الموضوعية في كتاب -تطور مفهوم الجهاد في الفكر الإسلامي- ماهر الشريف

رائد الحواري
read_111@hotmail.com

2018 / 6 / 13

الموضوعية في كتاب
"تطور مفهوم الجهاد في الفكر الإسلامي"
ماهر الشريف

عندما يحمل الكتب فكرا معينا ثم يكتب في تجاه آخر، لا بد له أن ينحاز لاتجاهه، لكن "ماهر الشريف" في هذا الكاتب يتجاوز هذه المقولة ويقدم لنا كتابا بموضوعية عالية، فنجده كاتبا متخصصا في الكتابات الإسلامية وليس الماركسية، واعتقد أن هذا الكتاب بصرف النظر عن المادية التي يقدمها، يعتبر نموذجا للكتابة المحايدة والموضوعية، حيث أن الكاتب يقدم أفكار العديد ممن تناولوا موضوع الجهاد في الإسلام، وبحيادة مطلقة، بحيث يعزل نفسه عما يقدمه من أفكار، وهذا بحد ذاته يحسب للكاتب,
كما أن موضوع الجهاد طويل وشائك، لكن "ماهر الشريف" المتمرس يستطيع أن يقدم مادته بشكل سلس ومختزل وواضح، وهذا أيضا مما يحسب للكاتب وللكتاب، يبدأ الكاتب في توضيح التباينات في مفهوم الجهاد منذ الأوزاعي وأبو حنيفة: "رد الأوزاعي بأن فقها العراق لا يحق لهم معالجة مسائل الحرب ضد الكفار بينما سورية هي التي تخوض المواجهة مع بيزنطة وهي أرض الجهاد، معلنا معارضته طروحات الإمام أبي حنيفة التي وجدها متعارضة مع الممارسة المتواصلة للمسلمين" ص28، وكأن الكتاب من خلال هذه الحدث يريد أن يفتح باب الاجتهاد والعقل أمام مسألة حيوية في الفكر الإسلامي، فلا يجوز أن نختزلها بقول أو بموقف لشخص معين، فهي مسألة خلافية وها هو الاوزاعي يعارض أبو حنيفة في الاجتهاد.
بعدها يأخذنا إلى ما قاله "ابن تيمة" والظرف الموضوعي الذي تحدث من خلاله عن الجهاد، فيقول: "أفضت حروب الدفاع التي خاضها المسلمين ضد غزوات الصليبيين ثم مواجهة المغول، إلى إحياء سني، جمع بين الدعوة إلى الجهاد وبين اتخاذ موقف حازم من المنشقين داخل الإسلام" ص34، نلاحظ أن الكاتب يهتم بالظرف التي واكبت أقوال المجتهدين في الجهاد، فكل ما يصدر عنهم يخضع للظرف وللواقع الذي يمرون به، من هنا علينا نحن المتلقين أن نتفهم هذا الأمر، لكي نكون منفتحين ومتفهمين على ما يقدموه لنا من اجتهادات وأفكار، وأن لا نأخذها على أنها كلام مقدس، بل هي تخضع للظرف العام، وللحالة النفسية التي يمر بها المجتهد.
في الفصل الثاني يحدثا عن مفهوم الجهاد عند رواد الإصلاح الديني، من "جمال الديني الأفغاني" الذي يقول عن الحرب: "أن الحرب هي من أقبح أعمال الإنسان على الأرض" ص56، و"محمد عبدو" الذي تقدم أكثر نحو الحرية الفكرية فقال عن الاختلاف في وجهات النظر: "أشار الأمام إلى أن الأصل الثالث للإسلام هو البعد عن التطفير، معتبرا أنه إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مئة وجه ويحتمل الإيمان من وجه واحد حُمل على الإيمان ولا يجوز حمله على الكفر" ص62، وكأن "ماهر الشريف" كان يشعر بأن هناك طوفان التكفيرين قادم علينا وبقوة، فأراد أن يوضح لهؤلاء التفكيرين أنهم على خطأ.
ويحدثنا عم "علي عبد الرازق" الذي قول عن الجهاد: "أن هذا الجهاد لم يكن لمجرد الدعوة إلى الدين، ولا لحمل الناس على الإيمان بالله ورسوله، وإنما كان لتثبيت السلطان وتوسيع الملك" ص73، و"عبد العزيز الثعالبي" الذي قال عن الاختلاف في الدين: "...بان الإسلام قد جاء للبشرية جمعاء من أجل تحقيق التقارب بين الاس وجلب المنفعة إلى الجميع، ولكونه قد اعترف بالديانتين اليهودية والمسيحية، فقد دعا معتنقيه إلى احترام معتقدات أهل هاتين الديانتين السماويتين" ص79.
بعدها يأخذنا إلى "محمد رشيد رضا" وكيف انقلب في تفكيره، وأصبح متشهد في مفهوم الجهاد، وموضحا أن هذا التحول كان نتيجة الظروف الموضوعية التي مرت بها بلاد العرب بعد أن احتلها وتقاسمها كلا من الانجليز والفرنسيين والايطاليين، مما جعله ينظر إلى ما يحدث في الجزيرة العربية من تمدد للحركة الوهابية بعين الرضا والأمل في خلاص العرب والمسلمين مما لحق بهم: " ..معتبرا أن أهل نجد أشد مسلمي هذا العصر اعتصاما بما يعملون من كتاب الله وسنة رسوله (ص) وابعدتهم عن الخلافات والبدع التي أفسدت على أكثر المسلمين دينهم ودنياهم، وأن الدولة التي أقامها الوهابيون قد أدخلت الإسلام في طور جديد وفتحت المجال أمام تجديد هدية وإعادة مجده" ص111، ولا بد لنا أن نتوقف قليلا لمعرفة التغييرات والتحولات الفكرية التي جرت عند "محمد رشيد رضا" فهذا الرجل الذي تتلمذ على أفكار "جمال الدين الافغاني ومحمد عبدو" تدفعه ظروف الاحتلال الغربي إلى حمل أفكار تتماثل وطبيعة الظرف، وكأن الظرف هو الذي يملي على المجتهدين والمفكرين الأفكار، وهذا أهم ما جاء في الكتاب، فلكل مجتهد ومفكر حالته الخاصة التي جعلته يأخذ هذا الاتجاه أو ذاك.
أما "حسن البنا" السياسي المحنك، والذي تنامى بتفكيره كلما حقق مساكب على الأرض ورفع من مطالبه وتصريحاته الفكرية إلى أن وصل في مطالبه: "إلى الشروع في مقاطعة المحاكم الأهلية وكل قضاء غير إسلامي، وكذلك الأندية والصحف والجماعات والمدارس والهيئات التي تناقض الفكر الإسلامي مقاطعة تمامة" ص131، وبعد هذه المقاطعة نجده يتحدث عن الجهاد وضرورته للمسلمين: "أن القتال قد فرض على المسلمين لا أداة للعدوان ولا وسيلة للمطامع الشخصي، إنما لحماية الدعوة وأداء الرسالة الكبرى التي حمل عبئها المسلمين، رسالة هداية الناس إلى الحق والعدل، فالمسلم عندما كان يخرج للقتال لم يكن في نفسه سوى أمر واحد، هو أن يجاهد لتكون كلمة الله هي العليا" ص134.
ويحدثنا عن "أبو علي المودودي" مرورا ب"سيد قطب" الذي تحدث عن المجتمع بهذه الصيغة: "إلى انفصال لجماعة المؤمنة التي تمثل وحدها الإيمان عن المجتمعات باتت تمثل الكفر" ص153، وتتصاعد لغة المواجهة عند "سيد قطب" من خلال نظرته لوجوب المواجهة مع الكفار في المجتمع من خلال: "...معتبرا أن القرآن إذ يدعو المسلم إلى المسامحة مع أهل الكتاب الذين يعيشون في المجتمع المسلم، إلا أنه ينهاه عن الولاء لهم بمعنى التناصر والتحالف معهم، أما الذين يحالون تميع هذه المفاصلة الحاسمة باسم التسامح والتقرب بين أهل الأديان السماوية فهم في رأيه يخطئون في فهم معنى الأديان كما يخطئون في فهم التسامح، حيث أن التسامح يكون في المعاملات الشخصية لا في التصور الاعتقادي ولا في النظام الاجتماعي" ص155و156.
أما "عبد الله عزام" الذي تحدث عن الجهاد ومارسه فعليا في افغانستان يقول عنه: "...بوصفه عبادة جماعية يحتاج إلى أمير واحد يقوده، ويجمع جمهور المؤمنين حوله" ص173، ويبرر لنا جهاده في افغانستان تاركا الجهاد في فلسطين بقوله: "... أن فلسطين تبقى هي القلب النابض وهي مقدمة على افغانستان في أذهاننا وقلوبنا وفي مشاعرنا وعقيدتنا، إلا أن استحالة الجهاد في فلسطين بسبب القيود وحراس الحدود وفرض الحظر على مزاولة عبادة القتال في أرض المسجد الأقصى قد دفعه كما ـ تابع ـ هو واخواته إلى الانتقال المؤقت إلى افغانستان " ص177، لا بد لنا أن نتوقف قليلا عند هذا الرجل وما صدر عنه، لأنه المؤسس الحقيقي لفعل الجهاد، فبعد أن قُتل استلم تلميذاه "الظواهري وبن لادن" زمام المبادرة، واللذان أسسا القاعدة، ثم الدواعش والنصرة لاحقا.
... لم تكن حدود فلسطين مغلقة أمام الجهاد، فحدود لبنان كانت مفتوحة لكل من يريد أن يعمل لفلسطين، وكلنا يعلم أن "عزام" دعا للجهاد في افغانستان وكان لبنان يتعرض لأطول واشرس حرب نظامية خاضتها إسرائيل في تاريخها، حيث استمر حصار بيروت 82 ويوما كاملا، وكان من الممكن لأي جهة أو جماعة أو فرد أن يقدم المساعدة للبنان ولفلسطين، لكن الأجندة الخارجية التي عمل من خلالها عبدالله عزام جعلته يقدم هذه التبريرات والتي تثير العاطفة وليس العقل.
وثم يحدثنا عن "علي بن نفيع العُلياني" المتشدد في مفهومه للجاهد، حتى أنه يرفض أي لقاء مع الآخر لنه يجده بهذه الصورة: "...وساهموا في تشجيع الدعوات الخبيثة التي تهدم الدين وتفرغ الجهاد الإسلامي من محتواه، كالدعوة إلى الإنسانية، كالدعوة إلى القومية، والدعوة إلى الوطنية، والدعوة الإنسانية، والدعوة إل التقريب بين الأديان والدعوة إلى السلام العالمي والتعايش السلمي" 195.
وتحدث عن "محمد سعيد رمضان البوطي" والذي امتاز بالتفكير العقلي والهادئ الذي قال: "أن علاج الكفر لا يمكن أن يتم إلا بالعدوة والتبليغ والحوار" ص199.
ويقول عن "إبراهيم النعمة": "فالقتال إذن بالنسبة إلى الإسلام وسيلة لا غاية" ص207.
ويقول عن "وهبي الزحيلي" الذي قال: "...ذلك أن الدعوة إلى الإسلام عن طريق الإكراه ممنوع بنص القرآن الكريم "لا اكراه في الدين"" ص212.
ويحدثنا عن "يوسف القرضاوي"، وعن مفكري الشيعية من خلال "آية ألله محمد المؤمن" و"محمد فضل الله"، وينقنا إلى المصلحين الجدد من أمثال "محمد مهدي شمس الدين، وجودت سعيد، وخليل عبد الكريم، ومحمد شحرور" وهذا الأخير يمثل ظاهرة تجديد في الفكر الإسلامي، حيث يتحرر كليا مما وصلنا من السلف، معتبرا أننا نعيش في عصر يختلف كليا عن العصور التي سبقتنا، من هنا علينا أن نأخذ هذا المهم في نظرتنا لكافة القضايا المطروحة: ...وجود مشكلة في الثقافة الدينية، نابعة من كون المسلمين "عبيد للسلف" يجلسون عند أقادم ابن عباس أو أقدام الشافعي، ويتبنون النظام المعرفي الفقهي الذي تبلور في القرن الثاني الهجري، حيث تحول الفقه منذ محمد بن إدريس الشافعي إلى دين وإلى شرع يحكم الحياة اليومية للإنسان بكل تفاصيلها، معتبرا أن هذا الإمام قد اختزل الإسلام إلى:
أولا: اختزال التاريخ بالسنوات العشر للرسول في المدينة
ثانيا: اختزال الجغرافيا، بحيث أم كل ما حدث في الدينة المنورة خلال هذه السنوات يجب أن يفرض على العالم كله.
ثالثا: اختزال مشاكل العالم، بحيث أن كل ما سيحدث في العالم لاحقا قد حدث مثله في المدينة المنورة ، ومن هنا جاء القياس.
رابعا: اختزال البشرية في بضعة آلاف من الصحابة والمسلمين الذين عاشوا مع الرسول أو بعده في المدينة" ص282و283.
اعتقد بأن هذا الكتاب المحايد والموضوعي يعتبر من الكتب النادرة التي تحدثت عن مفهوم الجهاد وعن الذين تحدثوا فيه بحياده مطلقة.
الكتاب من منشورات دار المدى للثقافة والنشر، سورية، دمشق، الطبعة الأولى 2008.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن