إنَّها جاهِليّةٌ مُقنّنَةٌ مُشَرْعَنَةٌ بفتوى أئِمَّةِ التكفيرِ والسَّبي وَسَفْكِ الدِّماء!!!

محمد جابر الجنابي
mj8490928@gmail.com

2018 / 6 / 14

الجاهليَّةُ مُصْطَلَحٌ قُرآنيٌّ وَحَديثيٌّ، يُطْلَقُ عَلى الصِّفاتِ السلوكيَّةِ والأخْلاقيَّةِ والعَقائديَّةِ لِفَتْرَةِ ما قَبْلَ الإسلامِ، ويَرْجِعُ مَعْناها إلى الأصلِ الُّلغَويِّ (جهل)، الذي يَعْني الخِفَّةَ وخِلافَ الطَمأنينةِ مِن جِهَةٍ، وما هُوَ نَقيضُ العِلْمِ مِنْ جِهَةٍ أخْرى، وَقَدْ اسْتَنْكَرَ وحَرَّمَ الإسلامُ ما كانَ عَلَيْهِ مُجْتَمعُ الجاهليَّةِ مِنْ العُنجهيّةِ والغَطْرَسَةِ والعَصَبِيَّةِ القَبَليَّةِ، وما كانَ عليهِ مِنَ العباداتِ والعاداتِ كالوَثَنيَّةِ والشِّرْكِ والثّأرِ والسَّفهِ وانتشارِ العداواتِ وَسَفْكِ الدِّماءِ، وَقَتْلِ الأولادِ خَشْيةِ الفَقْرِ، والزِّنا وإرْغامِ الإماءِ عَلى إرْتكابِ الزِّنا، وَوَأدِ البَناتِ، واحتقارِ النساءِ وسَبْيِهُنَّ، وتَقْديسِ بَعْضِ الحيواناتِ، وَغَيْرُها مِنَ العاداتِ والسلوكيَاتِ...
بالرَّغْمِ مِنْ أنَّ الإسلامَ استطاعَ أنْ يَقْضيَ عَلى الجاهِليَّةِ، لكِنَّها عادَتْ مِنْ جَديدٍ، بَعْدَ أنْ إبْتَعَدَتْ الأمَّةُ عَنْ المَسارِ الإلهيِّ الأخْلاقيِّ الإنسانيِّ، عادَتْ وَبلِباسٍ جَديدٍ، وأخْطَرُ مِنْ جاهِليَّةِ ما قَبْلَ الإسلامِ، أنَّها جاهِليَّةٌ صَمّاءٌ عَمْياءٌ مَهولَةٌ، تَلَبَّسَتْ بِلِباسِ الدِّينِ، وَهُنا تَتَفاقَمُ خُطورَتُها أكْثَرُ؛ لأنَّها سَتَكونُ مُشَرْعَنَةٌ، فسَتَنْقادُ إليّها الناسُ-المُغَيَّبَةُ عُقولُها- بِلا وَعْيٍ وَلا تَفَكُرٍ وَلا نَظَرٍ، وَمِنْ مَظاهِرِها، ما كَشَفَ عَنْهُ الأستاذُ المُعَلِّمُ الصَرْخِيُّ تَحْتَ عُنوان: (فتوى أئِمَّةِ التكفيرِ التَيْميَّةِ تُشَرْعِنُ للجاهليّةِ المُقَنَّنةِ!!!)، وَذلكَ في سياقِ تَعْليقٍ لَهُ عَلى ما يَنْقُلُهَ، ابْنُ كَثير، قالَ المُحَقِّقُ الصَرْخِيُّ:
المَوْرِدُ16: البداية والنهاية13: ابن كثير: ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وستَّمائة (656هـ): يُكملُ ابنُ كثير كلامه:
1ـ وَكَانَ دُخُولُهُمْ إِلَى بَغْدَادَ فِي أَوَاخِرِ الْمُحَرَّمِ، وَمَا زَالَ السَّيْفُ يَقْتُلُ أَهْلَهَا أربعين يومًا.
2ـ وَكَانَ قَتْلُ الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَعْصِمِ بِاللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يوم الأربعاء رابع عشر صفر وعُفيَ قَبْرُهُ، وَقُتِلَ مَعَهُ وَلَدُهُ الْأَكْبَرُ أَحْمَدُ، ثُمَّ قُتِلَ وَلَدُهُ الْأَوْسَطُ عَبْدُ الرَّحْمَن، وَأُسِرَ وَلَدُهُ الْأَصْغَرُ مُبَارَكٌ وَأَسِرَتْ أَخَوَاتُهُ الثَّلَاثُ فَاطِمَةُ وَخَدِيجَةُ وَمَرْيَمُ.
3ـ وَأُسِرَ مِنْ دَارِ الْخِلَافَةِ مِنَ الْأَبْكَارِ مَا يُقَارِبُ أَلْفَ بِكْرٍ فِيمَا قِيلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وهُنا يُعَلِّقُ المُحَقِّقُ الصَرْخِيُّ:
أـ سُلْطَةٌ وَمالٌ ونِساءٌ وَغِلمانٌ!!! وَفَوْقَها أميرُ مؤمنينَ وَوَليُّ أمْر، وحَسناتُهُ أكْثَرُ مِنْ سيِّئاتِهِ، وحَسناتُهُ تَمْحو سَيِّئاتِه، ثُمَّ الجَنَّةُ ورِضا الله، دُنيا وآخرة!!! فَلِماذا لا يَتصارعُ مِنْ أجْلِها الطُغاةُ، فَتُقْطَعُ الرِّقابُ، وَتُسْفَكُ الدِّماءُ، وتُسْبى العِبادُ، وتَسودُ شَريعَةُ الغابِ عَلى نَهْجِ عَبَدَةِ الشابِّ الأمْرَدِ؟!!.
ب- مِنْ دونِ خَجَلٍ وَمِنْ دونِ حياءٍ يَقولُ: {ألفُ بِكرٍ}!!! هذه فَقَطْ مِنَ الأبْكارِ، وَفَقَطْ مِمّنْ أُسِرَ مِنْهُنَّ!!! فماذا عَنْ عَدَدِ الأبكارِ اللاتي لَمْ يَقَعْنَ في الأسْرِ فَقُتِلْنَ أوْ هَرَبْنَ؟!! وَماذا عَنْ عَدَدِ النْساءِ غَيْرِ الأبْكارِ مِمّنْ أُسِرْنَ أوْ قُتِلْنَ أو هَرَبْنَ؟!! وماذا عَنْ أعدادِ الصِبيانِ والغِلمانِ؟!!.
جـ- إنّها جاهليّةٌ مُقنّنَةٌ مُشَرْعَنَةٌ بفتوى أئِمَّةِ التكفيرِ والسَّبي وَسَفْكِ الدِّماء!!!.)).
إنْتَهى المُقْتَبَسُ.
وأمّا فِي عَصْرِنا الحاضِرِ فَحَدِّثُ وَلا حَرَجٌ، حَيْثُ تَسَيَّدَتْ وتأمَّرَتْ وتَزَعَّمَتْ فيهِ جاهليَّةٌ فَتّاكَةٌ مُهْلِكَةٌ، يُسْتَخْدَمُ فيها الدِّينُ( اللادينُ) لِشَرْعَنَةِ وَتَسويقِ الجَريمَةِ والإرهابِ والشهواتِ الحقيرةِ، وانْتهاكِ الأعراضِ، وسَبْيِّ النْساءِ، وَقَتْلِ الشيوخِ والأطْفالِ، وتَفْجيرِ المَنازِلِ والجوامِعِ والكنائسِ والآثارِ، ونَهْبِ الأموالِ، وَقَمْعِ الحُرياتِ، وتَغْييبِ العَلْمِ والعُلماءِ، وَتَجهيلِ الشُعوبِ وتَخْديرِها، وجَعْلِها وَقودًا، لِتسييرِ قافلةِ أئمَّةِ وأمَراءِ وقادَةَ وَحُكّامِ الجاهِليَّةِ المُعاصِرَةِ، وغيْرُها مِنَ الموبِقاتِ، إنَّها جاهِليةٌ تَهبُ العِصْمَةَ لِمَنْ تَشاءُ، وَتُخَطِّيءُ وتُجَرِّمُ مَنْ تَشاءُ، وَتُكَفِّرُ كُلَّ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَتَسْتَبيحُ دَمَهُ وَمالَهُ وَعِرْضَهُ!!!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن