن كعب، ثم يقوم فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله عن كعب، ويجعل حديث كعب عن رسول الله"(14).
وهنا أكتفى بما جاء فى الأثر عن أبى هريرة، وأتساءل: ألم تصل تلك المعلومات إلى الإمام البخارى قبلنا؟! وكيف أخرج الكثير من أحاديثه فى صحيحه؟!
2-السيدة عائشة (أم المؤمنين):
ولدت عائشة فى السنة الرابعة، بعد البعثة. أبوها أبو بكر الصديق وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر. وقد تزوجها الرسول بعد معركة بدر ودخل عليها وهى بنت تسع سنين أو عشر ومات عنها وهى ابنة ثمانى عشرة سنة، وتوفيت سنة (58 أو 59هـ). وكانت سيرة حياتها مليئة بالخلاف مع الآخرين، ويذكر البخارى فى صحيحه أن نساء الرسول كن حزبين: فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة، والحزب الآخر، أم سلمة وسائر نساء الرسول (ص).
وقد تحدثت بنفسها عن غيرتها من خديجة-زوجة الرسول الأولى-وأم سلمة وزينب بنت جحش وفيها قالت للنبى (ص): " ما أرى ربك إلا يسارع فى هواك". كما إنها تحدثت عن حادثة المغافير وسنأتى إلى ذكرها لاحقا. وقد جاء عن بن عباس أن عمر بن الخطاب أخبره عن المرأتين من أزواج النبى (ص) اللتين قال الله عنهما {أن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما... وان تظاهرا عليه فان الله مولاه}(التحريم-4) (صغت: مالت عن الحق) فقال: هما عائشة وحفصة (15).
وبعد وفاة النبى (ص) اختلفت مع الخليفة الراشدى عثمان بن عفان عدة مرات وقد جاء فى الأثر أن عثمان قال فى رهط من أهل الكوفة استجاروا ببيت عائشة: أما يجد مراق العراق وفساقهم ملجأ إلا بيت عائشة؟!
فسمعت فرفعت نعل رسول الله (ص) وقالت: تركت سنة رسول الله صاحب هذا النعل! فتسامع الناس فجاؤوا حتى ملأوا المسجد، فمن قائل: أحسنت، ومن قائل: ما للنساء وهذا! حتى تحاصبوا وتضاربوا بالنعال(16). وكانت عائشة أول من لقبت الخليفة عثمان نعثلا (يهودى يشبه عثمان فى المدينة) وقالت بصريح العبارة: "اقتلوا نعثلا فقد كفر"(17) وبعد أن قتل عثمان وكسر ضلع من أضلاعه ولم يشهد جنازته-وهو المبشر بالجنة-إلا مروان بن الحكم وثلاثة من مواليه وابنته فقط!! عادت لتطالب بدم عثمان وتقول قتل مظلوما، مما دعا بن أم كلاب للقول:
فمنك البداء ومنك الغير ومنك الرياح ومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الإمام وقلت لنا إنه قد كفر...(18)
بعد ذلك قاتلت عائشة الخليفة علىّ فى موقعة الجمل الشهيرة، ولعل أفضل وصف لذلك ما جاء فى "العقد الفريد" حين دخلت أم أوفى العبدية على عائشة بعد وقعة الجمل، فقالت لها: يا أم المؤمنين، ما تقولين فى امرأة قتلت ابنًا لها صغيرا؟ قالت: وجبت لها النار! قالت: فما تقولين فى امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفًا فى صعيد واحد، قالت: خذوا بيد عدوة الله!!!
أخيرًا فإن السيده عائشة قالت نادمة: "وددت أنى إذا مت كنت نسيًا منسيًا" وقيل إنها عـندما احتــضرت جزعـت فقيل لها: أتـجزعين يا أم المؤمنـين وابنة أبى بـكر فـقالت: إن يوم الجــمل لمعـترض فى حلــقى ليتــنى مت قـبله" لذلك طلـــبت أن لا تـدفن مع النـبى قائلة: "إنى قد أحدثت بعد رسول الله (ص) فادفنونى مع أزواج النبى (ص)" (19).
بهذه العبارة أختم الحديث عن السيدة عائشة وقلبى يعتصر ألما وعينى تدمع لأنها تمثل الوجدان الحى فيها، تمثل الندم والتوبة والاستغفار التى يقبلها الله-عز وجل-من الناس جميعًا دون أن ينعتوا بصفة العدول أو الثقاة!!
3-عبد الله بن عباس-حبر الأمة:
ولد عبد الله بن عباس قبل الهجرة بسنة أو سنتين وعندما توفى الرسول كان صبيًا لم يتجاوز عمره أحد عشر ربيعًا ومع ذلك فقد روى حوالى (1660) حديثا(20)-أثبتها البخارى ومسلم فى صحيحيهما. وبالرغم مما يقال بأنه لازم الرسول (ص) خلال تلك الفترة، فإن ذلك لا يوجد ما يثبته سوى أنه أعد ماء لوضوء النبى (ص) مرة ودخل بين صفوف المصلين خلفه وهو طفل (21).
ولعل المأخذ الأول والأهم على ابن عباس هو صراعه الكلامى والفكرى مع ابن عمه الخليفة الراشدى على بن أبى طالب، وهنا نترك الكلام ونقله للطبرى (تاريخ الطبرى،ج4)(22)الذى يتحدث عن أسباب ذلك الصراع والخلاف، حيث تبدأ القضية برسالة من أبى الأسود الدؤلى صاحب بيت المال فى البصرة تصل إلى الخليفة على وفيها: "عاملك وابن عمك قد أكل ما تحت يده بغير حق!!"
وعلى الفور يرسل الخليفة رسالة يستوضح فيها من ابن عباس صحة ما جاءه ويطالبه برفع حسابه، فيأتى الجواب: "أما بعد، فان الذى بلغك باطل، وأنا لما تحت يدى أضبط وأحفظ، فلا تصدق الأظناء، رحمك الله والسلام" ثم يعاود الخليفة ويطالبه بكتابة موارده ومصاريفه من أموال الجزية، فيأتى الجواب هنا كما يلى: "والله لأن ألقى الله بما فى بطن الأرض من عقيانها ولجينها وبطلاع ما على ظهرها، أحب إلىَّ من أن ألقاه وقد سفكت دماء الأمة لأنال بذلك الملك والإمارة، فابعث إلى عملك من أحببت" ثم يأتى الخبر بأن ابن عباس قد جمع أموال بيت المال ومقدارها نحو ستة ملايين درهم، واستعان بأخواله من بنى هلال فى البصرة الذين أجاروه بعد مناوشة مع أهل البصرة وأبلغوه مأمنه فى مكة-مسقط رأسه-حيث أوسع على نفسه واشترى ثلاث جوار مولدات حور بثلاثة آلاف دينار!
الأمر الذى دفع الخليفة للكتابة برسالة-اكتفينا منها بما يلى:
"... فلما أمكنتك الفرة أسرعت العدوة، وغلطت الوثبة، وانتهزت الفرصة، واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم اختطاف الذئب الأزل دامية المعزى الهزيلة وظالعها الكبير، فحملت أموالهم إلى الحجاز رحيب الصدر تحملها غير متأثم من أخذها، كأنك لا أبَا لغيرك، إنما حزت لأهلك تراثك عن أبيك وأمك، سبحان الله! أفما تؤمن بالمعاد ولا تخاف سوء الحساب؟ أما تعلم أنك تأكل حرامًا؟ أو ما يعظم عليك وعندك أنك تستثمن الإماء وتنكح النساء بأموال اليتامى والأرامل والمجاهدين الذين أفاء الله عليهم البلاد؟ فاتق الله، وأدِّ أموال القوم فانك والله إلا تفعل ذلك ثم أمكننى الله منك لأعذرن إلى الله فيك حتى آخذ الحق وأرده، وأقمع المظالم، وأنصف المظلوم، والسلام"
ويأتى الرد الحاسم من ابن عباس للخليفة: "لئن لم تدعنى من أساطيرك لأحملن هذا المال إلى معاوية يقاتلك به". بهذا الكلام أنهى تلك الفقرة متسائلا كيف نقول عن ابن عباس: إنه حبر الأمة وربانى أمة محمد وبحر علمها الزاخر وترجمان القرآن؟!! وقد قال فيه من عاصره؛ الخليفة على أمير المؤمنين: "يأكل حرامًا ويشرب حرامًا لم يؤد أمانة ربه".
السؤال السادس: هل يوافق كل ما وصلنا من الأحاديث النبوية المعطيات العلمية والنظم والاعراف السائدة اليوم؟
والجواب هنا: لا تتوافق معظم الأحاديث النبوية التى تتطرق للأمور الكونية مع الثوابت والمعطيات وهو ما سنراه لاحقًا فى أبحاث الكتاب، فالشمس تذهب كل يوم تحت عرش ربها وقد ثبت أن الأرض بدورانها حول الشمس يتعاقب الليل والنهار، وآدم طوله سبعون ذراعًا (ما يعادل بناء 12 طابقا) ولم يثبت العلم ذلك فى الإنسان القديم-ما قبل العصور التاريخية، والحبة السوداء تشفى من كل داء لكنها لم تثبت فعاليتها فى كثير من الأمراض السائدة اليوم أو حتى فى أيامهم كالطاعون مثلا.
وسبع تمرات من المدينة تقى من السم والسحر، وهنا نطلب من مؤيدى ذلك التطبيق مباشرة لمعرفة النتائج. والعظام تفنى ما عدا عجب الذنب، والقردة تزنى وترجُمها القرود عقوبة لها(23)، وملك الموت أعور فقأ موسى عينه، والحجر هرب بثياب موسى فضربه حتى ترك آثارًا فيه، وإلى غير ذلك من الأحاديث التى تدخل تحت بند الأسطورة والخرافة لا العلم ومعطياته، وهناك أحاديث تعارض بعض الأعراف السائدة كأحاديث البزازة وتداول المسواك لأكثر من شخص والذباب البصق والتف والنف والصلاة بعد أكل اللحوم والدهون دون وضوء أو غسل للفم وغيرها...
السؤال السابع: هل وحدت الأحاديث النبوية المنسوبة إلى الرسول الامة الإسلامية وطورتها؟
من يدرس التاريخ الإسلامى بحياد وموضوعية ويقف على حال المسلمين اليوم ببحث وتأمل ليستنتج ما ينتظرهم من مستقبل، يدرك تماما أن الحديث النبوى لعب دورًا رئيسيًا فى تقسيم الأمة وتضارب آرائها وأفكارها ومذاهبها بحجة التعددية، تلك التى يغلب عليها طابع الطائفية والقبلية والعصبية والتى لا تقبل الطرف الآخر أو تعترف به-وإن زعمت غير ذلك.
والأحاديث المنسوبة بما فيها من معطيات على الصعيد الفكرى والسياسى والاجتماعى أدت إلى تخلف الأمة وتواكلها وإيمانها بالخرافة لحلول مشاكلها العالقة عوضًا عن العمل والعلم.
وعلى الرغم من الصيحات التى تظهر هنا وهناك فى بعض الكتب وعلى كل شاشات التلفزة لتتحدث عن مكانة العمل والعلم فى معطيات الحديث النبوى فانها لا تتعدى على أرض الواقع الشعارات والأقوال الرنانة.
السؤال الثامن: ماذا نأخذ من الحديث النبوى؟
نأخذ من الحديث النبوى الحكمة والموعظة التى يمكن أن يتقبلها كل إنسان على أرض المعمورة، أمثال أحاديث " لا ضرر ولا ضرار"، "خيركم خيركم لعياله..."، "كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته..."....
أما الأحاديث التى تعارض العلم والمنطق والذوق السليم فنتركها دون حرج، كما أنه يمكن الاستفادة من الأحاديث النبوية فى دراسة الحوادث التاريخية وتحليلها ونقد سلبياتها لتجنبها فى بناء مجتمع المستقبل، مجتمع المحبة والعلم والحرية.
السؤال التاسع: هل وفق الإمام البخارى فى صحيحه؟
هذا ما سنترك للأخ القارئ الحكم عليه بعد قراءة فصول الكتاب وبحوثه بعيدًا عن العصبية والانحياز وهالة تقديس الأشخاص! أخيرًا ثمة تساؤل مشروع هنا، إذا كان الحديث النبوى يمثل شرعًا ووحيًا مقدسًا فما هى حال الناس قبل أن يجمع فى الكتب والصحاح؟! ذلك أن الحديث قد جمع بعد أن مضى على وفاة الرسول الكريم ما لا يقل عن مائة وخمسين عامًا (الإمام البخارى عاش بين (194ـ 256هـ)).
وكيف عرف الناس أمور دينهم ودنياهم؟ وكيف عرفوا التابعين منهم؟ وكيف ميزوا بين طبقات الصحابة الكرام-حسب ابن سعد أم الحاكم؟!(24)
المدخل إلى اسلوب الكتاب
قسمت أبحاث الكتاب الرئيسية إلى ستة فصول تم فى كل منها اتباع الفقرات الاساسية التالية:
1-الفقرة الاولى: (توطئة): تحتوى على مقدمة الموضوع المدروس.
2-الفقرة الثانية: (متن الحديث): وفيها نص الحديث الحرفى مع ذكر الكتاب والباب الذى ورد فيه.
3-الفقرة الثالثة: (الشرح والمناقشة): تحتوى على شرح الحديث حسب ما جاء فى كتب الأثر والتراث مع التعليق عليه ومناقشته.
4-الفقرة الرابعة: (النتيجة): تحتوى على خلاصة ما تم التوصل إليه من خلال الفقرات الثلاث السابقة.

الهوامش
(1) للسنة مصطلحات مختلفة حسب مجال بحثها (سيرة-فقه-حديث...)
(2) نهى الرسول فى صحيح مسلم عن كتابة الحديث حيث جاء عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله (ص) قال: "لا تكتبوا عنى شيئا إلا القرآن ومن كتب عنى شيئا غير القرآن فليمحه" وبالرغم من أن الحديث صحيح-حسب تصنيفهم-إلا أنى لن أعتمده دليلا.
(3) حسب ابن الجوزى عدد أحاديث أبى هريرة (5374) حديثًا ولا تزيد عن (700) عند عبد الله بن عمرو.
(4) الباحث الحثيث-ابن كثير.
(5) لن يتم اعتماد ذلك فى أبحاث الكتاب التى تنطلق من المفاهيم الواردة فى البخارى.
(6) راجع صحيح البخارى-كتاب المغازى، باب مرض النبى (ص)
(7) راجع صحيح البخارى، باب التفسير
(8) طبقات بن سعد 2:4: 53.
(9) تاريخ آداب العرب، مصطفى الرافعى، وكان على بن أبى طالب يقول: "أكذب الناس أبو هريرة الدوسى" شرح النهج.
(10) تاريخ الذهبى الكبير 2/338.
(11) العقد الفريد: 1/53-ومعنى رجعت بك أميمة: تغوطت بك أمك.
(12) البداية والنهاية 8/206-سير أعلام النبلاء 2/4631-أضواء على السنة 54.
(13) أضواء على السنة 59.
(14) سير أعلام النبلاء 2:436-لمعرفة المزيد يراجع فتح البارى، تفسير ابن كثير.
(15) راجع صحيح البخارى، كتاب التفسير.
(16) الأغانى 4/180، مروج الذهب، 1/435 وكما نلاحظ فالتضارب بين الصحابة!
(17) تاريخ الطبرى، 4/477.
(18) الإمامة والسياسة، 1/66.
(19) طبقات بن سعد.
(20) ابن الجوزى.
(21) راجع صحيح البخارى، كتاب الصلاة.
(22) يراجع أيضا: الكامل لابن الاثير، (ج3-194).
(23) لمعرفة التفاصيل عن زنى القرود راجع فتح البارى، وهنا نضيف ما روى فى "البخارى" عن يحيى الكندى عن الشعبى وأبى جعفر: (يلعب بالصبى أن أدخله فلا يتزوجن أمة) وأطلب من السادة العلماء الأفاضل شرح ذلك القول للعامة!
(24) الطبقات عند ابن سعد خمس وعند الحاكم اثنتا عشرة طبقة.

الفصل الثانى
البخارى والقرآن الكريم
لن يتم التعرض فى هذا الفصل إلى تفسير القرآن الكريم بواسطة بعض الأحاديث الواردة فى صحيح البخارى لأن تفسير وشرح ما يزيد على ستة آلاف آية لا يمكن أن يتم بما يقارب من (2762) حديثًا وهو مجموع ما ورد فى صحيح البخارى بعد استثناء المكرر منها(1).
وعليه فإنه سيتم فى هذا الفصل بحث بعض الأحاديث المتضمنة لما يلى:
أولا: أسباب النزول.
ثانيا: النسخ فى آيات الكتاب.
ثالثا: الأحاديث القدسية.
أولا: أسباب النزول (نزول آيات الكتاب):
قبل البحث فى هذا البند لابد من التصويب والتصحيح لمصطلح أسباب النزول ذاته المستخدم فى معظم كتب التفسير والفقه، لما فى ذلك من تطاول على معرفة الله-عز وجل-الذى لا يحتاج وهو العالم العليم لأى سبب مادى فى إنزال كتابه الكريم، ولعل مصطلح مناسبات النزول الذى ينسبه البعض إلى الإمام على هو الأنسب والأجدر بالاستخدام.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن معظم الأحاديث الواردة فى أسباب النزول ماهى إلا أقوال الصحابة وآراؤهم وفهمهم ولم تنسب بالقول إلى الرسول الكريم(ص).
1ـ الموضوع الاول: أول آيات التنزيل الحكيم:
توطئة: القرآن الكريم هو الكتاب المنزل الذى يقدسه المسلمون ويعتبرونه المرجع الرئيسى الأول على اختلاف الزمان والمكان، فإذا كان نزول أول آياته على الرسول الكريم-وهو دون أى شك أمر جلل وخطب عظيم-موضع خلاف عند البخارى، أفلا يكون فى ذلك غياب لدقة المتابعة ومصداقية البحث والتحرى والتمحيص.

متن الحديث (1):
‏عَنْ‏ ‏عَائِشَةَ، أم الْمُؤْمِنِينَ، ‏أَنَّهَا قَالَتْ: ‏أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص) ‏‏مِنْ الْوَحْى الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِى النَّوْمِ، فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلَ ‏فَلَقِ ‏الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاءُ، وَكَانَ يَخْلُو ‏بِغَارِ حِرَاءٍ ‏فَيَتَحَنَّثُ ‏فِيهِ، ‏‏وَهُوَ التَّعَبُّدُ، ‏اللَّيَالِى ذَوَاتِ الْعَدَدِ ‏قَبْلَ أن ‏يَنْزِعَ ‏إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلى ‏‏خَدِيجَةَ ‏فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِى ‏غَارِ حِرَاءٍ؛ ‏‏فَجَاءَهُ ‏‏الْمَلَكُ ‏فَقَالَ ‏اقْرَأْ، قَالَ: "مَا أَنَا بِقَارِئٍ"، قَالَ: "فَأَخَذَنِى‏ ‏فَغَطَّنِى ‏‏حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجَهْدَ ثُمَّ ‏‏أَرْسَلَنِى ‏‏فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِى ‏فَغَطَّنِى ‏الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجَهْدَ ثُمَّ ‏أَرْسَلَنِى ‏‏فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِى ‏فَغَطَّنِى ‏الثَّالِثَةَ ثُمَّ ‏‏أَرْسَلَنِى ‏‏فَقَالَ: {‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ‏ ‏عَلَقٍ‏ ‏اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ}. ‏فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ‏(ص) ‏يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى ‏خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ ‏‏رَضِى اللَّهُ عَنْهَا ‏فَقَالَ: ‏"زَمِّلُونِى ‏زَمِّلُونِى" ‏فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ ‏‏الرَّوْعُ، ‏‏فَقَالَ ‏‏لِخَدِيجَةَ، ‏‏وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِى" فَقَالَتْ ‏خَدِيجَةُ ‏كَلا وَاللَّهِ، ‏مَا يُخْزِيكَ ‏‏اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ ‏‏الْكَلَّ، ‏وَتَكْسِبُ ‏‏الْمَعْدُومَ، ‏‏وَتَقْرِى ‏الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى ‏نَوَائِبِ ‏‏الْحَقِّ.
فَانْطَلَقَتْ بِهِ ‏خَدِيجَةُ ‏حَتَّى أَتَتْ بِهِ ‏‏وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ‏‏ابْنَ عَمِّ ‏‏خَدِيجَة،َ ‏وَكَانَ امْرَأً قَدْ ‏تَنَصَّرَ ‏فِى الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِى فَيَكْتُبُ مِنْ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أن يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِى. فَقَالَتْ لَهُ ‏‏خَدِيجَةُ: ‏يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ.
فَقَالَ لَهُ ‏‏وَرَقَة:ُ ‏يَا ابْنَ أَخِى مَاذَا؟ تَرَى فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص) ‏‏خَبَرَ مَا رَأَى. فَقَالَ لَهُ ‏‏وَرَقَةُ: ‏‏هَذَا ‏‏النَّامُوسُ ‏‏الَّذِى نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى ‏‏مُوسَى، ‏يَا لَيْتَنِى فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِى أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(ص): ‏‏أَوَمُخْرِجِى هُمْ؟ قَالَ نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلا عُودِى، وَإِنْ يُدْرِكْنِى يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا ‏‏مُؤَزَّرًا. (اخرجه البخارى فى: 1ـ كتاب بدء الوحى: 3ـ باب حدثنا يحيى بن بكير)
الشرح والمناقشة (1):
الحديث الوارد مألوف ومعروف عند كثير من الناس لكثرة تكراره فى الكتب والمساجد وعلى شاشات التلفزة والمحطات الإذاعية والفضائية، وعليه فاننى هنا سأشير سريعًا إلى شرح بعض المفردات الواردة فيه: حيث يقال (فلق الصبح) فى الشئ الواضح البين، أما (غار حراء) فهو نقب فى جبل بينه وبين مكة نحو ثلاثة أميال على يسار الذاهب إلى منى، أما فعل (يتحنث) فيعنى تجنب الذنب والإثم، والفعل (ينزع) يستخدم لمن يحن ويشتاق ويرجع لأهله، بينما يعنى الفعل (غطنى) الضم مع العصر، أما قوله (ص) (زمِّلونى) فهو من التزميل وهو ما يوازى التلفيف فى المعنى بينما تفيد (تحمل الكل) بعدم الاستقلال بالأمر، أخيرًا فان (الناموس) هو صاحب السر حسب تعريفهم.
وعلى الرغم من التساؤل المشروع حول إمكان السيدة عائشة فى نقل عين الحوار الدائر بين الرسول الكريم وزوجته السيدة خديجة-وكأنها كانت موجودة معهما-والذى جرى قبل ولادتها بأكثر من سنة من الزمن، فإنه يمكن أن نوجز معنى الحديث: بأن الرسول الكريم (ص) بعد تعبده وخلوته فى غار حراء قرب مكة جاءه الملك بأول كلمات التنزيل الحكيم وهى كلمة (اقرأ) معلنًا بذلك بداية نزول أول آيات القرآن الكريم، وقد فزع الرسول (ص) من ذلك وذهب إلى زوجته خديجة التى طمأنته وهدأته وتبينت أمره من ابن عمها النصرانى ورقة بن نوفل الذى رأى فى ذلك بداية للرسالة السماوية وأن الرسول سيلقى من أهله-قريش-العداء والإبعاد عن الديار.
بعد ذلك العرض ننتقل إلى الحديث المخالف التالى:
متن الحديث (2):
حديث ‏جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأنصاري. عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، ‏‏سَأَلْتُ ‏‏أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏عَنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ-‏يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر-‏قُلْتُ يَقُولُونَ-‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ-‏فَقَالَ ‏أَبُو سَلَمَةَ ‏‏سَأَلْتُ ‏‏جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ‏‏رَضِى اللَّهُ عَنْهُمَا ‏عَنْ ذَلِكَ، وَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ الَّذِى قُلْتَ، ‏‏فَقَالَ ‏جَابِرٌ ‏‏لا أُحَدِّثُكَ إِلا مَا حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ‏(ص)، ‏قَالَ: ‏"جَاوَرْتُ ‏‏بِحِرَاءٍ ‏فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِى هَبَطْتُ فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِى فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ عَنْ شِمَالِى فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ أَمَامِى فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ خَلْفِى فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِى فَرَأَيْتُ شَيْئًا، فَأَتَيْتُ ‏‏خَدِيجَةَ ‏فَقُلْتُ ‏دَثِّرُونِى ‏‏وَصُبُّوا عَلَى مَاءً بَارِدًا، قَالَ فَدَثَّرُونِى وَصَبُّوا عَلَى مَاءً بَارِدًا، قَالَ فَنَزَلَتْ-‏يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ. ‏(أخرجه البخارى فى: 65ـ كتاب التفسير: 74ـ سورة المدثر: باب حدثنا يحيى).
الشرح والمناقشة (2):
يتضح من ذلك الحديث أن أول ما نزل القرآن الكريم هو-يا أيها المدثر-وهذا ما يعارض حديث السيدة عائشة السابق إضافة لاختلاف التفاصيل بينهما حيث لم يقم هنا الملك-جبريل-بضم الرسول وعصره أو مقابلته أصلا، وانما سمع الرسول (ص) صوتًا لم يستطع تحديد مصدره معلنًا بذلك بداية الرسالة السماوية.
النتيجة:
توجد روايتان حول نزول أول آيات الذكر الحكيم، وإذا كان السادة العلماء الأفاضل قد اعتمدوا رواية (اقرأ) فى أحاديثهم ودعواتهم أو فى تسمية بعض قنواتهم الفضائية فعليهم أن يزيلوا الرواية الأخرى من صحيح البخارى ليصبح لاعتمادهم مصداقية وموضوعية علمية، علما أن هناك من يرى فى كلمة (اقرأ) معنى الإبلاغ (بلغ)، كقولهم "يقرئك السلام" وهى لا تعنى مفهوم القراءة السائد من كتاب أو صحيفة أو ما شابه ذلك. وعليه فتصبح البداية-يا أيها المدثر-تفيد العمل والجد والمثابرة قبل البدء بالسلام أو القراءة حسب المفهوم السائد!
2-الموضوع الثانى: آخر آيات التنزيل الحكيم:
توطئة: كما سبق ورأينا خلافًا فى نزول أول آيات الذكر الحكيم فإننا سنجد خلافًا فى نزول آخر آياته أيضا. وإذا كان الأمر كذلك فى أهم أحداث النزول وهى بدايتها (بداية الرسالة" ونهايتها (نهاية الرسالة) فما هو حال الآيات الأخرى الباقية فيما بينها؟
متن الحديث (1):
حديث عمر بن الخطاب، أن رجلا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين! آية فى كتابكم تقرؤونها، لو علينا، معشر اليهود، نزلت!! لاتخذنا ذلك اليوم عيدا.
قال: أى آية؟ قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا}-قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذى نزلت فيه على النبى (ص) وهو قائم بعرفة، يوم جمعة. (أخرجه البخارى فى: 2-كتاب الإيمان: 33-باب زيادة الايمان ونقصانه).
الشرح والمناقشة (1):
يقال أن الرجل المعنى من اليهود فى الحديث هو كعب الأحبار قبل أن يسلم. ويتضح من ذلك الحديث عدم وجود أى قول أو رأى أو تعليق صادر عن الرسول الكريم (ص)، وأن المتحدث هو الصحابى الجليل عمر بن الخطاب، وأن صاحب الرأى حول تلك الآية-التى لا يفتأ السادة العلماء تكرارها-هو كعب الأحبار، حسب كتب الأثر والتفسير السائدة.
وعليه فإذا كانت تلك الآية تكفى معشر اليهود حسب نص الحديث فإن ذلك شأنهم أو شأن حبرهم ولا علاقة لذلك بالمسلمين من قريب أو بعيد.
ومنطق الأمور أن تكون هذه الآية نهاية التنزيل الحكيم لأنها تدل على اكتمال الدين وإتمام نعمة الله-عز وجل-ورضاه ولا يعقل أن ينزل بعدها أية أحكام أو تعليمات أو تشريعات جديدة لتكون ناسخة لها.
بعد ذلك العرض ننتقل إلى الحديث التالى:
متن الحديث (2):
حديث ابن عباس، عن سعيد بن جبير، قال: آية اختلف فيها أهل الكوفة فرحلت فيها إلى بن عباس فسألته عنها. فقال: نزلت هذه الآية {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم}-هى آخر ما نزل وما نسخها شئ. (أخرجه البخارى فى: 65-كتاب التفسير: 4-سورة النساء: 16 باب من يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم).
الشرح والمناقشة (2):
يتضح من ذلك الحديث، كما سبق وذكرنا فى مقدمة الفصل-أن القول والرأى هو للصحابى الطفل أيام حياة الرسول الكريم-ابن عباس الذى يجزم أن آخر التنزيل كان الآية الكريمة رقم (93) الواردة فى سورة النساء، وتكون بذلك ناسخة لكل ما قبلها من أحكام-حسب تعبير مصطلح الفقهاء-ومنها آية اكتمال الدين المشار إليها فى الحديث السابق مباشرة لأنه لا اكتمال مع الزيادة والإضافة الجديدة.
ومع ذلك فإن الإمام البخارى يورد لنا قولا مخالفًا آخر نطلب من الأخ القارئ متابعته معنا فى الحديث التالى:

متن الحديث (3):
حديث البراء: قال: آخر سورة نزلت براءة وآخر آية نزلت-يستفتونك. (أخرجه البخارى فى: 65-كتاب التفسير: 4-سورة النساء: 27 {باب يستفتونكم قل الله يفتيكم فى الكلالة}).
وكما نرى فان هذا الحديث يعارض كلا الحديثين السابقين. فسورة براءة (وهى التوبة) لا علاقة لها بسورة النساء، وآية الكلالة فيها هى آخر التنزيل الحكيم وليس آية-اليوم أكملت-من سورة المائدة أو آية-من يقتل نفسا-حسب جزم بن عباس.
النتيجة:
هناك اختلاف فى تحديد آخر آيات التنزيل الحكيم بين الصحابة الذين يخطئون ويصيبون كغيرهم من الناس، وكان على الإمام البخارى تحرى الأصح والأدق من الحديث واعتماده خصوصًا أنه كان أقرب فى زمانه وعهده إلى الصحابة والسلف الصالح منا اليوم.
واذا كان البعض لا يرى حرجًا فى ذلك الاختلاف ويعتبر ترتيب آيات القرأن الكريم جهدًا إنسانيًا فإن قراءة تلك الآيات يمكن أن تتم بلا تسلسل أو ترتيب فيما بينها فالانسان يسعى دوما للسهولة واليسر ويمكنه أن يتجاوز الجهود الانسانية السابقة دونما خوف أو حرج.
أمـا إذا كان الـترتــيب والتسلـسل لآيـات الكــتاب الكريم وحـيًا مـقدسًا فـان عليـنا إعـادة النظر فى كل ما جاء من أحاديث أسباب النزول من الناحية الشرعية، وإعطاءها صبغة تاريخية بحتة بعد حذف المتناقض منها واعتماد أصحها، إن أمكن.
3-الموضوع الثالث: الاستدراك فى التنزيل الحكيم:
توطئة: لا شك فى أن التنزيل الحكيم قد أعطى إجابات وأحكاما وتشريعات مباشرة لاحداث جرت بين الصحابة فى زمنهم وأصبح بعضها-بعد ذلك-حكما صالحًا لكل زمان ومكان، إلا إنه لا يمكن أن يقبل من الإنسان التدخل وإعطاء السبب للخالق-عز وجل-لتعديل أو إضافة أو تغيير محكم آياته المقدسة لتوافق رغبة الصحابى وحاجته.
متن الحديث (1)
عَنْ ‏سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ‏‏قَالَ: ‏أُنْزِلَتْ-{‏وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ‏‏ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ‏ ‏مِنْ‏‏ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ}-‏وَلَمْ يَنْزِلْ-‏مِنْ الْفَجْرِ-‏فَكَانَ رِجَالٌ إذا أَرَادُوا الصَّوْمَ، رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِى رِجْلِهِ الْخَيْطَ الأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الأَسْوَدَ، وَلَمْ يَزَلْ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدُ-‏مِنْ الْفَجْرِ-‏فَعَلِمُوا أَنَّهُ إِنَّمَا ‏‏يَعْنِى اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.‏ (أخرجه البخارى فى: 30ـ كتاب الصوم: 16 باب قوله تعالى-{وكلوا واشربوا حتى يتبين}).
الشرح والمناقشة (1):
يبين الحديث تـماما أن الله-عز وجل-لم يـكن دقـيقًا فى اختـيار الكلمات وانه استدرك ذلك حيث أنزل كلمتى-من الفجر-وقد فاته إمكانية استيعاب بعض الصحابة لكلامة المنزل، وعلية فأنا أرى فى ذلك الحديث تطاولا-ربما بدون قصد-على علم الله الأزلى والشمولى والأبدى. ولننتقل بعد ذلك إلى حديث مشابه آخر.
متن الحديث (2):
حديث الْبَرَاءَ ‏‏رَضِى اللَّهُ عَنْهُ قال: ‏‏لَمَّا نَزَلَتْ-{‏لا يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ}‏- دَعَا رَسُولُ اللَّهِ (ص)‏ ‏زَيْدًا ‏‏فَجَاءَ بِكَتِفٍ فَكَتَبَهَا، وَشَكَا ‏‏ابْنُ أم مَكْتُومٍ‏‏ ضَرَارَتَهُ، فَنَزَلَتْ-{‏لا يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِى ‏‏ الضَّرَرِ}. (أخرجه البخارى فى: 56-كتاب الجهاد والسير: 31-باب قول الله تعالى: {لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر}).
الشرح والمناقشة (2):
يظهر فى ذلك الحديث أيضًا تداركه-جل وعلا-لحالة ابن أم مكتوم الضرير واستدراكه لذلك بإضافة "غير أولى الضرر" إلى الآية الكريمة لتصبح أكثر شمولية وإرضاء للصحابة-حاشى لله! وسأختم هنا هذا الفصل بحديث للبراء نصه ما يلى:
متن الحديث (3):
حديث الْبَرَاءَ:ُ قال: ‏نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا. كَانَتْ ‏‏الأَنْصَارُ ‏‏إِذَا حَجُّوا فَجَاءُوا، لَمْ يَدْخُلُوا مِنْ قِبَلِ أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ، وَلَكِنْ مِنْ ظُهُورِهَا، فَجَاءَ ‏رَجُلٌ ‏مِنْ‏‏ الأَنْصَارِ ‏‏فَدَخَلَ مِنْ قِبَلِ بَابِهِ، فَكَأَنَّهُ عُيِّرَ بِذَلِكَ فَنَزَلَتْ-{‏وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}. (أخرجه البخارى فى: 26-كتاب العمرة: 18-باب قوله تعالى-"واتوا البيوت من ابوابها").
الشرح والمناقشة (3):
يتضح من ذلك الحديث أن الآية الكريمة نزلت حصرًا فى معشر الأنصار فى المدينة المنورة لتمنعهم من عادة جاهلية وهى دخول البيوت من خلفها فى أيام الحج والعمرة.
واذا كان هناك من يدخل البيوت من خلفها زمن الإمام البخارى فاننا لا نرى فى يومنا هذا أى إسقاط لتلك الآية على واقعنا خصوصًا أن معظمنا يقيم فى شقق سكنية ليس لها إلا باب رئيسى واحد.
النتيجة:
هناك الكثير من الأحاديث-التى أشرنا لبعضها فقط-تظهر فى صحيح البخارى تعديلا للتنزيل الحكيم ليصبح ملائما لمتطلبات وملاحظات الصحابة وهو ما لا يقبل عندما يعتبر القرآن الكريم وحيًا مقدسًا من الله-عز وجل-لرسوله الكريم محمد (ص).
لذلك تتضح لنا ضرورة الابتعاد عن أسباب النزول هذه لأنها تجعل من التنزيل الحكيم نصًا تاريخيًا ماضيًا، وإذا كنا نؤمن بصلاحية القرآن الكريم لكل زمان ومكان فإنه يتوجب علينا محاولة إعادة فهمه بعيدًا عن أسباب البخارى اعتمادًا على أرضيتنا المعرفية الفكرية والعلمية المعاصرة.
ثانيا: النسخ فى آيات الكتاب
توطئة: هناك آيات نسخت آيات أخرى من الذكر الحكيم-حسب رأى معظم الفقهاء-وبالرغم من ضبابية ذلك المصطلح (النسخ) لأنه يمكن أن يكون فى اللفظ أو المعنى أو بإسقاط الآية (المعلمة بدائرتين)، فإنه يخضع للتحفظ الشديد، لأن الله-عز وجل-وهو العالم العليم لا يمكن أن ينزل فى كتابه العزيز أحكاما وشرائع ناسخة لما قبلها بفترة لا تتجاوز العقدين من الزمن.
والإمام البخارى هنا يطلعنا على أحاديث نسخت أو أسقطت آيات من القرآن الكريم لأسباب نجهلها ولم يستطع أحد من السادة العلماء إقناعنا بها كما سنجد فيما يلى:
متن الحديث (1):
حديث عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ................ أن اللَّهَ بَعَثَ‏ ‏مُحَمَّدًا ‏(ص) ‏‏بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا. رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(ص) ‏‏وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى أن طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ، أن يَقُولَ قَائِلٌ: وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِى كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ. وَالرَّجْمُ فِى كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى، إذا أُحْصِنَ، مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إذا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ، أو كَانَ الْحَبَلُ أو‏ ‏الاعْتِرَافُ. (أخرجه البخارى: 86-كتاب الحدود: 31-باب رجم الحبلى من الزنى إذا احصنت).
الشرح والمناقشة (1):
سأورد هنا شرح ذلك الحديث حسب ما جاء فى الأثر وكتب التراث لأعود بعد ذلك إلى التعليق عليه ومناقشته، حيث نجد أن-آية الرجم وهى-الشيخ والشيخة إذا زنيًا فارجموهما البتة تم نسخ لفظها وبقى حكمها، والرجم فى كتاب الله حق: فى قوله تعالى-{أو يجعل الله لهن سبيلا}-بين النبى (ص) أن المراد به رجم الثيب وجلد البكر. ففى مسند أحمد من حديث عبادة بن الصامت قال: أنزل الله تعالى على رسوله (ص) ذات يوم، فلما أسرى عنه، قال "خذوا عنى، قد جعل لهن سبيلا، الثيب بالثيب والبكر بالبكر، الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة، والبكر جلد مائة ثم نفى سنة". ومعنى (أحصن) تزوج وكان بالغًا وعاقلا. وتقوم (البينة) بالزنا بشرطها المقرر فى الفروع أو كان (الحبل) أى وجدت المرأة الخلية من زوج أو سيد حبلى، ولم تذكر شبهة ولا إكراها. ويكون (الاعتراف) بالإقرار بالزنا والاستمرار عليه-انتهى.
ويتضح من نص الحديث السابق وشرحه التقليدى النقاط الرئيسية:
1-الحديث منسوب إلى الصحابى عمر بن الخطاب قولا لا إلى الرسول الكريم.
2-لا يوجد قول لرسول الله (ص)-وهو الموحى إليه-فى صحيح البخارى يؤكد بقاء حكم تلك الآية ونسخ لفظها، ولا ندرى ما الحكمة من نسخ اللفظ وبقاء الحكم!
3-لا يوجد آية فى كتاب الله-عز وجل-تتحدث عن عقوبة رجم الثيب حتى الموت، علما أن الأحكام الشرعية فى القرآن الكريم واضحة وجلية، ففى الآيات الواردة فى سورة النور (الآية السادسة حتى التاسعة) لا يوجد ما يشير إلى رجم الثيب بعد الزنا.
4-بالعودة إلى الآية الواردة فى شرح الحديث السابق (حسب مسند الإمام أحمد) نجدها فى سورة النساء كما يلى: {واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن فى البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا * واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فان تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما أن الله كان توابًا رحيما}(النساء 15-16).
ولا يمكن-حسب الآية الكريمة الأولى السابقة-أن يكون السبيل بعد قوله تعالى-يتوفاهن الموت-هو الرجم، فالسبيل خلاص ونجاة ولا يكون الخلاص من الإمساك بالرجم.
كذلك نجد أن عقوبة الذكور (اللذان يأتيانها) هى بالإيذاء وأن باب التوبة والإصلاح مفتوح لهما بينما عقوبة النساء الرجم-حسب ما استنتج ابن الصامت فى حديثه-وهو ما يشير إلى تمييز الذكر عن الأنثى وفى ذلك إساءة لدين الإسلام الحنيف.
والحقيقة أننا نجد فى الآيتين السابقتين وصفًا للفاحشة فى حالات الشذوذ الجنسى حيث أن الخطاب فى الآية الأولى موجه للنساء (اللاتى-يأتين-من نسائكم...) بينما هو موجه للذكور فى الآية الثانية (اللذان... يأتيانها...) ويبين فى كلتا الآيتين عقوبة فاعليها ولا توجد حالة فاحشة لذكر مع أنثى والتى أوضحتها سورة النور (الآيات من 2-9).
5-اذا أخذنا نص الآية المنسوخة لفظا وهى: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة-نجد أن الحكم يجب تطبيقه على الشيخ والشيخة حكما وليس على غيرهما من النساء والرجال، مع الإشارة هنا إلى أن الشيخ هو المسن الذى لا يقوى على الأعمال الجسدية وعلى رأسها الجنس كما فى قوله تعالى: {قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلى شيخًا أن هذا لشئ عجيب} (هود الآية 72) وفى قوله: {قالوا يا أيها العزيز إن له أبًا شيخًا كبيرًا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين} (سورة يوسف الآية 78).
6-قد يكون الصحابة قد رجموا زمن الرسول (ص) مطبقين بذلك حكم الزنا فى التوراة على رجل وامرأة من اليهود زنيا(2). وهو ما ينسجم مع حديث عبد الله بن أبى أوفى الذى سأل فيه إذا كان الرسول قد رجم قبل أم بعد سورة النور التى لم تنص على الرجم-كما رأينا.
متن الحديث (2)
حديث أَنَسٍ، ‏قَالَ:‏ ‏بَعَثَ النَّبِى ‏(ص) ‏أَقْوَامًا مِنْ ‏‏بَنِى سُلَيْمٍ ‏إِلَى ‏بَنِى عَامِرٍ، ‏فِى سَبْعِينَ. فَلَمَّا قَدِمُوا، قَالَ لَهُمْ ‏‏خَالِي: ‏‏أَتَقَدَّمُكُمْ، فَإِنْ أَمَّنُونِى حَتَّى أُبَلِّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّه ‏(ص).‏ ‏وَإِلا كُنْتُمْ مِنِّى قَرِيبًا. فَتَقَدَّمَ فَأَمَّنُوهُ. فَبَيْنَمَا يُحَدِّثُهُمْ عَنْ النَّبِى ‏(ص)،‏‏إِذْ ‏‏أَوْمَئُوا ‏‏إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَطَعَنَهُ فَأَنْفَذَهُ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ! فُزْتُ وَرَبِّ ‏‏الْكَعْبَةِ! ‏‏ثُمَّ مَالُوا عَلَى بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ فَقَتَلُوهُمْ، إِلا‏ ‏رَجُلا ‏‏أَعْرَجَ صَعِدَ الْجَبَلَ. ‏قَالَ ‏‏هَمَّامٌ (أحد رجال السند) ‏‏فَأُرَاهُ آخَرَ مَعَهُ؛‏ ‏فَأَخْبَرَ ‏‏جِبْرِيلُ ‏‏عَلَيْهِ السَّلام ‏النَّبِى ‏‏(ص) ‏‏أَنَّهُمْ قَدْ لَقُوا رَبَّهُمْ فَرَضِى عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. فَكُنَّا نَقْرَأُ-أن بَلِّغُوا قَوْمَنَا،أن قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِى عَنَّا، وَأَرْضَانَا. ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ. فَدَعَا عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، عَلَى ‏رِعْلٍ،‏ ‏وَذَكْوَانَ، ‏‏وَبَنِى لَحْيَانَ، ‏وَبَنِى عُصَيَّةَ ‏‏الَّذِينَ عَصَوْا اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏ ‏(ص). (أخرجه البخارى فى: 56-كتاب الجهاد والسير: 9-باب من ينكب فى سبيل الله).
الشرح والمناقشة (2)
يقصد (بالسبعين) سبعين رجلا، وهم المشهورون من القراء أنهم كانوا أكثر قراءة من غيرهم و(خال) المتحدث وهو حرام بن ملحان أما الفعل (أومئوا) فيفيد بالقيام بالإشارة الخفية و(الرجل) الذى أومئ إليه، هو عامر بن طفيل-حسب ما جاء فى الأثر.
وعليه فالحديث يفيد أن الرسول قد بعث بسبعين من قراء الصحابة إلى بنى عامر لهدايتهم وكان على رأسهم خال المحدث-حرام بن ملحان-الذى كان أول من قتل بطعنة غدر فحمد الله على نيله الشهادة، ثم قتل كل من كان معه عدا رجل أعرج صعد الجبل-وربما كان معه رجل آخر-وأنزل الله قرآنًا على رسوله نصه-أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضى عنا وأرضانا-وكان الصحابة يقرأون ذلك ثم نسخ من القرآن ولم يعد يقرأ، وقد تم الدعاء على أولئك الناس القاتلين أربعين صباحا.
ويتضح حسب نص الحديث أن المتحدث الصحابى أنس بن مالك قد عرف وقائع ما جرى بدقة تامة عبر ذلك الرجل الأعرج الناجى من الموت والذى لم يحدد اسمه ولم نعرف كيفية هروبه وتسلقه الجبل وهو أعرج، وهى أمور لن أقف عندها، كما إنى لن أقف عند نص الآية المنسوخة الذى تحول فيه كلام من قُتِل من الصحابة آنذاك بقولهم: أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا-إلى كلام الله-عز وجل.
ولكنى سأقف عند نسخ هذه الآية-حسب تعبيرهم-وعدم قراءتها وإسقاطها باللفظ والحكم والمكان من القرآن الكريم؛ كيف أسقطت؟! ولماذا أسقطت وأين رأى أو قول الرسول الكريم الموحى إليه فى إسقاطها؟! أمر كان على البخارى أن يتحراه قبل إثباته فى صحيحه.
متن الحديث (3):
حديث عائشة، قالت: سمع النبى (ص) قارئا يقرأ من الليل فى المسجد، فقال: "يرحمه الله لقد أذكرنى كذا وكذا، آية أسقطتها من سورة كذا وكذا". (أخرجه البخارى فى: 66-كتاب فضائل القرآن: 27-باب من لم يرى بأسًا أن يقول سورة البقرة وسورة كذا وكذا).
الشرح والمناقشة (3):
الحديث يظهر تماما أن أحدهم قد ذكر الرسول (ص) بآية أسقطها من سورة لم يذكر اسمها (كذا). والإمام البخارى لم يهتم بأحاديث أوردها فى صحيحه بأن جبريل وحده كان صاحب الحق فى مراجعة الصادق الأمين وتذكرته بالقرآن الكريم، كما إنه لم يهتم بإسقاط آية من الذكر الحكيم،ولكنه أوجد بابًا لم ير بأسًا بأن يسمى سورة فى القرآن بكذا وكذا،ولا أدرى ما تعرفه عبارة كذا وكذا وما تحدده وتعطيه من معلومات أو دلالات حتى يفتح لها باب خاص بها.

النتيجة:
هناك عدد من الأحاديث فى صحيح البخارى-عرضنا بعضها-يبين أن آيات من القرآن الكريم قد نسخت وأن الرسول الكريم قد نسى بعضها وذكِّر بها من قبل أحد المصلين.
وإذا كان الإمام البخارى ومعه الكثير من الفقهاء قد تجاوزوا آيات من الكتاب العزيز بقوله تعالى: {ولا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه}(القيامة: 16-19).
ليستندوا إلى قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير} (البقرة 106).
فإن عليهم الإجابة على التساؤلات التالية:
1-ما المقصود بكلمة (النسخ) فى الآية الكريمة؟ هل هى بمعنى الإزالة أم الإبطال أم المسح أم النقل والكتابة؟! وكيف توصلوا إلى وجود مفهوم النسخ فى الحكم والنسخ فى اللفظ؟!
2-إن النسخ يأتى من الله-عز وجل-عن طريق الوحى الأمين جبريل-عليه السلام-(ننسخ) فهل لهم أن يحددوا أو يظهروا لنا آية فى الكتاب العزيز قال فيها الله-عز وجل-أو حتى رسوله أنها نسخت بآية أخرى مثلها؟! هل لهم أن يبينوا لنا من قوله تعالى بالذكر الحكيم آية (ناسخة ومنسوخة)؟ وإذا كان النسخ يعتمد على الاستدلال والاستنتاج من معانى النص القرآنى فلماذا لا ينسخون مثلا-حسب تعبيرهم-باللفظ الآية التالية من سورة البقرة: {تلك أمة قد خلت لهم ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون} (الآية 134) حيث تتكرر ذاتها فى الآية رقم (141) من السورة نفسها؟
3-ما هو مفهوم كلمة الآية، هل هى الآية فى القرآن الكريم المحددة برقمين (دائرتين) أم هى بمعنى المعجزة كما فى قوله تعالى: {ومن آياته خلق السموات والأرض...}.
4-هل كلف الله-عز وجل -ورسوله بنص صريح غير مؤول أحدًا من الصحابة بتحديد الناسخ والمنسوخ فى الكتاب العزيز؟!
ثالثا: الأحاديث القدسية:
توطئة: تعرف الأحاديث القدسية بأنها قول رب العالمين غير القرآن الكريم-الذى نتعبد الله بتلاوته-وقد رواها الرسول (ص) عن ربه. وعدد الصحيح منها يقارب المائة، اتفق البخارى ومسلم على حوالى أربعين منها فى صحيحهما. وسأورد لاحقًا بعضًا منها مع ما تيسر من الشرح والمناقشة بغية التوصل إلى هدفها وأثرها فى الدين الحنيف.
متن الحديث (1):
حديث أبى هريرة، أن رسول الله (ص) قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعونى فأستجيب له، من يسألنى فأعطيه، من يستغفر فأغفر له". (أخرجه البخارى فى: 19-كتاب التهجد: 14-باب الدعاء والصلاة فى آخر الليل).
الشرح والمناقشة (1):
الحديث بسيط فى ألفاظه واضح فى معانيه ويحق للمرء أن يتساءل فيه عن كيفية نزوله جل وعلا إلى الأرض السابحة فى الفضاء الكونى والسماء فوقها وتحتها؛ وهل ينزل تعالى بذاته أم بعلمه؟!
وفى كلتا الحالتين هل يحتاج الله-عز وجل-إلى النزول للأرض فى الثلث الأخير من الليل كى يلبى دعوة عبده ليعطيه ويغفر له!!؟ وهو عالم السر وما أخفى والعالم لما فى الصدور والأقرب من حبل الوريد!! وهل يحق لنا أن نعتبر قوله عز وجل فى هذا الحديث مؤلفًا من ثلاث آيات؟!
متن الحديث (2):
حديث أَبِى هُرَيْرَةَ ‏قَالَ: ‏قَالَ النَّبِى ‏(ص): ‏يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ‏أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِي. وَأَنَا مَعَهُ إذا ذَكَرَنِي. فَإِنْ ذَكَرَنِى فِى نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِى نَفْسِي. وَإِنْ ذَكَرَنِى فِى مَلإٍ، ذَكَرْتُهُ فِى مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ. وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَى بِشِبْرٍ، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا. وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَى ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ‏ ‏بَاعًا.‏ ‏وَإِنْ أَتَانِى يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً. (أخرجه البخارى فى:97-كتاب التوحيد: 15-باب قول الله تعالى-ويحذركم الله نفسه).
الشرح والمناقشة (2):
سأورد هنا الشرح الوارد فى كتب الأثر، تاركًا للأخ القارئ الحكم والاستنتاج:
أنا عند ظن عبدى بى: قال الحافظ فى الفتح (قال ابن أبى جمرة: المراد بالظن هنا العلم. وهو كقوله-وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه. وقال القرطبى فى المفهم: قيل معنى ظن عبدى بى، ظن الإجابة عن الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها، تمسكًا بصادق وعده. قال: ويؤيده قوله فى الحديث الآخر "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة". قال: ولذلك ينبغى للمرء أن يجتهد فى القيام بما عليه، موقنا بأن الله يقبله ويغفر له، لأنه وعد بذلك، وهو لا يخلف الميعاد. فإن اعتقد أو ظن أن الله لا يقبلها، وأنها لا تنفعه، فهذا هو اليأس من رحمة الله، وهو من الكبائر، ومن مات على ذلك وُكِل إلى ما ظن، كما فى بعض طرق الحديث المذكور "فليظن بى عبدى ما شاء". قال: وأما ظن المغفرة مع الإصرار، فذلك محض الجهل والغرة). وأنا معه إذا ذكرنى: أى بعلمى. وهو كقوله-أننى معكما أسمع وأرى-قال ابن أبى جمرة (معناه فأنا معه بحسب ما قصد من ذكره لى. قال: ثم يحتمل أن يكون الذكر باللسان فقط، أو بالقلب فقط، أو بهما، أو بامتثال الأمر واجتناب النهى) نقله الحافظ فى الفتح، فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى: أى إن ذكرنى بالتنزيه والتقديس سرا، ذكرته بالثواب والرحمة سرا. وقال بن أبى جمرة (يحتمل أن يكون مثل قوله تعالى-اذكرونى أذكركم-ومعناه اذكرونى بالتعظيم أذكركم بالإنعام، وقال تعالى-ولذكر الله أكبر-أى أكبر العبادات. فمن ذكره وهو خائف، آمنه،أو مستوحش، آنسه، قال تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}). وإن ذكرنى فى ملأ: الملأ الجماعة. ذكرته فى ملأ خير منهم: قال بعض أهل العلم (يستفاد منه أن الذكر الخفى أفضل من الذكر الجهرى. والتقدير، إن ذكرنى فى نفسه، ذكرته بثواب لا أطلع عليه أحدا. وإن ذكرنى جهرا، ذكرته بثواب أطلع عليه الملأ الأعلى).
وإن تقرب إلى بشبر، تقربت إليه ذراعًا وإن تقرب إلى ذراعا، تقربت إليه باعا، وإن أتانى يمشى، أتيته هرولة: قال الحافظ فى الفتح (قال ابن بطال: وصف سبحانه نفسه بأنه يتقرب إلى عبده. ووصف العبد بالتقرب إليه ووصفه بالإتيان والهرولة، كل ذلك يحتمل الحقيقة والمجاز. فحملها على الحقيقة يقتضى قطع المسافات، وتدانى الأجسام. وذلك فى حقه تعالى محال. فلما استحالت الحقيقة تعين المجاز لشهرته فى كلام العرب. فيكون وصف العبد بالتقرب إليه شبرًا وذراعًا وإتيانه ومشيه، معناه التقرب إليه بطاعته، وأداء مفترضاته ونوافله. ويكون تقربه سبحانه من عبده، وإتيانه، والمشى، عبارة عن إثباته على طاعته،وتقربه من رحمته. ويكون قوله "أتيت هرولة" أى أتاه ثوابى مسرعا).
متن الحديث (3):
حديث أَبِى هُرَيْرَةَ ‏‏‏قَالَ: قَالَ النَّبِى (ص): تَحَاجَّتْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتْ النَّارُ: ‏أُوثِرْتُ ‏بِالْمُتَكَبِّرِينَ ‏وَالْمُتَجَبِّرِينَ. ‏‏وَقَالَتْ الْجَنَّةُ: مَا لِى لا يَدْخُلُنِى إِلا ضُعَفَاءُ النَّاسِ ‏‏وَسَقَطُهُمْ. ‏‏قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِى أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِى. وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِى أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِى. وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ فَلا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ قَطْ قَطْ فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ ‏وَيُزْوَى ‏‏بَعْضُهَا إلى بَعْضٍ، وَلا يَظْلِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ‏ ‏يُنْشِئُ‏ ‏لَهَا خَلْقًا. (أخرجه البخارى فى: 65-كتاب التفسير: 50-سورة ق: 1-باب قوله وتقول هل من مزيد).
الشرح والمناقشة (3):
سأبين هنا الشرح الوارد فى الأثر لذلك الحديث؛ بعد ذلك أقوم بالمناقشة والتعليق على ما جاء فيه فمعنى (تحاجت الجنة والنار): تخاصمتا بلسان الحال أو المقال، قال الإمام النووى: (هذا الحديث على ظاهره وأن الله جعل فى النار والجنة تمييزًا تدركان به، فتحاجتا، ولا يلزم من هذا أن يكون ذلك).
= أوثرت: اختصت. بالمتكبرين والمتجبرين: مترادفان لغة. فالثانى تأكيد لسابقه. والمتكبر هو المتعظم بما ليس فيه. والمتجبر هو الممنوع الذى لا يوصل إليه،أو الذى لا يكترث بأمر ضعفاء الناس وسقطهم. ضعفاء الناس: الذين لا يلتفت إليهم لمسكنتهم. وسقطهم: أى المحقرون بينهم، الساقطون من أعينهم. قال الحافظ (هذا بالنسبة إلى ما عند الأكثر من الناس. وبالنسبة إلى ما عند الله هم عظماء رفعاء الدرجات. لكنهم بالنسبة إلى ما عند أنفسهم، لعظمة الله عندهم وخضوعهم له، فى غاية التواضع لله والذلة فى عباده. فوصفهم بالضعف والسقط بهذا المعنى صحيح). حتى يضع رجله: قال محيى السنة (الرجل فى هذا الحديث من صفات الله تعالى المنزهة عن التكييف والتشبيه. فالايمان بها فرض، والامتناع عن الخوض فيها واجب. فالمهتدى من سلك فيها طريق التسليم، والخائض فيها زائغ، والمنكر معطل، والمكيف مشبه. ليس كمثله شئ) قط قط قط: معنى (قط) حسبى، أى يكفينى هذا. ويزوى بعضها إلى بعض: أى تجتمع وتلتقى على من فيها. وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقا: قال الإمام النووى (هذا دليل لأهل السنة أن الثواب ليس متوقفًا على الأعمال فإن هؤلاء يخلقون حينئذ، ويعطون فى الجنة ما يعطون، بغير عمل. ومثله، أمر الأطفال والمجانين الذين لم يعملوا طاعة قط، فكلهم فى الجنة برحمة الله تعالى وفضله. وفى هذا الحديث دليل على عظم سعة الجنة) -انتهى.
أعود الآن إلى الحديث وشرحه وأصحح بداية فى الشرح بعدم وجود ترادف فى اللغة. فالمتكبر غير المتجبر وليس الثانى مؤكدًا لسابقه؛ كما أن المساكين ليسوا دائما عظماء عند الله رفعاء الدرجات يؤكد ذلك قوله تعالى: {إن الذين توفَّاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا} (النساء-97).
أما ما يتعلق بوصفه-سبحانه-رجله فى النار، فأننا نقول لمحيى السنة: الإيمان بذلك ليس فرضًا والخوض بالصفات واستنكارها ليس زوغا، ولا خير فى طريق التسليم إن لم يلتق مع العلم والبحث والمعرفة.
أما أن الله-عزوجل-ينشئ خلقًا جديدًا للجنه فإننا لا ندرى عندئذ ما الحكمة بالوعود بالجنة إذا كان خلقها جديدًا، وإذا كان الثواب فى الآخرة لا يتوقف على الأعمال (3)-حسب الإمام النووى.
النتيجة:
الأحاديث القدسية مصطلح أوجده السادة الفقهاء وأتباعهم ولا يوجد ما يؤكده فى كتاب الله وسنة رسوله المتواترة، وهو ليس قرآنا ولا يمكن قراءة ما تيسر منه فى الصلاة المكتوبة. وقد جاء على لسان بعض الصحابة؛ حيث نجد فى الأمثلة الثلاثة الواردة سابقًا أن الراوى هو أبو هريرة يتحدث مباشرة عن الرسول عن الله-عز وجل-من غير وحى منزل. وإذا كان الله-عز وجل-قد عصم رسوله الكريم فى كتابه المنزل من التحريف والسهو والنسيان والخطأ وتعهد بحفظ ذكره الطيب، فهل هناك ما يشير إلى عدم خطأ أو سهو أو تحريف أو نسيان أبى هريرة؟!
كما أن معظم ما جاء فيه من صفات-لله عز وجل-غير ملائمة لاعتمادها على المشخص وبعدها عن المجاز والمجرد على الرغم من محاولة معظم الفقهاء إقناعنا بغير ذلك!
فقد ورد فى صحيح البخارى أن الله له ساق يكشفها يوم القيامة ليعرفه المؤمنون وهو يحمل على كل أصبع من يده جزءًا من الكون كالسموات والشجر والأرض....الخ..... (راجع البخارى- كتاب التفسير).

الهوامش
(1) باب التفسير فى البخارى من أصغر الأبواب، يراجع الفصل الاول فى الكتاب.
(2) راجع كتاب المناقب (61) فى صحيح البخارى.
(3) يتساءل المرء عن: قوله تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون}




الفصل الثالث
البخارى والرسول الكريم
ما سيتم بحثه وتحليله فى هذا الفصل يعتمد على ما جاء فى صحيح البخارى دون أن يعبر-لا من قريب ولا من بعيد-عن قبولى أو تسليمى به؛ ويشمل ذلك المواضيع الرئيسية التالية:
أولا: الرسول والرأى الآخر.
ثانيا: الرسول والغزو.
ثالثا: الرسول وتطبيق الحدود.
رابعا: الرسول وتأثير الآخرين.
أولا: الرسول والرأى الآخر:
توطئة: احترم الرسول الكريم حرية الاعتقاد والتعبير والرأى عند الآخرين وعمل فى سبيل تحقيق ذلك تطبيقًا لقول الحق فى أكثر من موضع ومناسبة: {وجادلهم بالتى هى أحسن}،{ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}... ولكن هل أثبت الإمام البخارى ذلك فى كل صحيحه أم أنه أظهر ما يغايره؟! هذا ما سيتم بحثه بشكل موضوعى وعلمى بعيدًا عن العواطف والشعارات الجياشة فى الأحاديث الثلاثة التالية:
متن الحديث (1)
عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ‏يَقُولُ: ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏(ص):‏ "‏مَنْ‏‏ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ‏‏، فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ". فَقَامَ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ‏ ‏فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُحِبُّ أن أَقْتُلَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَائْْذَنْ لِى أن أَقُولَ شَيْئًا، قَالَ: قُلْ. فَأَتَاهُ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ‏ ‏فَقَالَ: إن هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَةً، وَإِنَّهُ قَدْ عَنَّانَا، وَإِنِّى قَدْ أَتَيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ، قَالَ: وَأَيْضًا وَاللَّهِ‏ ‏لَتَمَلُّنَّهُ‏، ‏قَالَ: إِنَّا قَدْ اتَّبَعْنَاهُ فَلا نُحِبُّ أن نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إلى أى شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ، وَقَدْ أَرَدْنَا أن تُسْلِفَنَا وَسْقًا أو وَسْقَيْنِ...... ‏ ‏فَقَالَ: نَعَمِ، ارْهَنُونِى، قَالُوا: أى شَيْءٍ تُرِيدُ؟ قَالَ: ارْهَنُونِى نِسَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ‏ ‏الْعَرَبِ‏، ‏قَالَ: فَارْهَنُونِى أَبْنَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ فَيُقَالُ: رُهِنَ ‏‏بِوَسْقٍ‏ ‏أَوْ‏ ‏وَسْقَيْنِ‏، ‏هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا، وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللأْمَةَ‏-‏قَالَ‏ ‏سُفْيَانُ‏: ‏يَعْنِى السِّلاحَ- ‏‏فَوَاعَدَهُ أن يَأْتِيَهُ فَجَاءَهُ لَيْلا وَمَعَهُ‏ ‏أَبُو نَائِلَةَ، ‏وَهُوَ أَخُو‏‏ كَعْبٍ‏ ‏مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَدَعَاهُمْ إلى الْحِصْنِ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ، فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ‏‏وَأَخِى‏ ‏أَبُو نَائِلَةَ، ‏‏قَالَتْ: أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ، قَالَك إِنَّمَا هُوَ أَخِى ‏‏مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ‏‏وَرَضِيعِى ‏‏أَبُو نَائِلَةَ، ‏‏إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِى إلى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لأجَابَ. قَالَ وَيُدْخِلُ ‏‏مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ‏‏مَعَهُ رَجُلَيْنِ‏،فى رواية: ‏أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ‏ ‏وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ ‏‏وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ. فَقَالَ: إذا مَا جَاءَ فَإِنِّى قَائِلٌ بِشَعَرِهِ فَأَشَمُّهُ فَإِذَا رَأَيْتُمُونِى اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ فَدُونَكُمْ فَاضْرِبُوهُ. وَقَالَ مَرَّةً: ثُمَّ أُشِمُّكُمْ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ‏ ‏مُتَوَشِّحًا‏ ‏وَهُوَ يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رِيحًا، أى أَطْيَبَ، ‏قَالَ: عِنْدِى أَعْطَرُ نِسَاءِ‏ ‏الْعَرَبِ‏ ‏وَأَكْمَلُ‏ ‏الْعَرَبِ‏، ‏فَقَالَ: أَتَأْذَنُ لِى أن أَشُمَّ رَأْسَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَشَمَّهُ ثُمَّ أَشَمَّ أَصْحَابَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَتَأْذَنُ لِى؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ، قَالَ: دُونَكُمْ، فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أَتَوْا النَّبِى‏ ‏(ص)‏ ‏فَأَخْبَرُوهُ. (أخرجه البخارى فى: 64-كتاب المغازى: 5-باب قتل كعب بن الأشرف).
الشرح والمناقشة (1):
يبين ذلك الحديث أن الرسول أمر بقتل كعب بن الأشرف وقام بذلك الصحابى محمد بن مسلمة بمساعدة أبى نائلة، أخو كعب من الرضاعة، حيث اغتالوه ليلا بعد خداعه.
وكعب بن الأشرف من كبار يهود بنى النضير ومن أصحاب النفوذ الفكرى والمادى فى شبه الجزيرة العربية؛ أبوه عربى من طيء وهو شاعر فارس له مناقضات مع شاعر الرسول حسان بن ثابت وقد اتهم بهجائه للنبى.
متن الحديث (2):
‏ قتل أَبِى رَافِعٍ عبد الله بن أبى الحقيق ويقال: سلام بن أبى الحقيق. عن الْبَرَاءِ ‏قَالَ: ‏بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(ص) ‏إِلَى أَبِى رَافِعٍ ‏‏الْيَهُودِى ‏رِجَالا‏ مِنْ ‏‏الأَنْصَارِ، ‏فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ ‏‏عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ، ‏‏وَكَانَ ‏أَبُو رَافِعٍ‏ ‏يُؤْذِى رَسُولَ اللَّهِ‏ ‏(ص) ‏‏وَيُعِينُ عَلَيْهِ، وَكَانَ فِى حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ ‏الْحِجَازِ، ‏‏فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ، وَقَدْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَرَاحَ النَّاسُ ‏‏بِسَرْحِهِمْ، ‏‏فَقَالَ ‏عَبْدُ اللَّهِ ‏لأصْحَابِهِ، اجْلِسُوا مَكَانَكُمْ، فَإِنِّى مُنْطَلِقٌ، وَمُتَلَطِّفٌ لِلْبَوَّابِ، لَعَلِّى أن أَدْخُلَ. فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنْ الْبَابِ، ثُمَّ ‏ ‏تَقَنَّعَ ‏ ‏بِثَوْبِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِى حَاجَةً، وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ، فَهَتَفَ بِهِ الْبَوَّابُ، يَا ‏‏عَبْدَ اللَّهِ‏: ‏إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أن تَدْخُلَ فَادْخُلْ، فَإِنِّى أُرِيدُ أن أُغْلِقَ الْبَابَ، فَدَخَلْتُ ‏‏فَكَمَنْتُ، ‏فَلَمَّا دَخَلَ النَّاسُ أَغْلَقَ الْبَابَ، ثُمَّ عَلَّقَ ‏‏الأَغَالِيقَ ‏‏عَلَى وَتَدٍ، قَالَ فَقُمْتُ إلى ‏الأَقَالِيدِ ‏فَأَخَذْتُهَا، فَفَتَحْتُ الْبَابَ، وَكَانَ ‏أَبُو رَافِعٍ ‏يُسْمَرُ عِنْدَهُ، وَكَانَ فِى ‏عَلالِى ‏لَهُ، فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ أَهْلُ سَمَرِهِ صَعِدْتُ إِلَيْهِ، فَجَعَلْتُ كُلَّمَا فَتَحْتُ بَابًا أَغْلَقْتُ عَلَى مِنْ دَاخِلٍ، قُلْتُ: إن الْقَوْمُ ‏‏نَذِرُوا‏ ‏بِى لَمْ يَخْلُصُوا إِلَى حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ فِى بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَسْطَ عِيَالِهِ لا أَدْرِى أَيْنَ هُوَ مِنْ الْبَيْتِ، ‏فَقُلْتُ: ‏‏يَا ‏‏أَبَا رَافِعٍ، ‏‏قَالَ: مَنْ هَذَا فَأَهْوَيْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ، وَأَنَا دَهِشٌ، فَمَا أَغْنَيْتُ شَيْئًا، وَصَاحَ، فَخَرَجْتُ مِنْ الْبَيْتِ، فَأَمْكُثُ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا ‏أَبَا رَافِعٍ، ‏فَقَالَ: لأُمِّكَ الْوَيْلُ، ‏إِنَّ رَجُلا فِى الْبَيْتِ ضَرَبَنِى قَبْلُ بِالسَّيْفِ، قَالَ: فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أَثْخَنَتْهُ وَلَمْ أَقْتُلْهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ ‏ظِبَةَ ‏السَّيْفِ فِى بَطْنِهِ حَتَّى أَخَذَ فِى ظَهْرِهِ، فَعَرَفْتُ أَنِّى قَتَلْتُهُ، فَجَعَلْتُ أَفْتَحُ الأَبْوَابَ بَابًا بَابًا، حَتَّى انْتَهَيْتُ إلى دَرَجَةٍ لَهُ، فَوَضَعْتُ رِجْلِى وَأَنَا أُرَى أَنِّى قَدْ انْتَهَيْتُ إلى الأرض، فَوَقَعْتُ فِى لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ، فَانْكَسَرَتْ سَاقِى، فَعَصَبْتُهَا بِعِمَامَةٍ ثُمَّ انْطَلَقْتُ حَتَّى جَلَسْتُ عَلَى الْبَابِ، فَقُلْتُ: لا أَخْرُجُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَعْلَمَ: أَقَتَلْتُهُ، فَلَمَّا صَاحَ الدِّيكُ قَامَ النَّاعِى عَلَى السُّورِ، فَقَالَ: أَنْعَى ‏أَبَا رَافِعٍ‏ ‏تَاجِرَ ‏أَهْلِ ‏الْحِجَازِ، ‏‏فَانْطَلَقْتُ إلى أَصْحَابِى، فَقُلْتُ: النَّجَاءَ، فَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ‏ ‏أَبَا رَافِعٍ، ‏فَانْتَهَيْتُ إلى النَّبِى ‏(ص) ‏فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: ‏"ابْسُطْ رِجْلَكَ". فَبَسَطْتُ رِجْلِى فَمَسَحَهَا، فَكَأَنَّهَا لَمْ أَشْتَكِهَا قَطُّ. (أخرجه البخارى فى: 67-كتاب المغازى: -باب قتل أبى رافع عبد الله بن أبى الحقيق).
الشرح والمناقشة (2).
نبين هنا معانى بعض المفردات الواردة فى ذلك الحديث لتسهيل فهمه على الأخ القارئ: فمعنى (كمنت) جلست خلسة مع التخفى، أما (الأغاليق) فهى ما تعرف اليوم بالمفاتيح. و(أهل السمر) هم جلساء ما بعد العشاء، و(العلالى) مفردها علية وهى ما تقابل الغرفة العلوية اليوم. و(أثخنته) أصبته بجروح شديدة و(ظبة السيف) هى حرفه. وعلى ذلك فإن ذلك الحديث يبين أيضًا أن الرسول أمر بقتل أبى رافع سلام بن أبى الحقيق وهو شاعر فارس يهودى اتهم بهجاء النبى أيضا.
وجاء فى الأثر أنه نظرًا للتنافس المستمر-حتى بعد الإسلام-فيما بين الأوس والخزرج فإنه لما اغتالت الأوس كعب بن الأشرف، قالت الخزرج: والله لا تذهبون بها فضلا علينا أبدا. فتذاكروا فيما بينهم عدوًا للنبى يغتالونه حتى يتساووا مع الأوس، رأسًا برأس،واغتيالا باغتيال فذكروا أبا رافع سلام بن أبى الحقيق وزعموا أنهم استأذنوا النبى فى اغتياله؛ أو أنه قال-كذلك-من لى بأبى رافع؟ وذهبت جماعة منهم فاغتالته (1).
ولا بد من الاشارة فى نهاية الحديث إلى قيام الرسول (ص) بمسح رجل عبد الله بن عتيك حيث شفيت بعد إصابتها بالكسر-حسب الراوى-إلا أنه-الرسول-لم يفعل ذلك مع محبه الصحابى سعد بن معاذ الذى مات متأثرًا بجرح فى أكحله بعد إصابته بسهم(2).
متن الحديث (3):
حديث أنس بن مالك، أن رسول الله (ص) دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل، فقال: إن أبى خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: "اقتلوه". (أخرجه البخارى فى 28-كتاب جزاء الصيد: 18-باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام).
الشرح والمناقشة (3):
(المغفر) هو ما غطى الرأس من السلاح كالبيضة؛ وابن خطل:اسمه عبد مناف؛ وخطل لقب له لأن أحد لحييه كان أنقص من الآخر، وكان يقول الشعر يهجو به النبى (ص) ويأمر جاريتيه أن تغنيا به.
ونلاحظ أن تصنيف ذلك الحديث عند الإمام البخارى يدخل فى كتاب جزاء الصيد، دون فهم للمعارضة الفكرية أو العقائدية عنده البتة.
النتيجة:
يتضح تمامًا من الأحاديث الثلاثة الواردة سابقًا أن الرسول الكريم قد أمر بالتصفية الجسدية للمعارضة الفكرية له؛ وهو أمر لا يمكن قبول نسبته إلى المصطفى الذى أرسل رحمة للعالمين والذى عفا عمن حاول قتله(3) فما بالنا بمن خالفه الرأى والرؤيا؟
لذلك فعل كل مسلم حر واع رفض نسب مثل تلك الأحاديث إلى الرسول الكريم، وهى تسئ إلى العروبة والإسلام معًا لان من جرت تصفيتهم من العرب الذين افتخر بهم الرسول أو من أهل الكتاب الذين أمر الرسول باحترام شعائرهم ومعتقداتهم.
وإن من نفذ تلك الأعمال-ونسبها إلى الرسول الكريم-كان مفعمًا بالعصبية والطائفية والقبلية التى لم تلبث إلا أن ظهرت-بعد انتقال النبى (ص) إلى الرفيق الأعلى-فى معارك وفتن طاحنة كموقعتى الجمل وصفين وموقعة الحرة وغيرها.
وإذا كان الإمام البخارى قريب عهد من تلك القبلية والعصبية ولم يجد فى تقبل تلك الأحداث وإثباتها فى صحيحه أية غضاضة، فعلينا رفض قبولها كسنة نبوية فى أيامنا المعاصرة واعتبارها حوادث تاريخية سياسية لا علاقة للدين الحنيف بها.
ثانيا: الرسول والغزو:
توطئة: بعث الرسول الكريم هاديًا ومبشرًا وراحمًا للناس أجمعين؛ إلا إنه فى صحيح الإمام البخارى كان غازيًا همه الغنائم وقهر الآخرين كما سنرى فى الأحاديث اللاحقة التى سيتم بحث ثلاثة مواضيع فيها هى:
2-2-1: الحض على الغزو.
2-2-2: الغاية من الغزو.
2-2-3: ضحايا الغزو.
2-2-1: الحض على الغزو:
متن الحديث (1):
عن أبى هريرة رضى الله عنه: أن رسول الله (ص) قال: "بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، فبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت فى يدى".
قال أبو هريرة: وقد ذهب رسول الله (ص) وأنتم تنثلونها. (أخرجه البخارى فى: 60-كتاب الجهاد. باب فضل الجهاد والسير، مختصر الزبيدى).
الشرح والمناقشة (1):
لا عجب أن يؤيد الرسول الكريم بالحكمة والموعظة وبليغ القول (جوامع الكلم) ولكن أن ينصر بالرعب عوضًا عن الخشوع والمحبة؛ وأن يؤتى بمفاتيح الخزائن عوضًا عن مفاتيح الأتباع والإيمان، فإن ذلك يجعلنا نصف تلك الأحاديث-كما ذكر بعضهم-بالأحاديث الأموية (لا النبوية) التى تنبض بتبرير ساسة الانتشار والتوسع والسيطرة.
متن الحديث (2):
حَديث‏ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى أَوْفَى، كَتَبَ إلَى‏ ‏عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ،‏ ‏حِينَ خَرَجَ إلى‏‏ الْحَرُورِيَّةِ‏، ‏أن رَسُولَ اللَّهِ‏ ‏(ص)‏ ‏فِى بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِى لَقِى فِيهَا الْعَدُوَّ انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَامَ فِى النَّاسِ فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ‏، ‏لا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أن الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ"، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِى السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ". (أخرجه البخارى في: 56-كتاب الجهاد: 156-باب لا تمنوا لقاء العدو).
الشرح والمناقشة (2):
سأورد هنا الشرح الوارد فى الأثر لذلك الحديث تاركًا للقارئ الحكم على ذلك الشيء مع التأكيد على الرفض لعبارة "الجنة تحت ظلال السيوف" التى قد تصدر عن قائد عسكرى كهولاكو فى زمنه، وليس عن رسول المحبة والرحمة.
-حتى مالت الشمس: عن خط وسط السماء. لا تمنوا: بحذف إحدى تاءى تمنوا، فإن قلت تمنى لقاء العدو جهاد والجهاد طاعة فكيف ينهى عن الطاعة؟ أجيب بأن المرء لا يدرى ما يئول إليه الحال، أو النهى لما فى التمنى من صورة الإعجاب والاتكال على النفوس والوثوق بالقوة وقلة الاهتمام بالعدو؛ وتمنى الشهادة ليس مستلزمًا لتمنى لقاء العدو. وسلوا الله العافية: من هذه المخاوف المتضمنة للقاء العدو، وهو نظير سؤال العافية من الفتن، وقد قال الصديق الأكبر أبوبكر رضى الله عنه، لأن أعافى فأشكر خير من أبتلى فأصبر. فالصبر فى القتال هو كظم ما يؤلم من غير إظهار شكوى ولاجزع، وهو الصبر الجميل. منزل الكتاب: الفرقان، أو سائر الكتب السماوية. ومجرى السحاب: بنزول الغيث بقدرته. وهازم الأحزاب: وحده، إشارة إلى تفرده بالنصر وهزم ما يجتمع من أحزاب العدو.


2-2-2 الغاية من الغزو:
متن الحديث (1):
حديث ‏أَبِى هُرَيْرَةَ، ‏‏قَالَ: ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص): ‏‏"غَزَا ‏‏نَبِى ‏‏مِنْ الأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ لا يَتْبَعْنِى رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أن ‏‏يَبْنِى ‏بِهَا. وَلَمَّا ‏يَبْنِ ‏‏بِهَا. وَلا أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا، وَلا أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أو ‏‏خَلِفَاتٍ ‏‏وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلادَهَا، فَغَزَا، فَدَنَا مِنْ ‏‏الْقَرْيَةِ ‏‏صَلاةَ الْعَصْرِ أو قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ لِلشَّمْسِ: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا. فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ؛ فَجَمَعَ الْغَنَائِمَ، فَجَاءَتْ ‏‏(يَعْنِى النَّارَ) لِتَأْكُلَهَا فَلَمْ تَطْعَمْهَا؛ فَقَالَ: أن فِيكُمْ ‏‏غُلُولا، ‏فَلْيُبَايِعْنِى مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ. فقَالَ: فِيكُمْ الْغُلُولُ. ‏فَلْيُبَايِعْنِى قَبِيلَتُكَ. فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أو ثَلاثَةٍ بِيَدِهِ. فَقَالَ: فِيكُمْ ‏‏الْغُلُولُ. ‏فَجَاءُوا بِرَأْسٍ مِثْلِ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنْ الذَّهَبِ فَوَضَعُوهَا، فَجَاءَتْ النَّارُ فَأَكَلَتْهَا. ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا الْغَنَائِمَ رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا. (أخرجه البخارى في: 57-كتاب فرض الخُمس: 8-باب قول النبى (ص) أحلت لكم الغنائم).
الشرح والمناقشة (1):
نبين هنا بعض ما ورد فى الأثر لشرح ذلك الحديث: حيث يقصد (بمن ملك بضع امرأة) من عقد نكاحها و(يبنى بها) أى يدخل عليها وتزف إليه، ولـمَّا يبنِ بها: أى والحال أنه لم يدخل عليها لتعلق قلبه غالبًا بها، فيشتغل عما هو عليه من الطاعة وربما ضعف فعل جوارحه بخلاف ذلك بعد الدخول. اشترى غنمًا أى حوامل. أو خلفات: جمع خلفة وهى الحامل من النوق، وقد تطلق على غير النوق. ولادها: مصدر ولد يلد ولادًا وولادة؛ والمراد أن تتعلق قلوبهم بإنجاز ما تركوه معوقًا. صلاة العصر: أى وقت صلاة العصر. إنكِ مأمورة: أمر تسخير بالغروب. وأنا مأمور: أمر تكليف بالصلاة أو القتال قبل غروبك. فحسبت: أى ردت على أدراجها، أو وقفت أو بطئت حركتها. غلولاً: أى سرقة من الغنيمة؛ قال العلامة ابن المنير: جعل الله علامة الغلول إلزاق يد الغال، وألهم ذلك يوشع، فدعاهم للمبايعة حتى تقوم له العلامة المذكورة. ثم أحل الله لنا الغنائم: خصوصية لنا، وكان ابتداء ذلك من غزوة بدر.
وبعد استثناء تفاصيل ما حدث مع من يُعتقد أنه النبى يوشع من لزق اليد المغلولة ورأس البقرة.. إلخ.. نجد أن الرسول-حسب البخارى-قد جعل هدف الغزو الغنائم واعتبرها حلالا لأمته، وأضاف شارح الحديث بأنها خصوصية لنا وكان ابتداء ذلك من غزوة بدر. وهنا نضيف حكمًا يمكن استنباطه من ختام الحديث مفاده أن الأمة الضعيفة العاجزة يحل لها أن تحسّن أوضاعها بغنائم السطو والغزو على الآخرين.
متن الحديث (2):
عَنْ ‏‏أَبِى قَتَادَةَ: ‏‏قَالَ: ‏خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ‏‏(ص) ‏‏عَامَ ‏‏حُنَيْنٍ، ‏‏فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، فَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلا رَجُلا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَدَرْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ حَتَّى ضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، فَأَقْبَلَ عَلَى فَضَمَّنِى ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ. ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِى. فَلَحِقْتُ ‏عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، ‏فَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالَ أَمْرُ اللَّهِ.
ثُمَّ أن النَّاسَ رَجَعُوا، وَجَلَسَ النَّبِى ‏‏(ص) ‏‏فَقَالَ: ‏‏"مَنْ قَتَلَ قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ ‏‏سَلَبُهُ". ‏‏فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِى؟ ثُمَّ جَلَسْتُ. ثُمَّ قَالَ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ ‏‏سَلَبُهُ". ‏‏فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِى؟ ثُمَّ جَلَسْتُ. ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ مِثْلَهُ. ..... فَقَالَ رَجُلٌ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! ‏‏وَسَلَبُهُ ‏‏عِنْدِى، فَأَرْضِهِ عَنِّى. فَقَالَ ‏أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: ‏ ‏لاهَا اللَّهِ، إذا لا يَعْمِدُ إلى أُسْدِ اللَّهِ، يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ‏‏(ص)، ‏‏يُعْطِيكَ ‏‏سَلَبَهُ؟ ‏فَقَالَ النَّبِى ‏(ص): ‏"صَدَقَ" فَأَعْطَاهُ، فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَابْتَعْتُ بِهِ ‏‏مَخْرَفًا ‏‏فِى ‏‏بَنِى سَلِمَةَ، ‏‏فَإِنَّهُ- لأَوَّلُ مَالٍ ‏‏تَأَثَّلْتُهُ ‏‏فِى الإسلام. (أخرجه البخارى في: 57 – كتاب فرض الخـُمس: 18 – باب من لم يخمس الأسلاب، ومن قتل قتيلاً فله سلبه).
الشرح والمناقشة (2):
بالرجوع إلى الأثر نجد فى شرح ذلك الحديث ما يلي:
-حنين: واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال، وكان فى السنة الثامنة. جولة: أى تقدم وتأخر: علا رجلا: أى ظهر عليه وأشرف على قتله، أو صرعه وجلس عليه. حبل عاتقه: عرق أو عصب عند موضع الرداء من العنق، أو مابين العنق والمنكب. وجدت منها ريح الموت: أى وجدت منه شدة كشدة الموت. ما بال الناس: أى منهزمين، قال أمر الله: أى قضاؤه، والمراد ما حال الناس بعد الانهزام فقال أمر الله غالب والعاقبة للمتقين. فله سلبه: وهو ما يؤخذ القرنين فى الحرب من قرنه مما يكون عليه، ومعه، من سلاح وثياب ودابة وغيرها، وهو فَعَل بمعنى مفعول، أى مسلوب.
لاها الله: لفظ الجلاله هنا مجرور لان (ها) التنبيه عوض عن واو القسم؛ وقال ابن مالك ليست عوضًا عنها وإن جر مابعدها بمقدر لم يلفظ به، كما أن نصب المضارع بعد الفاء ونحوه بمقدر، و(لا) للنفى، والمعنى لا والله. لا يعمد: أى لا يقصد النبى (ص)، إلى أسد: أى إلى رجل كأنه فى شجاعة أسد. عن الله ورسوله (ص): أى صدر قتاله عن رضا الله ورسوله، أى بسببهما، كقوله تعالى-وما فعلته عن أمرى-أو المعنى يقاتل ذابًا عن دين الله أعداء الله ناصرًا لأوليائه، أو يقاتل لأجل نصر دين الله وشريعة رسوله لتكون كلمة الله هى العليا. صدق، أى أبو بكر. فابتعت: أى اشتريت. مخرفا: أى بستانا، لأنه يخترف منه الثمر أى يجتنى. فى بنى سلمة: قوم أبى قتادة، وهم بطن من الأنصار. تأثلته: أى تكلفت جمعه.
كما نرى فإن ذلك الحديث يبين أن رسول الله أكد ثلاثًا حق سلب القاتل لقتيله فى الحرب، وهو ما سنبحثه فى الفقرة اللاحقة، وأن أول مال لأبى قتادة الأسد كان من سلبه قتيله بعد الغزو الذى كان المصدر الرئيسى الأول لمعظم الصحابة، كما نرى ذلك فى الحديث التالى الذى يبين كثرة غنائم الغزو؛ وبه ننهى تلك الفقرة.
متن الحديث (3):
عَنْ ‏‏ابْنِ عُمَرَ‏: ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏‏(ص) ‏‏بَعَثَ سَرِيَّةً، فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، ‏قِبَلَ ‏نَجْدٍ، ‏‏فَغَنِمُوا إِبِلا كَثِيرَةً، فَكَانَتْ سِهَامُهُمْ اثْنَى عَشَرَ بَعِيرًا أو أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا، ‏‏وَنُفِّلُوا ‏‏بَعِيرًا بَعِيرًا.(أخرجه البخارى فى: 57-كتاب فرض الخمس: 5-باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين).
2-2-3 ضحايا الغزو:
متن الحديث (1):
حديث الصعب بن جثامة، قال: مر بى النبى (ص) بالأبواء أو بودّان، وسئل عن أهل الدار يبيتون من المشركين، فيصاب من نسائهم وذراريهم. قال: "هم منهم". (أخرجه البخارى فى: 56-كتاب الجهاد: 146-باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذرارى).
الشرح والمناقشة (1):
يبين الحديث تمامًا جواز قتل النساء والصبيان فى الغزوات والحروب،فإذا كان الحال كذلك زمن السيف والسهم فما قول السادة العلماء الأفاضل فى أيامنا هذه حيث القنابل والصواريخ المدمرة.
متن الحديث (2):
حديث ابن عمر، قال: حرق الرسول (ص) نخل بنى النضير وقطع، وهى البويرة، فنزلت، {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله}. (أخرجه البخارى فى: 64-كتاب المغازى: 14-باب حديث بنى النضير).
الشرح والمناقشة (2):
يبين الحديث جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها-حسب الشرح الوارد فى الأثر-وكما نلاحظ فإن راوى الحديث-ابن عمر-لا ينقل قولا للرسول إنما ينقل فعله بالتحريق والقطع.
وإنى لأعجب من إسقاط كلام الله-عز وجل-على ذلك الحديث؛ فالآية الواردة فيه لم تشر إلى التحريق أصلا وهى تبين أن قطع أو ترك الأشجار عامة إنما يتم باذن الله وعلمه (وليس أمره) كون النبات من أهم مظاهر الحياة على وجه الأرض.
وهنا نتساءل: ألم يسمع الإمام البخارى بوصية الخليفة الراشدى أبى بكر الصديق لقادة جيشه فى حروبهم بألا يقطعوا شجرًا أو يقتلوا شيخًا أو امرأة... الخ.
فهل كان الخليفة مخالفًا لسنة رسول الله بوصيته تلك أم أن بعض الصحابة نقل ما خالف الرسول وأثبت ذلك إمامنا البخارى فى صحيحه.
متن الحديث (3):
عَنْ ‏‏عَائِشَة،َ ‏‏‏‏قَالَتْ: ‏أُصِيبَ ‏سَعْدٌ ‏يَوْمَ ‏‏الْخَنْدَقِ، ‏رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ ‏قُرَيْشٍ ‏‏يُقَالُ لَهُ ‏‏حِبَّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ،‏ ‏رَمَاهُ فِى ‏الأَكْحَلِ، ‏‏فَضَرَبَ النَّبِى ‏‏(ص) ‏‏خَيْمَةً فِى الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص) ‏مِنْ ‏‏الْخَنْدَقِ ‏وَضَعَ السِّلاحَ وَاغْتَسَلَ، فَأَتَاهُ ‏جِبْرِيلُ ‏عَلَيْهِ السَّلام ‏‏وَهُوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنْ الْغُبَارِ، فَقَالَ: قَدْ ‏َوضَعْتَ السِّلاحَ! وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ، اخْرُجْ إِلَيْهِمْ. قَالَ النَّبِى ‏(ص): ‏‏"فَأَيْنَ"؟ فَأَشَارَ إلى ‏‏بَنِى قُرَيْظَةَ، ‏‏فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص) ‏فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَرَدَّ الْحُكْمَ إلى ‏‏سَعْدٍ، ‏قَالَ: فَإِنِّى أَحْكُمُ فِيهِمْ أن تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ، وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ. (أخرجه البخارى فى: 64-كتاب المغازى: 30-باب مرجع النبى (ص) من الأحزاب).
الشرح والمناقشة (3):
هناك روايات أخرى لذلك الحديث فى صحيح البخارى تفيد جميعها أن الرسول قد أنزل يهود بنى قريظة على حكم الصحابى سعد بن معاذ الأنصارى الذى حكم فيهم بقتل المقاتلة وسبى نسائهم وأطفالهم وتقسيم أموالهم؛ علما بأنهم -حسب ما جاء فى كتب الأثر-استسلموا للرسول بعد حصار دام خمسًا وعشرين ليلة؛ وهكذا فإننا نجد أن ضحايا الغزو هم النساء والأطفال والأموال وأن كل قادر على القتال (المقاتلة) لن يفيده الاستسلام لأن حكم الموت سيكون له بالمرصاد.
أخيرًا فان ذلك الحديث يبين إمكانية السيدة عائشة فى رؤية جبريل-عليه السلام-ونقل حواره مع الرسول الكريم الذى يفترض أنه كان يقاتل معه وجاء ينفض رأسه من الغبار حاملا لأمر سماوى يقتضى إقصاء وإنهاء المخالفين بالقوة والحرب.
النتيجة:
تبين بعض الأحاديث فى صحيح البخارى أن رسول الرحمة قد أمر بالغزو وحض عليه فمن لم يغز أو يحدث نفسه بغزوة فإنه إن مات فيه جاهلية، وأن غاية الغزو ليست لنشر الدين الحنيف إنما سلب المقتول وكسب الغنائم من سبايا وأموال لا يعيق جمعها قتل النساء أو الأطفال بعد قتل الأسرى من الرجال المقاتلين.
وهنا يبرز سؤال هام يطرح على السادة العلماء وأتباعهم ممن يرون فى صحيح البخارى سنة لرسول الله يجب تطبيقها على اختلاف الزمان والمكان: هل يمكن اعتماد تلك الأحكام فى الغزو والحروب لتطبق اليوم على دول العالم عوضًا عن اتفاقية جينيف مثلا أو مقررات مجلس الأمن؟! وإذا كان الجواب بنعم!! فهل يسمح لغير المسلمين من أهل الأرض بتطبيق ما يطبق عليهم بالمثل؟!
أمور يجب على المسلمين إعادة النظر فيها كليًا ونبذ حتى فكرة نسبها إلى الرسول المصطفى الذى أراه بريئا منها براءة الذئب من دم يوسف!
ثالثا: الرسول وتطبيق الحدود والأحكام (4):
توطئة: الرسول الكريم الذى وصفه تعالى بقوله: {وإنك لعلى خلق عظيم} وأمره بإقامة العدالة والرحمة بين كافة الناس على اختلاف أجناسهم وأديانهم، نجد فى الصحيح ما يخالف ذلك من خلال الأحاديث التالية:
متن الحديث (1):
حَدِيثَ ‏أَنَس، ‏أَنَّ ‏‏نَفَرًا ‏مِنْ عُكْلٍ، ‏ثَمَانِيَةً، قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏‏(ص) ‏‏فَبَايَعُوهُ عَلَى الإسلام، ‏‏فَاسْتَوْخَمُوا ‏الأرض ‏فَسَقِمَتْ ‏‏أَجْسَامُهُمْ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلى رَسُولِ اللَّهِ‏‏؛ ‏قَالَ: "‏‏أَفَلا تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِى إِبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا؟". قَالُوا: بَلَى. فَخَرَجُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَصَحُّوا، فَقَتَلُوا رَاعِى رَسُولِ اللَّهِ‏‏ (ص) ‏‏وَأَطْرَدُوا النَّعَمَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ‏‏ (ص)، ‏‏فَأَرْسَلَ فِى آثَارِهِمْ، فَأُدْرِكُوا، فَجِيءَ بِهِمْ، فَأَمَرَ بِهِمْ؛ فَقُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ ‏‏وَسَمَرَ ‏‏أَعْيُنَهُمْ ثُمَّ ‏ ‏نَبَذَهُمْ ‏‏فِى الشَّمْسِ حَتَّى مَاتُوا. (أخرجه البخارى: فى 87-كتاب الديات: 22-باب القسامة).
الشرح والمناقشة (1):
يبين الحديث أن ثمانية أشخاص من عكل أعلنوا إسلامهم ومرضوا فى المدينة؛ فأرسل الرسول معهم راعيًا مع إبله إلى خارج المدينة حيث صحوا فقتلوا الراعى وسلبوا إبله مما دعا الرسول إلى أمر الصحابة بإحضارهم وقطع أيديهم وإرجلهم ثم فقأ أعينهم وتركهم فى الشمس حتى ماتوا.
وإذا كان البعض يرى أن الرسول لم يكتف بتطبيق حد القتل فيهم (النفس بالنفس) بل طبق حد الحرابة (بقطع الأيدى والأرجل من خلاف) فهل يعنى أن سمر أعينهم ونبذهم أحياء ليموتوا متأثرين بجراحهم تحت الشمس هى سنة نبوية نقتدى بها؟! وهو ما طبقه لاحقًا بعض الصحابة والخلفاء بحق الآخرين كما فعل عبد الله بن جعفر بعبد الرحمن بن ملجم (قاتل الإمام على) وكما فعل من بعد الخليفة المنصور بابن المقفع (5)!!
وإذا كان الإمام البخارى يرى فى ذاك منظرًا مألوفًا وسنة لرسول الله فاننا نرفض رؤيته هذه ونطالب أتباعة من السادة العلماء أن يقارنوا حديثه السابق بحديث آخر ورد فى صحيحه جاء فيه ما يلى:
متن الحديث (2):
حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، ‏‏قَالَ: ‏عَدَا يَهُودِى، فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ‏(ص)، ‏‏عَلَى جَارِيَةٍ، فَأَخَذَ ‏أَوْضَاحًا ‏كَانَتْ عَلَيْهَا، ‏وَرَضَخَ ‏رَأْسَهَا، فَأَتَى بِهَا أَهْلُهَا رَسُولَ اللَّهِ‏ ‏(ص)‏ ‏وَهِى فِى آخِرِ رَمَقٍ، وَقَدْ أُصْمِتَتْ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص): ‏"مَنْ قَتَلَكِ، فُلانٌ؟" لِغَيْرِ الَّذِى قَتَلَهَا، فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أن لا. قَالَ: فَقَالَ لِرَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِى قَتَلَهَا. فَأَشَارَتْ أن لا. فَقَالَ: "فَفُلانٌ؟" لِقَاتِلِهَا. فَأَشَارَتْ أن نَعَمْ؛ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏(ص)‏ ‏فَرُضِخَ ‏‏رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ. (أخرجه البخارى فى: 68-كتاب الطلاق: 24-باب الاشارة فى الطلاق والأمور).
حيث يظهر أن عقوبة القاتل القتل (النفس بالنفس) وبالأسلوب نفسه علمًا أن القاتل فى ذلك الحديث قد سلب وسرق ضحيته الجارية ومع ذلك لم يطبق عليه ما يسمى حد الحرابة أو ينكل ويشهر به.
كما أننا نجد أن الحديث السابق مباشرة (الثانى) يتباين.. أيضًا مع الحديث الثالث التالي:
متن الحديث (3):
حديث ‏أَنَسٍ، ‏‏قَالَ: ‏كَسَرَتْ ‏الرُّبَيِّعُ، ‏وَهْى عَمَّةُ ‏أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، ‏‏ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ مِنْ ‏‏الأَنْصَارِ. ‏فَطَلَبَ الْقَوْمُ الْقِصَاصَ، فَأَتَوْا النَّبِى ‏‏(ص)، ‏فَأَمَرَ النَّبِى ‏‏(ص) ‏‏بِالْقِصَاصِ. فَقَالَ ‏أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ ‏عَمُّ ‏‏أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: ‏‏لا وَاللَّهِ لا تُكْسَرُ سِنُّهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(ص): ‏‏يَا ‏‏أَنَسُ؛ ‏كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ، فَرَضِى الْقَوْمُ وَقَبِلُوا ‏الأَرْشَ، ‏‏فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص): ‏‏إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ‏ لأَبَرَّهُ. (أخرجه البخارى في: 65-كتاب التفسير: 5-سورة المائدة: 6-باب قوله والجروح قصاص).
فبينما نجد سرعة التطبيق والقصاص وعدم المساومة فى الحديث الثانى السابق، نجد أن أنس بن النضر يعارض فى الحديث الثالث القصاص بشدة ولكن الله يقبل اعتراضه ويرضى القوم الآخرون بالديّة (الأرش)!!
ونستمر مع البخارى لنرى انتقاد بعض الصحابة لقسمة الرسول وتوزيعه للحقوق والغنائم كما يبيّن الحديثان التاليان:
متن الحديثين (4) و(4-1):
(4) حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ‏‏قَالَ: ‏بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص) ‏يَقْسِمُ غَنِيمَةً ‏بِالْجِعْرَانَةِ، ‏إِذْ قَالَ لَهُ ‏‏رَجُلٌ: ‏اعْدِلْ فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ ‏‏شَقِيتُ أن لَمْ أَعْدِلْ. (أخرجه البخارى في: 57-كتاب فرض الخـُمس: 15 باب ومن الليل على أن الخمس لنوائب المسلمين).
(4-1) حديث أَبِى سَعِيدٍ ‏‏‏قَالَ: ‏بَعَثَ ‏عَلِى ‏‏‏‏إِلَى النَّبِى ‏‏(ص) ‏بِذُهَيْبَةٍ، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَرْبَعَةِ؛ ‏‏الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِى، ثُمَّ الْمُجَاشِعِى ‏‏وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِى ‏وَزَيْدٍ الطَّائِى، ‏ثُمَّ أَحَدِ ‏بَنِى نَبْهَانَ ‏وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلاثَةَ الْعَامِرِى، ‏‏ثُمَّ أَحَدِ ‏بَنِى كِلابٍ، ‏فَغَضِبَتْ ‏‏قُرَيْشٌ ‏‏وَالأَنْصَارُ. ‏‏قَالُوا: يُعْطِى‏ ‏صَنَادِيدَ ‏‏أَهْلِ نَجْدٍ ‏وَيَدَعُنَا، قَالَ: إِنَّمَا ‏أَتَأَلَّفُهُمْ. ‏‏فَأَقْبَلَ رَجُلٌ ‏غَائِرُ ‏‏الْعَيْنَيْنِ مُشْرِفُ ‏‏الْوَجْنَتَيْنِ ‏نَاتِئُ ‏‏الْجَبِينِ ‏كَثُّ ‏اللِّحْيَةِ مَحْلُوقٌ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا ‏مُحَمَّدُ! ‏‏فَقَالَ: مَنْ يُطِعْ اللَّهَ إذا عَصَيْتُ، أَيَأْمَنُنِى اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الأرض فَلا تَأْمَنُونِى. فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ، أَحْسِبُهُ ‏خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ،‏ ‏فَمَنَعَهُ. فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: أن مِنْ ‏ضِئْضِئِ ‏‏هَذَا، ‏‏أَوْ ‏‏فِى عَقِبِ هَذَا ‏قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا‏ ‏يُجَاوِزُ ‏‏حَنَاجِرَهُمْ، ‏يَمْرُقُونَ ‏مِنْ الدِّينِ ‏مُرُوقَ ‏‏السَّهْمِ مِنْ ‏الرَّمِيَّةِ، ‏‏يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإسلام وَيَدَعُونَ أَهْلَ ‏‏الأَوْثَانِ، ‏‏لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ‏‏عَادٍ. (أخرجه البخارى في: 6-كتاب الأنبياء: 6-باب قول الله تعالى: {وإلى عاد أخاهم هودًا}).
الشرح والمناقشة (4) و(4-1):
ورد ذلك الحديث (4) فى صحيح البخارى فى أكثر من موضع (كتاب) وعلى الرغم من أن الراوى نفسه-أبو سعيد الخدرى-فقد اختلف المتن فى كل رواية؛ فمرة يتحدث عن ذهبية أرسلها الإمام على إلى الرسول ومرة يتحدث عن قسمة عامة، ومرة يذكر اسم المعترض على القسمة بأنه ذو الخويصرة وأخرى يصفه بأنه رجل غائر العينين، ومرة يؤكد قول الرسول بضرورة قتلهم (من اعتبروا الخوارج) ومرة لا يذكر حكم قتلهم وكأن فتوى القتل وحياة الناس أمر عادى جدًا يمكن إسقاطه!
ويبدو أن الإمام البخارى لم يهتم بمراجعة تلك الروايات والتنسيق بينها فى كتب صحيحة... ليعتمد أدقها؛ ويظهر الحديث غضب واعتراض قريش والأنصار على توزيع وقسمة الرسول حيث كان جوابه لذلك بقوله: (إنما أتألفهم) ويبدو أن ذلك الرجل الغائر العينين كان أكثر جرأة فى طرحه حيث طالب الرسول صراحة بتقوى الله والعدل فى قسمته.
ومهما تكن مؤشرات المعارضة الواردة فقد ظهرت تمامًا زمن الخليفة الراشدى عمر بن الخطاب الذى عطّل حكم المؤلّفة قلوبهم واسترد بعض الأراضى منهم.
متن الحديث (5):
عَنْ ‏‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ‏‏: ‏أَنَّ رَجُلا مِنْ ‏‏الأَنْصَارِ ‏خَاصَمَ‏ ‏الزُّبَيْرَ ‏عِنْدَ النَّبِى ‏(ص) ‏فِى ‏‏شِرَاجِ ‏‏الْحَرَّةِ ‏‏الَّتِى يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ الأَنْصَارِى: سَرِّحْ الْمَاءَ يَمُرُّ، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِى ‏‏(ص)‏، ‏فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص) ‏‏لِلزُّبَيْرِ: ‏‏أَسْقِ يَا ‏زُبَيْرُ ‏‏ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إلى جَارِكَ. فَغَضِبَ الأَنْصَارِى فَقَالَ: أن كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ. فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ‏(ص) ‏ثُمَّ قَالَ: اسْقِ يَا ‏زُبَيْرُ ‏ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إلى ‏الْجَدْرِ. ‏‏فَقَالَ ‏‏الزُّبَيْرُ: ‏وَاللَّهِ إِنِّى لأَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِى ذَلِكَ. ‏فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ. (أخرجه البخارى في: 42-كتاب المساقاة: 6-باب سكر الأنهار).
الشرح والمناقشة (5):
يظهر ذلك الحديث بوضوح اعتراض وغضب رجل من الأنصار على حكم رسول الله واتهامه صراحة بالانحياز لصالح ابن عمته الزبير فى حكمه ولم يراجعه الرسول فى ذلك.
ورأى الزبير أن سبب نزول آية-{ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم }-هى تلك الحادثة؟! الأمر الذى يؤكد عدم قناعة ذلك الرجل الأنصارى بحكم وقرار الرسول.
النتيجة:
جاء فى صحيح البخارى أن الرسول لم يكتفِ بتطبيق حدود الله على العباد من المسلمين وغيرهم-بل تعداها زيادة وليس نقصانًا أو رحمة؛ تعداها ليجعلها سنة من بعده يطبقها الآخرون.
فها هو ابن عباس يعترض على الإمام على فى تحريقه للناس بعد أن نهى الرسول عن ذلك(6). كما تبيّن من صحيح البخارى أن الرسول كان منحازًا لغير المستحقين فى أحكامه ولأقربائه فى عطائه.
ومهما قيل أو ورد فى ذلك فإنى أرى أن تلك الأحاديث وضعت على لسان الرسول الكريم لغايات سياسية دنيوية بحتة، غايتها قتل المعارضين وتعذيبهم وتبرير الانحياز والولاء إلى الأقارب وغيرهم من الأصدقاء؛ وتأكيدًا لذلك فإننى سأورد هنا قول الخليفة الراشدى عثمان بن عفان-فى جماعة من صحابة النبى فيهم عمار بن ياسر-ليبرر انحيازه لبنى أميّة؛ حيث قال لهم: إنى أسائلكم وأحب أن تصدقوني: نشدتكم بالله: أتعلمون أن رسول الله (ص) كان يؤثر قريشًا على سائر الناس، ويؤثر بنى هاشم على سائر قريش؟ فسكت القوم! فقال عثمان: لو أن بيدى مفاتيح الجنة لأعطيتها بنى أميّة حتى يدخلوا عن آخرهم(7).
رابعاً: الرسول وتأثير الآخرين عليه:
توطئة: هل سُحرالرسول الكريم؟! وهل تعلّم من اليهود بعض الحقائق عما بعد الموت؟! وهل تمكنت بعض نسائه من إخفاء الحقائق عنه وهو الموحى إليه من البارى-عزّ وجلّ؟! هذا ما سنراه فى الأحاديث التالية الواردة فى صحيح البخاري.
متن الحديث (1):
حديث عَائِشَةَ ‏‏قَالَتْ: ‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(ص) ‏سُحِرَ، حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِى النِّسَاءَ وَلا يَأْتِيهِنَّ، قَالَ ‏‏سُفْيَانُ: ‏‏وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ السِّحْرِ إذا كَانَ كَذَا. ‏‏فَقَالَ يَا ‏عَائِشَةُ: ‏‏أَعَلِمْتِ ‏أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِى فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، أَتَانِى ‏‏رَجُلانِ ‏‏فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِى، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَى، فَقَالَ الَّذِى عِنْدَ رَأْسِى لِلآخَرِ: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ. ‏‏قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: ‏لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ؛ ‏‏رَجُلٌ مِنْ ‏بَنِى زُرَيْقٍ، ‏‏حَلِيفٌ ‏لِيَهُودَ ‏‏كَانَ مُنَافِقًا. قَالَ: وَفِيمَ؟ قَالَ: فِى مُشْطٍ ‏‏وَمُشَاقَةٍ. قَالَ: وَأَيْنَ؟ قَالَ: فِى جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، تَحْتَ رَاعُوفَةٍ، فِى ‏بِئْرِ ذَرْوَانَ. قَالَتْ: فَأَتَى النَّبِى ‏‏(ص)‏ ‏الْبِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ. فَقَالَ: هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِى أُرِيتُهَا، وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، وَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ. قَالَ: فَاسْتُخْرِجَ. قَالَتْ: فَقُلْتُ أَفَلا أى تَنَشَّرْتَ؟ فَقَالَ: أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ شَفَانِى، وَأَكْرَهُ أن أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ شَرًّا. (أخرجه البخارى في: 76-كتاب الطب: 49 – باب هل يستخرج السحر).
الشرح والمناقشة (1):
بداية نستعرض الشرح الوارد فى الأثر لذلك الحديث، ونعود لمناقشته بعد ذلك، حيث نجد أن:
-يأتى النساء ولا يأتيهن: أى وطئ زوجاته ولم يكن وطئهن. أتانى رجلان: هما جبريل وميكائيل. مطبوب: أى مسحور. وفيما؟: أى سَحَره. مشاقة: المشاقة هى المشاطة وهى الشعر الذى يسقط من الرأس واللحية عند التسريح بالمشط. جف: الجف وعاء وهو الغشاء الذى يكون فوقه. طلعة: الطلع، بالفتح، ما يطلع من النخلة ثم يصير ثمرًا أن كانت أنثى؛ وإن كانت النخلة ذكرًا لم يصر ثمرًا بل يؤكل طريا، ويترك على النخلة أياما معلومة حتى يصير فيه شئ أبيض مثل الدقيق، وله رائحة زكية فيلقح به الأنثى. رعوفة: وهو حجر يترك فى البئر عند الحفر، ثابت لا يستطاع قلعه، يقوم عليه المستقى؛ وقيل حجر على رأس البئر يستقى عليه المستقى؛ وقيل حجر بارز من طيها يقف عليه المستقى والناظر فيها؛ وقيل فى أسفل البئر يجلس عليه الذى ينظفها لا يمكن قلعه لصلابته. نقاعة الحناء: فى حمرة لونه رؤوس الشياطين: فى قبح منظرها، أو الحيات؛ إذ العرب تسمى بعض الحيات شيطانا، وهو ثعبان قبيح الوجه. تنشرت: النشرة الرقية التى يحل بها عقد الرجل عن مباشرة امرأته.
وهكذا نجد ذلك الحديث يبين أن الرسول قد أصابه السحر فأثر عليه من الناحية الجنسية. ولا أعلم كيف يرى المرء أنه يأتى النساء ولا يأتيهن!! أو أنه وطئ زوجاته ولم يكن وطئهن-حسب شرح الحديث!!
وإذا كانت القضية عبارة عن مشكلة جنسية فى بيت الرسول الكريم فما الغاية من الخوض فيها؟! وما الغاية من إذاعتها للناس أصلا؟! وما هو الشئ الذى يريد الإمام البخارى أن يقوله لنا؟! أن الرجل عندما يضعف جنسيًا يكون مسحورًا فذلك تأسيًا بالسنة النبوية!! وإن علية أن يفك ذلك السحر!!
وإذا كان الرسول قد فك كل من جبريل وميكائيل-حسب شرح الحديث-سحره فكيف سيتم ذلك بالنسبة للرجل العادى؟! بالذهاب إلى السحرة أم إلى المشعوذين؟ أخيرًا هل نستنتج من ذلك الحديث أن الرسول الموحى إليه يمكن أن يتأثر بسحر أناس كلبيد بن أعصم وغيره؟!! ولماذا لم يأكل من تمر المدينة سبع تمرات لتقيه من ذلك-حسب ما جاء فى البخارى؟.
متن الحديث (2):
حديث عَائِشَةَ ‏قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَى عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ ‏‏يَهُودِ ‏‏الْمَدِينَةِ، ‏‏فَقَالَتَا لِى: أن أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِى قُبُورِهِمْ. فَكَذَّبْتُهُمَا وَلَمْ أُنْعِمْ أن أُصَدِّقَهُمَا، فَخَرَجَتَا، وَدَخَلَ عَلَى النَّـــبِى ‏(ص)، ‏فَقـــُلْتُ لَهُ: يَا رَسـُولَ اللَّهِ، أن عَـجُوزَيْنِ.... وَذَكَـرْتُ لَهُ. فَــقَالَ: ‏‏صَدَقَــتَا؛ إِنَّهُمْ يُــعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمــَعُهُ الْبَهَائِـمُ كُلُّهَا. فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ فِى صَلاةٍ إِلا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. (أخرجه البخارى في: 80-كتاب الدعوات: 37-باب التعوذ من عذاب القبر).
الشرح والمناقشة (2):
الحديث يبين أن عجوزين من عجز يهود المدينه قد علمتا رسول الله-أو لنقل نبهتاه لضرورة التعوذ من عذاب القبر، ليصبح بعد ذلك دعاء عقب كل صلاة للرسول والمسلمين. وإذا افترضنا أن الإنسان حى فى قبره لأنه يعذب؛ علما أن ذلك لا يؤيده كتاب الله أو العلم المعاصر؛ فلماذا لا ينقل لنا ثواب وسرور الصالحين من أهل القبور؟! ولماذا لا نسأل الله الفرح والغبطة فى القبر؟! أم أن عذاب القبر والقهر هو مصير كل ميت وعليه الاستعاذة منه!؟!
أخيرًا يبدو أن عذاب القبر يخص اليهود فقط حيث جاء فى صحيح البخارى أن الرسول خرج عند غروب الشمس فسمع صوتا: فقال: "يهود تعذب فى قبورها"(8).
متن الحديث (3):
حديث ‏عَائِشَةَ‏‏: ‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص)‏ ‏يُحِبُّ الْعَسَلَ وَالْحَلْوَاءَ، وَكَانَ إذا انْصَرَفَ مِنْ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى ‏‏حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ ‏‏فَاحْتَبَسَ أَكْثَرَ مَا كَانَ يَحْتَبِسُ، فَغِرْتُ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ لِى، أَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةً مِنْ عَسَلٍ، فَسَقَتْ النَّبِى ‏‏(ص) ‏‏مِنْهُ شَرْبَةً، فَقُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ لَنَحْتَالَنَّ لَهُ. فَقُلْتُ ‏‏لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: ‏‏إِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ، فَإِذَا دَنَا مِنْكِ فَقُولِى: أَكَلْتَ ‏‏مَغَافِيرَ؟ ‏‏فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ: لا. فَقُولِى لَهُ: مَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِى أَجِدُ مِنْكَ؟ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ: سَقَتْنِى ‏‏حَفْصَةُ ‏‏شَرْبَةَ عَسَلٍ. فَقُولِى لَهُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ ‏‏الْعُرْفُطَ، ‏‏وَسَأَقُولُ ذَلِكِ، وَقُولِى أَنْتِ يَا ‏‏صَفِيَّةُ ‏‏ذَاكِ، قَالَتْ: تَقُولُ ‏‏سَوْدَةُ ‏‏فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أن قَامَ عَلَى الْبَابِ فَأَرَدْتُ أن أُبَادِيَهُ بِمَا أَمَرْتِنِى بِهِ فَرَقًا مِنْكِ. فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا، قَالَتْ لَهُ ‏‏سَوْدَةُ: ‏‏يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَكَلْتَ ‏‏مَغَافِيرَ؟ ‏‏قَالَ: لا. قَالَتْ: فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِى أَجِدُ مِنْكَ؟ قَالَ: ‏‏سَقَتْنِى ‏‏حَفْصَةُ ‏‏شَرْبَةَ عَسَلٍ. فَقَالَتْ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ ‏‏الْعُرْفُطَ. ‏‏فَلَمَّا دَارَ إِلَى قُلْتُ لَهُ نَحْوَ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَارَ إلى ‏‏صَفِيَّةَ ‏‏قَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَارَ إلى ‏‏حَفْصَةَ ‏‏قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا أَسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ: لا حَاجَةَ لِى فِيهِ. قَالَتْ: تَقُولُ ‏‏سَوْدَةُ ‏‏وَاللَّهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ. قُلْتُ لَهَا: اسْكُتِي. (أخرجه البخارى في: 68-كتاب الطلاق: 7-باب لِمَ تحرم ما أحل الله لك).
الشرح والمناقشة (3):
ورد ذلك الحديث فى مواضع عدة وبروايات مختلفة فى صحيح البخارى. وبالرغم من تناقض الروايات فيه حيث تكون السيدة عائشة مرة مع حفصة وصفية وأخرى مع سودة ومرة مع زينب وغير ذلك من الاختلاف الواضح، فانه يشير إلى أن الشخصية الثابتة فيه هى السيدة عائشة-راويته-فإن ما يهمنا فى ذلك الحديث هو خاتمته حيث تقول السيدة سودة فيه: "والله لقد حرمناه!!".
مما يعنى أن التحريم-وهو أهم مافى الدين والشرع-قد يكون ناجمًا عن نزوة غيرة أو كذب أو معلومات خاطئة يتأثر بها الرسول الكريم، وهو مالا نرضاه من السيدة عائشة أو البخارى أو كلاهما معا.


الهوامش
(1) سيرة ابن هشام، الجزء الثالث، تاريخ الطبرى،جزء 2.
(2) راجع صحيح البخارى، كتاب المغازى، باب مرجع النبى (ص) من الاحزاب.
(3) راجع صحيح البخارى، كتاب المناقب والحدود والانبياء.
(4) الأحكام هنا يقصد بها القضاء بين الناس فى الحقوق والغنائم.
(5) الطبقات الكبرى لابن سعد، جزء 3؛ والبداية والنهاية لابن كثير، مجلد 4، جزء 7.
(6) راجع صحيح البخارى.
(7) أسد الغابة، جزء 3 (380)، تاريخ مدينة دمشق، ترجمة عثمان.
(8) راجع: صحيح البخارى: 23 كتاب الجنائز.


الفصل الرابع
البخارى والديانات الأخرى
توطئة: لم يقبل الرسول الكريم-حسب البخارى-إلا باتباع الناس له رافضين كافة الأديان السائدة آنذاك سواء كانت سماوية أو غير ذلك، كما تبين الأحاديث اللاحقة.
متن الحديث (1):
عَنْ ‏ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏(ص)، ‏‏قَالَ: أُمِرْتُ أن أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى ‏‏يَشْهَدُوا ‏‏أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ ‏‏مُحَمَّدًا ‏رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ‏‏عَصَمُوا ‏‏مِنِّى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإسلام، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ". (أخرجه البخارى فى: 2-كتاب الايمان: 17-باب {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم}.
الشرح والمناقشة (1):
يظهر الحديث بوضوح تام أن الرسول أمر بقتال الناس كافة حتى يعلنوا إسلامهم وأن ذلك هو السبيل الوحيد لعصمة دمائهم وأموالهم؛ ولعل طلب الرسول من اليهود فى المدينة بقوله ثلاثًا: "اسلموا تسلموا" (1) يؤكد على ما ورد فى ذلك الحديث.
متن الحديث (2):
حديث أبى ذر، قال: قال رسول الله (ص): "أتانى آتٍ من ربى فأخبرنى، أو قال بشرنى، أنه من مات من أمتى لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة". قلت وإن زنى وإن سرق؟ قال: "وإن زنى وإن سرق". (أخرجه البخارى فى: 23-كتاب الجنائز. 1-باب فى الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله).
الشرح والمناقشة (2).
ورد ذلك الحديث بأكثر من موضع (باب) وبأكثر من رواية وفيه اختلاف فى متنه مع وجود الراوى نفسه، وهو يؤكد أن الجنة ستكون من نصيب أمة النبى محمد (ص) وإن زنى أهلها وسرقوا. كما أن الحديث يوافق ويعارض حديث الرسول القائل: "إن الله تجاوز عن أمتى ما حدثت به أنفسها مالم تعمل أوتتكلم"(2) يوافقه بأن أمة النبى محمد (ص) هى الأمة المميزة وجزاؤها الجنة دومًا ونعم المصير؛ ويعارضه بأن من يعمل أو يقل شيئا يحاسب عليه، على عكس رواية أبى ذر التى تمنح الجنة على الرغم من السرقة والزنا!!
أخيرًا فإن ذلك الحديث يتماشى مع الحديث التالى الذى يؤكد أن الجنة للمسلمين حصرًا دون غيرهم ويظهر ذلك واضحًا فى العبارة التالية من الحديث (وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة).
متن الحديث (3):
عَنْ ‏‏عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود،‏ ‏قَالَ: ‏كُنَّا مَعَ النَّبِى (ص) فِى قُبَّةٍ، فَقَالَ: أَتَرْضَوْنَ أن تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: أَتَرْضَوْنَ أن تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: أَتَرْضَوْنَ أن تَكُونُوا ‏‏شَطْرَ ‏‏أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: وَالَّذِى نَفْسُ ‏‏مُحَمَّدٍ ‏بِيَدِهِ، إِنِّى لأَرْجُو أن تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَذَلِكَ أن الْجَنَّةَ لا يَدْخُلُهَا إِلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَا أَنْتُمْ فِى أَهْلِ الشِّرْكِ إِلا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِى جِلْدِ الثَّوْرِ الأسْوَدِ، أو كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِى جِلْدِ الثَّوْرِ الأحْمَرِ. (أخرجه البخارى فى: 81-كتاب الرقاق: 45-باب كيف الحشر).
متن الحديث (4):
عَنْ ‏‏أَبِى مُوسَى، ‏قَالَ: ‏أَقْبَلْتُ إلى النَّبِى‏(ص)، ‏وَمَعِى رَجُلانِ مِنْ ‏‏الأشْعَرِيِّينَ، ‏‏أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِى وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِى، وَرَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص) ‏‏يَسْتَاكُ. فَكِلاهُمَا سَأَلَ، فَقَالَ: يَا ‏‏أَبَا مُوسَى ‏‏أَوْ يَا ‏‏عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ! ‏‏قَالَ، قُلْتُ: وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! مَا أَطْلَعَانِى عَلَى مَا فِى أَنْفُسِهِمَا، وَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَلَ. فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إلى سِوَاكِهِ تَحْتَ شَفَتِهِ قَلَصَتْ. فَقَالَ: لَنْ أو ‏‏لا نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ، وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ يَا ‏‏أَبَا مُوسَى ‏أَوْ يَا ‏عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ ‏إِلَى ‏الْيَمَنِ. ‏ثُمَّ اتَّبَعَهُ ‏‏مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ. ‏‏فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ أَلْقَى لَهُ وِسَادَةً، قَالَ: انْزِلْ. وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ مُوثَقٌ. قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ. قَالَ: اجْلِسْ. قَالَ: لا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ. فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ. ثُمَّ تَذَاكَرَا قِيَامَ اللَّيْلِ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَمَّا أَنَا فَأَقُومُ وَأَنَامُ، وَأَرْجُو فِى نَوْمَتِى مَا أَرْجُو فِى قَوْمَتِي. (أخرجه البخارى فى: 88-كتاب استتابة المرتدين: 2-باب حكم المرتد والمرتدة).
الشرح والمناقشة (4):
الحديث يظهر بوضوح أن من ترك الإسلام ليعود إلى دينه السماوى الأصلى هو مرتد كافر يجب قتله تطبيقًا لقضاء الله ورسوله-حسب رواية أبى موسى ومعاذ-وهو يؤكد أن الإسلام هو الدين المقبول فقط، وإذا كان الإمام البخارى يرى فى ذلك الحديث تطبيقًا لحكم المرتد فى الإسلام عملا بما جاء عن الرسول (ص) بقوله: "من بدل دينه فاقتلوه" (3)، فإن ذلك كان يجب أن يطبق على اليهودى أولا لأنه بدل دينه إلى الإسلام حسب نص الحديث؛ حيث نلاحظ أن عبارة (من بدل دينه) عامة ولا تشمل المسلم فقط!!
أخيرًا نورد حديثًا يتطابق فى مضمونه مع ما ورد فى الحديث السابق، ولكن نهاية المرتد النصرانى فيه كانت عقوبتها من السماء، كما يلى:
متن الحديث (5):
عَنْ ‏أَنَسٍ، ‏قَالَ: ‏كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ، وَقَرَأَ ‏الْبَقَرَةَ ‏وَآلَ عِمْرَانَ. ‏‏فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِى ‏(ص) ‏فَعَادَ نَصْرَانِيًّا. فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِى ‏‏مُحَمَّدٌ ‏إِلا مَا كَتَبْتُ لَهُ. ‏فَأَمَاتَهُ اللَّهُ، فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأرض. فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ ‏‏مُحَمَّدٍ ‏وَأَصْحَابِهِ. نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ. فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ، وَأَعْمَقُوا لَهُ فِى الأرض، مَا اسْتَطَاعُوا. فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأرض. فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ. (أخرجه البخارى فى: 61-كتاب المناقب: 25-باب علامات النبوة فى الإسلام).
متن الحديث (6):
عَنْ ‏أَبِى سَعِيدٍ، ‏‏قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص): ‏‏يَقُولُ اللَّهُ ‏يَا ‏‏آدَمُ! فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِى يَدَيْكَ! قَالَ يَقُولُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ، تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، ‏وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ ‏سَكْرَى وَمَا هُمْ بِسَكْرَى، ‏‏وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ. ‏فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّنَا ذَلِكَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْ ‏‏يَأْجُوجَ‏ ‏وَمَأْجُوجَ ‏‏أَلْفًا وَمِنْكُمْ رَجُلٌ. ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنِّى لأَطْمَعُ أن تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ. قَالَ فَحَمِدْنَا اللَّهَ وَكَبَّرْنَا. ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنِّى لأَطْمَعُ أن تَكُونُوا ‏‏شَطْرَ ‏أَهْلِ الْجَنَّةِ. إن مَثَلَكُمْ فِى الأُمَمِ كَمَثَلِ الشَّعَرَةِ الْبَيْضَاءِ فِى جِلْدِ الثَّوْرِ الأسْوَدِ، أو الرَّقْمَةِ فِى ذِرَاعِ الْحِمَارِ. (أخرجه البخارى فى: 81-كتاب الرقاق: باب قوله عز وجل-إن زلزلة الساعة شئ عظيم).
الشرح والمناقشة (6):
الحديث كما نرى يمكن تصنيفه ضمن الأحاديث القدسية(4) لأن المتكلم-حسب الراوى-هو الله-عز وجل-الذى طلب من آدم-ولا ندرى لماذا آدم وليس مالك خازن النار أو ميكائيل-إخراج بعث النار التى ستمتلئ بالعباد الذين وصفهم الرسول بأنهم قوم يأجوج ومأجوج وهم من يعتبرون اليوم أهل الشرق الأقصى-حسب ما جاء فى الاثر.
ويرد فى الحديث تشبيه للأمة لا يستخدمه أو يؤكد عليه السادة العلماء والأفاضل وهو إننا كالرقمة (القطعة البيضاء المستديرة اليابسة التى لا شعر فيها) فى زراع الحمار!! أو فى جلد الثور الأسود حسب أحاديث أخرى.
متن الحديث (7):
حديث أبى هريرة، قال النبى (ص): "رأيت عمر بن عامر بن لحىّ الخزاعى يجر قصبه فى النار وكان أول من سيب السوائب". (أخرجه البخارى فى: 61-كتاب المناقب: 9-باب قصة خزاعة).
الشرح والمناقشة (7):
عمرو بن عامر بن لحىّ كما نجد فى الحديث موعود بجهنم يجر أمعاءه فيها لأنه أول من ترك الإبل سائبة فلا تمنع من ماء ولا مرعى ولا تحلب ولا تركب تمامًا، كما هو الحال عند السادة الهندوس الذين يتركون الحيوانات كالبقر وغيرها سائبة فى معظم مدن الهند. وبذلك فإن من يؤمن ويعمل على تسييب الدواب هو فى النار حسب حديث أبى هريرة.
أخيرًا تعرف الأخ القارئ بعمرو بن عامر بن لحى الذى بلغ فى العرب من الشرف مالم يبلغه عربى قبله ولا بعده فى الجاهلية، وذهب شرفه فى العرب كل مذهب حتى صار قوله دينًا متبعًا لا يخالف، وهو أول من نصب الأصنام حول الكعبة، وكان الحجاج يلبون قائلين: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك" لكن عمرًا أضاف إلى التلبية عبارة: "إلا شريكًا هو الملك، تملكه وما ملك" فتبعه العرب فى ذلك، وظلت تلك هى تلبية الحجاج حتى أعادها الإسلام إلى صيغتها الأولى (5).
النتيجة:
تظهر بعض الأحاديث الواردة فى صحيح البخارى أن المسلمين هم أصحاب الجنة أما أهل بقية الديانات والملل (مسيحية-يهودية-هندوسية-بوذية...) فالله أعلم بحالها ولكنها لن تدخل الجنة التى حددت حصرًا للنفس المسلمة-حسب صحيح البخارى-والمسلم لا يتساوى مع الكافر فلا يقتل مسلم بكافر(6).
ولا أدرى هنا كيف نتجاهل وصفه تعالى لأهل الكتاب من يهود ونصارى وأحناف بأن منهم الصالح والراسخ فى العلم وأن لا خوف عليهم كما فى قوله الحق: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (سورة المائدة-69).


الهوامش
(1) راجع صحيح البخارى، فى 89-كتاب الاكراه2، باب فى بيع المكره ونحوه فى الحق وغيره.
(2) المصدر نفسه، 68-كتاب الطلاق-11،باب الطلاق فى الاخلاق.
(3) تعارض كثير من آيات الذكر الحكيم ذلك الحديث.
(4) راجع بحث الأحاديث القدسية ص 49 فى هذا الكتاب.
(5) السيرة الحلبية، على برهان الدين الحلبى، مجلد 1،ص 16.
(6) راجع مختصر صحيح البخارى، فى: 60-باب الجهاد، لمعرفة الحديث.


الفصل الخامس
البخارى والحكم والصحابة
توطئة: ما جاء فى صحيح البخارى يؤكد أن الرسول أوصى بأمور الحكم لقريش وجعل الناس تابعين لها، وحسب السنة النبوية فإن قيام وانتشار الأمة الإسلامية اليوم يتطلب رجلاً قرشيًا يتولى أمر (الحكم) فيها.
أما الصحابة فإنهم لم يكونوا ملائكة-كما صورهم البعض اليوم-وهم كغيرهم من الناس يتحابون ويتباغضون، يتفقون ويختلفون، ويتقاربون ويتباعدون.
وسيتم بحث الموضوعين الرئيسيين التاليين فى هذا الفصل:
أولاً: الحكم فى الإسلام وطاعة الحاكم وحرمة المدينة.
ثانياً: أحوال بعض الصحابة.
أولاً: الحكم فى الإسلام وطاعة الحاكم وحرمة المدينة:
ورد فى صحيح البخارى أحاديث تؤكد على حق قريش فى الحكم وعلى وجوب طاعة الحاكم كما يلي:
متن الحديث (1):
حديث أبى هريرة، أن النبى (ص)، قال: " الناس تَـبعٌ لقريش فى هذا الشأن؛ مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم " (أخرجه البخارى في: 61-كتاب المناقب: 1-باب قوله تعالى-{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى }).
الشرح والمناقشة (1):
الحديث يظهر تماما أن قريشًا صاحبة الحق فى الإمرة والخلافة (هذا الشأن) فى الإسلام تمامًا كما كانت قبل ذلك فى الجاهلية (كافرهم تبع لكافرهم) حيث كانت مكة مركز عبادة الأصنام. وعليه فإن أبا هريرة يثبت ما كان لقريش من مكانة قبل الإسلام لتصبح مكانة عالمية وأبدية.

متن الحديث (2):
حديث عبدالله بن عمر؛ عن النبى (ص)، قال: " لا يزال هذا الأمر فى قريش ما بقى منهم اثنان ". (أخرجه البخارى في: 61-كتاب المناقب: 2-باب مناقب قريش).
الشرح والمناقشة (2):
سأورد هنا ما ورد فى الأثر عن شرح ذلك الحديث، تاركًا للقارئ التوصل إلى الاستنتاج الملائم مع ضرورة الانتباه إلى أن الحركات الإسلامية الأصولية الملتزمة بسنة رسول الله المبيّنة فى صحيح البخارى عليها أن تأتمر بخليفة عربى قرشى لتضمن تطبيق أوامر الرسول فى أهم أمور دنياها وآخرتها!!
لا يزال هذا الأمر: أى الخلافة فى قريش: يستحقونها ما بقى منهم اثنان: قال النووى فيه دليل ظاهر على أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لغيرهم، وعلى هذا العقد الإجماع فى زمان الصحابة ومن بعدهم، ومن خالف فيه من أهل البدع فهو محجوج بإجماع الصحابة؛ وقد بيّن (ص) أن الحكم مستمر إلى آخر الزمان ما بقى فى الناس اثنان، وقد ظهر ما قاله، صلوات الله وسلامه عليه، من زمنه وإلى الآن، وإن كان المتغيبون من غير قريش ملكوا البلاد وقهروا العباد، لكنهم معترفون بأن الخلافة فى قريش، فاسم البلاد باق فيهم، فالمراد من الحديث مجرد التسمية بالخلافة لا الاستقلال بالحكم (ا. هـ.)
أخيرًا يبدو أن أحد العبادلة الأربعة-عبدالله بن عمرو بن العاص قد خالف الحديث السابق، مما دعا الخليفة معاوية إلى الغضب والتأكيد على ما جاء فى الأحاديث السابقة حسب ما يلي: عن معاوية، وقد بلغه أن عبدالله بن عمرو بن العاص يحدث: " أنه سيكون ملك من قحطان، فغضب معاوية فقام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد،فإنه بلغنى أن رجالا منكم يتحدثون أحاديث ليست فى كتاب الله تعالى، ولا تؤثر عن رسول الله (ص) فأولئك جهالكم، فإياكم والأمانى التى تضل أهلها، فإنى سمعت رسول الله (ص) يقول: "أن هذا الأمر فى قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبّه الله على وجهه، ما أقاموا الدين ". (أخرجه البخارى-كتاب المناقب. لم يرد فى مسلم-)
متن الحديث (3):
حديث أبى هُرَيْرَةَ، ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏‏(ص) ‏‏قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِى فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِى فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِى فَقَدْ أَطَاعَنِى، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِى فَقَدْ عَصَانِي (أخرجه البخارى في: 93-كتاب الأحكام: 1-باب قول الله تعالى-{أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم}).
الشرح والمناقشة (3):
الحديث يبيّن بوضوح تام أن طاعة الأمير تؤدى إلى طاعة الرسول التى تؤدى بدورها إلى طاعة الله، وكذلك فإن معصية الأمير تؤدى إلى معصية الرسول التى تؤدى بدورها إلى معصية الله. إذاً، فمن أراد أن يطيع الله عليه طاعة أميره ومن يعصى أميره فإنه يعصى الله. وبالتالى فإن قدَر الحاكم هو قدَر الله ولا مجال لرده؛ هذا ما يؤكده الحديث اللاحق:
متن الحديث (4):
عَنْ ‏عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ النَّبِى ‏‏(ص)، ‏‏قَالَ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ. (أخرجه البخارى في: 93-كتاب الأحكام: 4-باب السمع والطاعة للإمام مالم تكن معصية).
والاستثناء من الطاعة والسمع يقع عندما يؤمر بمعصية، وهى كما يوضحها حديث عبادة بن الصامت فى موضع آخر من صحيح البخارى (أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فى برهان) (1).
والكفر البواح هو الكفر الظاهر الذى يُجهر ويصرح به، أما البرهان فهو النص من القرآن أو الخبر الذى لا يحتمل التأويل. ويضيف الإمام النووى تفصيلاً للشرح السابق فيقول: ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور فى ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرًا محققًا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم؛ وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين(ا. هـ.)
وكما ترى فإن شرح الإمام النووى ينسجم تمامًا مع فهمه للحديثين التاليين اللذين ننهى بهما موضوع طاعة الحاكم دون تعليق آخر:
متن الحديث (5):
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، ‏عَنْ النَّبِى (ص)، قَالَ: ‏سَتَكُونُ ‏أَثَرَةٌ ‏‏وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِى عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِى لَكُمْ. (أخرجه البخارى في: 61-كتاب المناقب: 25-باب علامات النبوة فى الإسلام).
مع الإشارة إلى أن الأثرة-حسب الأزهرى-هو الاستئثار؛ أى يستأثر عليكم بأمور الدنيا ويُفضل عليكم غيركم!
متن الحديث (6):
حديث ابْنَ عَبَّاسٍ، ‏عَنْ النَّبِى ‏(ص) ‏قَالَ: ‏مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ خرج من السلطان شِبْرًا، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. (أخرجه البخارى في: 92-كتاب الفتن: 2-باب قول النبى (ص) سترون بعدى أمورًا تنكرونها).
بعد البحث فى الإمارة وطاعة الحاكم نأتى إلى استعراض بعض الأحاديث الواردة فى صحيح البخارى والمتعلقة بحرمة المدينة المنورة (يثرب) ومكانتها عند الرسول الكريم؛ كما تبين الأحاديث اللاحقة:
متن الحديث (7):
عَنْ ‏‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، ‏عَنْ النَّبِى ‏(ص): ‏‏أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ ‏‏مَكَّةَ وَدَعَا لَهَا وَحَرَّمْتُ ‏الْمَدِينَةَ ‏كَمَا حَرَّمَ ‏‏إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ وَدَعَوْتُ لَهَا، فِى وُدِّهَا وَصَاعِهَا مِثْلَ مَا دَعَا إِبْرَاهِيمُ ‏‏عَلَيْهِ السَّلام لِمَكَّةَ. (أخرجه البخارى فى: 34-كتاب البيوع: 53-باب بركة صاع النبى (ص)).
متن الحديث (8):
حَدَّثَنَا ‏‏عَاصِمٌ ‏‏قَالَ: قُلْتُ ‏‏لأنَسٍ أَحَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص) ‏‏الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ! مَا بَيْنَ كَذَا إلى كَذَا، لا يُقْطَعُ شَجَرُهَا، مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. قَالَ ‏عَاصِمٌ: ‏فَأَخْبَرَنِى ‏‏مُوسَى بْنُ أَنَسٍ ‏أَنَّهُ قَالَ: أو آوَى مُحْدِثًا. (أخرجه البخارى فى: 34-كتاب الاعتصام: 6-باب اثم من آوى محدثا).
متن الحديث (9):
عَنْ ‏أَبِى هُرَيْرَةَ، ‏أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ‏لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ ‏‏بِالْمَدِينَةِ تَرْتَعُ مَا ‏‏ذَعَرْتُهَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(ص): ‏مَا بَيْنَ ‏‏لابَتَيْهَا‏‏ حَرَامٌ. ‏(أخرجه البخارى فى: 29-كتاب فضائل المدينة: 4-باب لابتى المدينة).
الشرح والمناقشة (7)-(8)-(9):
تبين الأحاديث الثلاثة السابقة بوضوح أن الرسول الكريم قد حرم المدينة تماما كما حرم من قبل قبله إبراهيم عليه السلام مكة المكرمة. ويبدو أن تلك الأحاديث قد وصلت الإمام البخارى ولم تصل إلى من سبقه من خاصة الأمة وعلى رأسهم الخلفاء ولاة أمور المسلمين فى الأرض؛ حيث تم رمى الكعبة مرتين بالمنجنيق وتم تحريقها وصُلب ابن الزبير حفيد أبى بكر وابن أخت السيدة عائشة زوج النبى (2).
أما فى المدينة المنورة فقد هاجم جيش يزيد بن معاوية أهلها فى موقعة (الحرة) واستباح قائد جيش أمير المؤمنين آنذاك مسلم بن عقبة المدينة ثلاثة أيام قيل إنه قتل فيها أربعة آلاف وخمسمائة وإنه قد فـُضّت فيها بكارة ألف بـِكر(3)!! ولم يكن عندئذٍ لقول الرسول فى أهل المدينة:" الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحب الله، ومن أبغضهم أبغضه الله "-(63-كتاب مناقب الأنصار)-أى وجود عند الخليفة وقائده!
النتيجة:
جاء فى صحيح البخارى كثير من الأحاديث التى تحصر أمور المسلمين بقبيلة قريش التى لا نعلم كيف نجد أفرادها فى أيامنا المعاصرة لنختار منهم من يحكم البلاد الإسلامية العربية وغير العربية التى يطالب بعضها بالعودة إلى نظام الخلافة الإسلامية!
وإذا كان الإمام البخارى قريب عهد، بل عاش فى ظل أحفاد قبيلة قريش من الخلفاء، ولم يستبعد تلك الأحاديث أو إنه غض الطرف عنها وأثبتها كأمر من الله ورسوله؛ فإن رائحة القبيلة والعصبية والطائفية والبداوة تخرج من تلك الأحاديث التى لا يمكن أن تأتى من رسول المحبة والرحمة للعالمين جميعًا وقد ذهب الإمام البخارى فى صحيحه إلى أبعد من ذلك فمنع-على لسان الرسول-الناس من الخوض أو محاولة طلب الإمارة أو الحكم(4)؛ وهو مالا يقبله عاقل فى أيامنا المعاصرة التى يفترض فينا أن نمنع مرشحى الرئاسة والانتخابات اليوم من منازعة الأمر أهله لأن الحكم فى قريش. أما ما يتعلق بربط طاعة الأمير (الحاكم) وظلمه بالله-عزّ و جلّ-فهو أمر بعود ببساطة إلى الذين حاولوا فرض الشرعية الإلهية على حكمهم بغية محاسبة المعترض والخارج عنهم وكأنه كافر خارج عن شرع الله ومنهجه.
أخيرًا فإن ولاة أمر المسلمين وخلفاء الله فى الأرض الذين أوصى رسول الله بانتقال الأمر إليهم-حسب البخارى-هم أول من انتهك حرمة مكة والمدينة من دون أية مبالاة بما ورد عن الرسول ومن دون أن يمسهم العذاب الذى توعدهم به فى الدنيا الإمام البخارى فى صحيحه حسب ما جاء من حديث سعد بن أبى وقاص، قال: سمعت النبى (ص) يقول: " لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع كما ينماع الملح فى الماء " (5).
ثانياً: أحوال بعض الصحابة:
توطئة: كانت غالبية صحابة النبى (ص) من المهاجرين، الذين هاجروا من مكة إلى المدينة ومعظمهم من قريش والأنصار الذين ينسبون إلى قبيلتى الأوس والخزرج فى المدينة المنورة.
ولقد بالغ التابعون والأئمة والعلماء الأفاضل بمكانة وصفات الصحابة فجعلوهم كالملائكة-أن لم يكن أفضل منهم.
وفى حقيقة الأمر فإن الصحابة كغيرهم من الناس؛ فمنهم المذنب ومنهم التائب ومنهم الصالح ومنهم الطالح ومنهم البخيل ومنهم الكريم ومنهم الحكيم ومنهم الساذج ومنهم الشجاع ومنهم الجبان... وإلى غير ذلك من صفات الناس اليوم. وسأستعرض هنا بعض الأحاديث حول الصحابة محاولاً مناقشتها والنظر إليها بشكل مخالف للمألوف.
متن الحديث (1):
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ‏‏، ‏أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ‏ ‏(ص)‏ ‏عَلَى الإسلام، فَأَصَابَهُ‏ ‏وَعْكٌ‏ ‏فَقَالَ‏: ‏يا رسول الله! أَقِلْنِى‏‏ بَيْعَتِى. فَأَبَى؛ ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ‏: ‏أَقِلْنِى‏‏ بَيْعَتِى، فَأَبَى؛ فَخَرَجَ الأَعْرَابِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏(ص)‏: ‏الْمَدِينَةُ‏ ‏كَالْكِيرِ‏ ‏تَنْفِى‏ ‏خَبَثَهَا ‏‏وَيَنْصَعُ‏ ‏طِيبُهَا. (أخرجه البخارى فى: 93-كتاب الأحكام: 47-باب من بايع ثم استقال البيعة).
الشرح والمناقشة (1):
يبيّن الحديث أن الرسول قد منع الأعرابى من ترك المدينة بعد مبايعته على الإسلام بالرغم من مرضه (وعكه) وهو ليس موضع بحثنا هنا؛ وإن ما يهمنا هو قوله (ص): إنما المدينة كالكير تنفى خبثها وينصع طيبها! ومعنى ذلك-حسب ما ورد فى الأثر-إنه يخرج من المدينة من لم يخلص إيمانه ويبقى فيها من خلص إيمانه، وعليه فإن المدينة تحتفظ بالصالحين من الناس فقط! وهو ما يؤكده الحديث التالي:

متن الحديث (2):
حديث زيد بن ثابت، عن النبى (ص)، قال: " إنها طيبة تنفى الخبث كما تنفى النار خبث الفضة ". (أخرجه البخارى فى: 65-كتاب التفسير: 4-سورة النساء: 15-فما لكم من المنافقين فئتين).
الشرح والمناقشة (2):
الحديث يؤكد على فضل البقاء فى المدينة، ويبدو أن ذلك وصل الإمام البخارى إلا أنه لم يصل الخليفة الإمام علىّ الذى خرج مع بعض الصحابة من المدينة واتخذ بلاد الرافدين (العراق) مركزًا للخلافة الإسلامية؛ فهل نفته المدينة الطيبة كما تنفى النار خبث الفضة؟!
أم أن ذلك الحـديث برمـتة لم يـكن سـوى الوهم؟ أو أنه تحدث عن رجل بعينه فى زمن محدد، ولا ينبغى للإمام البخارى ولغيره اعتباره سنة ثابتة لرسول الله.
وهنا يطرح سؤال هام عن المنافقين الذين كانوا فى المدينة وعلى رأسهم عبد الله بن أبى سلول؛ كيف بقوا فى المدينة ودفنوا فيها؟!
متن الحديث (3):
حديث أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ‏، ‏قَالَ‏: جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ‏‏ الأنْصَارِ‏ ‏إِلَى رَسُولِ اللَّهِ‏ ‏(ص)‏ ‏وَمَعَهَا صَبِى لَهَا. فَكَلَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏(ص) ‏‏فَقَالَ: "وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ‏ ‏إِنَّكُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى" مَرَّتَيْنِ، وفى رواية قالها ثلاث مرار. (أخرجه البخارى فى: 63-كتاب مناقب الانصار: 5-باب قول النبى (ص) للأنصار أنتم أحب الناس إلى).
الشرح والمناقشة (3):
يبين الحديث مكانة الأنصار الرفيعة ومحبة الرسول لهم، وقد وردت فى صحيح البخارى أحاديث كثيرة فى ذلك؛ حيث خصص باب لمناقبهم، وقد عظمهم الرسول الكريم حيث قال: "لو سلكت الأنصار واديًا أو شِعبًا لسلكت وادى الانصار أو شِعبهم" (6). ومع ذلك كله فان الإمام البخارى لم يجد أى تناقض فى ذلك مع ما جاء فى بعض كتب صحيحه حيث استبعد الرسول الأنصار من الإمارة أو حتى طلبها وتنبأ لهم بظلم وإثرة وعذاب قادم فى الدنيا، وحرمهم من العطايا والغنائم التى كانت توزع للمهاجرين من قريش. أكثر من ذلك فان العشرة المبشرين بالجنة جميعهم من المهاجرين من قريش!!
أخيرًا عندما اختلف أبو بكر وعمر بن الخطاب مع سعد بن عبادة زعيم الخزرج (الأنصار) على أمور البيعة فى سقيفة بن ساعدة فى المدينة، لم يورد سعد أحاديث فضائل الأنصار كحجة لوصوله إلى الإمارة، كما أن أبا بكر وعمر لم يوردا أحاديث الإمارة فى قريش التى تعطى الحق فى الإمارة!! مما يدل على أن هذه الأحاديث لم تكن تعتمد كحجة فى وقتها-هذا أن كانت موجودة أصلا-حيث أخذت مكانتها ودورها بعد أن أثبتت فى صحيح البخارى وغيره.
متن الحديث (4):
حديث ‏عَائِشَةُ، ‏‏قَالَتْ: ‏لَمَّا ثَقُلَ النَّبِى‏ ‏(ص)‏‏، فَاشْتَدَّ وَجَعُهُ، اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أن يُمَرَّضَ فِى بَيْتِى. فَأَذِنَّ لَهُ. فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاهُ الأرض، وَكَانَ بَيْنَ‏ ‏الْعَبَّاسِ‏ ‏وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ‏؛ ‏فَقَالَ‏ ‏عُبَيْدُ اللَّهِ (راوى الحديث)‏ ‏فَذَكَرْتُ‏ ‏لابْنِ عَبَّاسٍ ‏‏مَا قَالَتْ‏ ‏عَائِشَةُ؛‏ ‏فَقَالَ لِى: وَهَلْ تَدْرِى مَنْ الرَّجُلُ الَّذِى لَمْ تُسَمِّ‏ ‏عَائِشَةُ؟‏ ‏قُلْتُ: لا. قَالَ: هُوَ‏ ‏عَلِى بْنُ أَبِى طَالِبٍ. (أخرجه البخارى فى: 51-كتاب الهبة: 14-باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها).
الشرح والمناقشة (4):
يلاحظ أن الإمام البخارى قد أورد ذلك الحديث فى باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها؛ علما أنه من أخطر الأحاديث التى تبين بوضوح جفاء السيدة عائشة للإمام على لدرجة أنها لم تذكر اسمه لتنفى وجوده ومساعدته لرسول الله أيام مرضه! وهو ما أكده ابن عباس عند ذكر تصحيحه للحديث عمدا؛ ولا عجب فى ذلك فقد كان للإمام على مواقف سلبية فى حادثة الإفك حيث قال بشأن عائشة "يا رسول الله! لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير"(7). ومهما يكن من جفاء وخلاف بين أهم شخصيتين فى ذلك الوقت (زوج النبى-وصهره وابن عمه)، فقد ترجم على أرض الواقع فى موقعة الجمل التى راح ضحيتها العديد من كبار الصحابة.
متن الحديث (5):
أَخْبَرَنِى‏ ‏مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِى،‏ ‏أَنَّ‏ ‏عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ‏دَعَاهُ إِذْ جَاءَهُ حَاجِبُهُ‏ ‏يَرْفَا‏، ‏فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِى‏‏ عُثْمَانَ‏‏ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ‏‏ وَالزُّبَيْرِ‏‏ وَسَعْدٍ‏ ‏يَسْتَأْذِنُونَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَأَدْخِلْهُمْ. فَلَبِثَ قَلِيلا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِى‏ ‏عَبَّاسٍ‏ ‏وَعَلِى‏ ‏يَسْتَأْذِنَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا دَخَلا قَالَ‏ ‏عَبَّاسٌ‏: ‏يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيْنِى وَبَيْنَ هَذَا، وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِى الَّذِى‏ ‏أَفَاءَ‏ ‏اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ‏ ‏(ص)‏ ‏مِنْ‏ ‏بَنِى النَّضِيرِ، ‏‏فَاسْتَبَّ‏ ‏عَلِى‏ ‏وَعَبَّاسٌ.‏ ‏فَقَالَ الرَّهْطُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنْ الآخَرِ. فَقَالَ ‏‏عُمَرُ: ‏‏اتَّئِدُوا، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِى بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأرض! هَلْ تَعْلَمُونَ أن رَسُولَ اللَّهِ‏ ‏(ص) ‏‏قَالَ: ‏‏لا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ. يُرِيدُ بِذَلِكَ نَفْسَهُ؟ قَالُوا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. فَأَقْبَلَ‏ ‏عُمَرُ‏ ‏عَلَى‏ ‏عَبَّاسٍ‏ ‏وَعَلِى، ‏‏فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ! هَلْ تَعْلَمَانِ أن رَسُولَ اللَّهِ‏ ‏(ص)‏ ‏قَدْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّى أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأمْرِ، إن اللَّهَ سُبْحَانَهُ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ‏ ‏(ص)‏ ‏فِى هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ:-وَمَا‏ ‏أَفَاءَ‏ ‏اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا‏ ‏أَوْجَفْتُمْ‏ ‏عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ‏... ‏إِلَى قَوْلِهِ‏ ‏قَدِيرٌ‏-‏فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ‏ ‏(ص). ‏‏ثُمَّ وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلا اسْتَأْثَرَهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَقَسَمَهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِى هَذَا الْمَالُ مِنْهَا، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص) ‏‏يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِى فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ. فَعَمِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص)‏ ‏حَيَاتَهُ. ثُمَّ تُوُفِّى النَّبِى‏ ‏(ص)‏، ‏فَقَالَ‏ ‏أَبُو بَكْرٍ‏ ‏فَأَنَا وَلِى رَسُولِ اللَّهِ‏ ‏(ص).‏ ‏فَقَبَضَهُ‏ ‏أَبُو بَكْرٍ‏ ‏فَعَمِلَ فِيهِ بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص)، ‏وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ. فَأَقْبَلَ عَلَى‏ ‏عَلِى‏ ‏وَعَبَّاسٍ،‏ ‏وَقَالَ: تَذْكُرَانِ أن‏ ‏أَبَا بَكْرٍ‏ ‏فِيهِ كَمَا تَقُولانِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ فِيهِ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ. ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ ‏‏أَبَا بَكْرٍ، ‏‏فَقُلْتُ أَنَا وَلِى رَسُولِ اللَّهِ‏ ‏(ص)‏ ‏وَأَبِى بَكْرٍ‏، ‏فَقَبَضْتُهُ سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِى أَعْمَلُ فِيهِ بِمَا عَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏(ص)‏ ‏وَأَبُو بَكْرٍ،‏ ‏وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّى فِيهِ صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ. ثُمَّ جِئْتُمَانِى كِلاكُمَا وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ. وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ، فَجِئْتَنِى‏ (‏يَعْنِى‏ ‏عَبَّاسًا‏) ‏فَقُلْتُ لَكُمَا: أن رَسُولَ اللَّهِ‏ ‏(ص)‏ ‏قَالَ: لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ. فَلَمَّا بَدَا لِى أن أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا، قُلْتُ: إن شِئْتُمَا دَفَعْتُهُ إِلَيْكُمَا، عَلَى أن عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ، لَتَعْمَلانِ فِيهِ بِمَا عَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏(ص)‏ ‏وَأَبُو بَكْرٍ‏، ‏وَمَا عَمِلْتُ فِيهِ مُنْذُ وَلِيتُ، وَإِلا فَلا تُكَلِّمَانِى. فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهُ إِلَيْنَا بِذَلِكَ، فَدَفَعْتُهُ إِلَيْكُمَا. أَفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّى قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَوَاللَّهِ الَّذِى بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأرض، لا أَقْضِى فِيهِ بِقَضَاءٍ غَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهُ فَادْفَعَا إِلَى، فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهُ. (أخرجه البخارى فى: 64-كتاب المغازى: 14-باب حديث بنى النضير).
الشرح والمناقشة (5):
يلاحظ طول متن ذلك الحديث نسبيا، وموضع الشاهد فيه هو خلاف الإمام على مع عمه العباس لدرجة أنهما وصلا لمرحلة السب والشتم بينهما مما دعا كبار الصحابة-آنذاك-لسؤال الخليفة عمر بن الخطاب للقضاء بينهما لإراحة أحدهما من الآخر-كما جاء فى الحديث.
ويبدو جلــيًا فى الحديث أنهـما كانا يختلـفان على أمـر مـادى دنـيوى بحت،وأنهما لم يوافقا الخليفة أبا بكر فى تصرفه بتركة رسول الله التى طالبا فيها مرارًا إلى أن حصلا عليها زمن الخليفة الفاروق الذى خالف بذلك حديث رسول الله أو خليفته الصديق!
متن الحديث (6):
حديث البراء، قال: قال النبى (ص) لحسان: "اهجهم أو هاجهم وجبريل معك". (أخرجه البخارى فى: 59-كتاب بدء الخلق: 6-باب ذكر الملائكة).
الشرح والمناقشة (6):
أن يأمر الرسول بهجاء المعارضين له هو أمر فيه شك لأن البارى-عز وجل-قال فيه: {وإنك لعلى خلق عظيم}. ولكن أن يكون جبريل الوحى الأمين مع الشاعر حسان فى هجائه بحيث يصبح شعره مؤيدًا من السماء فهذا أمر لا يمكن قبول نسبه إلى الرسول الكريم.
ويحق للمرء هنا أن يتساءل عن حال جبريل عندما كان حسان يخوض فى حديث الإفك الذى أنزل الله بعده قرآنًا يتوعده فيه بالعذاب العظيم عبر وحيه جبريل-عليه السلام!؟ وهنا لابد من الاشارة إلى أن السيدة عائشة-حسب صحيح البخارى-قد سامحت الشاعر حسان بن ثابت بعد تورطة الكبير فى حديث الإفك وتقبلت شعره فيها بقوله:
حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم القوافل
الا إنها لم تغفر للإمام على موقفه البسيط إذا ما قورن بموقف حسان فى تلك الحادثة.
متن الحديث (7):
حديث‏‏ أبو هُرَيْرَةَ‏، ‏قَالَ: إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أن‏‏ أَبَا هُرَيْرَةَ‏‏ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏‏(ص)‏‏. وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ. إِنِّى كُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا، أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ‏ ‏(ص)‏ ‏عَلَى مِلْءِ بَطْنِى، وَكَانَ‏ ‏الْمُهَاجِرُونَ‏ ‏يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالأسْوَاقِ. وَكَانَتْ ‏‏الأنْصَارُ‏ ‏يَشْغَلُهُمْ الْقِيَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ. فَشَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ‏ ‏(ص) ‏‏ذَاتَ يَوْمٍ، وَقَالَ:‏ ‏مَنْ يَبْسُطْ رِدَاءَهُ حَتَّى أَقْضِى مَقَالَتِى، ثُمَّ يَقْبِضْهُ فَلَنْ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّى. فَبَسَطْتُ بُرْدَةً كَانَتْ عَلَى. فَوَالّـَذِى بَعـَثَهُ بِالْـحَقِّ! مَا نَسِـيتُ شَـيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ. (أخرجه البخارى فى: 96-كــتاب الاعتــصام: 22-بــاب الحــجة عــلى مـن قـال أن أحــكام النــبى (ص) كانت ظاهرة).
الشرح والمناقشة (7):
الحديث الوارد يبين اهتمام وحفظ أبى هريرة لحديث الرسول الكريم بعد أن ملأ الرسول رداء أبى هريرة بكلامه وحكمته! والشاهد على ذلك الحدث هو أبو هريرة نفسه حيث أكد ذلك بقسمه بالله الموعد. وتجدر الإشارة هنا إلى تراجع أبى هريرة عن معلوماته (حديث إدراك الفجر جنبا) حيث نسبه إلى الفضل بن العباس عوضًا عن الرسول الكريم.
ومهما يكن من أمر حفظ أبو هريرة-حيث تم الحديث عنه سابقا-فإن ما يهمنا من هذا الحديث هو وصفه للصحابة من المهاجرين والأنصار؛ فالمهاجرون يشغلهم (الصفق) وهو كناية عن التبايع، لأنهم كانوا إذا تبايعوا تصافقوا بالأكف أمارة لالتزام البيع، فإذا تصافقت الأكف انتقلت الأملاك واستقرت يد كل منهما على ما صار لكل واحد منهما من ملك صاحبه.
أما الأنصار فتشغلهم الزراعة والمحاصيل؛ وعليه فكان هم المهاجرين والأنصار التجارة وجمع المال والمصالح الدنيوية، حيث تركوا العبادة والاقتداء بالرسول الكريم ليتصدى لها أبو هريرة.
أخيرًا فإن الإمام البخارى لم يجد فى ذلك الحديث إلا أن يضعه فى باب الحجة على من قال أن أحكام النبى (ص) كانت ظاهرة!!
متن الحديث (8):
حديث أبى بكرة. عَنْ‏ ‏الأحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ‏ ‏قَالَ‏: ذَهَبْتُ لأنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ (يعنى عليًا)، فَلَقِيَنِى‏ ‏أَبُو بَكْرَةَ‏، ‏فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا‏‏ الرَّجُلَ. ‏‏قَالَ: ارْجِعْ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ‏ ‏(ص)‏ ‏يَقُولُ:‏ ‏إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِى النَّارِ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا الْقَاتِلُ. فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ. (أخرجه البخارى فى: 2-كتاب الايمان: 22-باب المعاصى من أمر الجاهلية).
الشرح والمناقشة (8):
نظرًا لأهمية ذلك الحديث سأورد شرحه حسب ما جاء فى كتب الأثر لأعود وأعلق عليه بعد ذلك: حيث نجد أن المقصود بقوله: لأنصر هذا الرجل: هو على بن أبى طالب. إذا التقى المسلمان بسيفيهما: فضرب كل واحد منهما الأخر. فالقاتل والمقتول فى النار. أما كون القاتل والمقتول من أهل النار فمحمول على من لا تأويل له، ويكون قتالهما عصبية ونحوها. ثم كونه فى النار معناها مستحق لها، وقد يجازى بذلك، وقد يعفو الله عنه. هذا مذهب أهل الحق. قال الإمام النووى (واعلم أن الدماء التى جرت بين الصحابة رضى الله عنهم، ليست بداخلة فى هذا الوعيد. ومذهب أهل السنة والحق أحسنوا الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وتأويل قتالهم، وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا. بل اعتقد كل فريق أنه المحق ومخالفه باغ. فوجب عليه قتاله ليرجع إلى أمر الله. وكان بعضهم مصيبًا وبعضهم مخطئا معذورًا فى الخطأ، لأنه اجتهاد. والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه وكان على (رض) هو المحق المصيب فى تلك الحروب. هذا مذهب أهل السنة). إنه كان حريصًا على قتل صاحبه: مفهومه أن من عزم على المعصية بقلبه، ووطن نفسه عليها، أثم فى اعتقاده وعزمه.
بعد إيراد الشرح والعودة إلى نص الحديث نجد أنه لا يحتاج إلى ذلك التأويل الوارد فى الشرح المبين. وأن المجتهدين-حسب قول الإمام النووى-لا يوصلهم اجتهادهم وحكمتهم وعلمهم إلى قتل من يخالفهم الرأى بالسيف وسفك دمه!! إلا إذا كانوا مخطئين فى فهم الدين الحنيف، وفيهم الكثير من العصبية والجاهلية. ثم ما فائدة الاجتهاد إذا كان يؤدى إلى القتل والاقتتال؟ فالاجتهاد وعى وعلم وحلم وأناة والسيف بطش ودم وغريزة بدائية ولا يمكن لهما أن يلتقيا.
والوعيد جاء من الرسول لمن سل السيف وفضل سفك الدماء على الحوار وتقبل الآخر؛ أما تنفيذ ذلك الوعيد فأمره متروك لله-عز وجل-الذى يغفر لمن يشاء ويعاقب من يستحق العقوبة. ولعل ما جاء عن الرسول فى مواضع أخرى من صحيح البخارى يؤكد المعنى السابق للحديث وينفى تأويل وشرح أهل المذاهب المختلفة؛ حيث يسأل الرسول عن أصحابه فى الدار الآخرة فيجاب: "لا تدرى ما أحدثوا بعدك" (8).
النتيجة:
أقوال وأفعال الصحابة هى أعمال إنسانية بشرية لا تمثل شرعًا ولا دينًا ولا قدسية لها، وهم كغيرهم من الناس يخطئون ويصيبون، ينجحون ويفشلون، وأمرهم كغيرهم مفوض لله-عز وجل. وإن محاولة تقديس أقوالهم وأفعالهم وتخصيص أبواب لهم فى الفضائل تجعل الإسلام والمسلمين فى مأزق حقيقى فى أيامنا المعاصرة.
ولقد رأى الصحابة أنفسهم فى أقوال النبى-التى صحت وقالها فعلا-أوامر وآراء وقتية تصلح لحالهم وزمنهم ومكانهم ولا يمكن إسقاطها وقبولها فى كل زمان ومكان.
ولعل الحديث التالى الذى سأختم به هذا الفصل يبين أنهم عندما شعروا بدنو أجل الرسول الكريم لم يفكروا فى جمع حديثه وكلامه لأنه ترك فيهم مالا يأتيه الباطل أمامه أو خلفه. ترك فيهم كتاب الله-عز وجل.
وبعيدًا عن فهم واتهامات المذاهب الإسلامية المختلفة من سنة وشيعة وغيرها التى تتعلق بذلك الحديث، فإن تصرف الصحابة آنذاك كان تصرفًا إنسانيًا عاديًا طبيعيًا قد يحتمل الصواب وقد يحتمل الخطأ،ولا يحق لأى إنسان أن يبشر غيره من الناس بالجنة أو يتوعدهم بالنار لأن فى ذلك تعديًا على حقوق الله وعلمه ورحمته التى نأمل أن تشمل الناس أجمعين فى كل زمان ومكان.
متن الحديث (9):
عَنْ‏ ‏ابْنِ عَبَّاسٍ‏ ‏قَالَ‏: يَوْمُ الْخَمِيسِ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ! ثُمَّ بَكَى حَتَّى‏ ‏خَضَبَ‏ ‏دَمْعُهُ الْحَصْبَاءَ، فَقَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ‏ ‏(ص)‏ ‏وَجَعُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَقَالَ:‏ ‏ائْتُونِى بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا فَتَنَازَعُوا، وَلا يَنْبَغِى عِنْدَ نَبِى تَنَازُعٌ. فَقَالُوا: هَجَّرَ رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏(ص)‏. ‏قَالَ: دَعُونِى فَالَّذِى أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِى إِلَيْهِ. وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلاثٍ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ‏ ‏جَزِيرَةِ الْعَرَبِ‏، ‏وَأَجِيزُوا‏ ‏الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ‏ ‏أُجِيزُهُمْ‏، ‏وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ. (أخرجه البخارى فى: 56-كتاب الجهاد: 176-باب هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم).


الهوامش
(1) راجع صحيح البخارى فى 92، كتاب الفتن.
(2) راجع ما فعله الحصين بن نمير المسكونى والحجاج بن يوسف الثقفى فى كتب التراث.
(3) الكامل لابن الاثير، جزء 5.
(4) راجع صحيح البخارى، كتاب الايمان والنذور،1.
(5) راجع صحيح البخارى،29، كتاب فضائل المدينة.
(6) راجع صحيح البخارى فى (63-64 كتابى مناقب الانصار والمغازى).
(7) راجع صحيح البخارى 65 كتاب التفسير، (سورة النور).
(8) راجع صحيح البخارى فى.



الفصل السادس
البخارى والمرأة
توطئة: من يبـحث الأحاديث المتعلـقة بالـمرأة فى صحـيح البـخارى وغـيره بعـمق وحـياد يجد أن الـمرأة لا تتـساوى مع الرجل، وإنـها فى النسق الثانى دومًا ولا يمكنها أن تكون صنوه، وذلك بالرغم من كل أساليب التلميع والتخريجات والتبريرات التى يتبناها السادة العلماء الأفاضل.
والحقيقة التى يتوجب على ذكرها-بكل جرأة هنا-أن دعاة المسلمين على اختلاف مستوياتهم قد نجحوا بزرع عقدة النقص والدونية فى المرأة المسلمة لدرجة أنها أصبحت تدخل فى بنيتها الجينية وأقنعوها بأن تلك العقدة المرَضية هى ميزة تتمتع بها الأنثى المسلمة دون غيرها من نساء الأرض. وجعلوا المرأة المسلمة مُنَظِّرَة فى الاحتقار الذاتى والدونية بملء إرادتها وكامل وعيها وتصميمها حتى أنك تجد المعلِّمة والمهندسة والطبيبة وعالمة الذرّة تقر بأن الرجل أفضل منها وأن له القوامة عليها وإن كان يفتقر إلى الحد الأدنى من العلم والثقافة.
وسترى الأخت المسلمة من خلال ما سيتم استعراضه من أحاديث-وهى غيض من فيض-أنها مسلوبة الحقوق ومُهمَّشة ومستبعدة فى معظم الأحيان عن القضايا الأساسية والأمور الهامة؛ علمًا أن الله-عزّ و جلّ-قد كرّمها كثيرًا فى كتابه العزيز وهو ما سأحاول بحثه فى نهاية هذا الفصل.
كلمة أخيرة قبل أن أبدأ سرد الأحاديث أقولها للمرأة التى أحبها من كل قلبي، أحبها لأنها أمى وأختى وزوجتى وابنتى وصديقتى وحبيبتى وزميلتى ودنيتى كلها: عليكِ أن تطالبى بحقكِ الذى وهبكِ الله-عزّ وجلّ-إياه واغتصبه منكِ أصحاب التفكير الذكورى الممثل برجال الدين وأتباعهم الكثر. عليكِ أن تعملى وتتعبى وتجتهدى للحصول على ذلك، واعلمى أن صاحب الحق هو الأولى بتحصيل حقه وتذكرى قول الشاعر:
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وتذكرى أن الأم التى تعشق رضيعها وتدفع حياتها للحفاظ عليه قد تسهو عنه وتنساه إذا لم يشعرها بحاجته للعناية به وإرضاعه عبر بكائه وصراخه.
متن الحديث (1):
حديث أبى هريرة، قال: قال النبى (ص):" إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع ". (أخرجه البخارى فى: 67-كتاب النكاح: 85-باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها).
الشرح والمناقشة (1):
الحديث يبيّن بوضوح تام أن الملائكة هى عون الزوج على زوجته، حيث تقوم بلعنها حتى ترجع إذا لم تلبى دعوته للفراش، وقد وردت أحاديث مشابهة بمعانى مختلفة(1) وجميعها تؤكد أن الجنس عند المرأة بهيمى مجرد من العواطف والمشاعر الإنسانية وعليها أن تكون جاهزة دومًا عندما يريدها الزوج وبدون أى تردد أو تذمر. وهنا يحق لنا أن نسأل: ما حال الزوجة الراغبة فى الجماع التى يعرض زوجها عنها؟! ما هو حكمها؟! ومن سيدعمها؟! ومن سيلعن زوجها معها؟!
أم أن أنوثتها وعفتها وكمالها وأخلاقها وحياءها ستمنعها من ذلك لتجنب زوجها لعنات الملائكة التى ما عرفناها إلا مسبحة ذاكرة لاسم الله ولاعنة على لسان أبى هريرة!!
متن الحديث (2):
حديث أبى هريرة، عن النبى (ص): " لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه ". (أخرجه البخارى فى: 67-كتاب النكاح: 84-باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعًا).
الشرح والمناقشة (2):
المرأة هنا لا تملك حق عبادة الصوم دون إذن زوجها وبالرغم من عمومية اللفظ فيه (لا تصوم المرأة) دون استثناء لشهر رمضان أو غيره فإن صيام رمضان يبقى استثناء كونه فرضًا فى الذكر الحكيم على كل المسلمين والمسلمات.
ومع ذلك فإن لا يمكنها أن تجتهد وتزيد فى عبادة صيامها إلا بإذن من سيدها (زوجها). أما الزوج فلا عذر له ولا حرج؛ يصوم ويفطر متى يشاء وأنى شاء وكيفما شاء! مع الإشارة إلى أن المرأة أدنى فى ذلك لأنها تحتاج إلى تعويض أيام إفطارها وقت حيضها.
متن الحديث (3):
حديث لأبى هريرة، أن رسول الله (ص)، قال: " المرأة كالضلع إن أمَمْتَها كسرتها، وإن اسْتَمْتَعْتَ بها اسْتَمْتَعْتَ بها وفيها عِوَج". (أخرجه البخارى فى: 67-كتاب النكاح: 79-باب المداراة مع النساء).
متن الحديث (4):
عَنْ‏ ‏أَبِى هُرَيْرَة، ‏عَنْ النَّبِى ‏‏(ص) ‏‏قَالَ: ‏‏مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِى جَارَهُ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِى الضِّلَعِ أَعْلاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا. (أخرجه البخارى فى: 67-كتاب النكاح: 80-باب الوصاة بالنساء).
الشرح والمناقشة (3) و(4):
المرأة حسب الحديثين السابقين معوّجة لا أمل فيها وعلى الرجل أن يستمتع بها وكأنها قطعة حلوى أو لفافة تبغ أو سيجار فاخر وفيها ذلك العوج.
واطلب هنا من الأخ القارى متابعة ماجاء فى كتب الأثر فى شرح الحديثين السابقين حيث نلاحظ تأكيد السادة العلماء والفقهاء على ذلك العوج وعلى طيش وسذاجة المرأة التى يقوم الذَّكَر الحكيم بتحملها دائما.
-الضلع: عظم مستطيل من عظام الجنب منحن؛ مؤنثة. أن أقمتها: أى أن أردت إقامتها. العوج: قال أهل اللغة: العوج بالفتح فى كل شخص, وبالكسر فيما ليس بمرئى كالرأى والكلام؛ وفى هذا الحديث ملاطفة: النساء والاحسان إليهن والصبر على عوج أخلاقهن واحتمال ضعف عقولهن وكراهة طلاقهن بلا سبب, وأنه لايطمع فى استقامتهن.
-واستوصوا: ألا أوصيكم بالنساء خيرا: ألا فاقبلوا وصيتى فيهن؛ لأن الاستيصاء استفعال وظاهره طلب الوصية وليس هو المراد, ويجوز أن يكون من الخطاب العام أى يستوصى بعضكم من بعض فى حق النساء. من ضلع: معوج فلا يتهيأ الانتفاع بهن إلا بمدراتهن والصبر على اعوجاجهن, والضلع استعير للمعوج, ألا خلقن خلقًا فيه اعوجاج بكأنهن خلقن من أصل معوج؛ وقيل أراد به أن أول النساء حواء خلقت من ضلع آدم. أعلاه: ذكره تأكيدًا لمعنى الكسر, أو ليبين أنها خلقت من أعلى أجزاء الضلع وهو أعوجه. لم يزل أعوج: فيه الندب إلى مداراة النساء وسياستهن والصبر على عوجهن, وأن من رام تقويمهن رام مستحيلا وفاته الانتفاع بهن, مع أنه لاغنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها, ويستعين بها على معاشه, قال:
هى الضلع العوجاء لست تقيمها ألا إن تقويم الضلوع انكسارها
أتجمع ضعفًا واقتدارًا على الهوى؟ أليس عجيبًا ضعفها واقتدارها؟
فكأنه قال الاستمتاع بها لايتم إلا بالصبر عليها؛ قال الغزالى: وللمرأة على زوجها أن يعاشرها بالمعروف وأن يحسن خلقه معها, قال وليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها بل احتمال الأذى منها بالحلم عن طيشها وغضها اقتداء برسول الله (ص),فقد كان أزواجه يراجعنه الكلام, وتهجره إحداهن الى الليل, وأعلى من ذلك أن الرجل يزيد على احتمال الأذى بالمداعبة فهى التى تطيب قلوب النساء.ا. هـ.
متن الحديث (5):
حديث علىّ، قال: ‏سَمِعْتُ النَّبِى ‏‏(ص) ‏يَقُولُ: خَيْرُ نِسَائِهَا‏ مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ،‏‏ وَخَيْرُ نِسَائِهَا‏ ‏خَدِيجَةُ. (اخرجه البخارى فى: 60-كتاب الانبياء: 45-باب " واذ قالت الملائكة يامريم أن الله اصطفاك"
متن الحديث (6)
عَنْ ‏‏أَبِى مُوسَى،‏ ‏قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏(ص)‏: ‏كَمَلَ مِنْ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنْ النِّسَاءِ إِلا ‏‏آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، ‏‏وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ. ‏‏وَإِنَّ فَضْلَ ‏‏عَائِشَةَ ‏‏عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ ‏‏الثَّرِيدِ ‏‏عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ. (أخرجة البخارى فى: 60-كتاب الانبياء: 32-باب قول الله تعالى-" وضرب الله مثلا للذين آمنوا")
الشرح والمناقشة (5) و(6):
يلاحظ أن لامكان للسيدة فاطمة-ابنة الرسول-بينهن؛ وقد اكتملت اثنتان فقط من النساء بدون عوج. وبالرغم من اختلاف معطيات الحديثين حول كمال وخير النساء فإننا نجد أن من كمل من الرجال كثير أما النساء فاثنتان فقط!! ألحقت بهما عائشة حياء علما أن هناك كثيرًا من الناس لايأكلون الثريد (فتة اللحمة) ولا يفضلونه أبدًا على سائر الطعام.
وأكمل النساء أو أخيرهن لايعنى دخولهن الجنة, لهذا نرى السادة العلماء الأفاضل قد ذكروا أسماء العشرة المبشرين بالجنة من الرجال, ولم يضيفوا لهم امراة واحدة, ولتكن السيدة خديجة التى كانت أول من نصر وساعد وآمن بالرسول الكريم!! وهى من قريش!! وهنا لابد من الإشارة إلى أن السيدة عائشة لم توافق على هذين الحديثين حيث رأت نفسها أفضل من السيدة خديجة حسب ما جاء فى الحديثين التاليين:
متن الحديثين (7) و(7-1):
عَنْ ‏‏عَائِشَةَ، ‏قَالَتْ:‏‏ اسْتَأْذَنَتْ ‏‏هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، ‏‏أُخْتُ ‏‏خَدِيجَةَ، ‏‏عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏‏(ص). ‏‏فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ ‏‏خَدِيجَةَ، ‏‏فَارْتَاعَ ‏‏لِذَلِكَ، فَقَالَ: ‏‏اللَّهُمَّ ‏‏هَالَةَ. ‏‏قَالَتْ: فَغِرْتُ فَقُلْتُ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ ‏‏قُرَيْشٍ، ‏‏حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ، هَلَكَتْ فِى الدَّهْرِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا. (أخرجه البخارى فى: 63-كتاب مناقب الانصار: 70-باب تزويج النبى(ص) خديجة وفضلها).
متن الحديث (7-1):
عَنْ ‏‏عَائِشَةَ، ‏أَنَّ النَّبِى ‏‏(ص) ‏‏قَالَ لَهَا: ‏‏أُرِيتُكِ فِى الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ، أَرَى أَنَّكِ فِى سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، وَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَاكْشِفْ عَنْهَا، فَإِذَا هِى أَنْتِ، فَأَقُولُ: أن يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ. (أخرجه البخارى فى: 63-كتاب مناقب الانصار: 44-باب تزويج النبى (ص) عائشة وقدومها المدينة).
متن الحديث (8):
عَنْ ‏‏أَبِى هُرَيْرَةَ، ‏عَنْ النَّبِى‏ ‏(ص): " ‏لَوْلا ‏‏بَنُو إِسْرَائِيلَ ‏‏لَمْ ‏‏يَخْنَزْ ‏‏اللَّحْمُ، وَلَوْلا ‏‏حَوَّاءُ ‏‏لَمْ تَخُنَّ أُنْثَى زَوْجَهَا. (أخرجة بالبخارى فى 60-كتاب الانبياء: 1-باب خلق آدم صلوات الله عليه وذريته).
الشرح والمناقشة (8):
من الناحية العليمة والعملية يخنز اللحم (أى ينتن) وكذلك فالمرأة تخون زوجها كحقيقة علمية وموضوعية-حسب أبى هريرة-فكما أن اللحم ينتن, فإن المرأة تخون؛ ومن هى الخائنة للزوج تحديدا!؟! من هى خائنة بيت الزوجية؟! أليست الزانية!! فما رأيك سيدتى المرأة وما هو مبرر صلاتك وصيامك وحجابك مادمت خائنة لزوجك دوما.
متن الحديث (9):
عَنْ ‏‏أُسَامَةَ،‏عَنْ النَّبِى ‏‏(ص) ‏‏قَالَ: ‏‏قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ. غَيْرَ أن أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إلى النَّارِ. وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ. (أخرجة البخارى فى: 67-كتاب النكاح: 17-باب مايتقى من شؤم المرأة).
الشرح والمناقشة (9):
الحديث يبشر المساكين بالجنة؛ وأصحاب (الجد) البخت فى الدنيا والغنى فهم على الانتظار للحساب على باب الجنة, أما النساء فلا خوف عليهن فهن عامة أهل النار وستمتلئ النار بهن ويتفق معنى هذا الحديث مع ما يلية من مبررات فى الحديث التالى:
متن الحديث (10):
عَنْ‏ ‏أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِى،‏ ‏قَالَ‏: ‏خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص) ‏‏فِى أَضْحَى أو فِطْرٍ إلى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ، يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ‏‏تَصَدَّقْنَ فَإِنِّى ‏‏أُرِيتُكُنَّ ‏‏أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ. فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ ‏‏اللَّعْنَ ‏‏وَتَكْفُرْنَ ‏‏الْعَشِيرَ، ‏‏مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ ‏‏لِلُبِّ ‏‏الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ. قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا. أَلَيْسَ إذا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا. (أخرجة البخارى فى:-كتاب الحيض: 6-باب ترك الحائض الصوم).
الشرح والمناقشة (10):
ونلاحظ فى ذلك الحديث تأكيدًا لمعنى الحديث السابق مباشرة (9) وإذا كان النقصان قد حدد موضعه فى الحيض والشهادة, مما يؤكد على عدم كمال المرأة ومساواتها للرجل مهما سعت لذلك, فإن الحديث يبين بوضوح أن أكثر أهل النار من النساء.
وهنا نأمل أن لايعلق أحدهم بأن تعداد النساء فى العالم أكثر من الرجال وكذلك سيكون حالهم فى النار!! ذلك أن كافة الأحاديث المذكورة لم تتعرض لذلك وإنما أعطيت الأسباب الداعية لكثرةالنساء فى جهنم من الخيانة إلى كثرة اللعن إلى عدم الكمال إلى الفتنة... وإلى غير ذلك من العيوب والنوقص التى جمعت فى المرأة.
متن الحديث (11):
عن هبد الله بن عمر، قال: سمعت النبى (ص) يقول: "إنما الشؤم فى ثلاثة: فى الفرس والمرأة والدار" (أخرجة البخارى فى: المختصر 60-كتاب الجهاد).
الشرح والمناقشة (11):
المرأة مصدر شؤم وهى تتساوى فى ذلك مع الحيوان (الفرس) والجماد (الدار), ولا غرابة فى ذلك. فقد جاء فى حديث آخر ما نصه "يقطع صلاة المرء كلب أو حمار أو امرأة". مما جعل السدة عائشة تستنكر ذلك بشدة كما فى الحديث التالى:
متن الجديث (12):
‏عَنْ ‏‏عَائِشَة، ‏ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلاةَ، الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ. فَقَالَتْ شَبَّهْتُمُونَا بِالْحُمُرِ وَالْكِلابِ! وَاللَّهِ‏ ‏لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِى ‏‏(ص)‏‏ يُصَلِّى وَإِنِّى عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، مُضْطَجِعَةً، فَتَبْدُو لِى الْحَاجَةُ فَأَكْرَهُ أن أَجْلِسَ فَأُوذِى النَّبِى ‏‏(ص)، ‏‏فَأَنْسَلُّ ‏‏مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ. (أخرجة البخارى فى: 8-كتاب الصلاة: 105-باب من قال لايقطع الصلاة شئ).
متن الحديث (13):
حديث أسامة بن زيد عن النبى(ص)،قال: "ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء".
الشرح والمناقشة (13):
فتنة المرأة أشد الفتن ضررًا على الرجل!! إنه بانى الحضارة والمجتمع وفاتح البلاد ومخلص العباد, أما المرأة فهى فتنة!! وهنا أورد شرح ذلك الحديث حسب ماجاء فى الأثر تاركًا للأخت المسلمة معرفة مكانتها الحقيقية فى عيون العلماء والفقهاء؛ مع الإ شارة إلى أن الاستشهاد بقولة تعالى فى الشرح الوارد لايفيد أن المرأة فتنة, وأن تلك الآية {زين للناس حب الشهوات من النساء...} تمثل نصًا مقدسًا إلا أن فهمها غير مقدس أبدا!
-ماتركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء: فالفتنة بهن أشد من الفتنة بغيرهن. ويشهد لذلك قوله تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء} فجعل الأعيان التى ذكرها, شهوات: حين أوقع الشهوات أولا مبهمًا, ثم بينها بالمذكورات. فعلم أن الأعيان هى عين الشهوات. فكأنه قيل: زين حب الشهوات التى هى النساء. فجُرِّد من النساء شئ يسمى شهوات. وهى نفس الشهوات. كأنه قيل: هذه الأشياء خلقت للشهوات والاستمتاع بها لاغير. لكن المقام يقتضى الذم. ولفظ الشهوة عند العارفين مسترذل. والتمتع بالشهوة نصيب البهائم. وبدأ بالنساء قبل بقية الأنواع,إشارة الى أنهن الأصل فى ذلك. وتحقيق كون الفتنة بهن أشد، أن الرجل يحب الولد لاجل المرأة. وكذا يحب الولد الذى أمه فى عصمته, ويرجحه على الولد الذى فارق أمه بطلاق أو وفاة, غالبًا. وقد قال مجاهد فى قوله تعالى: {أن من أزوجكم وأولادكم عدوا لكم}-قال: تحمل الرجل على قطيعة الرحم أو معصية ربه؛ فلا يستطيع من حبه إلا الطاعة. وقال بعض الحكماء: النساء شر كلهن, وأشر مافيهن عدم الاستغناء عنهن. ومع أنهن ناقصات عقل و دين, يحملن الرجل على تعاطى مافيه نقص العقل والدين؛ كشغله عن طلب أمور الدين, وحمله على التهالك على طلب الدنيا, وذلك أشد الفساد. ا. هـ. قسطلانى.
متن الحديث(14):
حديث جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، ‏قال: ‏تَزَوَّجْتُ. فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص): ‏‏مَا تَزَوَّجْتَ؟ فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ ‏‏ثَيِّبًا. ‏‏فَقَالَ: مَا لَكَ وَلِلْعَذَارَى وَلِعَابِهَا. ‏فَذَكَرْتُ ذَلِكَ ‏لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، ‏فَقَالَ ‏‏عَمْرٌو: ‏‏سَمِعْتُ ‏‏جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ‏‏يَقُولُ: ‏‏قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص): ‏‏هَلا جَارِيَةً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ. (أخرجه البخارى فى: 67-كتاب النكاح: 10-باب تزويج الثيبات).
الشرح والمناقشة (14):
جاء ذلك الحديث فى مواضع (أبواب) عدة من صحيح البخارى وبروايات مختلفة لراو واحد. وبالرغم من تناقض متون روايات ذلك الحديث إلا أنها أكدت جميعها على عنصر مشترك فيما بينها وهو أن الرسول الكريم كان حريصًا كل الحرص على أن يعرف من الصحابى جابر بن عبد الله-راوى الأحاديث-فيما إذا كانت زوجته بكرا(عذراء) أم ثيبا.
وقد أسف الرسول لجابر الذى تزوج ثيبًا لأن تقبيل البكر يختلف تمامًا عن الثيب! ولنتابع هنا الشرح الوارد فى الأثر لذلك الحديث:
ما لك وللعذارى: أى الأبكار, ولعابها: مصدر من ملاعبة وروى ولعابها بضم اللام والمراد به الريق وفيه إشارة إلى مص لسانها ورشف شفتها وذلك يقع عند الملاعبة والتقبيل. هلا جارية تلاعبها وتلاعبك: تعليل لتزويج البكر لمافيه من الألفة التامة, فإن الثيب قد تكون متعلقة القلب بالزوج الأول, فلم تكن محبتها كاملة بخلاف البكر. ا. هـ.
أخيرًا أقول: أن نسب ذلك الحديث إلى الرسول الكريم وبهذه الطريقة غايته الأولى والأخيرة إرضاء رغبات وشهوات ونزوات المجتمع الذكورى على حساب سنة الرسول الذى لم يطبق ذلك على نفسه فى كل زيجاته-باستثناء السيدة عائشة.
متن الحديث(15):
عَنْ ‏‏سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: ‏أَنَّ ‏‏امْرَأَةً ‏‏جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ ‏‏(ص)، ‏‏فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! جِئْتُ لأهَبَ لَكَ نَفْسِى، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص)، ‏‏فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ؛ فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أن لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا. فَقَالَ: ‏‏هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ: لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: اذْهَبْ إلى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا. فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ؛ فَقَالَ: لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا وَجَدْتُ شَيْئًا. قَالَ: انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ. فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِى (قَالَ ‏‏سَهْلٌ ‏‏مَا لَهُ رِدَاءٌ) فَلَهَا نِصْفُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص): ‏‏مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ؟ إن لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ. فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ. ثُمَّ قَامَ، فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص) ‏‏مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِى، فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ: مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: مَعِى سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا؛ عَدَّهَا. قَالَ: أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ. (أخرجة البخارى فى: 66-كتاب فضائل القرآن: 22-باب القرائة عن ظهر قلب).

الشرح والمناقشة(15):
أن تهب المرأة نفسها للرجل أمر يعود إليها, وهو حق كان يختص به النبى دون غيره والمؤمنين (كما فى حقه فى الفئ والغنائم.....) وقد استنكرت السيدة عائشة مثل ذلك التصرف من أية امرأة حسب ماورد فى الأثر, إلا أن مايهمنا فى ذلك الحديث هو العبارة الأخيرة التى نسبت للرسول الكريم وهى: " اذهب فقد ملكتها بما معك من قرآن" فهل المرأة متاع أو شئ, أو حيوان يملك؟! ولماذا لاتقبل الفتاة المسلمة اليوم خاتم حديد أو رجلا يحفظ بعض آيات الذكر الحكيم لتطبق سنة الرسول بذلك؟ أخيرًا فقد وردت أحاديث أخرى تفيد أن الرسول انتقى بل أخذ صفية بنت حيى سيدة قريظة والنضير من الصحابى دحية وجعلها زوجة له (راجع البخارى-8 كتاب الصلاة).
متن الحديث(16):
حديث أُمِّ حَبِيبَةَ، و‏‏زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، ‏‏وأُمَّ سَلَمَةَ؛ أزواج النبى (ص)، و‏‏زَيْنَبُ ابنة أبى سَلَمَةَ، قَالَتْ ‏زَيْنَبُ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ حِينَ تُوُفِّى أَبُوهَا، ‏‏أبو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، ‏‏فَدَعَتْ ‏‏أم حَبِيبَةَ ‏‏بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ، خَلُوقٌ أو غَيْرُهُ، فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً، ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا لِى بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏‏(ص)، ‏‏يَقُولُ: ‏‏لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أن تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ، إِلا عَلَى زَوْجٍ؛ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
‏قَالَتْ ‏‏زَيْنَبُ: ‏‏فَدَخَلْتُ عَلَى ‏‏زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، ‏حِينَ تُوُفِّى ‏‏أَخُوهَا، ‏‏فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَتْ: أَمَا وَاللَّهِ مَا لِى بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏‏(ص)‏ ‏يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: ‏‏لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أن تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ، إِلا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
‏قَالَتْ ‏‏زَيْنَبُ: ‏‏وَسَمِعْتُ ‏‏أُمَّ سَلَمَةَ ‏تَقُولُ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلى رَسُولِ اللَّهِ ‏‏(ص)، ‏‏فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إن ابْنَتِى تُوُفِّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا، أَفَتَكْحُلُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص): ‏‏لا. مَرَّتَيْنِ أو ثَلاثًا، كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: لا. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص): ‏‏إِنَّمَا هِى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِى الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِى بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ. ‏
‏قَالَ ‏‏حُمَيْدٌ(الراوى عن زينب) ‏‏فَقُلْتُ ‏‏لِزَيْنَبَ: ‏‏وَمَا تَرْمِى بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ؟
فَقَالَتْ ‏‏زَيْنَبُ: ‏‏كَانَتْ الْمَرْأَةُ إذا تُوُفِّى عَنْهَا زَوْجُهَا، دَخَلَتْ ‏‏حِفْشًا ‏‏وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا، وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ. ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أو شَاةٍ أو طَائِرٍ فَتَفْتَضُّ بِهِ، فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلا مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى ‏‏بَعَرَةً فَتَرْمِى، ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أو غَيْرِهِ.
‏‏سُئِلَ ‏‏مَالِكٌ (أحد رجال السند) ‏‏مَا تَفْتَضُّ بِهِ؟ قَالَ ‏‏تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا. (أخرجه البخارى فى: 68-كتاب الطلاق: 46-باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا).
الشرح والمناقشة(16):
كما نرى فالحديث ترويه زينب بنت أبى سلمة ويتألف من ثلاثة مقاطع رئيسة؛ فى كل مقطع تثبت فيه إحدى زوجات النبى أنه يتوجب على المرأة أن تحد على زوجها-أربعة أشهر وعشرا-دون غيره من الأقارب والأحباب.
فالسيدة أم حبيبة تتطيب بالخلوق (الطيب) بعد وفاة أبيها أبى سفيان تطبيقًا لذلك الحديث. وكذلك تفعل السيدة زينب بنت حجش ولكن بعد وفاة أخيها.
أما السيدة أم سلمة فتقول رواية مفادها: أن امرأة مات زوجها فاشتكت من عينيها وأرادت معالجتها بالكحل فمنعها الرسول من ذلك مرتين أو ثلاثا؛ علما أن الكحل هو العلاج السائد آنذاك! وجاء فى نهاية الحديث عبارة هى "كانت إحداكن ترمى بالبعرة على رأس الحول".
ويبين حميد-راوى الحديث عن زينب-المقصود برمى البعرة على رأس الحول وأقوم هنا بدورى بشرح تبيان حميد:
(فالبعرة) هى رجيع (وسخ) ذى الخف والظلف, أما (الحفش) فهو بيت صغير جدًا-من الشعر-تدخله المرأة التى مات عنها زوجها-فى الجاهلية-فلا تمس ماء, ولا تقلم ظفرًا ولاتزيل شعرًا ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر (لتفتض) تكسر ما هى فيه من العدة بحيوان أو طائر تمسح به قُبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش مايفتض به, ثم ترمى بعد ذلك البعرة معلنة نهاية حدادها!!
وهكذا يبدو من الحديث أنه لايحق لامرأة أن تحزن على ابنها أو ابنتها أو أخيها أو أمها...إلخ.... إلا ثلاثة أيام فقط!! لايحل أكثر من ثلاثة أيام!! وكأن المشاعر والأحساسيس والعواطف الأنسانية تحدد بيوم وليلة!! وكأن العطر أو الكحل أو اللباس يخفف من الحزن أو يزيد منه. كما أن ماجاء فى كتاب الله من حكم العدة خفف عن المرأة مدة سجنها وأسرها-فى الجاهلية-من سنة(حول) إلى أربعة أشهر وعشرة أيام.
ولعل العرب-قبل الإسلام-قد خففوا بذلك عن المرأة فى الشرق الاقصى التى كانت تدفن مع زوجها حية؛ وجاء الإسلام ليخفض الحول (العام) إلى أقل من ذلك؛ واليوم مع تطورات الغرب خفف عن المرأة أيضًا حيث أصبحت عدتها تنتهى بساعات مع نهاية حصولها على نتائج تحليل حملها المخبرى.
وأخيرًا فإن ذلك-إن صح-طبقه النبى على أناس معينين فى زمان ومكان معينين, فلا يمكن لرسول الرحمة أن يمنع امرأة من علاج عينيها بحجة الحداد على زوجها!! إلا أن يكون عارفًا بكذب أو خداع أو عدم حسن نوايا تلك المرأة فأمرها بما ينسجم مع حالها ولاينطبق علينا اليوم.
أما قصة البعرة والحول فهى من اجتهادات الراوى أو الناقل ولا علاقة لرسولنا الكريم بتلك العادات الذكورية البائدة.
النتيجة:
المرأة دون الرجل حسب صحيح البخارى كما رأينا فى الأحاديث السابقة. وقد روى أو هريرة الكثر من تلك الأحاديث ونسبها إلى الرسول الكريم. وإننى إذ أرى فى أبى هريرة-بكل حيادية وموضوعية-وبعد دراسة سيرته وشخصيته وحياته, رجلا مليئا بالعقد والأمراض النفسية الناجمة عن مظهره ونشأته وأصوله والتى عبر عنها بهجومه على المرأة أحيانا, وعلى بعض الصحابة أحيانًا وبوقوفه مع بعض الخلفاء أحيانًا أخرى, فإن القرآن الكريم قد خالف كل ماجاء عن المرأة فى تلك الأحاديث كما يلى:
كل ماجاء عن المرأة فى تلك الأحاديث كما يلى:
1-إن آية القوامة التى يحتج بها أصحاب الفكر الذكورى-مؤيدو الأحاديث السابقة, وهى:
{الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم}(النساء-34). نلاحظ فيها أن الله قال (بعضهم على بعض) ولم يقل (بعضهم على بعضهن) (نون النسوة) مما يبين أن التفضيل قائم بين كافة أفراد البشر ذكورًا وإناثا, وهو يأتى من العمل والعلم والتطور وغيره.
والقوامة تأتى من الإنفاق المادى (المال) ولا علاقة لها بتميز الرجل عن المرأة, فاليد العليا هى صاحبة القوامة دائما. وعندما أعمل بشركة تمتلكها سيدة تصبح صاحبة القوامة علىَّ لأن مصدر دخلى منها.
2-آية الشهادة {.. وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل احداهما فتذكر إحداهما الاخرى} (البقرة282). مشروطة بقوله تعالى{أن تضل إحداهما} وعليه فإذا لم تضل إحداهما عندئذ يكتفى بامرأة واحدة وينتفى الشرط فى الآية, وهذا هو الحال اليوم, فقد كانت المرأة سابقا-بشكل عام-لا تعمل ولاتهتم فى الأمور المعيشية خارج نطاق بيتها وأسرتها, لذلك كانت معرضة للسهو والنسيان والخطأ فى تقييم الأمور المادية المتعلقة بالتجارة والصناعة وغيرها, أما اليوم فهى معلمة ومهندسة وطبيبة وعالمة وقاضية!! وعليه فإنها لن تضل بشهادتها بإذن الله.
وهنا يطرح السؤال التالى على المرأة المسلمة الملتزمة حصرا: هل تقبل المرأة أن تتقاضى فى عملها المهنى مهما كان (عاملة، معلمة، مهندسة، طبيبة...) نصف أجر الرجل؟!
وهل تعتبر ذلك تطبيقًا لحكم الله-عز وجل-وسنة رسوله؟! وأذكر هنا أن دية المرأة هو (ما يدفع لأهل المقتوله خطأ) هى نصف دية الرجل حسب رأى الفقهاء والسادة العلماء الأفاضل، فهل تقبل المرأة بذلك.(2)
3-أورد أخيرًا بعض آيات من الذكر الحكيم تبين مكانة المرأة عند خالقها ومبدعها حيث يقول تعالى {يهب لمن يشاء اناثًا ويهب لمن يشاء الذكور} (الشورى-49).
وكما نجد فالهبة عطاء محبة وتقدير حيث يقال أهبك مالا أهبك حبا... ونجد أن الله قدم الإناث على الذكور فى هبته لما فى الأنثى من خير وعطاء للأبوين يفوق عطاء الذكور فى كثير من الأحيان وإن رأى العامة غير ذلك!
وفى قوله تعالى: {وليس الذكر كالأنثى} (آل عمران-36). نلاحظ أن المستثنى أولا (الذكر) هو الأقل مكانة أو قيمة من الثانى (الأنثى) كما فى قوله تعالى: {وليس الأعمى كالبصير} حيث البصير أفضل من الأعمى.
ولابد من الإشارة فى نهاية هذا الفصل إلى أن ما يسمى بالحجاب الشرعى هو أهم ما يأسر المرأة المسلمة اليوم ويجعلها بعيدة عن العمل والحياة والمجتمع وممارسة الحقوق، وقد يصل إلى حد جعلها حبيسة بيتها-بحجة أنها كلها عورة من صوتها إلى أخمص قدمها-لا يوجد أى حديث فى صحيح البخارى يصفه أو يتحدث عنه؛ علما أن الحجاب فى اللغة هو الساتر (الحاجز) وليس غطاء الرأس بأى حال من الأحوال!
وان الحديث الذى روى عن النبى (ص) فى ذلك هو:
"لا يصلح لامرأة عركت أن يظهر منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه". (أخرجه أبو داوود فى سننه)
هو حديث آحاد رواه خالد بن دريك عن عائشة مع أنه لم يعاصرها ولم يرها قط. وإذا كان فى صحيح البخارى-أصح كتب الحديث عند أهل السنة-الكثير من التناقض والأخطاء التى رأينا جزءًا منها فى كتابنا فما بالنا بسنن أبى داوود التى لم تعن بصحة الإسناد أو سلامة المتن!! علما أن أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها فى أمور العقيدة والحدود ويعمل بها على سبيل الاستئناس.(3)
كما أن الحديث السابق يتعارض مع حديث آخر ورد فى سنن أبى داوود أيضًا وهو حديث آحاد جاء فيه لا تقبل صلاة الحائض إلا بخمار.
حيث نجد أن الخمار يلزم للمرأة أثناء صلاتها فقط-بعد سن البلوغ، كما أن مفهوم عبارة أشار إلى هذا وهذا فى الحديث السابق الأول مفهوم ضبابى وغير واضح، وإن المرء ليتسائل لماذا أشار النبى (ص) ولم يقل صراحة؟!
أما فيما يتعلق بما جاء فى الذكر الحكيم فى سورتى النور والأحزاب(4)-فيما اعتبر فرضًا لما سمى الحجاب-فإن فهم مفردات آياتها وربطها بمناسبات نزولها وبتطبيق الخلفاء لها لا يظهر أى فرض للحجاب. كما أنه لا يوجد أى عقوبة تتوعد المرأة التى تستغنى عنه.
أخيرًا أنهى هذا الفصل بأبيات للشاعرة الدكتورة سعاد الصباح التى تعبر عن حال المرأة المسلمة على لسان امرأة عربية واعية لحاضرها ومستقبلها صادقة فى مشاعرها:
1-لا تنتقد خجلى الشديد فإننى درويشة جدًا وأنت خبير
2-خذنى بكل بساطتى وطفولتى أنا لم أزل أحبو وأنت كبير
3-يا واضع التاريخ تحت سريره يا أيها المتشاوف المغرور
4-يا ثابت الأعصاب إنك ثابت وأنا على ذاتى أدور وأدور
5-الأرض تحتى دائما محروقة والأرض تحتك مخمل وحرير
6-فرق كبير بيننا يا سيدى فأنا محافظة وأنت جسور
7-وأنا مقيدة وأنت تطير وأنا محجبة وأنت بصير
8-فرق كبير بيننا يا سيدى فأنا الحضارة والطغاة ذكور


الهوامش
(1) (من دعاها زوجها فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح).
(2) راجع: فقه السنة المصدر سابق.
(3) يراجع: أصول الفقه الإسلامى، زكريا البرى؛ الإسلام عقيدة وشريعة، الإمام محمد شلتوت.
(4) هاتان السورتان من السور المدنية، والحديث الوارد أعلاه قيل قبل هجرة الرسول إلى المدينة لأسماء بنت أبى بكر فى مكة!



الفصل السابع
البخارى ومجموعة متناقضات
توطئة: كثيرة هى المتناقضات فى الأحاديث الواردة فى صحيح البخارى، وقبل أن استعرض أمثلة يسيرة منها أبين مصطلح المتناقضات المستخدم فى عنوان هذا الفصل.
فالتناقض قد يكون فى مضمون الحديث نفسه-متنه-أو فى معناه(1) أو تناقله أو أسلوبه, أو فى تناقض مدلوله ومفهومه مع الذكر الحكيم أو مع معطيات العلم أو المنطق الصورى أو القوانين والاعراف الاجتماعية السائدة أو الذوق العام أو غير ذلك من الامور0
متن الحديث(1):
حديث أبى هريرة، قال: قال النبى (ص): "نِعْمَ ما لأحدهم يُحسن عبادة ربه، وينصح لسيده". (أخرجة البخارى فى: 49-كتاب العتق: 16-باب العبد إذا أحسن عبادة به ونصح سيده).
متن الحديث(2):
قَالَ ‏‏أَبُو هُرَيْرَةَ: ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص): ‏‏لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الصَّالِحِ أَجْرَانِ. ‏‏وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لَوْلا الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالْحَجُّ وَبِرُّ أُمِّى لأَحْبَبْتُ أن أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ‏.
الشرح والمناقشة (1)-(2):
يبين الحديثان أن العبد المملوك يتساوى أجره فى عبادة ربه مع أجره فى خدمة سيده بل ويمتدح الرسول العبد(بقوله نِعْمَ) ويتبنى أبو هريرة-بل ويحض على العبودية!
وهذا ما لايقبل اليوم أبدًا لأن حرية الإنسان أصبحت الحياة الإنسانية ذاتها, فبدون الحرية على مختلف صعدها, بدءًا من الرق(عبودية الإنسان) وانتهاء بحرية الاختيار والتعبير, لاتقوم المجتمعات الإنسانية السوية والمتحضرة.
ولئن كان الإسلام لم يفرض العبودية-حيث عرفت فى التاريخ قبله-إلا أنه لم تصلنا نصوص فى صحيح البخارى تمنعه أو تحرِّمه, فى حين وصلتنا أحاديث تعاقب بشدة من لا يستنزه من بوله أو من لايغسل كعبيه جيدًا قبل الصلاة!!
متن الحديث(3):
عَنْ ‏أَبِى هُرَيْرَةَ، ‏‏قَالَ: ‏سَمِعْتُ ‏‏أَبَا الْقَاسِمِ ‏‏(ص) ‏يَقُولُ: ‏مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ، وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ، جُلِدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا أن يَكُونَ كَمَا قَالَ. (أخرجه البخارى فى: 86-كتاب الحدود: 45-باب قذف العبيد)0
الشرح والمناقشة(3):
الحديث يظهر أن السيد لايحتاج إلى أربعة شهود لقذف مملوكه(عبده) وأن عقوبته ليست فى الحياة الدنيا؛ إنما هى فى الدار الآخرة؛ بالجلد فقط لا بدخول جهنم علما أن القذف الكاذب للملوك يمكن أن تصل عقوبته إلى الموت؛ وهنا تبدو قمة الانحياز الاجتماعى والتمييز العنصرى بين السيد ومملوكه.
متن الحديث(4):
عَنْ ‏أَبِى هُرَيْرَةَ،‏عَنْ النَّبِى ‏(ص) ‏قَالَ:‏ فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ ‏‏بَنِى إِسْرَائِيلَ ‏‏لا يُدْرَى مَا فَعَلَتْ، وَإِنِّى لا أُرَاهَا إِلا الْفَأرَ، إذا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الإبِلِ لَمْ تَشْرَبْ؛ وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ شَرِبَتْ. فَحَدَّثْتُ ‏‏كَعْبًا ‏فَقَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَ النَّبِى ‏(ص) ‏يَقُولُهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ لِى مِرَارًا. فَقُلْتُ: أَفَأَقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟. (أخرجه البخارى عى: 59-كتاب بدء الخلق: 15-باب خير مالل المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال).
الشرح والمناقشة(4):
الحديث يبين أن أصل الفأر هو أمة من بنى اسرائيل كما يؤكد أبو هريرة؛ وكما يؤكده الشرح التالى الوارد فى الأثر؛ ونترك للقارئ حرية الاستنتاج والقبول!
أمة: أى طائفة. لاأراها: أى لا أظنها. إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشرب: لأن لحوم الإبل وألبانها حرمت على بنى إسرائيل. وإذا وضع لها ألبان الشاء شربت. الشاء أى الغنم. وشربت لأنها حلال لهم كلحمها. وهو دليل على المسخ. فحدثت كعبا: هو كعب الأحبار. أفأقرأ التوراه: بهمزة الاستفهام الإنكارى وقد اختلف فى الممسوخ هل يكون له نسل أم لا. فذهب أبو إسحاق الزجَّاج وابن العربى وأبو بكر إلى أن الموجود من القردة من نسل الممسوخ، تمسكًا بحديث الباب. وقال الجمهور: لا. وهو المعتمد لحديث ابن مسعود عند مسلم مرفوعًا " أن الله لم يهلك قومًا،أو يعذب قومًا فيجعل لهم نسلا ".
متن الحديث (5):
عَنْ ‏‏أَبِى هُرَيْرَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص): "‏‏قَالَ اللَّهُ: ‏‏أَعْدَدْتُ لِعِبَادِى الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. فَاقْرَءُوا أن شِئْتُمْ-‏‏فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِى لَهُمْ مِنْ ‏‏قُرَّةِ أَعْيُنٍ". (أخرجه البخارى فى 59-كتاب بدء الخلق: 8-باب ما جاء فى صفة الجنة وانها مخلوقة).
الشرح والمناقشة (5):
يبين الحديث أن فى الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب البشر؛ إلا أن أبا هريرة سرعان ما يناقض ذلك فيصف لنا شجرة فى الجنة يسير الراكب فى ظلها مائة عام لا يقطعها(2)!!
كذلك فإنه يمكننا أن نرى الجنة ما بين منبر الرسول وبيته حسب ما ورد فى صحيح البخارى "ما بين بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنة "!
متن الحديث (6):
عَنْ ‏‏أَبِى هُرَيْرَةَ، ‏عَنْ النَّبِى ‏‏(ص) ‏‏قَالَ: ‏‏لَمْ يَتَكَلَّمْ فِى الْمَهْدِ إِلا ثَلاثَةٌ ‏‏عِيسَى.
‏‏وَكَانَ فِى ‏‏بَنِى إِسْرَائِيلَ ‏‏رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ ‏‏جُرَيْجٌ، ‏‏كَانَ ‏‏يُصَلِّى. جَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ، فَقَالَ: أُجِيبُهَا أو أُصَلِّى؟ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ ‏‏الْمُومِسَاتِ. ‏‏وَكَانَ ‏‏جُرَيْجٌ ‏‏فِى صَوْمَعَتِهِ، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَكَلَّمَتْهُ، فَأَبَى. فَأَتَتْ رَاعِيًا، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَلَدَتْ غُلامًا. فَقَالَتْ: مِنْ ‏‏جُرَيْجٍ. ‏‏فَأَتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ، وَأَنْزَلُوهُ، وَسَبُّوهُ. فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى. ثُمَّ أَتَى الْغُلامَ. فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلامُ؟ قَالَ: الرَّاعِى. قَالُوا: نَبْنِى صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: لا. إِلا مِنْ طِينٍ!!...... وَكَانَتْ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا، مِنْ ‏‏بَنِى إِسْرَائِيلَ، ‏‏فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ. فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ! اجْعَلْ ابْنِى مِثْلَهُ. فَتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنِى مِثْلَهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ. قَالَ ‏‏أَبُو هُرَيْرَةَ: ‏‏كَأَنِّى أَنْظُرُ إلى النَّبِى ‏‏(ص)، ‏‏يَمَصُّ إِصْبَعَهُ. ثُمَّ مُرَّ بِأَمَةٍ، فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ ابْنِى مِثْلَ هَذِهِ. فَتَرَكَ ثَدْيَهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِى مِثْلَهَا. فَقَالَتْ: لِمَ ذَاكَ؟ فَقَالَ: الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنْ الْجَبَابِرَةِ وَهَذِهِ الأمَةُ يَقُولُونَ: سَرَقْتِ، زَنَيْتِ، وَلَمْ تَفْعَلْ. (أخرجه البخارى فى: 60-كتب الانبياء: 48-باب واذكر فى الكتاب مريم).
الشرح والمناقشة (6):
الحديث يضيف-حسب أبى هريرة-إلى معجزة سيدنا عيسى-عليه السلام-فى الذكر الحكيم معجزتين لرضيعين من بنى اسرائيل تكلما وهما فى المهد؛ وهو ما يجب علينا تصحيحه لأهل الكتاب عامة. ونورد هنا للأخ القارئ شرح ذلك الحديث حسب ما جاء فى الأثر لمعرفة فوائده وأن المعجزات ليست حكرًا على الرسل والأنبياء فقط وبابها مفتوح دائما للأولياء والصالحين-وإن خالف العلم والعقل.
المهد: هو ما يهيأ للصبى أن يربى فيه. المومسات أى الزوانى البغايا المتجاهرات بذلك. والواحدة مومسة: وتجمع مياميس أيضًا. صومعته: الصومعة نحو المنارة، ينقطعون فيها عن الوصول إليهم والدخول عليهم. وكلمته: أن يواقعها. فأمكنته من نفسها: فواقعها فحملت منه. إلا من طين: كما كانت. ذو شارة: صاحب حسن أو هيئة، أو ملبس حسن يتعجب منه ويشار إليه. قال الإمام النووى (وفى حديث جريج هذا فوائد كثيرة: منها عظم بر الوالدين وتأكد حق الأم، وأن دعائها مجاب، وأنه إذا تعارضت الأمور بدئ بأهمها. وأن الله تعالى يجعل لأوليائه مخارج عن ابتلائهم بالشدائد، غالبا. قال الله تعال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا}-وقد يجرى عليهم الشدائد بعض الأوقات زيادة فى أحوالهم وتهذيبًا لهم، فيكون لطفًا. ومنها استحباب الوضوء للصلاة عند الدعاء بالمهمات. ومنها إثبات كرامة الأولياء وهو مذهب أهل السنة. وفيه أن كرامة الأولياء تقع باختيارهم وطلبهم وهذا هو الصحيح عند أصحابنا المتكلمين).
متن الحديث (7):
حديث ‏‏أَبُو ذَرٍّ ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏‏(ص) ‏‏قَالَ: ‏‏فُرِجَ ‏‏عَنْ سَقْفِ بَيْتِى وَأَنَا ‏‏بِمَكَّةَ، ‏‏فَنَزَلَ ‏‏جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِى، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ ‏‏زَمْزَمَ‏، ‏ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهُ فِى صَدْرِى، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِى ‏‏فَعَرَجَ ‏‏بِى إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَلَمَّا جِئْتُ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ ‏‏جِبْرِيلُ ‏‏لِخَازِنِ السَّمَاءِ افْتَحْ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا ‏‏جِبْرِيلُ. ‏‏قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَعِى ‏‏مُحَمَّدٌ ‏‏(ص)، ‏‏فَقَالَ: أوَأُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ فَلَمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ، عَلَى يَمِينِهِ ‏‏أَسْوِدَةٌ ‏‏وَعَلَى يَسَارِهِ ‏‏أَسْوِدَةٌ، ‏‏إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِى الصَّالِحِ ‏‏وَالابْنِ الصَّالِحِ، قُلْتُ ‏‏لِجِبْرِيلَ: ‏‏مَنْ هَذَا؟ قَال: هَذَا ‏‏آدَمُ، ‏‏وَهَذِهِ ‏‏الأسْوِدَةُ ‏‏عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ‏‏نَسَمُ ‏‏بَنِيهِ؛ فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، ‏‏وَالأسْوِدَةُ ‏‏الَّتِى عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، حَتَّى عَرَجَ بِى إلى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ فَقَالَ لَهُ خَازِنِهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأوَّلُ، فَفَتَحَ.
قَالَ ‏‏أَنَسٌ: ‏‏فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِى السَّمَوَاتِ ‏‏آدَمَ ‏‏وَإِدْرِيسَ ‏‏وَمُوسَى ‏‏وَعِيسَى ‏‏وَإِبْرَاهِيمَ ‏‏صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ ‏‏آدَمَ ‏‏فِى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ‏‏وَإِبْرَاهِيمَ ‏‏فِى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. قَالَ ‏‏أَنَسٌ: ‏‏فَلَمَّا مَرَّ ‏‏جِبْرِيلُ ‏‏بِالنَّبِى ‏‏(ص) ‏‏بِإِدْرِيسَ، ‏‏قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِى الصَّالِحِ وَالأخِ الصَّالِحِ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا ‏‏إِدْرِيسُ. ‏‏ثُمَّ مَرَرْتُ ‏‏بِمُوسَى ‏‏فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِى الصَّالِحِ وَالأخِ الصَّالِحِ؛ قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا ‏‏مُوسَى. ‏‏ثُمَّ مَرَرْتُ ‏‏بِعِيسَى، ‏‏فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالأخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِى الصَّالِحِ؛ قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا ‏‏عِيسَى. ‏‏ثُمَّ مَرَرْتُ ‏‏بِإِبْرَاهِيمَ ‏‏فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِى الصَّالِحِ ‏‏وَالابْنِ الصَّالِحِ؛ قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ هَذَا ‏‏إِبْرَاهِيمُ ‏‏(ص).
‏‏ثُمَّ عُرِجَ بِى حَتَّى ‏‏ظَهَرْتُ ‏‏لِمُسْتَوَى أَسْمَعُ فِيهِ ‏‏صَرِيفَ الأقْلامِ، ‏‏‏‏فَفَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أُمَّتِى خَمْسِينَ صَلاةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى ‏‏مُوسَى، ‏‏فَقَالَ: مَا فَرَضَ اللَّهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ خَمْسِينَ صَلاةً. قَالَ: فَارْجِعْ إلى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُ، فَوَضَعَ شَطْرَهَا فَرَجَعْتُ إلى ‏‏مُوسَى ‏‏قُلْتُ، وَضَعَ شَطْرَهَا؛ فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لا تُطِيقُ. فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا. فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: ارْجِعْ إلى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لا تُطِيقُ ذَلِكَ. فَرَاجَعْتُهُ فَقَالَ: هِى خَمْسٌ وَهِى خَمْسُونَ- لا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَى- فَرَجَعْتُ إلى ‏‏مُوسَى ‏‏فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ. فَقُلْتُ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّى. ثُمَّ انْطَلَقَ بِى حَتَّى انْتَهَى بِى إلى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لا أَدْرِى مَا هِى. ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا ‏‏حَبَايِلُ ‏‏اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ. (أخرجه البخارى فى: 8-كتاب الصلاة: 1-باب كيف فرضت الصلاة: فى الاسراء).
الشرح والمناقشة (7):
لذلك الحديث أكثر من متن تتحدث جميعها عن إسراء وعروج الرسول إلى السموات وفرض الصلوات، وكما هو الحال فى كثير من أحاديث البخارى-فإن المعطيات تختلف بين متن واخر.
ففى الحديث المذكور آنفًا (7) نجد أن الملك جبريل ينزل ويقوم بشق صدر الرسول،بينما يقوم ملكان أو رجلان فى أحاديث أخرى بتلك المهمة يفرغان طستًا من الذهب مملوء بالحكمة والإيمان فى صدر النبى. وبينما يأخذ جبريل بيده نجده فى حديث آخر يركب البراق-دابة بيضاء دون البغل وفوق الحمار حسب تعريفها فى الحديث الآخر-بينما يقابل من الرسل والأنبياء آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم، يضيف إليهم فى حديث آخر يحيى ويوسف وهارون، وبينما يقابل إبراهيم فى السماء السادسة فيجده فى موضع آخر يقابلة فى السابعة ويقابل موسى فى السادسة، وبينما يسمع صريف الأقلام نجده فى حديث آخر يرى ويصف ما فى الجنة-علما أن فى الجنة مالا عين رأت ولا أذن سمعت.... وإلى غير ذلك من التناقض فى اللفظ والمعنى.
إلا أن ما يهمنا فى متن الحديث الوارد سابقًا هو أن موسى-عليه السلام-قد صحح لربه-الله عز وجل-فى عدد الصلاة المفروضة فخفضها-بعد عدة محاولات-من خمسين إلى خمسة فروض.
وهنا يحق لكل عاقل أن يسأل: هل يعلم الرسول موسى أو غيره بأمور العباد أكثر من خالقهم ومبدعهم؟!
وكيف كان أحدنا سيجد الوقت الكافى ليصلى فى اليوم خمسين صلاة؛ لو لم يتدخل موسى ليصحح عددها ويخفف عنا؟!!
متن الحديث (8):
عَنْ ‏‏أَبِى هُرَيْرَةَ، ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏‏(ص)، ‏‏أُتِى بِلَحْمٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، ‏‏فَنَهَسَ ‏‏مِنْهَا نَهْسََةً ثُمَّ قَالَ: أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يُسْمِعُهُمْ الدَّاعِى، وَيَنْفُذُهُمْ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنْ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لا يُطِيقُونَ وَلا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاسُ أَلا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟ أَلا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إلى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ، عَلَيْكُمْ ‏‏بِآدَمَ، ‏‏فَيَأْتُونَ ‏‏آدَمَ ‏‏عَلَيْهِ السَّلام؛ ‏‏فَيَقُولُونَ لَهُ أَنْتَ أبو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إلى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلا تَرَى إلى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ ‏‏آدَمُ: ‏‏إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِى عَنْ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِى! نَفْسِى! نَفْسِى!؛ اذْهَبُوا إلى غَيْرِى، اذْهَبُوا إلى ‏ ‏نُوحٍ. ‏‏فَيَأْتُونَ ‏‏نُوحًا ‏‏فَيَقُولُونَ يَا ‏‏نُوحُ! ‏‏إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إلى أَهْلِ الأرض، وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إلى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إن رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ؛ وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِى دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِى، نَفْسِى! نَفْسِى! نَفْسِى! اذْهَبُوا إلى غَيْرِى، اذْهَبُوا إلى ‏‏إِبْرَاهِيمَ. ‏‏فَيَأْتُونَ ‏‏إِبْرَاهِيمَ، ‏‏فَيَقُولُونَ: يَا ‏‏إِبْرَاهِيمُ! ‏‏أَنْتَ نَبِى اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأرض اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إلى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ لَهُمْ: إن رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ؛ وَإِنِّى قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلاثَ كَذِبَاتٍ، نَفْسِى! نَفْسِى! نَفْسِى! اذْهَبُوا إلى غَيْرِى، اذْهَبُوا إلى ‏‏مُوسَى. ‏‏فَيَأْتُونَ ‏‏مُوسَى ‏‏فَيَقُولُونَ: يَا ‏‏مُوسَى! ‏‏أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَضَّلَكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلامِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إلى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: أن رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ؛ وَإِنِّى قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِى! نَفْسِى! نَفْسِى! اذْهَبُوا إلى غَيْرِى، اذْهَبُوا إلى ‏‏عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ. ‏‏فَيَأْتُونَ ‏‏عِيسَى ‏‏فَيَقُولُونَ: يَا ‏‏عِيسَى ‏‏أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى ‏‏مَرْيَمَ ‏‏وَرُوحٌ مِنْهُ وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ صَبِيًّا، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إلى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ ‏‏عِيسَى: ‏‏إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ قَطُّ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ؛ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا! نَفْسِى! نَفْسِى! نَفْسِى! اذْهَبُوا إلى غَيْرِى، اذْهَبُوا إلى ‏‏مُحَمَّدٍ. ‏‏فَيَأْتُونَ ‏‏مُحَمَّدًا ‏‏فَيَقُولُونَ: يَا ‏‏مُحَمَّدُ ‏‏أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتِمُ الأنْبِيَاءِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إلى مَا نَحْنُ فِيهِ؟
"فَأَنْطَلِقُ فَآتِى تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّى عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَىَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِى، ثُمَّ يُقَالُ ‏‏يَا ‏‏مُحَمَّدُ! ‏‏ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ ‏‏تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ؛ فَأَرْفَعُ رَأْسِى، فَأَقُولُ أُمَّتِى يَا رَبِّ! أُمَّتِى يَا رَبِّ! أُمَّتِى يَا رَبِّ! فَيُقَالُ يَا ‏‏مُحَمَّدُ! ‏‏أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَابِ الأيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الأبْوَابِ" ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إن مَا بَيْنَ ‏‏الْمِصْرَاعَيْنِ ‏‏مِنْ ‏‏مَصَارِيعِ ‏‏الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ ‏‏مَكَّةَ ‏‏وَحِمْيَرَ، ‏‏أَوْ كَمَا بَيْنَ ‏‏مَكَّةَ ‏‏وَبُصْرَى. انتهى. (أخرجه البخارى فى: 65-كتاب التفسير: 17-سورة الاسراء: 5-باب ذرية من حملنا مع نوح).
الشرح والمناقشة (8):
الحديث هنا يرافقه وصف رسول الله (ص) وهو ينهش (نهس) اللحم بيده ليخبر الصحابة بأنه سيد الناس يوم القيامة؛ علما بأنه ليس أفضل من موسى-عليه السلام-الذى لا يصعق-أو يصحو قبله-يوم القيامة أو يونس بن متى خير الناس على الإطلاق-حسب ما جاء فى صحيح البخارى (كتاب الانبياء).
والحديث يبين أن الله-عز وجل-غضب غضبًا شديدًا من آدم لأنه عصاه فى الجنة ومن إبراهيم لأنه كذب ثلاث مرات ومن موسى لأنه قتل نفسًا أما من عيسى فكان بدون أى سبب! فقط لمجرد الغضب!!
أخيرًا نجد أن من أمة محمد (ص) من لا حساب عليه؛ وأن مصراعى باب الجنة كما بين مكة وحمير أو بصرى، وهى مسافة تقل كثيرًا عن شجرة موجودة فى الجنة وصفها أبو هريرة-راوى الحديث نفسه-(يسير المرء فى ظلها مائة عام لا يقطعها!).
متن الحديث (9):
حديث‏ ‏أَبى هُرَيْرَةَ، ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏(ص) رَأَى نُخَامَةً فِى جِدَارِ الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَ حَصَاةً فَحَكَّهَا فَقَالَ" ‏إِذَا تَنَخَّمَ أَحَدُكُمْ فَلا يَتَنَخَّمَنَّ ‏ ‏قِبَلَ ‏‏وَجْهِهِ، وَلا عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أو تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى. (أخرجه البخارى فى: 8-كتاب الصلاة: 34 باب حك المخاط بالحصى فى المسجد).
الشرح والمناقشة (9):
يبين الحديث أن الرسول قد سمح بالبصاق والمخاط والتف والنف داخل المسجد على أن يكون ذلك عن يسار المرء! وهنا يبرز سؤال يطرح على السادة العلماء الأفاضل:
هل يقبل ذلك فى مساجدنا اليوم؟! وماذا سنفعل بالسجاد والجدران الرخامية المذهبة فى بيوت الله اليوم؟! أنبصق ونتف عليها ثم نقوم بتنظيفها بالوسائل الحديثة المتوافرة، أو بالحصاة لتطبيق سنة النبى فى ذلك!!
كل ذلك يوضح أن مثل تلك الأحاديث تنطبق على أناس تفرش الرمال أرضهم وسعف النخيل سقوفهم والطين جدرانهم!
وعلى الرغم من أن المساجد قد تطورت بعد أكثر من قرنين-زمن رواية ذلك الحديث-من حيث الإكساء فإن الإمام البخارى لم يجد فى ذلك الحديث ما يناقض قواعد النظام والعادات الصحية السليمة فى عصره-العصر العباسى الذهبى فى تاريخ الأمة الإسلامية!!
متن الحديث (10):
عَنْ ‏‏أَبِى هُرَيْرَةَ، ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏‏(ص) ‏‏قَالَ: ‏‏إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِى إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ، فَإِنَّ فِى أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وَفِى الآخَرِ دَاءً.
الشرح والمناقشة (10)
يوضح الحديث أنه قد يقع أكثر من ذبابة فى الطعام فى الطعام دون أن يؤثر فى تلوثه (جرثمته بمصطلح اليوم) شريطة أن يغمس الذباب بأكمله فى الطعام ثم يطرح منه!!
وعلى الرغم من تعارض معطيات ذلك الحديث مع نتائج وتطبيقات البحوث العلمية ومع الذوق الإنسانى السليم، فإننا نجد كثيرًا من السادة العلماء الأفاضل يدافع عن ذلك الحديث حتى أن بعضهم قد ذهب فى أحد كتبه إلى قوله بأن صحيفة علمية صينية (لم يذكر اسمها) قد أثبتت صحة ذلك الحديث!!
متن الحديث (11):
عَنْ ‏‏ابْنِ عَبَّاسٍ، ‏‏أَنَّ النَّبِى ‏‏(ص) ‏‏قَالَ: ‏‏إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أو يُلْعِقَهَا. (أخرجه البخارى فى المختصر 73-كتاب الاطعمة).
الشرح والمناقشة (11):
يعرف هذا الحديث أيضًا بحديث البزازة وهى ظاهرة تنافى الذوق السليم وتجانب الطب الوقائى. وهنا نسأل: هل هناك من يرضى أن يلعق إصبع صديقه أو أخيه بعد الطعام ليطبق السنة النبوية؟! وإذا كان بعض السادة العلماء الأفاضل يرى فى ذلك الحديث مظهر شكر وتقدير لنعمة الله فاننى أرى-مع كثيرين غيرى-مظهر تخلف وقرف واشمئزاز فيه.
وما أجمل الإنسان الذى يغسل يديه بعد الطعام بصابون معطر يقوم بعدها بحمد الله-عز وجل-على نعمه وعلى تطور العلوم والصناعات التى جعلتنا ننعم بحمد الله ونرضى أصحاب الذوق السليم فى كافة أرجاء الأرض، والمخالف للصحابة الذين وصفهم جابر بن عبد الله بقوله:
"قد كنا زمان النبى (ص) لم يكن لدينا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا وأقدامنا، ثم نصلى ولا نتوضأ ". (البخارى-باب الاطعمة).
متن الحديث (12):
عَنْ ‏‏عَائِشَةَ، ‏‏قَالَتْ: ‏كَانَ رِجَالٌ مِنْ ‏‏الأعْرَابِ ‏‏حُفَاةً يَأْتُونَ النَّبِى ‏‏(ص) ‏‏فَيَسْأَلُونَهُ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَكَانَ يَنْظُرُ إلى أَصْغَرِهِمْ فَيَقُولُ: ‏‏إِنْ يَعِشْ هَذَا لا يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ. (أخرجه البخارى فى المختصر: باب الرقاق).
الشرح والمناقشة (12):
إذا كان ذلك الحديث يتحدث عن ساعة أولئك الأعراب فلا حاجة لنا به-خصوصًا أنه لم يتم التحقق من حال أولئك الأعراب بعده-وإذا كان يفيد قيام الساعة الناس أجمعين فإن فيه من الخطأ ما كان يتوجب على الإمام البخارى عدم اعتماده فى صحيحه احتراما للعلم والعقل!!
متن الحديث (13):
عَنْ ‏‏أَبِى ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِى، ‏‏قَالَ: ‏قُلْتُ يَا نَبِى اللَّهِ! إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ ‏‏أَهْلِ الْكِتَابِ ‏‏أَفَنَأْكُلُ فِى آنِيَتِهِمْ؟ وَبِأَرْضِ صَيْدٍ، أَصِيدُ بِقَوْسِى وَبِكَلْبِى الَّذِى لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ وَبِكَلْبِى الْمُعَلَّمِ، فَمَا يَصْلُحُ لِى؟ قَالَ: ‏‏أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ ‏‏أَهْلِ الْكِتَابِ ‏‏فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا، وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ الـمُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْتَ ‏ ‏ذَكَاتَهُ ‏‏ فَكُلْ. (أخرجه البخارى فى: 73 كتاب الذبائح والصيد: 4-باب صيد القوس).
الشرح والمناقشة (13):
يبين ذلك الحديث عدم جواز استخدام أوانى أهل الكتاب-بشكل عام-إلا فى الحالات الاستثنائية.. عندئذ يتوجب غسلها قبل استعمالها.
وإذا كان الله-عز وجل-قد ذكر فى حكم تنزيله {...وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم...} (المائدة-5) فأين ما فى الحديث من ذلك؟!
وقد يجيب: الحل للطعام ليس لاستخدام الإناء!! عندئذ نسأل: ما الأصل فى الحكم؛ الطعام أم الاناء، وكيف يقدم الطعام؟! بالأكف أم بالأرغفة؟!
كذلك يحق للمرء أن يتساءل: كيف يمكن أن نطبق ذلك الحديث اليوم؟! وماذا نفعل فى المطاعم والفنادق المنتشرة فى كافة أرجاء المعمورة خارج حدود الدول الإسلامية؟! أيطلب أحدنا غسل الصحن قبل تناول الطعام فيه؟! أم يغسله بنفسه؟! أم يقاطع كافة مطاعم أهل الكتاب. وهنا نذكر أن سكان الشرق الأقصى ليسوا من أهل الكتاب أصلا!!
كل ذلك يظهر مناقضة ذلك الحديث لكلامه-عز وجل-وللعادات والأعراف السائدة اليوم.
النتيجة:
صحيح البخارى ملئ بالأحاديث المتناقضة فى معظم المجالات وعلى مختلف المسويات، وقد استعرضت جزءًا يسيرًا منها فى أبحاث الكتاب، وإذا أردت الخوض بعمق وتحليل بعد الاعتماد على علم البلاغة (البيان والمعانى) فى اللغة لاحتجت إلى مجلدات من الكتب لبيان ذلك!!
فمرة يأمر الرسول بالكى ومرة ينهى عنه، ومرة يقر الرُّقية ويأخذ من أموالها وأخرى يمنعها،وكذلك الحال فى الحجامة، ومرة يرى فى الشِّعر قيحًا وأخرى يحض الشاعر حسان بن ثابت عليه؛ ومرة يرى (جبريل) مرتين أو ثلاثًا وأخرى يلقاه كل ليلة من أيام شهر رمضان، ومرة يخبرنا أن داوود بن سليمان طاف فى يوم واحد على مائة امرأة وأخرى يخبرنا بأنه طاف على سبعين فقط! ومرة نجد أن الإيمان بضع وستون شعبة بينما النبوة ست وأربعون (يطلب ذكرها فى الحالتين) ومرة نجد آيات المنافق ثلاثًا وأخرى أربعًا، ومرة يدخل الجنة سبعون ألفًا من المسلمين وأخرى يدخلها سبعمائة ألف... ومرة ينبذ للرسول فى التمر ومرة ينهى عنه، ومرة يعتبر الرضاع من المجاعة وأخرى يقره!! وإلى غير ذلك من التناقض والتضارب الذى نقول فيه: آن الأوان لمواجهة الحقيقة واعتماد الحق فى أمورنا والاعتراف بمتناقضات أحاديث الإمام البخارى!!
أخيرًا أختم هذا الفصل بحديث جاء فى صحيح البخارى وأسأل بعده ما الحكمة أو الغاية من ذلك الحديث؟! وما يريد أن يقول لنا فيه؟!
حديث جابر، قال: "كنا نعزل والقرآن ينزل". (أخرجه البخارى فى: 67- كتاب النكاح: 96-باب العزل).


الهوامش
(1) رأينا فى الأحاديث الواردة سابقًا أمثلة على ذلك.
(2) راجع البخارى كتاب التفسير



الفصل الثامن
بين الماضى والحاضر
ذكرت فيما مضى وسأذكر دائمًا أن تقديس الماضى هو عقدة المجتمع الإسلامى بشكل عام والعربى بشكل خاص؛ فكل ما جاء من الماضى محترم مبجل؛ يوضع على الرأس دون نقاش أو نقد وكل فهم مناقض له مهاجم محارب منسوب إلى العمالة والخيانة والمؤامرة على العروبة والدين!
ومع ذلك كله فقد قررت-مستعينًا بالله-عز وجل-أن أخوض فى نقد الخطأ فى القديم بالرغم من إحاطته بالهالة والقداسة؛ وذلك بغية إظهار الحقيقة الساطعة التى ستبقى أملى المنشود. وسأقوم فى هذا الفصل بمعالجة حديث من صحيح البخارى لاستنباط أحكام منه متأسيًا بفعل الإمام الشافعى ورابطًا للماضى بالحاضر.
أما الحديث الذى بحث فيه الإمام الشافعى من صحيح البخارى فهو:
حديث أنس،قال: ‏كَانَ النَّبِى ‏‏(ص) ‏‏أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا. وَكَانَ لِى أَخٌ يُقَالُ لَهُ ‏‏أبو عُمَيْرٍ، فَطِيمٌ، وَكَانَ إذا جَاءَ قَالَ: ‏‏يَا ‏‏أَبَا عُمَيْرٍ ‏‏مَا فَعَلَ ‏‏النُّغَيْرُ؟ ‏‏نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ. (أخرجه البخارى فى: 78-كتاب الآداب: 112-باب الكنية للصبى قبل أن يولد للرجل).
والفطيم: من فصل رضاعه، أما النغير: فتصعير نغر وهو طائر صغير أحمر المنقار.
وكما نلاحظ فإن الإمام البخارى قد وضع ذاك الحديث تحت باب (الكنية للصبى قبل أن يولد للرجل) وهو أمر هام دون أدنى شك! إلا أنه لم يفكر قط أن الطفل الفطيم يمكن أن يعذب الطير ويؤذيه. وقد جاء فى الأثر أن الإمام الشافعى قد استنبط من ذلك الحديث عشرين حكما ومنهم من قال: أربعين أو خمسين... وإلى غير ذلك من الأقاويل.
ومن تلك الأحكام على سبيل المثال-لا الحصر-جواز المزاح مع الصغير (الفطيم)، جواز اللعب بالطير، جواز كنية الصبى... الخ.
والحديث الذى سأعالجه من صحيح البخارى هو التالى:
حديث علِىٍّ،‏قَالَ: ‏كَانَتْ لِى ‏‏شَارِفٌ ‏‏مِنْ نَصِيبِى مِنْ الْمَغْنَمِ، يَوْمَ ‏‏بَدْرٍ، ‏‏وَكَانَ النَّبِى ‏‏(ص) ‏‏أَعْطَانِى ‏‏شَارِفًا ‏‏مِنْ ‏‏الْخُمُسِ، ‏‏فَلَمَّا أَرَدْتُ أن ‏‏أَبْتَنِى ‏‏بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ ‏‏(ص)، ‏‏وَاعَدْتُ رَجُلا صَوَّاغًا مِنْ ‏‏بَنِى قَيْنُقَاعَ، ‏‏أَنْ يَرْتَحِلَ ‏‏مَعِى فَنَأْتِى ‏‏بِإِذْخِرٍ، ‏‏أَرَدْتُ أن أَبِيعَهُ الصَّوَّاغِينَ، وَأَسْتَعِينَ بِهِ فِى ‏‏وَلِيمَةِ ‏‏عُرْسِى؛ فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ ‏‏لِشَارِفَى ‏ ‏مَتَاعًا مِنْ ‏‏الأقْتَابِ ‏‏وَالْغَرَائِرِ ‏‏وَالْحِبَالِ، ‏‏وَشَارِفَاى ‏‏مُنَاخَتَانِ ‏‏إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنْ ‏‏الأنْصَارِ، ‏‏رَجَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ، فَإِذَا ‏‏شَارِفَاى ‏‏قَدْ ‏‏اجْتُبَّ ‏‏أَسْنِمَتُهُمَا، ‏‏وَبُقِرَتْ ‏‏خَوَاصِرُهُمَا، ‏‏وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَى، حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ الْمَنْظَرَ مِنْهُمَا. فَقُلْتُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ فَقَالُوا: فَعَلَ ‏‏حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ‏‏وَهُوَ فِى هَذَا الْبَيْتِ فِى شَرْبٍ مِنْ ‏‏الأنْصَارِ. ‏‏فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِى ‏‏(ص) ‏‏وَعِنْدَهُ ‏‏زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، ‏‏فَعَرَفَ النَّبِى ‏‏(ص) ‏‏فِى وَجْهِى الَّذِى لَقِيتُ. فَقَالَ النَّبِى ‏‏(ص): ‏‏مَا لَكَ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ، عَدَا ‏‏حَمْزَةُ ‏‏عَلَى نَاقَتَى ‏‏فَأَجَبَّ ‏‏أَسْنِمَتَهُمَا، ‏‏وَبَقَرَ ‏‏خَوَاصِرَهُمَا؛ ‏‏وَهَا هُوَ ذَا، فِى بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ. فَدَعَا النَّبِى ‏‏(ص) ‏‏بِرِدَائِهِ فَارْتَدَى، ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِى، وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا ‏‏وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ‏‏حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِى فِيهِ ‏‏حَمْزَةُ، ‏‏فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنُوا لَهُ، فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ. ‏فَطَفِقَ ‏‏رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص) ‏‏يَلُومُ ‏‏حَمْزَةَ ‏‏فِيمَا فَعَلَ. فَإِذَا ‏‏حَمْزَةُ ‏‏قَدْ ‏‏ثَمِلَ ‏‏مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ. فَنَظَرَ ‏‏حَمْزَةُ ‏‏إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏‏(ص)، ‏‏ثُمَّ ‏‏صَعَّدَ ‏‏النَّظَرَ، فَنَظَرَ إلى رُكْبَتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إلى سُرَّتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إلى وَجْهِهِ؛ ثُمَّ قَالَ ‏‏حَمْزَةُ: ‏‏هَلْ أَنْتُمْ إِلا عَبِيدٌ لأبِى! فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص) ‏‏أَنَّهُ قَدْ ‏‏ثَمِلَ، ‏‏فَنَكَصَ ‏‏رَسُولُ اللَّهِ ‏‏(ص) ‏‏عَلَى عَقِبَيْهِ ‏‏الْقَهْقَرَى. ‏‏وَخَرَجْنَا مَعَهُ.
(أخرجه البخارى فى: 57-كتاب فرض الخمس: 1-باب فرض الخمس).
وبما أنى سأتبع أسلوب الاستنباط القديم فإنى سأورد شرح ذلك الحديث حسب ما جاء فى الأثر حيث نجد أن معنى:
شارف: أى مسنة من النوق. من الخمس: أى الذى حصل من سرية عبد الله بن جحش، وكانت فى رجب من السنة الثانية قبل بدر بشهرين. أبنى بفاطمة: أى أدخل بها. صواغا: الصواغ صائغ الحلى. من بنى قينقاع: قبيلة من اليهود. بإذخر: الإذخر حشيشة طيبة الرائحة تسقف بها البيوت فوق الخشب، وهمزتها زائدة.
عرسى: قال الجوهرى: العرس طعام الوليمة. من الأقتاب: قتب البعير رحله. الغرائر: جمع غرارة، ما يوضع فيها الشئ، من التبن وغيره. مناخان: مبركان. اجتبت: أى قطعت. أسنمتهما: السنام حدبة فى ظهر البعير، وسنام كل شئ أعلاه والجمع أسنمة. وبقرت أى شقت فلم أملك عينى: من البكاء. من فعل هذا: أى الجب والبقر والأخذ. شرب: جماعة يجتمعون على شرب الخمر،اسم جمع عند سيبويه، وجمع شارب عند الأخفش. عدا: عدا عليه يعدو عدوًا وعدوانًا وعداء، ظلم وتجاوز الحد. فطفق: فجعل. ثمل: أى سكر. صعد النظر: أى رفعه. هل أنتم إلا عبيد لأبى: أى كعبيد له، يريد، والله أعلم،أن عبد الله وأبا طالب كانا كأنهما عبدان لعبد المطلب فى الخضوع لحرمته. والجد يدعى سيدا؛ وأنه أقرب إليه منهما. فأراد الافتخار عليهم بذلك. فنكص: أى رجع. على عقبيه القهقرى: بأن مشى إلى خلف ووجهه لحمزة خشية أن يزداد عبثه فى حال سكره فينتقل من القول إلى الفعل، فأراد أن يكون ما يقع منه (أى حمزة).
أما الأحكام المستنبطة منه فهى:
1-جواز ضم النصيب من مغنم الحرب إلى الخمس المعطى من الحاكم.
2-جواز أن يكون المعطى من الخمس شارفًا (مئة من النوق).
3-جواز الاستعانة بصواغ (صائغ) يهودى.
4-جواز الارتحال مع يهودى والاتجار معه-إن كان صائغا.
5-جواز بيع الإذخر (العطر) للصواغين مقابل الذهب والاتجار به.
6-جواز إناخة النوق جانب حجر البيوت.
7-جواز البكاء على النوق المذبوحة (إذا كان عددها اثنين أو أكثر). وكراهيته للموتى من الاقارب.
8-جواز شرب الخمر فى بيوت الأنصار فى المدينة.
9-جواز قطع سنام حدبة ظهر البعير من قبل السكران.
10-وجوب إعطاء المعلومات حول مرتكبى الأخطاء والجرائم وعدم كتمانها.
11-جواز سماع جليس الإمام أو الحاكم لشكاوى الرعية.
12-معرفة النبى للأمور من وجوه أصحابها.
13-وجوب ارتداء الإمام أو الحاكم رداءه قبل خروجه لأمر الرعية.
14-جواز مرافقة جليس الإمام أو الحاكم له فى عمله ومهمته فى حل مشاكل الرعية (حالتنا: زيد بن حارثة).
15-وجوب السير خلف الحاكم أو الإمام وأتباعه.
16-جواز استخدام البيوت كمشارب للخمر دون إذن مسبق من الحاكم أو الإمام
17-وجوب استئذان الحاكم أو الإمام قبل دخوله البيوت-وان كانت مشبوهة.
18-وجوب لوم الإمام للسكير بالقول.
19-علائم السكر: احمرار العينين وتصعيد النظر من الركبة إلى الوجه.
20-جواز استعلاء السكران وتفاخره على الحاكم أو الإمام.
21-وجوب الرجوع القهقرى (المشى للخلف والوجه للأمام) خشية من السكران.
22-عدم تطبيق حد الخمر على عم الحاكم أو الإمام.
23-عدم تغريم عم الحاكم أو الإمام بما يقتله من الإبل وغيرها.
24-جواز استثناء عم الحاكم أو الإمام من العقوبات وتطبيق ذلك على من هو فى مقامه كالخال أو الجد..
25-الانسحاب مع الإمام أو الحاكم دون إظهارالأسباب وبصمت.
وبما أنى لم أصل إلى مرتبة الإمام الشافعى فى الفهم والاستنباط للاحكام فإننى سأكتفى بما أوردته من أحكام فى ذلك الحديث!!
وسأطرح تساؤلا مشروعًا: أين تطبيق حدود الله على حمزة؟! وأين قول النبى لفاطمة الزهراء: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها؟!
وإذا كان حد الخمر مختلفًا فيه (هذا أن وجد له حد) فما هى غرامة ذبح النوق وقتلها (دية الابل)؟ (1). كما أن الإمام البخارى لم ير فى ذلك الحديث الا أن يضعه فى كتاب فرض الخمس!! ولم لا فالخمس وفرضه من الغنائم هو اهم ما يغنمه الحاكم؛ ألم يخصص الخليفة الراشدى عثمان بن عفان غنائم افريقيا لزوج ابنته مروان بن الحكم؟!!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تسمى اسنان الابل، راجع البخارى، كتاب الاعتصام.


الخاتمة
بعد ذلك العرض والجهد قد تختلف ردود الأفعال بين التأييد والرفض أو الحياد؛ ومهـما تكن النتيــجة فإنـها تــنزع مـنى صـفة الصـدق مــع الله والذات والأمة التى لازمتنى فى إنجاز هذا الكتاب. وإذا كان الإمام البخارى لن يحرم من أجره عند الله-عز وجل-لأنه عمل واجتهد وسعه، فإن الإنسان يحق له أن يقبل أو يرفض عمله إذا لم ير فيه ما يحقق طموح ورغبات الأمة المشروعة فى التطور والتقدم.
وقبل أن أنهى كتابى هذا أورد حديثًا جاء فى صحيح البخارى؛ لأطرح سؤالا مشروعًا: إذا كان الصحابى الإمام على قد أكد أن ما يلزمنا هو كتاب الله وما فى الصحيفة التى قرأها وأثبت ذلك الإمام البخارى فى صحيحه، فلماذا جمع كل تلك الأحاديث فى صحيحه؟!
-حديث علِىٍّ (رض). خَطَبَ ‏‏عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ آجُرٍّ وَعَلَيْهِ سَيْفٌ فِيهِ صَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ، فَقَالَ: ‏‏وَاللَّهِ! مَا عِنْدَنَا مِنْ كِتَابٍ يُقْرَأُ إِلا كِتَابُ اللَّهِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. فَنَشَرَهَا فَإِذَا فِيهَا: أَسْنَانُ الإِبِلِ؛ وَإِذَا فِيهَا: ‏‏"الْمَدِينَةُ ‏‏حَرَمٌ مِنْ ‏‏عَيْرٍ ‏‏إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلا عَدْلا" وَإِذَا فِيهِ "ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلا عَدْلا" وَإِذَا فِيهَا: "مَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلا عَدْلا". (أخرجه البخارى فى: 96-كتاب الاعتصام: 5-باب ما يكره من التعمق والتنازع فى العلم والغلو فى الدين والبدع).
يقصد بأسنان الإبل: إبل الديات واختلافها فى العمد والخطأ وشبه العمد (حسب ما جاء فى الاثر).
أخيرًا أنهى كتابى هذا بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدًا* يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا* إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولا} صدق الله العظيم. (الاحزاب 70-72)


المراجع
نظرًا لشهرة المراجع المستخدمة فإننا لن نذكر عدد مجلداتها وأسماء دور نشرها.
القرآن الكريم.
اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان اماما المحدثين
أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بروبه (البخارى). وأبو الحسن مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيرى النيسابورى فى صحيحهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة. (دار الباز للنشر والتوزيع)
صحيح البخارى.
مختصر صحيح البخارى المسمى التجريد الصريح (المشهور) بـ (مختصر الزبيدى).
صحيح مسلم.
الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث/ للحافظ ابن كثير.
فتح البارى لابن حجر العسقلانى.
اسد الغابة فى معرفة الصحابة ابن الأثير.
صفوة الصفوة ابن الجوزى.
الكامل فى التاريخ ابن الأثير.
الطبقات الكبرى ابن سعد.
تاريخ الطبرى الطبرى.
مروج الذهب؛ التنبيه والاشراف المسعودى.
الملل والنحل الشهرستانى.
البداية والنهاية ابن كثير.
تاريخ الخلفاء السيوطى.
العقد الفريد ابن عبد ربه.
الام؛ الرسالة. الشافعى.
ضحى الإسلام احمد امين.
فقه السنه سيد سابق.
الإسلام عقيدة وشريعة محمود شلتوت.
الخلافة الإسلامية سعيد عشماوى.
صور من حياة الصحابة عبد الرحمن رأفت الباشا.



المحتويات

المقدمة
الفصل الأول: زبدة الكتاب فى بدايته
الفصل الثانى: البخارى والقرآن الكريم
الفصل الثالث: البخارى والرسول الكريم
الفصل الرابع: البخارى والديانات الأخرى
الفصل الخامس: البخارى والحكم والصحابة
الفصل السادس: البخارى والمرأة
الفصل السابع: البخارى ومجموعة متناقضات
الفصل الثامن: بين الماضى والحاضر
الخاتمة
المراجع



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن