قراءة للكاتبة الاستاذة بسمة الحاج يحيى من تونس الحبيبة في القصة المتوّجة في مسابقة احمد بوزفور للقصة القصيرة في المفرب الشقيق في دورتها الخامسة عشر .

عقيل فاخر الواجدي
abqeeel@yahoo.com

2018 / 5 / 19

قراءة للكاتبة الاستاذة بسمة الحاج يحيى من تونس الحبيبة في القصة المتوّجة في مسابقة احمد بوزفور للقصة القصيرة في المفرب الشقيق في دورتها الخامسة عشر .

قصة قصيرة للكاتب عقيل الواجدي
بعنوان: « #لا_ذاكرة_للوطن » المتوّج بالمركز الاول في مسابقة احمد بوزفور في دورتها الخامسة عشر
علامة فارقة سيجارته التي في يده ، معقود قِرانها منذ اول فجيعة المّت بروحه ، دخانها الذي يعبّأ المكان يرسمُ ذات المشهد دون خروج عن النص ، هما عنوانان – يده وسيجارته - لأيامٍ تعيد نفسها .
ساقهُ التي اَلْقوها كيس القمامة بقيمة وطنٍ بخلَ عن لحظةِ اتكاءٍ له ، خيالهُ الذي يتكسرُ على الزاوية من الغرفة الناعسة الضوء لحظةُ ندم ، وعيناه التي تشيحُ عن التركيز مقصلةٌ تقطعُ منه في كل لحظة منها حُلما تعثر عند ابواب العوز . رؤوفا كان المشرط به فهو لم يقطع ماتبقى من ساقه فحسب انما قطع الوجوه المزيفة التي تلاشت تباعا ليبقى في عالم من الوحدة لاانيس له الا نافذة هي عينه التي يطل بها على العالم ، وبقايا امنية كهذا الدخان ما ان تتسع دائرته حتى يختفي !
العويلُ الذي اصاختْ السماء عن سماعة سِمَةُ البيوت التي تُفْردُ روحها سخاءً ، على ضيقها ، وحدها من تتناوبهُ – العويل – اياتٍ بيناتٍ تُتلى اناءَ اليتمِ واطرافَ الموت ، فالليل يرنم الانين المنبعث من الصدور حتى تخال ان البيوت تصغي اليه لتنعم بالسكون ، لاابلغ من صمت الحزن بارواح انهكها الترقب وخداع النفس ان العيون ستصحو على وجوه طال ترقبها ...
الليل ملاذ المنكسرين الخائبة احلامهم الرامقين السماء بعين التلطف ، هاهو الليل يزف الى مسامعه عويلا اخر ، وآخر من هناك ، وآخر ... ماعاد صوت العويل يخطف قلبه كما قبل ، فربما لانه بلاقلب منذ ان خطف العويل قلبه على صراخ تجمهر عند باب بيته لتشيخ احلامه دفعة واحدة وهو يرى اباه مسجى على ظهر سيارة ! اودع قلبه حيث ماتبقى من ابيه في حفرة ادرك فيما بعد انها قبر ، هو الليل الذي ماعاد يرهبه فكل الايام من دون ابيه ليل ... وكل البيوت المحدودبة حزنا ضحايا للحروب التي لاقود لها الا الفقراء ... الحروب ترث بعضها في وطن ادمنه الموت .
لا فيروز للصباحات الكسولة في مدينة تتلفتُ طيورها فزعا من حصى الصبية الذين يسبقون الفجر نحو المزابل ، هي روحٌ اخرى يشيعها العويل نحو السماء لتُمطر َ البيوتَ وجوما وحزنا . الحالمون بسقفٍ وحدهم من يشيدون الجدران وينسجون الاماني سلالما ، ووحدهم من يهبون الارواح بلاثمن ..
سكون قاتل هذا الليل لا يكدره سوى صريرِ ابواب الصفيح لبيوت تراصفت الى بعضها كأنما تنشد الدفء ، عيناه وحدهما من يرقبان العالم وهذه السماوات التي تتعطل عند ابوابها الادعية وارواح المغادرين ، لا انباء عن الفقراء الذين شيَّعهم العويل ، معطلة حواسنا عن ادراك ذلك ، من كان عبدا في الارض لاشك لن يكون ملكا في السماء !
منسي – هو - كفكرة لم تُدَوَّن ، منذ ان تخلى الوطن عن ذاكرته ، النافذة عالمه الفسيح ومتكؤه الذي لا يَضْجَر ، اعقاب السجائر التي تتطاير من النافذة بحركة لولبية بعض متعته وهو يراها تندفع من يده كرصاصة ، الرصاص الذي كاد ان يفجر الرؤوس لازال دَويّه في اذنه وهو يقفز السواتر تباعا للوصول نحو الرابية التي تنفث رصاصها نحوهم ، قلبه الذي دفنه نبضت به الارض ، الفقراء وحدهم من يخافون على مالايملكون ووحدهم من يظنون انهم يملكون كل شيء !! لكنما ما كانت الشجاعة كافية لان يعود بساقه ولا الدماء التي تناثرت كافية لاخضرار غد !
عقيل فاخر الواجدي
العراق / ذي قار
ايميل
maya96655@gmail.com
**************************ا
قراءة نقدية
بقلم الاستاذة بسمة الحاج يحيي/ تونس
لنص : لا ذاكرة للوطن
للكاتب القدير الأستاذ عقيل الواجدي
***********************ا
النص، عبارة عن قصة قصيرة ، حديث روح داخلي، تخلّلته أحداث اجتثّها الكاتب من حفرة الذاكرة لجسد نصفه بحفرة الأرض، بينما نصفه الآخر يحلّق بين الماضي و لا يرى من الحاضر سوى دوائر ألم و خيبات نسجها الزمن في غفلة من الوعي و الإدراك، في زمن، أضحى الصمت فيه سلاحًا مُـجـْدٍ وفعّـالا، بينما بريقه مرآة تغطّي وجع الضمير الساكن سكون الأفعال المغيّبة ..
هي حديث الروح للروح، أو هي حديث الروح للجسد المنهك، جسد أتعبته ذاكرة تطوف بمسرح الجريمة، مسرح اختلط ركحه بدمائه، ببعض روحه، بشوقه لأب غاب فغاب معه وجه الوطن. ضاعت ملامح و تعفّر تراب الوطن ببعض ملامحه المنتهكة. تشرّدت الصور و كذا الذاكرة، و ذاكرة لاتزال تطوف و تحوم بمسرح شهد يتمه و يتم الوطن. مسرح شهد حزنه و كذا حزن الوطن.
صار الوطن بعض دم مغلول و حب مفقود. صار الوطن وجها، فسيفساء، يحمل جينات و آثار خطوات لن تكتمل. و يبقى عبق الحياة بنافذة تطلّ على بقايا وطن، و على آلام روح تشبّثت بهيكل وطن، تغذّيها دوائر من دخان سيجارة سرعان ما تنطفئ كما ينطفئ السراب لظمآنٍ يسارع الخطى فيسقط و قد تعثرت خطواته قبل أن يبتلّ ريقه، و قبل أن يرويَ ظمأه بوجه الوطن، ذاك الوطن و الحبيب الذي نشتاقه كل يوم، نرسل له القبلات كما نرسل الأشواق فتهوي من أعالي جبل، نراها تتحطّم قبل أن تصل أسفل، حيث الجسد، شبه هيكل، حطام إنسان، روح خواء ترفرف بالمكان.
و تبقى الذاكرة، هناك، عالقة بين المكان و بين مسرح طاف بالروح حتى الثمالة، روحٌ ترنّحت، تاهت، عانقت الخواء و الوحدة و الصمت، ثم اعتكفت على دوائر الزمن، تديرها حلقات حزن و أسًى، حلقات لا تختلف عن حلقات من دخان ينفثها بسيجارة تقبع بين شفتين حطّمها الألم فما ردّدت نشيد وطن ، ارتعشت و ارتعشت معها أصابع تمسكها. نفضت رمادها كما نفضت الصواريخ بعض أشلائه لتلقيها بمنفضة التاريخ، ركاما تكدّس يشهد أن #هنا كانت مجزرة، و #هناك كانت ملحمة، بينما #هنالك طفولة تشرذمت. و تبقى ذاكرة الحزن تطفو على بقايا وطن مسلوب الهويّة .
كاتبنا اليوم، أمام نص شاهق، عالي الجودة، حيث أخذنا بمركبة، لم يسعفنا الزمن الضائع خلالها، أن نشدّ حزام الأمان تحسّبًا لأي وقوع فجئيّ، إلّا أنه، و بمهارة الرّبّان المسافر بين سحب رمادية داكنة، و تحت سماء أغشتها الحروب و لوّنتها عواصف الدروب، تمكّن من السيطرة على التموقع بالمكان الضيق المتاح؛ عبر نافذة ضيقة خانقة، و أمام فتحة قبر يحمل بعض أشلاء من نسخةٍ شبيهته بالأسى، فكان المكان سجنا رسم الكاتب جغرافيته بعبارات مقتضبة، لينتقل بسرعة الرصاصة تنطلق من فوهة الحرف لتتوغل بعمق القلب فتصرع الجسد ، كذا كان انتقاله عبر محطات الزمن، بلمح البصر و بين كفّي القدر، أو فكّي الحرب، فكان استخدام الأزمنة المتاحة بين حاضر ضبابيّ و ماض بالقتامة يرزح، و بين واقع و تقدير حلم على مسافة سراب متاح، رافقته في ذلك، لغة سليمة جدا، أخذتنا بجولة، فكانت فسحة مع مسحة من أفعال قاتمة منذ العتبات الأولى للنص. هي أفعال استخدمها الكاتب ليجعل من الزمن ختْـمًا يشهد على رقصات الأحداث بين ماض و حاضر يشيان باللّاتوازن.
بالبداية، كانت أفعالا تضعنا على فتحة الجرح ؛ " فجيعة #ألمّت بروحه - ساقه التي #ألقوْها كيس القمامة - خياله #يتكسّر على الزاوية - مقصلة #تقطعُ منه - حلما #تعثّر .. #تلاشتْ تباعا ... - ........"
حتى أخيرا، احتدّ نسق الخيبات فكانت ؛ « لا فيروز للصباحات الكسولة في مدينة تتلفت طيورها فزعا من حصى الصبية الذين يسبقون الفجر نحو المزابل»
ثم، ينبثق ضوء بأفق النص يحمل أملا كبرق خاطف، أشعّ نوره بالقتامة العابقة بالمكان، أو هي نيران الشظايا، أهدتنا برهة من نور أو سراب نور، لمّا أفادنا الكاتب على لسان الحالمين بقوله ؛ « الحالمون بسقف، وحدهم من #يشيّدون الجدران و #ينسجون الأماني سلالما، و وحدهم من #يهبون الأرواح بلا ثمن ... »
لكن، سرعان ما تنطفئ أنوار الأمل، ليخبوَ نورها و يعمّ المكان " سكون قاتل هذا الليل لا #يكدّره سوى صرير أبواب الصفيح ..... و هذه السماوات التي #تتعطل عند أبوابها الأدعية و أرواح المغادرين..."
سرعان ما تنقلب الأفعال إلى أسماء فواعل حشدها الكاتب بالنص بمرحلة لاحقة كمن يجنّد حشودا استعدادا لمناورات أشدّ بطشا، من ذلك؛ #معطّلة حواسنا ، #منسيّ هو كفكرة لم تدوّن ، .....
و كأن الكاتب يخشى المواجهة المباشرة في إسناده الأفعال إلى المجهول، و كأن القضية كلها ملخصة بتدوينة منسيّة بهامشٍ بالوطن، و كأن فاعلَها ماردٌ مجهول الأصل و النسب !
ثم يعود لتحريك الأحداث و بعث بعض حيوية داخل مأتم قاتم مايزال يقبع خلف ذاكرة قلم ينزف حبره على يد كاتبنا ، فـ #تتطاير دوائر السجائر وهو #يراها ببعض متعة #تندفع من يده كرصاصة ..... يكاد #يفجّر الرؤوس، لازال دويّه في أذنه وهو #يقفز ..... #تنفث رصاصها ........ ".
لكن، من أشدّ و أقسى حالات الكتابة و البوح، تلك اللحظات التي يضطر خلالها قائد المركبة التخلي عن التحليق عاليا ليعود بنا فجأة إلى أغوار #ماضٍ قابع خلف تلابيب الروح، فيحطّ بنا، على حين غرّة، نازفا حبره بحروف و معانٍ تشي بصورة هي أبلغ ما يمكن أن ترسمه شاشة أعلى المقود كان يمسكه بإحكام، فإذا بها تبرز بكل وضوح؛ و بزمن #الماضي السحيق فكانت ؛ «... قلبه الذي #دفنه ، #نبضت به الأرض»
و كانت تلك أواخر الأفعال التي أثث بها كاتبنا، الأستاذ عقيل الواجد، ليصل بنا آخر المطاف برحلته التي أخذنا عبرها، و التي منذ العتبات الأولى، أخذتنا بجولة عالية كادت تفقدنا توازننا لما #قُطِعت ساق، و #فُصِلت ذاكرة، و #تاهت أحداث #تناثرت هنا و هناك كما تتناثر شظايا الروح بغياب الأمان و بغياب زمن ضاع بين #حاضر_متعب و #ماضٍ_أنهكته الحروب فأثقلت كاهل الأرض أعداد اليتامى و المشرّدين الذين يرزحون على خطى الهوامش، تلوّن جثثُهم الخرائطَ و تحمل القتامةَ رغم النيران المشتعلة بزواياه الضيفة..
فكان تصويرا سينوغرافيّا رائعا لمشهد محزن لطفولة عانت متاعب الروح و القلب و الذاكرة على حدّ السّواء.
هو زخم تصويري، أخذَنا الكاتب عبره، برحلة و بفسحة فوق خرائط رمادية، مشتعلة، جعلتنا نحلق معه بذاكرة متشعّبة بين ماض مؤلم و حاضر متعب. سار بنا داخل زوايا و منعرجات خلناها موصدة لا تؤدّي إلى نافذة نستنشق من خلالها بعض هواء، فإذا به يحطّ بنا الرحال نحو نافذة هي أشد قتامة من سابقاتها، حيث كانت الذاكرة لنا بالمرصاد، و حيث النيران لاتزال مشتعلة بزوايا وطنٍ أنهكتْ الحلمَ العربيَّ، و أنهكها الحلمُ العربيُّ فكانت الصورة تعرج بنا كما يعرج صاحب الحلم بساق واحدة، يحملها بكفّه، يراها بمرآة ذاكرته، ...
و تهرب بنا الذاكرة إلى حيث اللّاذاكرة.
و تتعطّل محركات الزمن، فيتوقف التاريخ حينا، و نمكث بالحين ذاته ننعي الزمن، و نقلّب كفّا بكفّ جناح الوطن، و نسلم حقائبنا قبل المغادرة، بفجوة تعيدنا إلى ذاك الزمن المنسي بأغوار الذاكرة، ذاكرة كان إسمها -الوطن- و كان يسكنها يوما أجمل -وطن-
و ربما #سوف_ينبض يوما ذاك القلب الموؤود تحت الأرض و بعمق تراب الوطن !
فــ «قلبه الذي #دفنه ، #نبضت به الأرض» ، كما ختم الأستاذ عقيل نصه، كأنما يدعونا لنظرة تأمّل لسيرورة الأفعال، و كأنه تعمّد تغيير الفعل الأخير من زمن المستقبل المسبوق بـ "سوف" إلى زمن الماضي؛ للتأكيد على وقوع الفعل قريبا. من نسبة الإمكانية، إلى أعلى درجات الفعلية، فكان #نبضت الأرض أكثر دلالة على حدث هو مولود لايزال جنينا، و سوف يرى النور قريبا. سوف يحيى مجددا. «سوف» التي أهملها الكاتب عمدا، حتى لا يقتل آخر الأمل فينا، كأنما يدعونا أن نأخذ عنه رسم الأحداث، و رسم الأفعال ثم زرعها بخاناتها المناسبة.

الأستاذة بسمة الحاج يحيي/ تونس



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن