أزمة المياه العراقية في 10 بحوث علمية

كاظم المقدادي
kalmukdadi@hotmail.com

2018 / 6 / 7

عمل فريق بحثي عراقي وسويدي وألماني مكوّن من البروفيسور نظير الأنصاري والأستاذ نصرت ادمو والأستاذ فاروجان سيساكيان والبروفسور سفين كنتسون والبروفسور جان لاوي والدكتور صادق باقر الجواد، على نشر 10 بحوث عن أزمة الموارد المائية لنهري دجلة والفرات.

صدرت البحوث أخيراً في عدد خاص من دورية عالمية مختصة بعلوم الأرض وهندسة التقنيات المتصلة بالجيولوجيا Journal of Earth Sciences and Geotechnical Engineering.

اهتمت البحوث العشرة بدراسة الوضع المائي في العراق ومشاكله، والموارد المائية لأحواض نهري دجلة والفرات، وجودة مياهها، وأثار تغير المناخ على بيئة العراق، ومستقبل موارده المائية، وجيولوجيا نهري دجلة والفرات، مع إعطاء نظرة مستقبلية عنها.

وأشارت البحوث إلى أزمة مياه غير مسبوقة في العراق، تغذيها عوامل متنوعة. إذ بدل اضطراب مناخ الكرة الأرضية الوضع المائي (=الهيدرولوجي) في مناطق كثيرة، من بينها الشرق الأوسط الذي يعاني شحّة مزمنة في المياه. وبيّنت أن درجات الحرارة ترفع فيها أكثر من مناطق أخرى، مع تناقص متصاعد في معدل سقوط الأمطار عليها.

ودلّت البحوث عينها أن تناقص المطر في العراق مرشح للاستمرار، مع تقلص أيضاً في فترات هطوله، ما يؤدي أيضاً إلى تناقص مخزون المياه في السدود، إضافة إلى تفاقم انجراف التربة الذي يؤثر في الإنتاج الزراعي.

ويترافق ذلك أيضاً مع تناقص تغذية الأمطار للمياه الجوفية، فتتقلص خزاناتها أيضاً.

ليس جديداً القول أن الدول المتشاطئة مع العراق على نهري دجلة والفرات، (تركيا وسورية وإيران) تنهض بمشاريع في الري وتشييد السدود،، من دون الأخذ في الاعتبار تأثيرها فيه.

وتذكيراً، قطعت سورية عند عملها على تعبئة «سد الطبقة» بالمياه في عام 1975، المياه عن نهر الفرات ما هدد بنشوب حرب مع العراق آنذاك.

تداخل عوامل خارجية وداخلية

في تركيا، يعتقد أن «مشروع جنوب شرقي الأناضول» يوفر قرابة 98 بليون متر مكعب من المياه لتركيا، حاجتها من المياه بقرابة 3 أضعاف. وعند اكتمال «سد اليسو» التركي، يتقلص جريان مياه نهر دجلة بحدود 47 في المئة.

ولاحظت البحوث أن أيران عملت على تحــويل مــياه نهري «كارون» و «كرخة» كلها، وكذلك الوديان الجانبيّة على فروع نهر دجــلة، ما ترافق مع تقلص حصة العراق من مياه نهر الفرات بقرابة 95 في المئة.

واعتبرت البحوث أيضاً أن تلك التغيرات في جريان دجلة والفرات تؤدي الى جعل مئات آلاف الاراضي الزراعية الى أراضٍ صحراوية. كما لاحظت أن مشاريع الري في تركيا وسورية، أثّرت كثيراً على نوعية مياه نهري دجلة والفرات. إذ تحوي مياه الفرات عند الحدود السورية والعراقية أملاحاً بنحو 600 جزء بالمليون، ويستمر المعدل بالارتفاع جنوباً ليتعدى 1600 جزء بالمليون.

ولا تزال مياه نهر دجلة مقبولة لغاية مدينة بغداد، وبعدها تزداد كمية الأملاح الذائبة لتلامس الـ700 جزء بالمليون عند مدينة العمارة.

تساهم عوامل داخلية عدة في تلك الصورة إذ يفتقر العراق إلى خطة استراتيجية لإدارة المياه، على رغم ادعاء وزارة الموارد المائيّة بوجودها، فيما تغيب الدلائل عن وجودها وتطبيقها. وكذلك لا تبذل الوزارة جهداً مناسباً للحوار مع دول الجوار حول تأمين حصص العراق المائيّة.

وكذلك يلاحظ عزوف الوزارة عن الاهتمام المناسب بعمليات صيانة مشاريع الري والتصريف. وفي ظل غياب خطط ملائمة لتشغيل السدود، وصل الخزين المائي فيها حاضراً إلى أدنى مستوياته. كما ضاعت كميات هائلة من المياه نتيجة إعمار أراضٍ ضحلة.

أسباب الخلاف بين الدول المتشاطئة

يرى الباحثون أن دراسة المشكلات الخارجية والداخلية تستوجب معرفة على أسباب الخلاف بين الدول المتشاطئة، التي يمكن تلخيصها على النحو التالي:

1 -توافر المياه

نتيجة التنافس بين تلكس الدول نجد أن ادعاءاتها لما تحتاجه كل منها على حدة من مياه دجلة والفرات، يفوق إيرادات النهرين سويّة!

2 -النمو السكاني:

يعتبر معدل النمو السكاني في تلك الدول عالياً، ما يفرض تزايداً في حاجتها للمياه مع مرور الزمن.

-3 الطاقة:

يعتمد العراق على البترول في شكل أساسي لتوليد الطاقة، فيما تعتمده سورية جزئياً، كما ترغب تركيا في استخدام مصادر المياه لتوليد الطاقة لأن ذلك يقلل استيرادها النفط.

-4 إدارة المياه:

هناك هدر كبير للمياه نتيجة تمسك تلك الدول بالطرق القديمة للري والإنتاج الزراعي.

-5 التطوّر الصناعي:

تمر الدول المتشاطئة بمرحلة تطور صناعي كبير، الأمر الذي أدى إلى هجرة الملايين من الريف إلى المدن، مع زيادة كميات المياه المستهلكة في شكل كبير.

-6 التطوّر التكنولوجي:

نتيجة التطور التكنولوجي، تحاول الدول المتشاطئة بناء أعداد كبيرة من السدود، تحت مبررات مختلفة. وأدى ذلك إلى ضياع كميات هائلة من المياه نتيجة التبخر من خزانات تلك السدود، خصوصاً مع الارتفاع في الحرارة في المنطقة.

7- عدم فاعلية القانون الدولي:

تحاول كل دولة استثمار أكبر كمية ممكنة من المياه، بغض النظر عن تأثير ذلك في الدول الأخرى. ويلاحظ أن تركيا من بين 3 دول صوتت في الأمم المتحدة ضد القانون الدولي الخاص الذي صدر عام 1997. ويحتوي القانون ثغرات كبيرة، ولا يلزم تركيا بأحكامه، فتتصرف كأن القانون غير موجود.

-8 التوعية الجماهيرية:

لا توجد برامج للتوعية الجماهيرية في تركيا وسورية والعراق بأهمية المياه وكيفية المحافظة عليها، ما يترافق مع هدر كبير للمياه من قبل المواطنين.


الحكومة مدعوة الى الاهتمام بخطط المختصين

تقترح البحوث العشرة المشار إليها آنفاً، مجموعة من الحلول لأزمة المياه في العراق، يمكن تلخيصها بما يلي:

أ‌- إجراء مباحثات جدية بين الدول المعنية بوجود وسيط دولي. يجدر اختيار الوسيط وفق شروط مهمة تشمل القدرات الماليّة والتكنولوجيّة التي يمكنه تقديمها لمساعدة الدول المتحاورة، إضافة إلى تأثيره السياسي عالمياً.

والأرجح أن تلك الشروط تتوفر لدى بعض مؤسسات قليلة (البنك الدولي، الأمم المتحدة...)، أو دول من وزن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وعند إجراء المباحثات، يفضّل أن يقدم العراق محفزات للجانب التركي من أجل المشاركة الفعلية فيها، كتقديم سعر مخفض للنفط المستورد من العراق. ولفتت البحوث إلى أن مشاركة تركيا في الاجتماعات عن المياه منذ سبعينات القرن العشرين، لم تزد عن كونها رفعاً للعتب.

ب - إعداد خطة استراتيجية لإدارة المياه بمشاركة كل الدول المتشاطئة مع العراق، مع العمل على ضمان الإلزامية في التنفيذ بعيداً من متغيّرات السياسة.

ويقترح الباحثون أن تشمل استراتيجية إدارة المياه بين العراق والدول المتشاطئة معها، المحاور التالية:

* رؤية لإدارة المياه:

- تجب مشاركة الخبراء والاستشاريين، والجامعات والوزارات المختصة، والمنظمات غير الحكومية المعنية، وممثلي المنظمات الدولية.

- إعادة تأهيل المؤسسات المعنية بالمياه، وتحديث محطات التنقية وشبكات الري والتوزيع.

- وضع برامج توعية جماهيرية، وأخرى لتدريب العاملين فيها.

- الأخد في الاعتبار العرض والطلب، والاستفادة من الموارد غير التقليدية، كالمياه العادمة المعالجة، والحصاد المائي.

- تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في مجال المياه.

* في الزراعة والري:

- اعتماد اللامركزية في الإدارة.

- استخدام الطرق الحديثة التي تقلل فقدان المياه.

- تطوير شبكات الري وتوزيع المياه، ومحاولة استخدام القنوات المغلّفة لتقليل ضياع المياه.

- تقليل استخدام الأسمدة الكيماوية.

- تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار الزراعي.

* التزويد المائي والصرف الصحي:

- معالجة الرشح من شبكات الصرف الصحي.

- تطوير الخدمات باستخدام التكنولوجيا الحديثة.

- إنشاء شبكات صرف صحي للمناطق التي تفتقدها.

- إنشاء محطات تنقية للمياه العادمة.

* البحث والتطوير:

- إنشاء بنك واسع للمعلومات عن المياه، ووضعه في متناول البحّاثة وطلبة الدراسات العليا.

- إجراء بحوث ريادية عن الاستفادة من التكنولوجيا المتطورة واستخداماتها.

- إجراء تجارب ريادية عن الطرق غير التقليدية لجمع المياه.

- وضع برامج توعية عن الزراعة المتطورة.

- الاستفادة من المياه الجوفية.

وتلخيصاً، هناك عشرة بحوث علمية قيمة، تناولت مشكلات ساخنة بشأن المياه في العراق. هل تهتم الحكومة العراقية بها وتدرسها بوصفها مساهمة من علماء وخبراء لحل مشكلة المياه المزمنة في العراق؟



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن