أرنو لمنبع فكرة (الكتاب كاملا)

كاظم الفياض
ccazemjiro@yahoo.com

2018 / 6 / 4


كتبت الشعر لفترات بعد عام 1987م تمتد لسنتين أو ثلاث بعد انقطاع قد يصل إلى ست سنين. الشعر لي مثل قريب كاره، اتجه دائما لما يبعدني عنه، لا أكتب الشعر وثمة ما يشغلني، ولا أقول (عنه)! فهو تحصيل حاصل.
كتابة الشعر، بل الكتابة بأنواعها، فعل شاق. ولا نمارس ما يشقّ علينا إلّا تلبية لمطلب هام. ولا شك إن الأمر الأهم لطفل إبراز مواهبه!! وجدت بيتين في دفتر لي من دفاتر الخامس الابتدائي، ثانيهما لا أتذكر صياغته، ومعناه موجه للقارئ لكي لا يستكثر عليّ ما أراه من عظمة في نفسي إزاء الكون، فهو عظيم بنفسه مثلي، أما البيت الأول فنصه:
" مركز الكون أنا هل عندك مانع؟"
كان البيتين بقافية وطبعا غير موزونين. وأذكر إني بدأت المطالعة الخارجية في سنة كتابتي لهما، لكن طفولتي المبكرة عذبها غياب العدالة عن المشهد الاجتماعي، لذلك بحثت عنها في مجالس عاشوراء، وفي المطبوعات المدرسية المتقدمة على سنتي، وأيضا في الحكايات التي لا تتوقف من الرجال والنساء الذين أعرف، يشجعهم إنصاتي العميق على الاستمرار بسردها بحماس، لبعضهم ولي. صغر صيوان أذني، وقليل بروزه نسبيا عن راسي جعلا استقبالي للأصوات غير نموذجي، ما يضطرني لعدم تحويل نظري عن فم محدثي، فيشعر باهمية شخصه، إضافة لأقواله، لنفسه ولي، وهو مهم لي فعلا، لما ذكرت، ولأني لم أستهن بشيء قط، فما بالك ببشر، ويحدثني.
من يبحث يصغي، ويحرص، وأنا حريص جدا، لا يبدو عليّ ذلك، لكنني منظم جدا، ولاحظ ذلك مني باستغراب زميل دراسة! ومن يصغي كثيرا يجد وقتا قليلا ليتكلم. وليس بمقدور طفل أن يصمت طويلا. ومن يكتب يتكلم.
أحببت قراءة الكتب التراثية، والروايات. لم أعبأ بالقصة القصيرة، ويشعرني الشعر بالسأم، وقلما خلا منه كتاب تراثيّ، واخترته منبرا لحديثي مع بعده عن نفسي، وما في أغلبه من إشارات تدل على ضعف قائله، لما فيه من رمز يبعد عني سخرية من قد يطلع عليه، وما كنت أتركه أكثر من يوم وليلة، ولا أعرف كيف سلم البيتان.
بعد أن توسع محيطي الثقافي، والتقيت بشعراء حقيقيين، أطلعوني بكرم على أسرار الشعر، والقصيدة الحديثة، صرت لا أتلف أيّا من شعري. ولنا عيون تقرأ كما لنا لسان ينشد، وإذ أتحدث عن لساني فما أنشدته الآخرين هو ما استحسنوه مني منذ قصيدة (رماد الحكمة) أول قصيدة موزونة لي! وهي قصائد وهبني الله (سبحانه) أبياتها الأول (بتعبير شاعر أجنبي لا أتذكر اسمه) ولكنني كتبت مرارا بدون الهبة الرفيعة استجابة لمحرض نفسي غالبا يسلم بفشله سريعا. فألقي بالورقة بعيدا، مع أكداس الورق المستعمل، دون نية بمراجعتها. " أرنو لمنبع فكرة " عنوان أحدها ربما هو خير شاهد لما أرمي إليه. الله (سبحانه( نور السموات والأرض، عندما يهبنا البيت الأول فإنه يهبنا الرؤيا، ولكن للعمي أيضا أسرارهم في مدّ أسبابهم إلى مواضع الجمال.
سأنشر بعضها تحت عنوان جامع هو (أرنو لمنبع فكرة)
**
أرنو لمنبع فكرة
(رماد الحكمة)

تحمل روحك إذ تسمع صوتا يدنو، وبقاعا تهرم
وبقايا ما خلفه الطير على أعشاب خلاياك
إلى قنديل الصحو
فتهجر مملكة النوم
كمئذنة فوق متاهات الليل
لتكبير الفجر،
وما يتلو الغيم
تبعث من جثة أحلام اسما
من ديباجة أشلاء تتكاثف في صدغ الظلمة رسما
يعبث في بيت صباك
وما تدرك ما تبصره العين
وتبحث عن لحظة إبصار
عن ساعة رمل بعثرها كف في تابوت
عن جسد، حيٌّ فيه الموت
عن صرح يتهدم من تحته شيُّ الطين.
قرى الغيم المصلوب على شجر الفجر
المزروع بذاكرة الطين استوطنها الهالك
في عرف الموتى
العابث في تفسير الطين.
أنت الأعلى! من تحتك تمتدّ الأرض سهولا، وحشودا
أنت الآتي! من حاضرة الليل على جنح البرق
- "يا بيضة محّارةْ
أنتِ بشارةْ:-
وقران جمان
ويداكِ قرون حنان
انغرزي في قلبي
احكيني"
تخرج من قيح بثور الزمن الغضّ
على جنح الموج المتهتك ريح تقلق ناطور العشب
ضياء الأمس شموس زروع تنبت في عرف الصوت
فقاعاتٍ من نور يعظ..
تقطع رحم وصاياك
تنادي: "من أنت"
- "أنت لأدرى"
إن تزرع في أرض النهر الغائم وجها يبسا
عين تبزغ في دمع العتمة، من شرفة موت
عرش العلقم تحتك
أشياء تهوي
أخطاء تتسامى
وهموم تحمل روحك فوق الأبراج كخيط يوصل لبّ القرية
حيث شخاتير صباك الملكات كهوفا لم يألفها الغرقى
تلك حماقات الصبيان، حماقات يذروها في الليل رماد الحكمة
مُرٌّ في بَرٍّ
كسواحل ناشفة فيك
وتثقل ممشاك
هنا وهناك
يداك وعيناك
مصابيح سماء غائمة
وثياب صحارى
كن تمثالا للرمل، فتشرق من عينيك شموس لا تنعدّ
ولن تغرب
هَيْ.. خُرّاعةَ خضرةْ
من أين تواتيك اللحظات المرةْ؟
فترافق فيك فراغاتُ الغيبِ مفاتيحَ التكوين
فتجهر بالعزم
فتقطع رحم وصاياك
وتطرد، لو تأمر! ساحاتُ البرق حمامات العجف الآسن في روحك
لو يجرفك المدّ فترقى حقبة أصقاع تهرم
لو تسأم
لو يخرج من روحك أبطال مراثيها
لو تبصر نجما يحرق عشبا...
أجيالٌ تهرب في جوف الليل بلا أثداء!
ارفعْ رأسك!
لا تُرْقِصْ فوق مسامات الوجع الصمت
يا أنت!
كن أنت.
***


أرنو لمنبع فكرة
(محاولة للقبض على الصدفة)*

سقط المساء على العيون
وطافت الأفلاك في رأسي
وناح الآس حول القلب، والغصن الكسير
فلربما يأتي ملاكي كاسرا غلّ الأمير
ولربما بعض المراثي سوف تكتب إذ أقولْ:
"بعض النزول إلى جمال الحقّ
يتبعه الصعود إلى الحقيقة
والصعود إلى الحقيقة كالنزولْ"
أو أن أقول: "أليس لي ما كان لي؟"
أو لا أقول! فربما أهذي ولا تأتي القصيدة!
ربما تأتي القصيدة هكذا:
الحلم
والغيم المرابط
والصباح
تفّاحة
حواء تبني هيكلا فيها
وتسكنه الرياح.
أو هكذا:
الليل يختصر الزنوج
رحل المساء إلى الزنوج
رقص الزنوج.
أو هكذا:
عبرت غيوم نازفاتُ
وأتت غيومُ
نبحت كلاب الحيّ: "قوموا"
والناس عاشوا!
ثمّ ماتوا.
أو ربما تحبو القصيدة هكذا:
مازلت أرجم في المرايا صورة القمر الحزين
وفي شظايا اللون أهتف مثل أحلام الصبايا
حين ينسجها شعاعُ
أنْ ليس لي ما قد أضاعوا
لا نبل للأقواس
أحلامي غزال شارد
والسهل تربته ضباعُ
السهل مبدؤه نخاعي
وأنا أجرجر حزن قلبي للنهاية
للبداية في الوصول إلى التماعي
ما ليس لي مرثية أخرى
وموت يُسْتَطاعُ
أن لا أقول:
"مدينتي تلك المدينة
والتي تلهو على سفح جميل، ناعس، كالصيف أغنيتي
وإنّ لحلم قلبي قلب سفح أو غزال
قد ضلّ عن نحو المقال"
عين المدينة في جروحي
وكذا الربيع على سفوحي
هذي عظام السهل تنشجُ، والجبال
ما ليس لي حرف المقال
أن لا أقول:
"حقيقتي موتي
ومرثيتي المدينة"
والقصيدة خلف أسوار الكلام تباهل اللفظ الجميل
السحر بعض اللغط يجمع في تلابيب السؤال
أن لا أقول:
" الحلم ينمو في فضاء الغصن تفاحا مريضا
حين تقضمه السنينُ"
الشوق يهرم والحنينُ
الحزن يهمل دمعه
والصبح للسخط المشعّ على العيون، ولا عيونُ
ما ليس لي أن لا أقول: "الليل يهمله السنونو"
أن لا أضيء كشمس عمري
من خطوط الطول
وقبر حبلى
وأباحت اللغز الجميل
فليس أذكر وهج قنديل ضعيف
في ليال الصيف كان سوى لقالقه الأصيل
وحزن دفلى
ما ليس لي أن لا أقول:
"الصحو سافر" والبسيطة كان جللها سقامُ
عبرت غيوم ممطراتُ
وأتت غيوم ماطراتُ
وعوت كلاب الحيّ
والأمواتُ ماتوا! ثمّ قاموا
ومن البراءة، في حدود الصوت، أن أستدرك المعنى
ولكني أغامر بالسطوع أمام مرآة ستحيى
حين تلتقط الشعاع
أمام مرثاة عجوز سوف تشمخ كالنخيل
على سطوح الماء، واللغة الفتية
حين أشرع بالقلوع
وربما أمسي فضاء مظلما، وأقول: "هانت"
ربما مرثية أخرى ستسبر غور جهلي
ليس لي ما كان لي
أو ما يكون.
________
*اسم لوحة! أظنها لبيكاسو

***
أرنو لمنبع فكرة
(السلالة)

عندما هبط الزمان
وحاضت الأنثى
كان ثمة حاضر سبق ..
أرى طرقا مدورة، ووهجا
وأرى مساء غامرا سيسيل في طرقاتنا، وأباً مُرَجّا
انظرْ! هناك الموتُ أبقى من لهاث الجنس
أبلغ من عيون الغول
في جفن الحكاية
وانظرْ ترَ صبحا بعيد ليله
ومحاق فتنته سنا قمر تسامى، فوق قبر الكل.
ذاك الجزء! أين الأرض؟
أنهار سدى، ورحيلها الأبديّ؟
كيف تراخت الأغصان؟
أين شَجيرها؟
ما السرّ؟
حبّا قد نعيش
وخارج الأرقام نتلوا بعضنا حتى لينعدم الصدى
ويقالُ: "حتما إنها الأرقام"
حقا إنها الأرقام
أو قروية تركت وراء الإرث ابنا جائعا
في البيت يكتشف المسرّة
كيف نام؟
وكيف نوّم تحت أعينه صباح الموت؟
كيف استعذب الموتى نقيق الأمن في قعر السعادة؟
إنها الهفوات! حقا إنها الهفوات
ألقت سرها
لسلالة الأرحام
يقتاتون تحت لحائها الطمث الحيي
ما متُّ! أذكر صخرة منحت ثآليل السلالة لحمها
ما متُّ! أذكر كم خريف شاسع في الذهن دار على هواي
وكيف أغزو بالثعابين الجريحة تحت قلبي عريَهُ
والناس إلّا لفظهم
والناس يكتشفون ما للناس
دوما يا ابنتي*
ولغاية قرشية
هل فاحت النكهات؟
أفصح عن مكان غامض في القلب
ينحشرون تحت ركامه ليلا
إلى ال.. لا شكّ أدعوهم
إلى اللا شكّ
لا شطحات في المعنى
وأنّى للمعاني من ذيوع السرّ في فحوى الكلام
وأين/ كيف استعذب الآباء محنتهم؟
وظنّ الظلّ بالموتى
وقاموا ذاكرين له الشيوع
وكنتِ أنتِ.
__________
*لم أكن متزوجا حين كتبت هذا النص.
***
أرنو لمنبع فكرة
(******)


المسافةُ بين وهمينِ وصولٌ
لِحْدُ مرآتينِ تفضيانِ من بعض
طريقٌ واحدٌ يفضي إلى نفسه
ليس من طريق جهة، سبيل غايةٍ!
ليس من طريق
أبدا.
**
صفنةُ المدهوشِ عصفٌ في رياح الكون
بديلُ ماءٍ سحبٌ تصّاعدُ!
الصمتُ ماءٌ للكلام
خورةٌ راكدةٌ
فمٌ .. هناك زورٌ تختفي شختورةٌ فيهِ
كلامُكِ الذي قلتيهِ
يمخرُ ريقي
ويسيحُ فيهِ.
***
مثيلُ شكلينِ لهم ضيْقٌ
ترابٌ فوق حائط
ومنه جاء
أو هوى
في أسفل التلّ سحابٌ! هكذا قلتُ.
إذن جدبٌ يطاردُ الترابَ!
أيّ ضيق؟
****
كانت أناملهُ لتذهب ما يريد
وما أراد سوى طريق واحد يفضي إليه
له الكلامُ
وديكُ هذا الفجرِ
أو نَفَسُ الصباح
له المروجُ له المراحُ له التعبْ
وله المكوثُ أو النزوحُ إلى الذهبْ
*****
هل كان يجهل ما يريد
وكان يصعد بالسرور إلى فؤاد الغيم
حتى حين داهمه الصوابُ! وصاح: "خطءا"
ظنّ أنّ الماءَ ينبع من يديه
وأنه يلهو
******
كلُّ بياضة نَزَتْ من رأسه حزنٌ سها عن لونه
وضعت عليه صباحَها تلك الليالي
واستنارت من ضياء سنينه
حين استدار
في أسفل التل المدار
ونجومه وسنى
ليس سواه، لا أحد سيعنى
إلّا بما يفنى
لكنه إذ نام دهرا نام حقا! ثمّ قام
في أسفل التل الظلام
وخرافه وسنى
ليس من معنى
إذ جنّ ليلٌ وشيُهُ رجلٌ...
وقد كان الذهاب
وكاد يزهو بالإياب
وكان صعبا
كان محض بريق فرد
غاب في شبق الظلامِ
- "غارت قرون القلب في جسد الهيامِ"
ناداه صمتي كي يعودَ! وما أعودُ.
أعير شكلي للمراثي
من تراه سيقرأ الآن القصيدة ؟
كي يرى جثثا تعوم
وشاهدا للموت تخفيه الحروف
ومن سيأمر بانقطاع مشيئة الحبل الذي ربط الزمان
إلى غَرِينِ الأرضِ؟
أو أعفى التداعي من نزيف العقل؟
كنّا محضنا إذ لا بديل لنا
وثمة من يؤاخي في الظلام ظلاله
ويقود وهما، أو خراف الآخرين إلى مزارعهم
ويبكي!
من أيما جهة سنطلق صرخة
ونحيد عنها بالسلامِ؟
أم أيّ بُعْدٍ قد يُثَبّتُ نأيه حتى نصل؟
هذا أوان البحث عن سِفْرٍ جديدٍ للكلامِ
تلك جهاتٌ صرن نجما
وشجيراتٌ طيورا
من أيما جهة سنقصد نجمة، ونحيد عنّا، وننامُ؟
هذي مصادفة سنبذر طينها
سنحوّل الغابات قبل مجيئنا
كي نملأ الطرق الشبيهة
كي نُرى، وغزالة الزرنيخ تلهو في سهول العقل
كي لا نرافق قلبنا، ويطيش عند مفارق الطرق الكلامُ
ما من طريق
أبدا.
***
أرنو لمنبع فكرة
-1-
(ميسان)

أدخل سهلا ينبت فلاحين على أكتاف الغبطة
يرويهم لفح البرسيم البارد..
لم تشرق مملكتي
لن تسقط من ذاكرتي الأيام البيض
فأسحب خيطا ربانيا
وأبثه من زيت قناديل النوّم
مسرورا أتمرأى في شط امريبي
وجه ميسانيّ يضحك في الجهة الأخرى
وخراف، دوني، تلعق صبيتها
***
أرنو لمنبع فكرة
***
أرنو لمنبع فكرة
-3-
(الرسامون في المقهى)


في المنفى
تحت سماء صافية
نعرف إنّا نشبه جدران المقهى البيضاء
وفينا حبل أسود
يدليه حبر الليل.
بعيدا، خارج مقهانا
أنجم ساطعة تنفذ من أقمشة اللوحات
وراء الأفق، بجانب أشواك الملح
تراءت شمس كاذبة
أيضا


في المنفى
وهج البحر شديد
وخطوط الفرشاة على اللوحة أسرار
تتناغم مثل نثيث الماء
على الساحل
كنّا نتصيد شمسا لا تتبلل
والبحر سطوح متعاقبة لا تهدأ.


في المنفى تتبدل أشكال الأشياء
يصير البعد أليفا
والوجد أليفا
والنسوة أزمنة بيضاء.


في
عمق القلب
هنا في المنفى يتسع القفر
وينشف في أعيننا دمع الواحات المهجورة.


أرنو لمنبع فكرة
-4-
(المستشفيون)

المستشفيون هنا على هذه الأكمة
المرتفعة قليلا
والمنبسطة من أعلى
وضعوا أشجارا مقطوعة
على إنها أسرّة
وأمروا مرضاهم أن يلتحفوا الغيوم...

د. عبد المنعم وجهه أبيض وأسنانه بيض.
كان يوصوص ،هناك، بين غصنين أخضرين
من شجرة خروع .
***
ما كنت مريضا فقط
... صبيّ قيده الوهن
اندسّ في ثوب أخضر
وأطلق صوته من قفص فمي
ورحت أرقبه وهو يحلق عاليا بين العصافير.
***
لم تكن لغة التخاطب بيننا سهلة
في الصباح، وفي المساء تتغير أعدادنا
وحين ينقضي يومنا يبتسم جميعنا
نتذكر إننا لم نقل شيئا
وإنّ جميعنا لم يكن أيّ شيء
فقط هناك بيت واسع وكبير
مشيّد من حجر الألم.
***
الرجل ذو الصدرية
الواقف في قلب الردهة
شعره المجعّد شتته يوم طويل.

كان يتأمل أسرة مرضاه
دون أن يشعر بتعدد صورته الواضحة البيضاء
في عيون مرهقة
ترقرق في مياهها الألم.

لم يحسب يوما الردهة كهفا
وربما فكر طويلا: إن سرنجة واحدة
تكفي لحمل بحر.
"ما من ليل غير سواد شعري" قال في سّره.
وقال أيضا:- "شعري فراش يوم طويل
وبعده تماما
بل فوقه ترقد السماء وحيدة
دون عينيّ"
***
أرنو لمنبع فكرة
-5-
(روح الصدفة)

كان مكان ليس طريقا ولا مأهولا
لم تعرفه زهرة
هواءه ماء وتراب
وجميعنا مغمورون بروح الصدفة
تلك الكائنة في عقل مصائرها
لم نخسر شيئا
... هل نفقد مجهولا؟
زهرتنا لم تخسر أيضا
مرّ عليها زمن لا تعرف، ويمرّ...
الزهرة تخرج ثمرة
وربما نحلة.
فالكائن مختلف.
معنى القدرة أن نتبدل
أن يقطع أحدنا صدفته حقّ الزمن المبتور
وأن يفقد صيرورته في جسم آخر.

أمس وكنت أجرّ مكاني
فوق جدار انقضّ على رجل مثلي
- "أمي
وهم أعمارنا".
***
أرنو لمنبع فكرة
-6-
(غودو)

الليل وراء النهر يجن بعري الفتنة
والفتنة عرق لا ييبس
والليل يدحرج فوق سطوح الرغبة أمرا...

هلي طقسا
يا للفرح الغامر.
يا للملك المخدوع.
بنيران التاج المطفيّة
قرن الناموس يخاتل شخص الغيب.
أرى قمرا يهوي
ومياها تدّافع
نحو ثياب الملك الغافي
قيل: "الموتى عشب جفّ"
وقيل: "الأولاد نبات يكبر"
هلي بدرا
المعنى في الشجر الثابت حول المطلق
في معنى النهر يسير وديعا
بين الرغبة والناس
ولا يتخللنا
سنظل على الجرف نجمّع أصدافا، حجرات القصر المهجور.
ضلالتنا امرأةٌ ساعة قيلولتها، ساعة ينهمر الفجر عليها
تلك مشيئتنا.
ألعازر فينا
يمحو سلطان الموت من الدفتر
يرقب أمرا ...

منكسرا كغيوم الصيف أرافق صحوا يتفتت.
ليس طبيعيا موتي، موت الأحياء
تعالوا ننسى إنّا نحيا
***
أرنو لمنبع فكرة
-7-
(أرنو لمنبع فكرة)

"كلّ شيء يبرد" أحاول أن أنشط ذاكرتي
كي تعطيني الأشياء أسماءها.
يتراءى لي أنّ شرخا واسعا يستبد بواقعية التواريخ
يحيل الرماد الذي على الأرض
الرماد القادم من الجهة التي صنعت الشمس
إلى حريق.

وحدي أتذكر، ومن غيري؟ مرارة حزني
مرارة اليوم الذي بدت فيه الضفادع كالأفاعي
حين تصاعدت دخانا
في سماء خالية من النجوم والصحو
أعفيه من التسمية، يومي المعلّم بصاعقة
تشقّ سماوات علقت بفيء
اختبريني أيتها الضجة كسماسرة يلون الذهب.
لمي وضوح المياه إلى واحتي
فعيناي اتسعتا كنافورتين
أيتها المرارة.
أجلس تحت حنجرة فاتح.
حشود تتابع نضالها
ومدينة تحرر من الألفة.
ماذا أقول لهرم خوفو
لدجاجة منزوية في بطن ثعلب
لربة بيت
لنفسي
لغبار يتراكم في أرض دهليز
... الورم يختفي مع الجوع
وكذلك النجوم عن الأرض العطشى.

هنالك باب يفضي إلى ممالك الأسرار
وصوت يستقرّ في خاصرة الجمهرة
هذه الذئبة البشرية التي تبحث عن موطئ قدم في بؤبؤ رجل
الأساور ملكة
وكذلك الأقراط تحت سمع الثراء..

أنا راغب عنك يا طيور، ممجد لك أيتها السماء الفسيحة
وحدك يا مقابر ستظلين معي الآن
وأمس.

لا بديل عن ورق التقويم
تفاجئني الساعة بدقة رتيبة
وتحملني البهجة إلى مدنية الجشع الغالي
الممجد تحت وطأة القيلولة
ورحمة الفاتح المحتشدة فوق الورق
وعلى الأبواب، في الغد
والآن.

للا شيء ومعتقداته الكثيرة
للاشيء وضجة تتكوم تحت الأطر المستنغلة كنت أمضي
كربّ بيت إلى كرنفال السوق..
تحت عجلة مسرعة لسيارة فخمة
تركت كل ما أتذكره عن الصحراء
وها هي البنت المقلية بالذهب تسيل لعابي
وتتركني أتذكّر الأشياء التي تنساني دوما....
مهلك أيتها اللحظة النافرة كحصان
مهلك أيتها العجيزة الصاهلة
أيها الغناء المبارك – أيتها المندسة كحرير ناعم فيه
أيتها المضرجة بأقواس انكساراتي
الساطعة
الغائبة عن الوعي
هذا رضّ بسيط في قدم الرغبة
وعكة في أنوثة التويج.

فرسخ خضرة لا طحلب ماء آسن
يدك على قلبي
أيتها البنت
الحلوة.
____________


أرنو لمنبع فكرة
(9)
(اجتياز مقبرة)

أتخطى مواطئ الألم
قدم تطفو وتنغرز أخرى
رخو ما عليه ثقلي
أرض تتخللها جسوم آلامنا
هي تحت
تحتي
وأنا فوق
فوق
كرمح يشكّ أسى
- "أيتها الأرض
___________
20/11/2002
***
أرنو لمنبع فكرة
(10)
(قدم)

طرق لا عدّ لها قدم في رجلك، في نفسك
قدم كلك! رأسك، جذعك، رجليك
البيت، تراب العجلات المتطاير،
نجمة هذا الصبح، فراش امرأة باردة
قدم واحدة، قدم ملموم جوهرها في مرآة، تشبه وجهك
***
أرنو لمنبع فكرة
(11)
(فوق الخيال-2-)

قبل أن يسرع الوقت
وسهول ثلجية تنزلق ببطء
على أحداقنا.
قبل أن تتصاعد مسرعة
قطعان خيول بيض
في أصداغنا.
قبل أن يهوى الإنسان
وأعمدة الشيب تتهاوى
مثل أشجار بيضاء.
قبل أن ينشر الخريف عرصته في معظم الرأس.
لا ننسى إنّا كنا هناك في أعلى القمم، بعيدين
لا ننسى إنّا كنّا هناك، بعيدين جدا
فوق الخيال
_________
23/6/2010
****
أرنو لمنبع فكرة
_____
(12)
(وردة جرسها من نحاس مسرة)

وردةٌ فمي
على خدك
أصغ لموسيقى جرسها يا حزمة عالية
من ألوان سمر.
***
كي نزرع وردة معمرة لها جذر
من شذى
ينبغي أن تكون لها أرض
ترابها روح.
زرعُ قدسٍ فمٌ على خدٍّ
أو وردة ينبغي أن تكون
معمرة.

لموسيقى أصغ
لرنين نحاس ملائكي.
***
حزمة عالية من ألوان سمر ملفوفة بأقمشة من سرور
وأيضا عروج في رأسه جرس يتوازيان.
أفكر بقول "حزمة ألوان"
وبقول "أنتَ"
أو "أنتِ يا حزمة عالية"
شفتاي جرس على خد..دٍ ..دٍ نحاسه مسرّة
أصغ لروح الوردة
أصغ معي
لموسيقى أريجها
لصوت نحاس مسرور
نحاس ملائكيّ
يترنم.
________
2005
***
أرنو لمنبع فكرة
(13)
(ستأتي)

كشيء سيحدث، ينجم عن ظلمة
ثمّ ينطق من بعد صمت
ستأتي القصيدة
من أيّ شيء
ولكن
كما بؤبؤ في بياضه
كيوم لآخر
إن هزت الريح
إن سحلت يدها موج صارية
أو كشمع يسيل لهيبه ليل قرى سوف تأتي
وقد بثّ فجر مصابيحه فيك
ترمين نردك.
نرد القصيدة أملس لا حفر فيه
وإن كثر الحرث...
معنى
وأنت به
شذرة حولها فضة
ستجيئين
وهي ستأتي
بهائك درب إلى قاع نهر وئيد سفائنه ..
وهو منك إليها
ستأتي
وأنت تجيئين
مثل ربيع بساتين دجلة
من كلّ لون يصيت برائيك سحرك.
_____________

أرنو لمنبع فكرة
14
(ألوان زيتية)


امرأة تحمل عصّارة زيت
فيها لون الإنسان
ماذا تبصر غير أذان
ينتزع الفجر من النسيان
أطفال يأكلهم جوع...
غير نهار يذهب فيهم كالفرشاة على بقعة زيت.
هم ألوان تصّاعد من منظور بشري
من عين من إنسان
يرسمها كفّ دخان.
_______________

أرنو لمنبع فكرة
-15-


(سليمان)


أمس رأيت شبابيك سليمان رأيت سليمان
رأيت شبابيك الآخر مغلقة
ومياها حاضرة في بحر سنين
هائجة في أرض الغرفة
هيأت عصاي، مجد الأرضة يعبر سقف الغرفة
كان الشارع مزدحما والناس نياما
الحنطة رملا والبائع أخرس
يا هذا ارفع صمتك
هذا يوم آخر
يوم الآخر
يوم الغرب الذاهب في الكوخ المرسوم
حيث المرأة تسقط في حضن ينتظر المرأة تسقط
لكن الصدفة تعطس أحيانا
وسليمان وحيد
هو إبهام في كفّ
والأعباء تبالغ في كثرتها
ماذا يفعل كي ينسى أن له أمرا
وعليه أمور
تتعدد
....
من يحفر أسفل حائط مبكاه سوى الدمع.
_______________

أرنو لمنبع فكرة
-16-
(جهة عابرة)


في مساء طويل كمذخر أدوية
صدفة بعد عمر طويل
نظرت لنفسي
كانت ملونة مثل أفعى لها صور
كنت شاهدتها
في الكتبْ.
لم يكن أيّ شيء بسيطا
مدى مبهم لا أراه عوالم مرضاي
فكرت! قلت لنفسي: "آن لي أن أموت"
نعم أيها الفطر، يا طعم أجسامنا
آن لي أن أموت ..
يعرف الحاملون أناقتهم ما يكون عليه مآل الجمال
ولكنهم يضحكون، وقد مرت السنوات
وها أنذا مثلهم لي حياة
ونافذة للصباح
سأغلقها في المساء
وإني ككلّ الذين رأيت أطيق العبور إلى جهة
لا تمتّ إليّ بأكثر من إنها
جهة عابرةْ.
_________

أرنو لمنبع فكرة
-17-
(أغنية الراعي)


أنا من شياهي عقدة الحبل التي تشتدّ في أثر القطيع
وهن نجماتي وشمسي حين يأرز غيرنا
ومضيّنا ومضيّهم شمس انسدال الليل.
مجدي سائح كالنجم
في ظلمات ما يتجنبون.
مناف غيمي من غطيط منامهم
ولنا الأعالي كلها، ولهم تراب طريقهم
معنا الرياح تهبّ فيما هم ثقيل حملهم
معنا الرماد..
هنا بقايا ما أشعت!
كي أوفق بين حاضرتين من مرعى،
ومن جدران بيت
حاملا لبني لغيري، ولي المدى،
كل المدى
وأراهم يتنعمون.
لكم يضيق بي الجمال
أراه تحت معاطف العشاق دوما
فارغا يبدو
وأبهت إنه قبر ثمين
يا نساء غيري كنّ لي، أنتنّ لي، أنتنّ منّي
ليس لي قلب من المطاط
لي نار من الصبوات
تشرد في شياهي
لست آخر من يعذبه الجمال
بربّكنّ نساء غيري
¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬_________

أرنو لمنبع فكرة
-18-
(خيط من دود)


رجل يجلس في شرفة دار عالية
وتشير إليه نساء بورود
ينتظر امرأة! إن تأت فما تحمل وردا
وطريق يحملها لن يخلو من خيط من دود
________________

أرنو لمنبع فكرة
-19-
(شمس الغبطة)


تملؤني شمسك يا غبطة يا غبطة يا عبثي الرائع كالأطفال على الأرض وأوقن أن الأرض صرير النفس الصاعد قوس مشدود أجلس في مرماه حريق ينضح لحما وعظاما ويحيط بكيس دمي شجر وينابيع صحارى تأكل أوراق الأطلس والأطفال الأطفال يموتون أأسف ما من ألم يحمل وهجه عني عبء الظلمة يا فتنة يا عبثي الضيق كالأرض السابحة المحبوسة في كيس دمي
_________

أرنو لمنبع فكرة
-20-
(زور)


أنت أبعد من أن تكون زمانا لموت
خريف لمَحْيا إناث ذوين على حافة الطهر
حيث الجرار قبور لنهر
تداوله أذرع الفتيات.
لم يُذْهِبِ الماءُ..
لن يهجر النهرُ شقا يَظلُّ وليدَه!
لكنك الآن تكشف لحد المسرّة
زورا* تكشّف من بعد روج** مضى
ليس أيامُنا قصبا.
ليس ما يحطب النفسَ شمسُ سواها.
خريف يُرقّي مُحيّا الزمان
شريط قبور طويل يرقّي مُحيَّا إناث
ذوين على حافة النهر
وجهةِ أعمالِنا.
ليس من قبلة
والحدود هي الأمس
لكنه الدرب، ما إن خلى! دون إثم
ونسلكه دون حمد.
_____________
* الزور تجمع كثيف لنباتات أغلبها من القصب والبردي عند أهل ميسان .
** ويسمي أهل ميسان الحركة النافرة لمسطح مائي روجة وليس موجة. وذلك لأن مياه الاهوار تتسم بالسكون مقارنة بمياه النهر والبحر حيث تتحرك كتل مائية باتجاه ثابت تقريبا، بينما مياه الهور تتحرك بكل اتجاه حين تعرضها لمؤثر. باختصار مياه الهور تترجرج ومياه النهر تتموج.
__________


أرنو لمنبع فكرة
-21-
(نقر بعده نقر)


من يرى الصمت مكانا
قد يرى الإيقاع.
نقر
بعده نقر
وسمع يستطيل
ليس إلّا ما تداعى من أغاني العشق
في رأس المغني
_____________


أرنو لمنبع فكرة
-22-
(..)


أبعد من ظلي تمتدّ الأرضُ! وتقبرني.
________

أرنو لمنبع فكرة
-23-
(الشاعر! أيتها الأرض)

غايتان يداك
تزيحان عينا إلى قصب ظامئ
يجلس
أم تنهضين؟
ربيع تعاقب من فمه كسلام ومرعى
وآخر القادمين قليل من الحبّ
أسلافه معه
ركضت رجل أقواله عين مغسلهم
وشراب الذين سيأتون من بعده
نزّ من تحت أقدامهم!
وحده في المساء الذي ملأ الآخرين شعابا من الحزن
وحده في المساء الذي يشبه الرمل
يحمل ما يتبقى هنا
منك
أيتها الأرض
أما مزاميره فهي ما تنطقين
________
أرنو لمنبع فكرة
-24-
(حيث النور)

لا بأس عليّ ! سينسى الناس كلام الغيب
وسوف أحدثهم عن زور
ظنوه يقينا.

من جوفي ستقوم السدم المقهورة
من جوف الليل المقهور
زيت من مصباح مثقوب يقطر نارا
في معنى الظلمة حيث النور.
حيث النور.

منغلق خلف الأصوات- معزول في دائرة من كلمات.
رمزا أفصح- مشدود للمعنى الخائف
في رمز مشلول.
أَجلس- أجلس مملكتي بين يديّ.
أقول: "وداعا يا عصرا يسقط من ميراث الناس"
- "في ميراث الناس"
"ويا سدمي" .
________
أرنو لمنبع فكرة
(ابق معي)
-25-

كل شيء أريد له أن يكونَ يكونُ
أشحْ لترى ما وراءك
إن صار مؤتلفا مع حائطِ ساعةِ رقّاص.
لترى ما يريبك يعبر من فوق رأسك مثل سحاب
ومثل ضباب تبلّ طريقا وتعبره
كلّ شيء وراءك
كلّ شيء
سوى امرأة علمتها الأنوثة أن تدعو الضوء:-
"ابق معي"
_______________
أرنو لمنبع فكرة
-26-
(فهم واقعة المرور بحديقة عامة يشطر أحداثها)


قط (-) يموء
**
كلب (سـ) ينبح
**
عصفور رأس هادئ (-) يجوع
**
عينان
وراء زجاج(جد)سميك
بوابتا جحيم(-)طلّ على نبتة صبار متوارية
خلف جذوع ترفع أغصانا
خضرا
**
تحت الشجر الأخضر رجل آخر
تحجبه نظّارة شمس(-)يجلس تحت جذوع
ترهقها أغصان
كثة
**
آخرون(-)كثيرون
**
الآخرون(-)كلهم
**
ينتظرون(-)ينظرون
**
...(-)إلى بعضهم
**
كلنا(مرآة) آخر



¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬_______________
أرنو لمنبع فكرة
-27-
(خاتم فضة)

شكرا لك يا إلهي
حمدا لك
يا ألله
الشمس الساطعة
حجرك الكريم الأعظم ألقا
أقرب إلى أصابعي
من
خاتم فضة
يزينه عقيق يماني.
__________

أرنو لمنبع فكرة
-28-
(لا أحد معي)

ينفش الاستعمال أشياء غرفتي وأرتبها
واضعا كلّا في مكانه
أنا و هي حديقة ونباتات
لا تنفك عن جذورها .
بابنا مغلق ، ونافذتنا لم تدفع ستارها كفّ هواء غريب.
منذ سنين، منذ أن أبصرت عينيّ في مرآة !
عرفت أن "لا أحد معي"

_________
أرنو لمنبع فكرة
-29-
محمد ص


يا أبي
حمل ريح أعداؤك
وراسخ
أنت
جبل بأوتاد
.
بغداد 15/9/2015


_________
أرنو لمنبع فكرة
-30-
إلهي

ليست السواقي من يصنع نهرا
ولا الصحراء الواسعة الميتة من يشربه
إنما الأرض كلها
وعليّ أن أجد النظام لها
أنا المأخوذ برسم حروف حبالها
المشدود إلى سحر وثاقها
من آفاق سعتك
بصوت مياهك التي تبلل ريقي أسبح:
إليك مدّت أغصانها
شجرة نفسي.
______________--
أرنو لمنبع فكرة
-31-الشاعر
-أ-
في أول ليلته
سار على طرق تتكسر
تحت هواجسه السوداء
ولكنه كان خفيفا
وبريئا
حين رمى نفسه
في قاع بحيرات الزمن الراكد
وانفرطت أحشاؤه
كالأحجار .

-ب-
في منتصف الليلة تلك
وكان رأى أسراب حمامات سود
وبحيرات سائبة تتجمع في جوفه
تنهش هيكله الناحل
قال: "سأبكي"
لكنه كان سيضحك ، يضحك
لو أنه نام حزينا
ليلته تلك .
_________________________________
نشر في جريدة الجمهورية ، في صفحة (أصوات) المخصصة للمبتدئين . يوم الثلاثاء 14/5 /1985
¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬___________
أرنو لمنبع فكرة
-32-
هاك شريعة الظامي

بين حلمي والحقيقة يسقط النسيان
مطر مريض في شجيرات قليلة
في مزارع مثل قلبي ،
ليس فيها زارعون .
البئر للماء القليل ..
ولست صنوا للمشيئة
عندما جاهدت من أجل المشيئة
عندما كفكفت آباري ، وهذبت الكلام
وقلت : "هاك شريعة الظامي"

كاظم الفياض
1984
__________--
أرنو لمنبع فكرة
-33-
من دمشق
إلى صباح حسن ناهي

لست في واحة
وقلبي لا يمكن إرواءه
هذا العمران الذي يركم الناس في منازل متصاعدة
هو شيء من امتثال لعدم
يشبهني لا وجوده .
أحييك ..تحييك الكلمة الأقلق معنى .

كاظم الفياض /دمشق
14/10/2008
_____________
أرنو لمنبع فكرة
-34-
( آخر المتحدثين )


يعرف آخر المتحدثين أنني من يليه
وأنه آخر رجع لصوتي .


23/2/2014
________
أرنو لمنبع فكرة
-35-
(.........)
ساطع، نجمة الليل، ضوءك
لا ظل منك
على
روح عري
يجوب أراضي السواد
كاظم الفياض
24/9/2015
____________

أرنو لمنبع فكرة

(حيّات مخيلتي)


سوادُ قدمٍِ الليلة يخطر فوق الغصون
صوتُ طقطقةٍ يأتي من النافذة
وظلامٌ يقبر المشهدَ
ما يلقي خريفٌ تحمل ريحٌ
وتلبس أرضٌ ديدانها ورقَ شجرةٍ تعرت
والترابٌ يلبسُ ديدانه ثيابَ شجرةٍ كلماتٌ يدثر منطقُها
حيّاتِ مخيلتي.

____________

مطر صامت

(1)
نافذة تطل منها على خوائها، في فسحة، رغبة بين كتيبتين.
ظل وجوف يعصران الصمت.
أقرب من رجاء حلم شجر صار سجادة أرض.
نقشها ورق أخضر يصفرّ.
حديقة في أيّ شيء
وفيه ظلة مضيئة،
ولهٌ لهُ برودةٌ مياهٌ يغمرُ السكونُ وجهها.
ثبت بما يبهج:- أشجارُنا عاليةٌ
سقفُ غصونٍ ثمارها عيونٌ تتدلى.
كهدب زهرة حديقة خالط الطين عروشها
بعيدا عن السكينة النافذة الآن جحر
خائفٌ يرنو هنا
بل هنا عينان فأرتان
تختلسان لحظة رحيمة.
أذن قريبة من مطر صامت تلك الشجيرات التي حملت
سماء تربة سمت وتسامى معها فضاء سمع....

رمى الغبار حدسه على كلّ شيء ثابت
لا يتحرك سطح غرفة مطمورة في تراب .



مطر صامت
(2)

نافذة
نحت ظلام يسيل
غابة من صدأ
ويرى صحراء في حديدها .
يتوالى صدأ يخضرّ أو غابة تصحرت ..
كمالها نفيها :- أبصر وردة سها ظلها
تويجها زجاجة .
لونها مصباحها .
كأس عيون سها في ضوعها
برهان ظل
مريض .

مطر صامت
(3)

مطر صامت
(3)
نافذة
نحت يزول طلاؤه ، وأشجار تسيل ، ترى في ورق
تقطّعت شمسه ، يهطل نحو قرية من هواء ، مطرا
أخضر .
عالقة في دلو بئر ، في مدى ضيق ، في ومضة
عند سكون ضرير ، لجة السحر !
- "أبصر بابا لربيع دنا ، مرمى ملاذ ، وهبوب
رياح لذة ..."
في لجّة السحر أدلي دلو يوسف !
المدى ضيّق كومضة تحرث أشكالنا ، ناثرة بذور
برق مريض .

مطر صامت
(4)

لنحيا كأهداب الزهور لحظة
نحن نجمة وإنسان
صخور وغيمة
مكان يتحرك عفو خاطر
موطئا نفسه لنفسه
و لا سبيل
ثبات عالق في ريح غصن
يدي التي تقود عالما عاجزا إلى مكانه
خيول هواء واهم تفرق شعري
كما لاشيء لا شيء
وأكثر من ذلك، كله وعاء مياهه .
لنحيا زهرة في لحظة
لحظة واحدة من أبد يتكرر
السرير من لحاء
و نحن زهرة معمولة من مكاننا
لحاء صخرة
ولحاء فكرة تقودني .

زهور دمية تحمل المكان ذاته على خيل عجزه
سنا ناره طين ظلامه
ليهدي عشوه نجمة منسية
أحشاؤه نحن، ونحو جوفه تسرع أفكارنا في ذاتها.

ليل يمرّ قريبا من طريق شهوة
للمدى نظيره الضيق حيث يؤول سم سدرة
إلى ظلها
وخلف شكل الرغبة الوهن .. الإعياء
ماذا فيه يمكن أن يكون ماثلا
كمرعى نعاجه غيوم
غير أن يجتبي عيون مرآته
كلّا ببعض
جاعلا من تعب حالك رداء هالكين،
مرّة، مرّة دحرج شك غسل غاباته
مرتفعا عن دنس غائر
تحت مياهه
سقوط سماء كسفا دموع نوع ذليل
وهما محض سلام .
دعي وجهك لصقه
على وجه مرآته
عند ذلك الحدّ من بدء صيامنا .

نعم نعي هذا الوضوح
نعي هذا الجلاء
عندما تقوم سماء من مظاهر الشتات
سماء تدفع الصمت ضفائر
من مخلفات طائر، وغبار، ورق اصفر
تدفع صمت فسحة ضيقة
بلسان الريح .
ممشى بين أشجار بمبر طريقها ،على حجر
وفوق غصن نشرت هبة
عمامة الكون .

لنا أم علينا يسبل المساء ستر الظلام
جبّة مزق كف النجوم نسجها
من شجر كثة أغصانه
مخالب الأرض تجرح السواد .

أرضنا كرة الوحشة، مغزل الجنون
تلي قماشة من روعنا
لم لا
ظفر سبابها هنا ، بيننا .
وبيننا صوت المثيل شريك في ثرائنا
له نصف مرعى وخرافه
له نصف ذئب
و خرير نصف عين
عذاب نغمة مهجورة في صدورنا
ونوح بين أضلاعه .
للشركاء نصف كأس ونصفه ظلام .
يا لها
ثمالة إنسية
شطرها صحراء شكوى .

شفة الكأس إثم غيرنا
برودة ، بعدها جرف سينهار .



مطر صامت
(5)

أعلم أن ما يكون، هو الآن، أمامي
نصف عين تراه قادما من خلفها، من مكان نبتها
حيث يكون مكان غرسه
حديقة لمكان جرمه رسومنا.
ثمر معلق في غصنه رجل الفوضى
بدا لي غيمة من حبال
من هنا، نحو رياح، سحاب ماطر أبداننا
جهة الفعل؛ يقيم فكرة لبكائنا.

أصابع الدموع تريق عشقنا في الأرض
لابسة أجسادنا، ولابسين أديمها
ولا يكون ما كان ضدّا بل خيال.

جهة الفعل قصد لنبوءة
ظلام تضيئه هواجس الوصول
على مركب ظلّ
حمله ريحه
وما وراءه أمام.
إلى من؟
وهو حيث نفسه
رغبة
حيث حراك مثله عجز ناظر مريب.

مطر صامت
(6)

عذاب جمرة الندّ هباء شعاع يعبر النسيان
بينما منطقة لمنطق غير مأهول
تشيد بوق نحس أخنّ
لأقاويل، لأفراد خاطر يغيظهم شبيه مخالف.
ومن نافذة شمسها قنديل سهو معدن آثم يلتمع الآن.
نحاس أخنّ نادب زرع سنين بدا وجها لأعمال يدي
ثمرا لكل نبت
هو لي شرك
حول سروري يقف الآن، بأس لحظة سابقة، في جثة
في شكل صوت.

مطر صامت
(7)

في الطريق إلى هزيمة واضحة
ضيق مدى عيونهم، مدى يستقيم في نعاس، شجن..
هيئة الأرض خرائط الخمول، تفاصيل رؤى
تبحث عن عدد يلبط في بركة حل نقيّ.

كن هنا
نبوءة في رقيم تالف
وهل يكون سوى جفاء قول؟

في الطريق بساتين زروع من ظلام
عناقيد سكون وكروم أسى
وقد تدلت في سلال رؤوسهم، مع اليأس، ضراعة حبر.

في السماء فأس عزم نبا
وليس من شيء هنا
ليس من أرض
ولا نقض
وفي رأس مجهد فضاء لحظة تتهاوى يتهاوى.. ينهدّ.



مطر صامت
(8)

سرب طيور أم ثقوب سحاب
تنخل الشمس.
ينابيع ضوء، هدى من حلمات
تقيم رحمة.
حديقة من شتاء، ورق أصفر يسودّ
فهما لحنين.


مطر صامت
(9)

أعذب لون وردة بطيف ناسين
ذكرى روعة نائمة
نحت ظلمة
مآل

مطر صامت
(10)

السماء زهرة في يد طفل
جمالها بعيد
عطرها بين عينيه.
متى حرّكت الريح ثوبه
دنا من فم كأس
مياهه فضاء.
هو نحت رؤى في رغبة
في يده زهرة تعلو، هي الأرض
هو الأرض، ردّ ثمّ في قول:" وكيف"
كمال لحمة في شكل فصل
وإن ينم يزح
أو تمّحي.


مطر صامت
(11)

اجرح الاضطراب
امسك بحدّ رغوة العالم
الأخطاء عنف صمتك:-
الحالم المعنى البديل
وردة في إناء. في مياه. ميتة.
مطر صامت
(12)

من يشي بدغله ؟
شجر مرعبة أغصانه ، وقبيحة، له وجوه أعدائي.

العذاب
حشرجات أصواتهم ،
وقد سلت مصيرها في زفير النار.

للعذاب
أسماء أعدائي،
أنا الذي سماء و زهرة يدي.

أشكالهم بقع العذاب التي تحرك الظل تحت غيوم زرعهم
ولنا نحن زروع الشمس، أن نسلك النور عروش الطين
في سلة الجوع.


مطر صامت
(13)

نافذة
سور
كثير من الغبار
يصّاعد لون من الصحراء في حاشية من جذوع
غرزا لغربة خاطها النمل.
لقى الليل قضت خرزا سود.

حفيف الروح يكشف عن أرض بتول
قد يحركها تراب إخصاب
تراب حياتنا
رفيفا لشخوص خلاء في فضاء حرج.
من هنا، عروج ما يرى
يرى في نسيج خيطه أفكارنا.
شجر تضيئه رائعة الفعل في منحوتة
عظيمة من إرادات تضيف ومضة،
نبتة لغارس
وحقله ذهن رائيه.

وضوح ظلمة وبهاء وصفها
شجيرة من مياه
أو شجيرة بأخشابها مزروعة فوق مياه
لحاء مؤمن في فم تقوى
إلى شجيرة عاجزة في محيط لفظة
غبار ليل
علت رياح باذريه.


مطر صامت
(14)

سفن كثيرة تمخر بحرا بعيدا.
تحت شمس
فوق ماء
تمدّ نبتة أخشابها.
لمعة تموج وسط مغزل من هواء ومياه.

نورس تتناهى صرخاته
إلى شبه حدّ
بين ضدين
يرافق وحشة، هنا، معزولة.

فوق غصن أو شراع يتضاءل جنح نورس
عصفورة من سعادة كلام يتصاعد.

عذبة سهول الضوء
راعشة
ممدودة في البحر
تلهبها خيول ريح تتصاعد في برّ السماء.

سهم نار
نهار ساطع
أم مركب يخرق النسيان...

من أين
إلى طرق مكظومة
في جوف حتم
يمور.

واحة عين السرور التي أنظر
من خلالها
من إلى
قاع إلى
سفائن ال
غيب.


15
مطر صامت

الروح في زعم ملاك بناء من تناه لا يتم
حضور عابر يلعلع تحت سطوح الطين .

رونق يغطي ينابيع مياهه بأعمدة مفخورة ، مملوءة ، كلها
بصوت أجراس عميق،
كثيرة .

تموجي مع العشب، كيف يحبس الوضوح؟
كيف يريك كونه؟
قامته؟
طبقات من قشور، أمم، وسعادات تسيل في سيول اخضراره .

للروح أصابع عشب، مخضّ كائن، نمو خلاء
أبدية ترف إزاء جفنها .
عباءة خلفها نحن. وفيها... دونها .

سفن أبصارنا
أشجارنا هي
مثل مثلة بلا مثيل تراكم المكان في مياه زهوره .

المكان رنة حدثت ، ولم يقف أنينها
هو شكل موجة مفتوحة
حول نفيها .
مدى في غير وضع . ظهور لقليل مختف .

هو تحت، شيء كلّ لفظة، زهرها، فضاؤها وأرضها .

طرق واسعة جدا .

حدائق في بذورها مغروسة ، في مآلها ،
وفي ترابها .

طرق مصلوبة في أصلها .

مقعد أمام حبس لا نراه ، نكونه .

المكان أنة فهو صوت يتحول .
المقابل ليس حده ،
بل هو في ذاته ينمو ،
يكون غيره .

جهة أخرى إلى أطرافها
حزمة احتمالات إلى نقضها
روح ندّ ، روح رائيها إلى سعة آنية
فيها رسوم زهورها .

ملاذنا ...


كاظم الفياض
بغداد/2007

_____________________
______________
رعيان الأرض الممنوعة

الشمس ستغرب
يعوي ذئب
تهجرنا ألفتنا
ورعاة الأرض المحمية يرتحلون
الليل مشاجب رعب وعيون
الليل جنون
- من نطرق؟
- نطرق قلبك .
***
ذات صباح صافحني رجل من قريتنا
كان شجيرة بلوط فارعة !

في ذات الليلة
كنت رأيت القمر اللص يجوس القرية
أرجله مبصرة تنساب مع الخوف
غبار من ضوء تركضه
لا يتصاعد
تحبسه الطرقات
على أعتاب بيوت نائمة .
ناديت:"سلاما"
صافحني ثانية !
كان سلالا مملوءات بأنامل مقطوعة .
***
قبل شروق الشمس
سأناديك بهمس:
"قلبك شمسي"

إذا نبعت نافورة أصوات من أرض القرية ، ثم إذا سالت
كعيون القمر اللص بأقدام بيضاء ، على دكّات بيوت دون
سطوح ، دون مراث ، سأنادي:"افتح قلبك"

شمسك رمسي .
***
من أي حدود مغلقة ينفذ هذا الصوت
كيف يشق عباب الروح ويهتف
والملكوت
قمر فوق شجيرات يابسة
يحلم أو يبكي .

الرعب سكوت !
***
القلب سياط الرحمة
قادته إلي .

يقطعني الكلم الطيب أصوات لحمتها الحب
يوسف ينبع من جوف الجب
يعصر قلبا يدمي اللب .
***

مختنقا بهواي
أحلم أن طيورا ستحل بداري

ورصاصات متعبة مثل صباي يغادرن أسى قلبي
مثل نجوم بيض يقطرن سعادات حمرا.
***
أعلم أني معنى في فحوى الكون
كقطرة ماء في جب
لكن الرؤيا صيرت القطرة جبا ..
صاح الحالم:"لست أحد"
وأشير لأي كان تعال ... فأنت صديقي .
***
تنضح عين الليل دموعا تقطر في نهر من خوف
يجري في غابة رعب ، لا حطاب لها ، أو قل كل
الحطابين هنا فيها ..
أشجار الغابة مركبنا بلم
أو تابوت .
من أي حدود مغلقة ينفذ هذا الصوت
كيف يلم شتات الروح ويهتف
والملكوت
قمر مشتعل
يتوهج في ذيل الشجر اليابس
- اجهل كيف تموت
غنّى صوت :
- الموت عريس الناسوت .
***

ستكون لنا شمس أخرى
ويكون لنا قلب آخر
لكن... اجهل معنى الموت!
الأرض المحمية رعيان ممنوعون
يشملها ثوب سكوت .
اقبل أو أرفض
هذا معناك
هذا مغزى الأرض الأوفر حظا
تركضه قدماك .
***

كتلة أخطاء قلبي
كتلة أخطاء
كيف أهذبه
كيف أعلمه
أن الحب وليس الذئب
من يعوي في ليل القلب .
***

وحدي أعرف إني وحدي العارف
والكلمة جذلى مثلي
تعرف أيضا
ذلك ما قررت وهذا أفضل
كي نجلي الذئب
أو نخفي القلب .
***

"ظلك ظلي
قلبك قلبي"
كان الطائر قد غنّى
لكن .. أنّى
هل قلت "الطائر غنّى"
لم أفهم !
هل قلت "الرعيان امتنعوا"
فوق الأرض الممنوعة ، قبل رحيل الشمس الممنوعة
قد رحلوا ! هذا أفضل .. قد لا تشرق شمس الله علينا
ثانية ! هذا أفضل .. لقد انقرضوا .
سأنادي:"افتح قلبك"
ناديت أن افتح قلبك
سأنادي:"اسمع"

كاظم الفياض
بغداد1984
_________
الرحلة

ما زال الفتى المسافر الصغير
يحمل نتن البحر ذكرى
وقبلة ريفية مهووسة الإيقاع
أكان يراقب السحابات المتجهات نحو الخريف؟
هو لا يعلم
ويذرف على الدروب أغانيه القديمة
ويحمل غضب الله كساء كل يوم
ولعنة ووليمة

عندما كان يطاردني الثور الأليف
تحدثت إليه
كانت عيناه المغبرتان شمعتين
وأنامله الطويلة في المساء
أودية كثيرة الشكوك
وفي النهار ، عندما يقتادني الظلام إليه
وتوصد الأبواب أمام الدعاء
كان يجثو أمام الله
ويبكي
كثيرا
كالنجوم .

-2-
وفيك نجمة متعبة
تذوي في سماء الراحلين
وشوقا يا سيد الرحلة إلى الشاطئ البعيد
يكبلني كالأضلاع
ويتركني قصيدة .

-3-
رحلوا
وكنا بعدهم آتين
شريط من مآقي العين يتبعهم
وبقايا ذاكرة هامت في بقاياهم
فكيف أجلوهم؟
وصبيرتي ما مالت على أخرى
وقرنفلة كأن فيها بعضا من حماقتهم
تندي كما الليل
على رمل كاد يعلوها
ويعلوني .
يا سيدي
يا سيد الرحلة والحسرة الحرة والأصابع
تركتهم ينزفون
وعدت إليك
حاملا بشراي إليك
حجرا ينزفون
على أحجار منفاي
والرماد كالسماء ، والنجوم كالعيون
حدق
حدق فديتك في سكون .
إن رمحا جارحا في عتمة القلب
يقتادني إليه
كلما فسخت أضلاعي
وقلت: لم أجده
عدت ثانية
ولم أجده
لكني وجدت سيدا آخر مثله
يملك عينين
وأذنين
وجسدا مترعا حتى الأنف بالرذيلة
يقارع النجمة الذاوية الوحيدة
في سماوات فزعي المرير
ويتركني قصيدة

أكانت الأحلام نافذتي إليك ، عبر الهموم
أكانت المحارة صدفة وضعت في إنائي المحموم
بعدما ضيعها البحر الكبير
واستقرت في صدغها براءة الحقول
أكانت ...
وتفسخت الأضلاع
وقلت للساقي ، ما نسيت ،
إذا ما أصبح الفجر يؤلمه .. أنا المقتول .


-4-
يتعاط سمر الخمارين وجهي
وعلى أنخابه المرة يشربون
لأول مرة يتآمرون
هم والخمر على قتلي
وكانوا مثلي
يعيشون قتلى أبدا ، ولا يقتلون .

-5-
هكذا هم راحلون
ونحن في خطوهم سادرون
نحمل مما تحمل الأرض عنّا
ونشرب مما تهبنا
وكانوا مثلنا يفعلون ...
- عانقني أصبح فراشة
ويصبح لي وقع حبيبة
وشظايا نار توقد فيك الجمر الخابي
فأنسيك ، أيها العاشق المنسي
وأزرع في زوايا عينيك وهج الشموس قرنفلا
- والقنفذ المكسو بالخوف
ألا يحمل العقاب على ظهره كالجريمة
خذ أسلابي إليك
فكلها غنيمة
ولكن
دعني أمام الله أجثو
لعل سحابة تغادر الخريف
فتبدأ الرحلة حيث يبدأ الطريق
وتنتهي حين ينته الطريق
لتبدأ من جديد .
___________
*هذا النص كتبته وعمري خمسة عشر عاما .
وهو أول نص لم أمزقه . احتفظت به لأني عرضته على أصدقائي ، وكانت لهم قراءات قليلة ويحبون الشعر .
لم أكن مطلعا على علم العروض .
ولا معرفة لي بقواعد اللغة العربية .
ولم أتذوق الخمر إلا مرة واحدة بعد أعوام من كتابتي هذا النص .
لهذه الأمور ، ولأن أبياته الثلاثة الأولى موزونة قررت أن أفتتح به أعمالي الشعرية .
____________
__________________--

أجراس مياه ماسية

دار على فروته الوقت سريعا
وتمطت رئة النهر
تمطت
حتى بان خراب الأرض جليّا
قلت : سنبصر ما نؤتى مليّا
حان الوعد
وفاض النهر الآن
لكن الوعد تلاشى
والنهر جفانا ، وطوانا النسيان

قلت : بطيئا أهبط والغابة في قلب النهرْ
وبطيئا أعرف أن السيل نهاية ما ينهرْ
قلب فتاة تفتعل الرقة تلك الغابة
لكن النهر تلاشى
وتوارى حلما
وجراري انكسرت
ساحت منها جثة نهر ضاق به الأخدود
أنطمر الأخدود
وسال الماء
وعاء صار البرْ

هيأت لمجنون أن يمنح أشجار الغابة أسماء الأسلاف
لطيور البهجة أن تحفظ رسم ملامحه وملامحنا
لكنه خاف .
هو ذا أمل يمضي .

على تل ينمو بين أصابعنا والبدء
رأيت غبار الخوف سماء تتخلف عنّا
والخوف سماء تتقدمنا .
كان القلب سحابا يحبو بين سمائين
كان غزالا يركض مذعورا في أفق مسجور
خلف دوائر وقت ضاق بها الطين
قلت : الصبح دثار .
لكنّا نحن شموس الليل
على تل ينمو بين أصابعنا المقطوعة
كنّا محتشدين .
هو ذا أمل يمضي .

علمنا صوت أن نهبط في جوف الوادي
من جرفين سنرخي حبلا
لبلاد
جوهرة تتوسع أفقا ..أفقا
حتى تدخل في غيب أسمه جنّة وسنان
صار عراقا ألقا .

قيل : تهاوت بين الأشجار وحمّى الرأس سهول ٌ
تتجمع دون الكفين ْ.
وقلت : انغلقي .. يا عينْ
هذا وقت معقود بمياه الرجل البارد
بالسحر
بصمت رقية طفل مات
بماء حنينْ .

تتراقص ريح وريقات العنب الميت
وشجيرات التفاح على رفّ العرض تموت
لا خوف عليّ
انغلقي .

أصعد .
تحت الأرض سماء .
أوراق العنب الحية تصعد مثلي
وشجيرات التفاح الحية .
أين سلالم عجزي ،
أين الخوف ؟
انغلقي .

يتقدم في جسدي ساعة يدحضني البرد صباح المرعى
وجع الرأس وصرخة بوذا رمز يأكله المعنى
موت الصحراء جفاف النسغ الصاعد في قلقي
لا خوف عليّ ، انغلقي
كي أفنى .

موتاي شعاع، رؤيا
الظلمة نحت يدي
وتوالت رؤياي
الصحراء فضائي ويدي
ما حررت يدي
فنائي صار حكيما كالماس
صوتي أجراس ، أجراس
تتصاعد من ريح ونحاس

ما حررت يدي
ويلي
عبث يكمن في الصحراء على جسدي
ويفرّ لها مني رعب وعويل
ويلي ، لا ويل لأمثالي
لا ويل .

كنت أصيح : أنا أحتج
الماء سيجمد في نهري
من يحسبني بشرا يخطئ ..بل ثلج

كنت وحيدا
وكان النهر وحيدا
وصغيرا كان وكنتُ

الورد بهاء الماء
الماء بهاء الغيث
الغيث سحاب النفس
وكان الماء يقرّح جفنيه ..
(قيء الصحراء) أنا ناديتُ

كان العشب كلاما يخضرّ ويمتدّ إلى آخر أوقات الرغبة بالحلم
وقلت : الرغبة حلم .. الرغبة مستنقع موت
جار .

كنت أرى غيما جسم نهاري
نهرا من فاصلة الحلم تساقط تيها
كنت أراه شعاعا يتسلق روحي ويرابط فيها
أمطرْ- ناديتُ – قئ الصحراءْ
حدّ الدنيا تلة حلم بيضاءْ

ناديتُ وناديتُ وما أسمعتُ
كان النهر وحيدا
وصغيرا كان
وكنتُ .

للحكمة لوني وأنا أسعى خلفه
والحكمة أصغر تسعى دوني
(للحكمة لوني)
قلتُ .

قولي حجر يسقط في بركة ناسْ
صوتي ريح ونحاسْ
أجراس تتصاعد أجراس أجراسْ
تتوهج في نهر الخلسة في جوف الليل قوارب ماسْ
شمع يتلألأ في ماء أسود يتهادى منحدرا وسط عرائش ياسْ

قلت : لأحلم .
الحلم وشكل الموت كجدب الحكمة
ليس الحكمة سرّا يفشى
لا الموت قناع الميّت
لكنّ الحلم سكون
لكن الشكل حياة وهو الروح هو الإنسان

أغنية : حين رأيت مكاني وقتا بين الأوقات
قلتُ : لأحلم ..لا يأت ما ليس بآت

أغنية : أسير ورمل يعبر خطوي
ظلّ معجون في ظلّ
أم
وجه حصاة
ينظر في مرآة

أغنية : لست أغالي
لا أتعلق بالنجم العالي
لا أجمع في صرة وقت أدغالي
مكرور جسد الصحراء وأليف هذا الجسد البالي
لم أمسك نجما أو أجمع أزمنة
كان مكاني حلما من أوقات
حلم لا يأت ..حلم ليس بآت

رأسي خارج طوق اللحظة خارج نفسي
ثمر يتأرجح في غصن يتدلى من سدرة كون
أحمله
يحملني بعضي

هل أرنو؟ فوق يباس الأرض يباس الروح يسيل

ورأينا بين أصابعنا شجرا محترقا
حين رفعنا كفّا ضارعة سوداء، سببا أسود كان قد احترق
ما جدواه
غابتنا صارت بشرا والكل سهى بسواه
الكل عداه

تلك لوائح هذا العصر لمن يدخل فيه :
- أن يمحو صورته
- أن يتجمع والنمل بباب الرخصة
- أن لا يطلب مغفرة إلّا منه ولا معصية إلّا وتكون بأمره
- هو سيدنا
- هو سيّد نفسه
- تحت رماده كان الوهج وبين يديه
وكان سوادا يشتدّ بريقا .

أغنية : الأسلاف على جبل
والأحفاد على جبل
و مراثينا
واد يرقد فينا

مازال الطوفان بعيدا
ما زلت بعيدا
كنت أغني

نوح أقام علاقة وقت واضحة
فوق الأرض
إزاء الشعب

أزاح ستارة خوف مرخاة
بين عيون الناس
ونور الرب

قال كلاما
في الشمس
وفي العشب

لكن الشعب مشى في الظلّ
وكالعادة ضلّ

كذا تطفو ال ..آهْ
حين بكى وانغمرت أرض الله
قصب وأغان وسطوع مياه
كان يغني : ما زال الطوفان بعيدا . ما زال بعيدا . آهٍ ..آه .

أتدثر بالصمت
أرسم دائرة للوقت
أرفعها فوق رعونة صوتي
أرفعها فوقي
كان الهدهد قد غنّا : نوح الحالم قاد الطوفان
نوح ينام الآن .
_________________
كاظم الفياض في 1983 الموات
***

قلت لصديقي الشاعر "أرغب بكتابة قصيدة موزونة"
قال:- "أقرأ ما وسعك من المجاميع الشعرية بصوت مسموع، وحرك الحروف"!
- "لكني لا أجيد النحو" أجبته!
قال:- " انطق الحركة التي تأتي ببالك"
وزودني بمجموعة من الدواوين، أذكر منها "الأسلاف" لفيصل جاسم، ومما قرأت أيضا مجموعة "قمر شيراز" للبياتي، وكان صديقنا المرحوم خالد جابر يوسف قد نشر في الطليعة الأدبية نصا قرأته أعجبني سماه (الروح) كان موزونا على تفعيلة (فعلن) ومدورا كأغلب قصائد المجموعتين اللتين ذكرت.
في أيام لم تتعد الأربعة، أو الخمسة، كتبت أولى قصائدي وكانت مدورة، وبالتفعيلة ذاتها "لم أكن أعلم ما هي" سميتها "رماد الحكمة"
تلتها "الموات" التي سأنشر فقراته تباعا، وقد عولت فيها على الفعل المضارع أبدأ به الجمل للإمساك بإيقاعها، وأظنه نفس الأسلوب الذي انتهجه الشعراء الذين ذكرتهم، ومع إن صديقي النبيل نبهني إلى جملة فيه موجودة كما هي في نص خالد يرحمه الله، وإني أظنه فقيرا فنيا لأن ذهني شارد وراء الإيقاع، لكني أعتقد أنه بعيد عن تجارب الشعراء الذين ذكرتهم، وإن مياهه العميقة نبعت من عروقي.
هو نص أحبه ولا أريد أن يمثلني!
نص للذكرى والنسيان .

(الموات)

تهجر صوت مراثيك
وتطرد من روح الأرض تصاوير الأفعى، حشد الأسماء
وتخلق أعيادا لأراجيح الأطفال
وأعيادا تمخر فيها موج بحار الخوف
وفي زبد الروح يقيم جموح الموتى نصبا
للأحياء المبثوثين سرايا في جيش العقل الثابت بين زجاجات الخمر
وأحلام العنب المنبوذ.

تمرّ مرورا بالأجرام، الأكوان، على مركب ذاكرة
أو تهبط فوق مسامات الوجل القابع في روحك جرذا.
طير الكاف المتدلي فوق خراطيش الحرس الليلين يباشر قلقلة القلب
يزعزع أوتاد النون
ولا تملك إلّا أن تلمح وجهي الأسطورة طفلا
يتلهى بالغيم الممنوع
وأعمدة الغيب البرّة تكتم أحفادا
يطلع من وحي فراستهم طائر ليل يعشو

أين نباتات الموت المزروعة كالأعين في ماضي المرآة؟
تراكم ألوان سالفة تابوت إضاءات.. ذكرى.

أين ابن المرآة؟
وأين الرجل اللا قبطي الطواف كأنفاس البدو يقود النار
إلى صوت الريح المتهدج فوق تجاعيد الأرض؟
وأين الميت في الرحم الطاهر، بدء حياة الموت؟
وذاك الراعي قاموس الحكمة هل يخرج من فيض الصحراء
الملأى بعذاب شعير الصمت؟

تنسى الصيف
ولا تفتتح الفصل المطر..
تحفر في عينيك أخاديد سيول شتتها تقويم السنة العذرية.

تبتدر الآن جنون مسارات تركن سيف الأجداد إلى حائط مبكى
أعرض من قطعة خبز
يابسة.

تقود غزال الجوع الأعمى عبر بروج الليل الممتدّ
تسابق أرضا ضيقة، أعمدة تتعالى من روحك
تشنق صمت الآخر
تسقط عنه أكاليل الغار
مساحات العيب الذاوي تحت قناع الخوف
وقطا الأسرارالأدنى من وجع الليل
الأبعد من دفء الشمس..

رمم من هرم أفاع تقطن روحك قنطرة
تعبر فيك قباب الليل
وفي أصل الكرمة
إذ تعبق في جوّ الغرفة يا ولدا لا يشبهه غير دخان الإنسان
ستعلن تحت شجيرات الجسد المفتون بروح الآخر
إنك ميت.
___________________



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن