المكان والزمان والسرعة والعُلُوّ فى هذه الدنيا

أحمد صبحى منصور

2018 / 6 / 22

مقدمة : فى محاولة لتصور مكان النعيم والعذاب فى اليوم الآخر نعطى لمحة عن المكان والزمان والسرعة والعلو فى هذه الدنيا ، وهى ( اليوم الأول ) الذى ينتهى بقيام الساعة ومجىء ( اليوم الآخر ). وقد تعرضنا فى مقالات سابقة لموضوع السماوات والأرض والاعجاز العلمى فى القرآنى والذى لم يتعرض له الغرب فى مكتشفاته العلمية ، ونتمنى أن يعيد كتابة هذه الموضوعات عالم متخصص يكون أقدر منا على إستخلاص الحقائق العلمية من الإشارات القرآنية . ونعطى بعض التفصيلات
أولا : سبع سماوات تتخلل سبع أرضين
يقول جل وعلا : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ) 12 ) الطلاق ). سبع سماوات الأعلى منها يتخلل الأدنى ثم السماء الدنيا تتخلل الأرض السابعة والأرض السابعة تتخلل السادسة وهكذا الى ارضنا المادية الأثقل والأبطأ فى سرعة إهتزازات ذراتها ، والتى تتخللها وتتخللنا الأرضين الست والسموات السبع . ويمكن أن نطلق على ما دون أرضنا ( البرازخ ) . وفيها تعيش مخلوقات الجن والشياطين ـ وهى ممنوعة من ولوج السماء الدنيا ، وتعيش الملائكة فى برازخ السماوات والأرض ، وأعلاها قدرا وهم ( الملأ الأعلى ) يعيشون فى السماء السابعة .
ثانيا : الزمن يتخلل الجميع
1 ـ مادة السماوات والأرض يتخللها الزمن . لا نعرف شيئا عن مادة السماوات السبع والأرضين السّت ، لأنها برازخ تتخللنا ولا نراها . نعرف أن المادة فى ارضنا وما حولها من كواكب ونجوم ومجرات تتكون من ثلاثة أضلاع يتخللها الزمن. ونعرف أن مادة السماوات السبع والأرضين السبع تنطلقان عبر زمن متحرك بسرعات مختلفة الى نقطة التلاشى .
2 ـ ونلاحظ أن رب العزة يعبر عن ( مواد ) الخلق فى السماوات والأرض بتعبيرات زمنية مثل ( اليوم ) و (الساعة ) و (الأجل ) أى الوقت المحدد سلفا. بل إن التعبير عن قيام الساعة وتفجير وتدمير السماوات والأرض يأتى بالسرعة التى تفوق سرعة الضوء ، أو سرعة لمحة بصرنا ، لم يقل جل وعلا ( لمح البصر ) أى سرعة الضوء ، بل إستعمل ( كاف التشبيه ) قال جل وعلا : (وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ(50) القمر). بل هو أقرب أى أسرع ، قال جل وعلا : (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ )(77) النحل ).
ثالثا : السرعة فى الاهتزازات
1 ـ الثابت علمياً أن ذرات المادة الأرضية تدور بسرعةتتراوح بين 400 ألف مليون دورة إلى 750 ألف مليون دورة في الثانية الواحدة ، أماذرات العالم البرزخى فإنها أسرع دوراناً وبهذا تخرج عن المستوى الاهتزازي لعالمنا المادي ولا نستطيع أن نراها ، ومن العالم غير المرئي لنا الجن والشياطين والملائكة والنفس البشرية بعد الموت وفى حالة النوم . وقد دل علم الميكانيكية الموجية على أن الأساس في تداخل الأجساد أو عدم تداخلها يرجع إلى اختلاف المستوى الاهتزازي لهذه الأجساد أو تطابقه . فإذا كان المستوى الاهتزازي واحداً لإنتمائهما إلى نفس العالم فإن تداخلها يكون مستحيلاً ، فالإنسان بجسده الأرضي لا يستطيع أن يخترق الجدران لأن مجال المستوى الاهتزازي بينها واحد . أما إذا أختلف المجالان فإن التداخل يكون طبيعياً .
2 ـ فالأبطأ هو سرعتنا نحن فى الأرض الأولى ، وكلما تداخلنا فى البرازخ زادت السرعة ، حتى نصل الى الملائكة فى برازخ السماوات ، وسرعاتهم فوق التصور ، قال جل وعلا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) فاطر ) . ( الجناح ) هنا كناية عن سرعة الطيران . والمفهوم أن سرعات طيران الملائكة تتفاوت حسب البرزخ الذى تعيش وتسبح وتطير فيه ومن دونه من البرازخ، الى أن نصل الى أعلى الملائكة قدرا، وهم (الملأ الأعلى).
3 ـ و( الروح ) جبريل والملائكة معه ينزلون بالأقدار المحتمة ليلة القدر فى رمضان ، وتحدث هذه الأقدار الحتمية فى موعدها من موت وولادة ورزق ومصائب للبشر فى العام التالى .
4 ـ الكائنات التى تعيش فى المجال: (Dimension ) الخاص بها تكون لها السرعة المتاحة فى هذا المجال . نحن سرعتنا فى التحرك دون سرعة الضوء ، من هو أعلى منا سرعتها أكبر، وما هو أعلى هو الأعلى فى السرعة واقل ممن هم فوقه . وهكذا.
رابعا : العلو يعنى سرعة إهتزازات الذرات
هنا يكون ( العلو ) فى العالم الدنيوى ليس بمفهومنا أى ما فوقك هو الذى يعلوك مكانا، هذا خطأ . فالذى يعيش فى فى المحيط المتجمد الجنوبى ليس أسفل الذى يعيش أسفل من رفيقه فى المحيط المتجمد الشمالى . كلاهما يرى السماء فوقه ، فالأمر نسبى هنا ، ولكن العلو هو حسب سرعة المخلوقات . سرعتنا محصورة فيما هو دون سرعة الضوء لذا فنحن أثقل ونحن أسفل ،وهناك سرعات الأوتار الفائقة التى تتجاوز سرعة الضوء ويقترب الانسان حاليا من التعامل معها ، وهى فى برزخ الأرض الثانية التى تتخلل أرضنا ، وبالتالى فهناك الأعلى منها فى برزخ الأرض الثالثة التى تتخلل الأرض الثانية وأرضنا المادية الأولى ، وهكذا حتى السماء الأولى الى السماء السابعة وملائكة الملأ الأعلى ( الأعلى سرعة ) والذين ينتقلون بسرعات لا يمكننا تصورها من مكانهم الأعلى الى أرضنا المادية( السفلى ) .
خامسا : الكون يجرى نحو النهاية ( قيام الساعة )
ويسير هذا الكون بأراضيه وسماواته الى الأجل المسمى مسبقا ، وهو المحدد لتدميرة بقيام الساعة . قال جل وعلا : ( مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ(3)الاحقاف) ولأن الكافرين مُعرضون فهم لم يتفكروا بأنفسهم أن الله جل وعلا ما خلق السماوات والأرض وما بينهما من نجوم ومجرات إلا بالحق والى أجل مسمى ، وهى الساعة نهاية هذا اليوم وبداية ( اليوم الآخر) ، قال جل وعلا : ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ(8)الروم ).
سادسا : تغير المكان الى الأمام فى الانطلاق نحو الأجل المسمى
1 ـ بإنطلاق هذا الكون بأراضيه وسماواته الى الأمام دائما حتى نقطة النهاية فإنك أيها الانسان يتغير مكانك نحو الأمام مع كل ثانية أو ( فمتو ثانية ) تمر . تخيل أنك تركب قطارا ينطلق بك الى الأمام ، ويتغير مكانك مع كل ثانية تمر ، كل هذا وأنت فى داخل هذا الكوكب الأرضى ، ولكن هذا الكوكب الأرضى نفسه ينطلق بك يدور حول الشمس ، أى أن مكانك يتغير فى نفس الوقت حول الشمس ، ثم إن هذه الشمس تدور بما حولها من كواكب واقمار حول مركز بمجرة درب التبانة ، أى يتغير مكانك أيضا فى نفس الوقت فى داخل درب التبانة الى الأمام ، ثم إن هذه المجرة نفسها تنطلق فى مدار لها وبالتالى يتغير مكانك الى الأمام فى نفس الوقت فى مجال مجهول يشمل مركز المجرات . هذا والجميع ينطلقون أيضا فى هذا العالم المادى الذى يشمل هذه الأرض وما حولها من نجوم ومدرات ،وفى نفس الوقت تنطلق الى الأمام دائما برازخ الأرضين الست التى تتخلل أرضنا وبرازخ السماوات السبع التى تتخلل برازخ الأرضين السّت . السماوات السبع والأرضين السبع كلها تنطلق الى الأمام الى نقطة التلاشى أو قيام الساعة ، حيث يعود الكون الى الصفر او اللاشىء الذى بدأ منه .
2 ـ لا سبيل لوقف هذا التقدم ، لا سبيل لوقف الزمن لأنه الذى يغلّف المادة سواء كانت مرئية لنا أو لم تكن .
سابعا :( فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لا تُبْصِرُونَ (39) الحاقة )
1 ـ نحن لا نرى عوالم البرزخ . بالسرعة التى تتحرك بها ذراته يستحيل على العين البشرية رؤيته . أنت ترى مروحة الطائرة وهى ساكنة فإذا تحركت بسرعة هائلة لم تعد تراها ، مع أنها تنتمى الى نفس عالمك المادى الثقيل ، فما بالك بمخلوقات برزخية تطير بسرعات خيالية ؟
2 ـ يقول جل وعلا:( فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لا تُبْصِرُونَ (39) الحاقة ). هناك ما يقع فى مجالنا البصرى ولا نراه ، وهناك ما لا يقع فى مجالنا البصرى وهو قريب منا ولا نراه ، مثل ملائكة تسجيل الأعمال التى تنتمى الى عالم البرزخ ، ومثل القرين الشيطانى الذى يتحكم فى نفس الضّال ولا يراه ، ولن يراه إلا فى اليوم الآخر .
3 ـ ويتحدثون عن ( المادة المظلمة ) غير المرئية ، وهناك سقف الأوزون الذى يحفظ غلاف الأرض الجوى ، والمشار اليه فى قوله جل وعلا : (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) الأنبياء ).
ثامنا : لا نرى بناء السماء :
الله جل وعلا يصف السماء ( وهى كل ما يعلو ) بأنها مبنية أو أنها ( بناء )
1 ـ يقول جل وعلا : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) البقرة 22 )( اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً)غافر 64 ). ( وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ) الشمس 5)
2 ـ وتأتى تفصيلات أخرى بالإضافة الى هذا البناء للسماء والسماوات:
2 / 1 : فهى مزينة وما لها من فروج أو ثقوب أى محكمة البناء ، قال جل وعلا : (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ ) ق 6 ).
2 / 2 : وهى مبنية بقوة ، قال جل وعلا عن السماوات السبع : (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا) النبأ 12 )،
2 / 3 : وهى بقوتها تتمدد وتتوسع ( توسع المجرات ) وتوسع السماوات ، قال جل وعلا : ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) الذاريات 47 ).
2 / 4 : وهى محكومة بتوازن دقيق ، قال جل وعلا : ( وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ) الرحمن 7 ). وهى قوانين للجاذبية لا نراها، قال جل وعلا : (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ ) الرعد 2 ).
أخيرا : ما هى مدة هذه الدنيا ومتى تنتهى وتقوم الساعة ؟
ويأتى السؤال الهام . نحن فى هذا (اليوم الدنيوى ) نجرى مع السماوات والأرض الى الأجل المسمى وهو تدمير كل هذا الكون . فما هو طول هذا اليوم ؟
1 ـ كانوا يستعجلون العذاب ، وهو مؤجل الى يوم القيامة . وجاء أن الأمر بقيام الساعة قد صدر، ولكن تنفيذه سيأتى طبقا للموعد المحدد له بزمننا . قال جل وعلا : (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل ). هنا إشارة الى إختلاف الزمن الالهى عن الزمن الأرضى . ولهذا يقول جل وعلا فى نفس الموضوع :( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)الحج ) . فاليوم الالهى يساوى ألف عام بحسابنا .
2 ـ وهو نفس التقدير فى تدبير الأمر الالهى فى صدوره وعروجه بين السماء والأرض ، قال جل وعلا :( يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) السجدة )
3 ـ أما عن مدة هذه الدنيا فهى خمسون ألف عام ، بتقدير الرحمن وليس بتقدير زمننا . قال جل وعلا : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)المعارج ) . لا نعرف متى بدأت ِ ولا نعرف متى ستنتهى وتقوم الساعة . كل ما نعرفه أنها إقتربت ، وأول علامة لاقتراب الساعة هو نزول القرآن الكريم الرسالة الالهية الخاتمة للعالم والباقية الى آخر الزمان .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن