أهمية مشروع الدين وأرتباطه بالتحولات الزمنية الكونية

عباس علي العلي
fail959@hotmail.com

2018 / 5 / 20

الدين كما ورد في أخلاقياته المرشدة أسلوب تعامل حياتي ومظهر من مظاهر الشخصية الفردية في تعاطيها مع الحياة كعنصر إيجابي ملتزم بأهداف وغايات محددة، وحتى يكون هناك أمل في الإصلاح والتغيير والتجديد لا بد من أتاحة الفرصة لها لتغير نظرتنا وأهدافنا ومناهجنا تبعا لحاجات الإنسان المتجددة والحتمية بالتطور وهو يسعى للكمال والتفوق والإبداع، وحين ندرك هذه الحقيقة ونبسطها كجزء من نظامنا العقلي والسلوكي لا بد لنا أيضا أن نمنح العقل فرصة الكشف والنقد والتقرير لما هو متوافق مع الخير والإصلاح فنجسده مشروع وممارسة، ومما نكتشفه على أنه لم يعد فيه ما يكفي ليكون حاضرا وفاعلا ومنتجا لعوامل الخير نركنه في زاوية متحفظين عليه، ونتجاوز إحداثياته حتى تتهيأ الفرصة مرة أخرى لعرضه وفهمه بموجب مستجدات وتطورات الجزء الذي أخذنا به أول مرة، هكذا يمكننا أن نتقرب من الدين ونقربه للواقع ونشركه مع كل المعرفة الإنسانية علوم ومدارك وأخلاقيات وقيم لنعيد نمذجة العالم من حولنا ومن جديد.
المشروع التنويري ليس بدعة إنسانية ولا هو ترف فكري مقابل حقيقة يعتقدها البعض إن موضوع إكمال الدين يعني أن الديان ختم على كتابه بختم النهاية ولم يعد هناك مجالا أو فرصة للتغيير، الإكمال هنا أعلان من الله أو الديان الذي صاغ حركة الدين في المجتمع من أول الخليقة ولليوم أن مشروع الدين كان مشروعا زمنيا تأريخيا مرتبط بالتحولات والتبدلات التي صاحب وجود الإنسان، وبالتالي هذا الإعلان بالتطور له وجهان الأول أن الإكمال أنتهى إلى نقاط أساسية تشكل خارطة طريق للبشر في حياتهم وعليهم أن يدركوا أن أي جهد أو محاولة إنسانية مهما كانت نبيلة وعقلانية ستصل إلى نفس النقاط التي وصل لها الدين الكامل، هذا يعني أن الديان يقول للناس حاولوا بالقدر الذي يمكنكم العمل منه ستجدوني في النهاية في نفس النقطة التي تسعون لها، أما القضية الثانية في الإكمال أن المبادئ تبقى مبادي والغايات كما قلنا هي ذاتها ولكن العمل الوسطي بين الغايات والمبادئ هو المطلوب من الإنسان التحرك فيها والتجديد بتفاصيلها ووسائلها وأساليبها تبعا للظروف والمتغيرات.
رسالتنا للإنسان رسالة تذكير وإبراء ذمة وأعلان منهج تأصيلي لا نحتاج فيه إذن أحد ولا نقاوم فيها إلا الإنحراف والزيف والتبديل، وبذلك نمارس حقنا الذي منحه الله لنا من خلال مفاهيم التذكير والتذكر والتدبير والتدبر والعقل حين يكون مسؤولا (وبه يثاب الإنسان ويعاقب)، ونحن نعرف مقدما أن هناك ألاف الأقلام التي ستشرع بالكتابة التسفيهية والتشهير بما فينا أو لا يمكن أن يكون منا، ومنها من يتهمنا بالكفر والإلحاد ومنهم من ينسبنا لأعداء الله والدين، وأخرون سيرون فيما ندعوا له تمردا على الله وعلى دينه ولا بد من مكافحة هذا التمرد وغسله وأثاره بالدم، وأيضا نعي ونفهم كل هذا الضجيج الذي سيثار وأهدافه ودوافعه والجهات التي تقف خلفها من عمالقة الكهنوت وأصنامه، ولكننا أمنا بحقنا كما أمنا بديننا ولا بد من كلمة حق بوجه المستبدين والطغاة والمتخلفين الذي لا يرون في الدين إلا سجادة وعمامة وحفنة ماء للوضوء، الدين عندي غاية العقل في أن يجد مرشدا حياديا له يخلي بينه وبين سبيل الجمال والخير والمصلحة الشمولية للوجود، ومتى ما عجز الدين أن يوفر هذه المعطيات سيسقط ويموت كما ماتت غيره معارف وعلوم وثقافات فشلت في تقديم ما يوافق العقل والوجود ويسايرهما نحو المستقبل وحاجاته.
هنا أوجه كلامي للأخوة والأخوات من القراء الذين ستصلهم الرسالة أو يقرأوا ما فيها ومن خلفها وما أضمر منها عليهم أن لا يعتمدوا على أن ما جاء فيها هو زبدة الكلام، فحتى الحليب إن لم يدرك تحريكا كثيرا لم يخرج زبدته كلها، علينا أن نضع كل ما يصلنا أمام أعيننا الفاحصة عن خبايا وأسرار لم تعلن أو لم تبان كاملة، وفوق منصة النقد الممنهج العلمي والعملي وبمختلف طرائق ومدارس النقد ومناهجه في الدراسة العميقة والتمحيص الدقيق، فما سلم منها نعطيه مجالا لأن ينفذ إلى عقولنا ونتعامل معه وبه ومن لم ينجح أو يجتاز أختبارات المنطق ومنهج النقد فلا نرميه ولا نتركه على حافة الإهمال، لا بد من البحث عن نواقصة أو الإشكالات التي أثارتها القراءة وعندها سنكتشف ما ينقصنا أو يعوزنا لتكتمل معه الصورة، أيضا أن عملية النقد والتمحيص بحد ذاتها مشاركة عقلية مثرية للفكر ومتفاعلة بظروفها ومعطياتها مع أصل القضية، وبذلك يتحول الناقد إلى خالق معرفي أخر ويصبح المتاح المعرفي أوسع وقد يكون أشمل وهذا الحال بحد ذاته أنتصار للعقل البشري وأنجاز مشهود.
لقد كتبت كل ما قرأتموه أو ستقرؤه وأنا واثق كل الثقة أنها تعبر حقيقية وبكامل المسؤولية عن دوري كإنسان فرد في مجتمع لم يعد يتحمل خرافات وأختراقات البعض للفكرة الدينية وجوهرها النبيل، وقد أشبعوا العقل الإنساني من جرعات التخدير والتنويم والتخريب لعلهم يجدوا أنفسهم في يوم من الأيام ألهة أو نصف ألهةعلى الأقل، وهم الآن على وشك الوصول للهدف بعد أن تحول الكهنوت ورموزه إلى خطوط حمراء من ضمن دائرة الوعي الذي صنعوه وخلقوه للواقع، وكأن وظيفتهم هي الدعوة لأنفسهم والتبشير بوجودهم بديلا عن الوجود الرباني والحضور في مقام البدالة والتماثل والإنسجام، هذه رسالتي أبعثها لكل إنسان مؤمنا كان أو غير مؤمن عارف بما يدور أو يحتاج لتعريف ما، مختلف معي أو متفق ففي النهاية كلنا إنسان وكلنا في مركب واحد أسمه الحياة الدنيا أو الوجود الإنساني الحاضر، فمن أصلح وتصالح كسب السلام والمحبة والخير، ومن عاند وأستكبر وجحد فإنه سيجد نفسه يوما ما بحاجة يد تمتد له لتنقذه من غريق أو حريق، ويتمنى أن يتذكر ما نسيه من قبل قول الرب الرحيم (يا ليتني لم أتخذ فلان خليلا).



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن