مباحث في الاستخبارات (117) معالجة القتال المتحرك

بشير الوندي
basheer_alwendy@yahoo.com

2018 / 5 / 24

معالجة القتال المتحرك
بشير الوندي
--------------
مدخل
--------------
ان اي عمل لا يتضمن تقسيم المسؤوليات محكوم بالفشل , واي تقسيم خاطيء للمسؤولية - في المجال الامني والعسكري والاستخباري – يعني وقوع مخاطر كبيرة , الا ان الاهم هو ان نعي المشكلة الامنية بشكل معمق وحينها سيسهل تقسيم العمل والمسؤوليات.
وكما نوهنا في مباحث سابقة , فان الجهد الاستخباري واهداف الجهاز الاستخباري ينظمان على اساسين , اما على العدو او الجريمة , فمثال التقسيم على العدو ان نقول ان جهاز ما مختص بتنظيم داعش , ومثال التقسيم على الجريمة ان نقول ان جهاز ما , مسؤول عن جرائم المخدرات.
فاذا كان جهاز ما مسؤول عن داعش , فهو مسوول عن كل شيء ضمن داعش , فعمليات داعش وتهريب نفط داعش وادارة اموال داعش وقيادات داعش , تعتبر كلها من واجب هذا الجهاز , ولكن اذا قامت داعش بالاتجار بالمخدرات , فهنا يدخل الجهاز المختص بالمخدرات على الخط بالتعاون , وهذا جوهر ما ذكرناه في مباحثنا السابقة عند الحديث عن اهداف وواجبات اجهزة الاستخبارات.
اما في هذا المبحث فان مانناقشه هنا فهو اكثر دقة وهو , كيف يتم تكييف المسؤولية وفق متغيرات اساليب العدو , فمثلا عندما كان داعش علنياً فوق الارض كان المفروض ان يكون واجب الاستخبارات العسكريه لان جيش يقاتل عصابه تمسك الارض وتحدد الاستخبارات العسكرية كمرجعية للجهد الاستخباري , ولكن عندما يتحول داعش الى العمل السري الخفي , فمن هو المسؤول؟ , وسنركز في مبحثنا هذا على المرجعية الاستخبارية حين يتحول العدو الى اسلوب القتال المتحرك (الكر والفر) .
--------------------------
الكر والفر ..اضطرار
--------------------------
نلاحظ احيانا تبديل التنظيمات الارهابية لطبيعة اساليبها الهجومية , فنراها احيانا تعتمد اسلوب الكمائن والاغارة وتهديد الطرق الخارحية وضرب السيطرات ومفارز شرطة الحدود في عمليات كر وفر مستمرة ومتصاعدة .
ان اعتماد اسلوب الكر والفر والقتال المتحرك ليس نزهة ولايعتمد بشكل كيفي , وانما هو اسلوب تكتيكي مدروس تضطر له التنظيمات المسلحة وأحد اهم أساليب حرب العصابات , ويتم اعتماده من قبل التنظيمات الارهابية كتكتيك قابل للتطوير الى اساليب اكثر عنفاً , او ان يكون علامة من علامات لعق جراح التنظيم , اثر تلقيه لضربات موجعة نتيجة اصابته بخسائر جسيمة , وعدم قدرة التنظيم الآنية على ممارسة العمل الارهابي الامني (تفجيرات وانتحاريين وغيرها ) بسبب الضعف اللوجستي في توفير مستلزمات العمل الامني حالياً (عجلات , متفجرات , اوكار , انتحاريين )ولان القوة المتوافرة هي عبارة عن مجاميع مسلحة صغيره مبعثره على الارض .
--------------------------------
مرونة القتال المتحرك
--------------------------------
يوفر اسلوب القتال المتحرك (الكر والفر ) حيوية كبيرة للارهابي بأقل الامكانات , فيتاح له الاحتفاظ بحيوية الحواضن وسيطرته عليها , كما تتيح له وجود خلايا دعم نشطة توفر له الماوى والغذاء والبانزين والعتاد في الارياف وكذلك سهولة التنقل في الوديان والجبال والصحراء , كما ان من ابرز مقومات تلك القوة انها تستغل الجغرافيا بشكل كبير وتجعل مسرح عملياتها في مناطق الفراغ الامني لاسيما مابين قواطع العمليات.
وتمتاز القوة الارهابية تلك بانها تقع في جغرافيا محدوده لا تبتعد ما بين المخبـأ ومسرح عملياتها فلاتزيد في ابعد التقديرات عن 10 كم, وتعتمد الهجوم السريع والتراجع بمجاميع مسلحة صغيرة وقوة نارية كبيرة ضد الثكنات والمواقع العسكرية وتعتمد الاغارة والكمائن والقتال المتحرك ( الكر والفر ).
ان المساحة الجغرافية التي تتعامل بها وتتحرك خلالها تلك المجاميع تكون محدودة للغاية بحكم ان تلك المجاميع قليلة في عدد الأفراد وتعتمد الفراغات الإدارية والأمنية مابين قواطع القوات والفرق العسكرية .
وتعتمد تلك القوات كليا على القرى والأرياف في التموين , وتعاني من نقص مستمر في البانزين والغذاء والماء ومن مشكلة معالجة الجريح وتغيير مكان الاختباء كل بضعة ايام , حتى انها لا تأخذ أسيراً وتقتل الجميع لتبقى قوات مرشقة .
ان في اسلوب حرب العصابات هذا تكون الجغرافيا هي الحاكمة , فالارهابي يتحرك ويقاتل في مساحة متقاربة , فيظهر ويتوارى في حدود بين ٥ الى ١٠ كيلو متر , لان المسافات البعيدة خطرة عليه , فلا يستطيع ان يقطع اكثر من ١٠ كيلو متر من المخبا الى الهدف لعدم امكانيته على الاستخبار باكثر من ذلك , فهو يقاتل في نفس مكانه او على مقربه منه .
ان ما يساعد على نجاح تلك المجاميع هي فوضى القيادة والسيطرة في القوات العسكرية الحكومية وضعف وتشتت الاستخبارات والتراخي الامني والعجرفة العسكرية المستهينة بقلة عدد وعدة العدو وكذلك اختراقات العدو من خلال عملاءه لاعطائهم معلومات حيوية تنفعهم في عملياتهم , والاهم من ذلك غياب التحديد الدقيق للجهة المنوط بها التصدي لقوات الكر والفر الارهابية .
ففي غياب المركزية في القرار الامني والعسكري ومرجعية الادارة والسيطرة وتزايد حلقات الارتباط البيروقراطية تعطي زخما كبيراً لتلك المجاميع الارهابية في تحقيق ضربات موجعة للجيوش النظامية تصاحبها فرقعات اعلامية تظهرها بمظهر القوات الهلامية التي لاتقهر .
--------------------------
على طريق النصر
--------------------------
ان القضاء على قوات القتال المتحرك للعصابات المسلحة امر ليس باليسير وعانت منه دول كبرى , الا ان هنالك خطوات جوهرية لابد منها للتضييق على تلك العصابات والتمهيد لشلها والقضاء عليها :
1- لابد ان يتم التفكير باساليب العدو وقراءة افكاره وتقليد اساليبه,فحرب العصابات المرشقة لابد ان تحاربها قوة حرب عصابات مرشقة مدعومة بكافة الامكانات التي تسهل لها الحركة , شريطة ان لايتم اشغال تلك القوة بمسك الارض .
2- لابد من ان تتولى الاستخبارات العسكرية حصرا مهمة توجيه تلك القوات , فعصابات القتال المتحرك والكر والفر تستخدم اساليب عسكرية وليست امنية , ومن ثم لابد من ان تتولى الاستخبارات العسكرية المهمة في القضاء عليها , لاسيما وان الجيش واستخباراته من القوات الفيدرالية التي لامجال للعصابات المسلحة للعمل بين قواطعها في مفاصل التقاء الجيوش , بل ان الاجهزة الاستخبارية هي الانشط عادة في النقاط المفصلية بين قواطع العمليات والحدود وغيرها من التقسيمات .
3- تقوم القوة المكافحة بعمليات الامن الاحترازي ونصب الكمائن وتفتيش المناطق والمداهمات والتفتيش والبحث والاستكشاف والاستطلاع بلا مسك للارض .
4-وحين تكون الاستخبارات محددة المرجعية ستتمكن من الاختراق والتقصي والوصول الى الاماكن والمقرات الامنة لتلك العصابات ومن ثم ضرب التمويل (بانزين . ماء . غذاء . تجهيزات طبية . مخابىء... الخ ).
5- تشديد اجراءآت الامن العسكري للقطعات ومنع تسريب المعلومات عن الواجبات والفعاليات .
6- الابتعاد عن الطرق الكلاسيكية العسكرية , كميل بعض القادة العسكريين الى مسك كل شبر من الارض وهو امر غير عملي ومرهق وغير مجدٍ .
--------------------------------
مهمة استخبارية بحتة
--------------------------------
ان من انجع الطرق لتحطيم معنويات افراد حرب العصابات تتم من خلال الدراسة الاستخبارية الدقيقة لطبيعة معيشتهم لتسهيل اقتفاء آثارهم ومحاصرة مفردات حياتهم ولوجستياتهم والقيام باجراءآت مضادة لطبيعة معيشة العصابات بشكل عملي ومبتكر , وامثلته :
1- مراقبة كمية المواد الغذائية والوقود المتنقلة بين الأرياف.
2-- تفتيش بساتين وضواحي القرى.
3-- تفعيل جهاز تنصت ميداني لرصد الاتصالات اللاسلكية.
4-- نشر المخبرين في القرى والأرياف المحيطة.
5- مراقبة خزانات الماء المسحوبة على العجلات.
6- مراقبة محطات الوقود في المنطقة المستهدفة, وملاحظة من يشتري وقود أكثر من حاجته.
7- مراقبة مصلحي العجلات في المنطقة.
8- مراقبة المركز الصحي والاطباء والمضمدين ضمن المنطقة.
9- عند القيام بحملات تفتيش لابد من معرفة حقيقة ان الارهابي المقاتل يكون من الصباح حتى قبل الغروب ضمن ضواحي الأرياف وفي المساء يأتي للاستراحة داخل القرية.
10- مراقبة كميات الطحين المشتراة من المواطنين.
11- الحذر ومراقبة وتدقيق الإشاعات .. لأن المقاتلين يبثون إشاعات للتهويل في أعدادهم بشكل كاذب لايهام السلطة.
12- عدم استخدام قوات محلية للمداهمة , لأن لرجال العصابات من ينذرهم.
13-تقديم طعم لهم لاخراجهم من جحورهم , كنشر أخبار عن مداهمات أو سيطرات أو تفتيش , وعدم القيام به لهز ثقتهم بمخبريهم ولكشف المخبرين.
14- ان من المهم معرفة بعض الحقائق المنطقية عن تلك العصابات , من قبيل ان قوتهم لا تتجاوز أكثر من 30 . 40 شخص لصعوبة تغطيه احتياجاتهم اللوجستية وانهم يختارون فترات الفجر وقرب الغروب للقيام بعملياتهم الارهابية و يستغلون حالات الطقس الصعبة كالمطر والرياح ويختارون مكانين او ثلاثة للإختباء , ولايمكثون اكثر من يومين او ثلاثة في المكان الواحد .
وغالباً مايضعون اسم قائد وهمي يتردد على الأرياف معرفا نفسه , وهو منفصل عن المجموعة , مدعياً أنه من يقودها لغرض ايصال اخبار مغلوطة للاجهزة الاستخبارية , وغالبا ما يكون قائد المجموعة الحقيقي ليس من أهل المنطقة وبعض عناصره أيضا , فيما يكون البعض الآخر من أهل المنطقة, كما انهم يحاولون عدم الاصطدام بأية قوة أمنية كبيرة , وقد يستخدمون زي الشرطة والجيش في المنطقة احياناً .
يقوم رجال العصابات باستبدال عجلاتهم باستمرار من خلال خطف عجلات من الشارع العام ويفضلون عجلات الدفع الرباعي والعجلات الحوضية , ولا تتجاوز عجلاتهم خمسة الى سبعة عجلات , يستخدمون واحدة أو اثنين للخدمات (تحمل تنور للخبز والمواد الغذائية وخيمة كبيرة وضمادات واواني طبخ وقناني غاز) ولديهم مثابات متعدده في المنطقة.
وفي الأيام التي تكون فيها المجموعة في استراحة يكون لهم راصد أو اثنين من الفجر حتى بعد الظهر خوفاً من حركة القوات الحكومية , اما مساءاً فهم في حالة استرخاء , وتكون لديهم نقاط لقاء مع رابط التنظيم لتبادل البريد من خلال محطة وقود , مزار , مزرعة , بيت منفرد.
كما ان انتشار القطعات في منطقة عملهم يزعجهم كثيرا لكن لا يؤثر عليهم وهم يستخدمون أجهزه اتصال بينيه قريبة المدى , ويستمعون إلى اتصالات القوات العسكرية , ويشاركون في مناسبات القرى كالأعراس والعزاء بكامل عددهم وسلاحهم لعرض قوتهم ولا يحتفظون بملابس ولحى وأشكال داعش ويغيرون شكلهم مثل عامة الناس.
15- اما عن الحواضن , فلابد من معرفة طبيعة الناس في تلك المناطق , فبالعموم ينقسمون الى قسمين مابين خائف منهم ومؤيد لهم , كما ان أصحاب المحال الصغيرة في القرى يعرفونهم لأنهم يشترون أكثر من حاجتهم. ومنهم او عن طريقهم , وكذلك يعرفهم أصحاب محطات الوقود , لأنهم يشترون وقود كثيرا (تعبئة سيارات وجليكانات) , كما يشترون الخرفان من الرعاة ولهم في الغالب متعهد لجلب الخضروات يضعها لهم في مكان معلوم متفق عليه.
وكما نرى من النقاط السابقة , فان العمل القاتل للعصابات المسلحة هو العمل الاستخباري بالدرجة الاولى مع وجود قوة مرشقة تستهدف العصابات من خلال هجمات مبنية على معلومات سريعة وواضحة, وتكون لتلك القوة امكانية دعم جوي وطائرات مسيرة للرصد وللاغتيال.
--------------
خلاصة
--------------
علينا ان لاننسى بان الارهاب ينظم صفوفه حتما للانتقال للعمل الامني والتفجير داخل المدن , فهو يبدا في التجمع في الجبال والصحراء والوديان ويجعل منها مواقع امنة له , ثم يتوسع ليجعل بعض الارياف غير امنة بعمليات حرب عصابات , وثم يتسلل الى الارياف ليتواجد بها اولا بلا سلاح ومن ثم يحمل السلاح.
بعدها يذهب الى اشغال الطرق الخارجية وعمليات كر و فر وقتال متحرك ثم يسعى للانتشار في المدن الصغيرة , وينتقل من خلالها للهجوم على ضواحي المدن الكبير ليضرب في كل مكان وليسقط المدن الكبيرة.
ان انهيارات داعش في العراق اعادته اجباراً الى اساليب قطاع الطرق بعد ضياع حلم الدولة , الا ان اساليبه التي ينتهجها في حرب العصابات هي اساليب مرشقة تحتاج الى تكتيكات عالية مرشقة هي الاخرى , والاهم ان تناط المهمة الاساسية في القضاء على فلول داعش بالاستخبارات العسكرية التي اذا ما زودت بقوة عسكرية فعالة مرشقة ان تكون الضد النوعي الذي يقضي على احلام داعش , والله الموفق.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن