Coming out .. 8 .. Shattered dreams .. 2 / 2 .. جزء خامس ..

هيام محمود
houyemmahmoud1984@hotmail.com

2018 / 7 / 8

( تامارا ) قويّةُ الشخصية تَعرفُ جيدًا ماذا تُريدُ وكَيفَ , كانَتْ دائمًا كذلك مُنذُ صِغرها الذي حَصَلَتْ فيه تراجيديا لا تَزالُ تُحَاوِلُ التَّعافي مِن بَعْضِ مُخلفاتها إلى اليوم ..

لمْ تكنْ مثلي وحيدةَ أَبويْهَا , كانتْ الثانية بعدَ أخيها التوأم الذي فَقَدَتْه في سِنِّ العاشِرة بَعد حادثٍ أليم حدَثَ خِصّيصًا ليَأخُذَهُ ؛ قالَ ذلك أحدُ أعوان الحِماية الذين اِستعمَلوا منشار المعادن ليَستطيعوا اِخراج الأربعة مِن السيارة .. الأم أُصِيبَتْ ببعض الكُسور التي لم تَكنْ خطيرة , الأب كانَ أحسنَ حالا , أمّا ( تامارا ) فلمْ يَلحقها أيّ أذى ....

كانَتْ في المقعد الخلفي وراء أبيها الذي كان يَقود , الأخُ التوأم كانَ بجانبها وراءَ الأم , بَعدَ أنْ صَدَمَتْهَا شاحنة اِنقلبَتْ السيارة عدة مرات ثمّ اِسْتَقَرَّتْ داخلَ وادٍ صَغيرْ بجانبِ الطريق .... ( تامارا ) كانتْ تَحْتْ وأخوها كان فَوْقْ , لم تَفقدْ الوَعْيْ لم تَشعرْ بأيّ أَلَمْ لكنّها لم تَرَ شيئًا غير الظلام ولَمْ تَستطِعْ الحركة ....

نادَتهم ثلاثتهم فلم يُجِبْهَا أَحد , سمِعَتْ فقط أَنِينَ أمّها الخافِتَ وأَحَسَّتْ بقطرات تَسقطُ مِن فَوْقْ على وجهها .. جبهتها .. عينيها .. أنفها .. فمها , صَرَخَتْ بَكَتْ لكنْ لا مُجيب غير تلك القطرات التي واصَلَتْ تساقطها على وجهها ....

طق ..
...
طق ..
...
طق ..
...
طق ..

ذلك الصوت الذي لا يَعني شيئًا عندَ أَغْلَبِ البَشَرْ , صوتٌ يُشْبِه صَوتَ ساعَةٍ حَائطيَّة أو قد يَصدرُ مِنْ هُنَا مِنَ المطبخ أو مِنْ هُنَاكْ مِنَ الحمام عندما تَعْطَبُ حَنَفِيَّة ؛ الأثرُ التدميري لذلك الصوت عندَ بَشَرٍ آخرين قد يَفُوقُ أَثَرَ قُنبلةٍ نَوَوِيَّة .

الحادثة كانت مُؤلمة جدًّا للجميع , وإلى اليوم لمْ يَنْسَ أحدٌ ( علاء ) .. نَتَجَ عن تلك المأساة أغلبُ أمراض أمّ ( تامارا ) الكثيرة ؛ بدأَتْ بانهيار عصبي حادّ , كآبة , أنوركسيا ثم في فترةٍ لاحِقةٍ , شقيقة ومشاكل في القلب اِنطلَقَتْ بجلطةٍ بعد أشهر قليلة منَ الحادث ثم ضغط دم ثم بَعدَ سنوات سكري .. فشل كلوي .. قرحة معدة ومشاكل في الغدة الدرقية حتّى قَرَّرَ الأطباء اِستئصالها .... عمليات كثيرة أخرى أُجْرِيتْ لها كاستئصال المرارة والزائدة الدودية والمبيضيْن .. المسكينة تقريبًا لا يُوجَدُ عندها جهاز غير مريض ..

ترَبَّتْ ( تامارا ) على أقوال مُدَبِّرات المنزل .. "ماما مريضة لا تُغْضِبيها" "إذا كُنْتِ تُحِبِّينَ ( علاء ) لا تُغْضِبِي ماما" "إذا أغْضبتِ ماما سيغضبُ منك بابا وسيغضبُ ( علاء )" .. أبوها كان يقول أقوالا شبيهةً لكنه كانَ نادرا ما يفعل وليس بالحدة والرعب الذي كنّ يفعلنه المدبرات .. إلى اليوم لا تَستطيعُ ( تامارا ) قَولَ أيّ شيء مع أمها أو ردَّ أيّ طلبٍ لها بِـ اِسْتِثْنَائِـ ــنَا نَحْنْ : أنا و ( علاء ) ... في البدء كنتُ أنا ولم يكنْ ( علاء ) , مرة كنتُ واقِفة في البالكون أنظر لِـ ( تامارا ) مع أبيها في الحديقة , لم أفطن لدخول أمها إلى الغرفة , وقفتْ بجانبي ونظرتْ إليها وقالتْ : "فَقَدْتُ أخاها في مأساةٍ , لا أُريدُ أن أفقدها هي أيضا في مأساةٍ أخرى ولَنْ أَسْمَحَ بذلك" , بِـ "المأساة الأخرى" قَصَدَتْنِي أنَا ... وعندما حَضَرَ ( علاء ) في حياةِ ( تامارا ) فَرحَتْ في بادئ الأمرِ ؛ نَفس عُمُر اِبنها نفس الاسم والأهم أنّ اِبنتها أخيرا "أَعْجَبَهَا أحد" .. لكنّها صُدِمَتْ عندما قالتْ لهَا ( تامارا ) أنه " صديقي ولَنْ "أَتزوّجـ" ـه , سَـ "تتزوّجـ" ـه اِيلان " .. أظنّها كَرهَتْنِي أكثر بسبب ذلك , ولمْ يَرْتَحْ بالُها حتّى بعد أنْ حدَثَ - "الزواج" - فلا شَيءَ تَغَيَّرَ بين ثلاثتنا ..

كثيرًا مَا صَرَخَتْ في وجهِ ( تامارا ) وأبيها قائلةً أنهما يُخفيان عنها شيئا ودائمًا مَا تُهَدِّدُ زوجَها بأنها لن تَغفرَ له إن هو أَخْفَى عنها شيئا .... ( عم كامل ) يَعلمُ كل شيء لكنه لا يستطيع اِعلامَها .... http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=591822 .... لو علمَتْ ستمُوتُ حتمًا لأنها لن تَستطيعَ أن تَفهمَ وأن تَتَقَبَّلَ المسرحية التي شاركَ فيها الجميع .... المسكينة لازَالَتْ تَنتظِرُ أحفادًا ولا تَعلَمُ أن اِبنتها الوحيدة لاجنسية و "مُتزَوِّجَة" مِنْ رَجُلٍ مِثليّ .

لا أُحِبُّ تلك المرأة وأنا أيضًا لا أَقولُ حَرْفًا معها ! كنتُ أعذُرها سابقًا للصدمة التي عاشَتْهَا ولأمراضِها الكثيرة , لكنّي اليوم لمْ أَعُدْ أَجِدُ لَهَا أَيّ عُذرٍ مثلها مثل بابا الذي لمْ يَستطِعْ أن يَفْهَمَ أنّ ماما وخالتي ليستَا مُجرّد أختٍ وأختها بل أكثر من ذلك بكثير . أمّ ( تامارا ) عندما تَتَكلَّمُ عنَّا بسوء أنَا و ( علاء ) - وخصوصا أنا - أمامَ اِبنتها ولا تَرُدُّ عليها لمْ تَفْهَمْ أنها فقط لا تَستطيعُ إجابتها بسببِ حالتها الصحية وإلا فكل كلامها لا قيمةَ له ولَنْ يُغَيِّرَ في الحقيقة ... حقيقتنا ... شيئًا .

( عم كامل ) عكسها تمامًا بالرّغم مِن "رُعبه" هو أيضًا مِن أمراضها , قال لنا مرّةً أنه لا يَفْهَم بالضبط ما الذي يَحدثُ بيننا لكن ما يَهُمّه هو أنّ اِبنته سعيدة وأنه رَبحَ اِبنةً ثانيةً واِبنًا , قال أنه رجل أعمال ناجحٍ يَحسبُ جيدًا عواقِبَ قراراته وليسَ مِن الذكاء في شيء أن يَرْفضَ الذي بيننا لأنَّ نَتيجَتَهُ ستكون خسارةَ كل شيء .. هوَ يَعلَمُ جيدًا أني لا أُحِبُّ زَوجته , لكنّه وَعَدَنِي أن يَحْمِيَ ( تامارا ) منها مُقابل أنْ أسكُتَ معها وأنْ لا أقولَ شيئًا .. كَرهَتْنِي أكثر زوجته لأنّنا مع مُرور الوقت صِرْنَا مُقرَّبَيْنِ مِنْهُ , حتّى أَصبحَ دائما مَا يَطلُبُ حُضورَنا في منزله لوُجودِ مناسبةٍ أو لا , حِرْصُهُ على حُضورنا في المناسبات التي يَحْضُرُ فيها أصدقاؤه وشُركاؤه والتي عادةً لا يَحضرها أحد غيره واِبنته وزوجته جَعَلَهَا تَرَى الحقيقةَ التي طالما رَفَضَتْهَا واقعًا لا يُمكنُ اِنكاره أو تجاوزه فنحنُ - أنا و ( علاء ) – غصبًا عنها أصبحنا جزء مِن عائلتها وليس ذلك مِن جهة ( تامارا ) فحسب بل مِن جِهة زَوجِها أيضًا .

لا تَغضبُ ( تامارا ) مِن موقفي مِن أمّها ولا تَقولُ أنّي "لا أُحبّها" كما أقول أنا , تَقولُ أنّه مُجرَّدُ موقفٍ لا غير أمّا أن يَصِلَ الأمر إلى "كُرْهِهَا" فلا , وتُذكِّرني دائمًا بمواقفَ كثيرةٍ صَدَرَتْ منّي معها عَكَسَتْ بالعكس "محبّتي" لها وليس "كُرْهها" وتلك المواقف كنتُ أَستطيعُ تَجنُّبَها دون أن يَلومني أحد لكنّي لمْ أَفْعَلْ كوُجودي معها في أغلبِ وعكاتها الصحية بالرغم مِن عدم خُطورتها .. أَذكرُ مرّةً أَمضَيْتُ الليلةَ معهَا , ( عم كامل ) كان خارج البلد و ( تامارا ) كانَتْ بعيدة ولمْ تُعْلِمها أُمُّهَا ؛ كانتْ نزلةَ بردٍ بسيطة . اِتَّصَلْتُ بها لعِلمي أنها كانتْ وَحْدَهَا , سألتُها عن صوتها المُتَغيِّر فقالتْ لي .. لا أعلم لِمَ قَرَّرْتُ زِيارَتَهَا , ( علاء ) لمْ يَرْفُضْ بالطبع رغم بُعْدِ المسافة , بَقينَا بعض الوقت ثم اِستأذنَ منها لنُغَادِرَ لكنّي بَقِيتُ معها رغم أنها اِسْتَفَزَّتْنِي عندما لَامَتْ ( تامارا ) بطريقةٍ غَيرِ مُباشرة والسَّبَبُ أنّها لمْ تُلاحِظْ أنّها مريضة فأجبتُها أنها أكيد عندما اِتَّصَلَتْ بِهَا في النهار كانَ حولها ضجيج مَنَعَهَا مِن أنْ تَسْمَعَهَا جيدًا .. أَتَذَكَّرُ جيدًا اِبتسامَتَها الشريرة عند ردّها : " أَعرفُ أنكِ لا تَقبلينَ أيّ كلمةٍ في "صديقتكِ" " . ليلتها بَقيتُ بجانبها أُكَلِّمُها حَتَّى نَامَتْ , وفي الغد قبل أن أُغادِر نَادَتْنِي لأول مرّةٍ بِـ "اِبنتي" , عادَتُهَا كانتْ أن لا تُناديني بأي شيء حتى اِسمي لا تَذْكُره , ذلك الصباح قالتْ لي : "شكرًا يا اِبْنَتِي" وأَصَرَّتْ على أنْ أَستعملَ سيارتها رغم عِلمها أنّي كنتُ سَأَسْتَقِلّ القطار .. وعندما رَفَضْتُ أَصَرَّتْ فقَبِلْتُ لكنّ ( علاء ) عَاوَدَ المجيء ليَأخُذَنِي بالرّغم مِن اِصراري عليهِ أن لا يَعودَ في الصباح , لكنَّهُ .. عَادَ .. ولَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ كلّ ذلكَ التّعب الذي تَكَبَّدهُ مَا كُنتُ زُرْتُهَا وأَمْضَيْتُ الليلةَ عندها !

اليوم .. أَرَى أُمَّ ( تامارا ) كذلك الواقع المرير الذي يُكَبِّلُ ويَجَبُ التَّعامل معه , كذلك الماضي الذي لمْ نَخْتَرْهُ ولمْ نَحْضُرْهُ , لكننا ظُلْمًا نَتَحَمَّلُ نتائِجَهُ وغَصْبًا عنَّا هو جزء منَّا , لكنْ ... أبدًا لنْ يَستطيعَ شَلَّ حَرَكَتِنَا وأَسْرَنَا بمَا أنَّنَا عَرفْنَا حَقيقَتَهُ وحَقيقَتَنَا ! لكنْ يَحزُّ في نفسي كثيرًا أننا "نَكْذبُ" و "نُنَافِقُ" مع مَنْ لا يَسْتَحِقُّ إلا التَّفَّ والصَّفْعَ بَلْ واللامبالاة وإن اِفْتَرَسَتْهُ أمامَ أَعْيُننَا الكِلابُ المَسْعُورة !



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن