قراءة في المشهد العراقي ما بعد الأنتخابات... ح1

عباس علي العلي
fail959@hotmail.com

2018 / 5 / 14

أعلنت المفوضية العليا المستقلة للأنتخابات نتائج أولية لما تمخضت عنها عملية الأقتراع الوطني للأنتخابات العراقية التي جرت يوم الثاني عشر من مايس، وبعيدا عن لغة الأرقام وما تعطي من دلالات لا بد لنا من قراءة عميقة لمرحلتين أساسيتين منها، الأولى الجو العام والمحصلة التراكمية من تجربة ثلاث دورات من الأنعقاد لمجلس النواب؟ وما هي المحصلة التي خرج بها العراقيون كمجتمع يمر بمرحلة أنتقالية وتأسيس ديمقراطية تداولية للسلطة؟، والثانية الأهم هي ماذا ستكشف لنا المرحلة القادمة من واقع ليس ممتدا فقط لأربعة سنوات من الحكم قادمة فحسب؟، فما جرى يوم السبت الماضي لم يكن هينا ولا يمكن عده حتى أعتياديا في ظل نظام سياسي قاد وسيقود البلد نحو أستقرار سياسي وأجتماعي موعود.
في فقه السياسة وعلم الأجتماع هناك حقيقة لازمة في تطور المجتمعات الإنسانية، مفادها أن الحاكم أو السياسي حين لا يتمكن من إثبات حضوره كفاعل حامل لمشروع فكري لا بد أن يجد مزاحمة فكرية وتنازع مع القاعدة الشعبية التي تجبره لخيارين محددين لا ثالث لهما، أما الذهاب للتفرد والطغيان وأرتداء عباءة الديكتاتور المتفرد أو الخضوع لإرادة الشعب مهما كانت صغيرة، لأنها ومع الأستمرارية ستكبر مع كل خطأ يرتكبه دون حساب لقوة النمو الديناميكي لصوت الشعب، بشرط أساسي مهم وهو الوعي والمنهج والهدف الواضح، فهل يا ترى أن ما حصل كان تطبيقا للفرض الثاني؟ أم أن ما يشاع من وجود تدخل قوي خارجي هو من حدد المشهد العراقي لما قبل 12 مايس 2018؟.
من تشريح الواقع العراقي بكل تفاصيله وما مر عليه من محن الأحتلال الأمريكي عام 2003 وما خلفته الديكتاتورية البغضية وقد أسست طويلا له، وما رافق من أخطاء أستراتيجية صاحب مرحلة التحول على الصعيدين المحلي والأقليمي والصراع الخارجي الدائر بين أقطاب دولية وإقليمية على الساحة العراقية وعملية الشد والأصطفاف والتشظي الناتج عنها، وقلة تجربة الكيان السياسي العراقي برمته والذي تولى إدارة البلد بخلفيات فئوية وتمثيلا لمصالح متناقضة بين هذا وذاك، نتج عنها دستور مشوه أنشأ عملية عرجاء عوراء هجينة تسعى للأسترضاء والنزول عند رغبات غير وطنية وبعيدة عن المصلحة العراقية العليا، قادت إلى مرحلة لا هي أنتقالية سليمة وفق قواعد واضحة وأهداف بينة ولا هي مستجيبة لشروط الواقع ومعبرة عنه.
هذا الوضع كون ما يعرف بكوتنة الشعب العراقي وإنقسامه وتقسيمه إلى مكونات صاغها الدستور بشكل متعمد وتحت غطاء مصالح شخصية للثلة التي كتبته، وشجع عليها كرؤية دائمة حين لم ينظر للمجتمع العراقي كوحدة واحدة وتعامل معها على أساس طائفي وعنصري وفئوي بحجة حماية الأقليات والمكونات الرئيسية، ولو كان صادقا في تبني الحماية لجعل قاعدة المواطنة هي الأساس العلمي لحماية حقوق الإنسان وصيانتها من التفرد والإقصاء والتهميش، هذه الجريمة هي التي ساعدت وبعد مرور أشهر قليلة لظهور ما يعرف بالحرب الطائفية عامي 2005 و2006 التي راح ضحيتها مئات الألاف من العراقيين وتركت أثارها كالجمر تحت الرماد، في حين أن جهل وغباء الطبقة السياسية وداعميها ومحالفيها من المؤسسة الدينية ساهم في تعطيل وأكتمال المرحلة الأنتقالية وتبلور توجه نحوها على الأقل.
كانت مداهنة وتحريض المؤسسة الدينية بتناقضاتها وتنازعها على مصلحة العراق الكبرى والتضحية بها لأجل بسط النفوذ ومحاولة ديننة المجتمع أصوليا، والأحتماء خلف العناوين الفرعية أعطى فرصة حقيقية للمنظومة السياسية عامة فرصة العبث بكل مقدرات العراق وطاقاته المنتجة، وتبديد الثروة الوطنية وعدم أمتلاك نظرية سياسية ممنهجة وغياب المعارضة الوطنية الحقة وتهميش طبقة واسعة من الكوادر والخبرات العراقية التي يمكنها بقليل من الحكمة في التعامل مع إظهار روح التسامح والتسامي على الجروح أن تنقذ العراق وتضع العربة أمام حصان التغيير، لكن التدخلات الإقليمية ولا سيما من دول الجوار وبدوافع شتى وأستجابة وأنخراط غالبية العنصر السياسي المشارك فيها فوت على العراق فرصة الخروج من دوامة الطائفية والتشتت والإنقسام المجتمعي، مما مهد لاحقا لظهور التطرف بشكل واسع مع بروز ظاهرة داعش وأخواتها على المسرح العراقي.
أمام ظهور داعش على الساحة وسقوط ثلث الأراضي العراقية من قبضة السلطة المركزية نشأ إنشقاق عميق أصاب الشعب في مقتل، وأصاب العملية السياسية بدوار التشتت والضياع وعدم القدرة على فعل الواجب والأوجب خاصة وأن العراق خرج للتو من تجربة أنتخابية في الثلاثين من نيسان عام 2014 والتي فاز فيها تحالف اليمين الإسلامي الذي هيمن على مقاليد السلطة وفقا لدستور 2005 والمدعوم علنا وسرا من المؤسسة الدينية الشيعية من داخل العراق والخاضع لتحكمات السلطة السياسية في إيران عبر تحالف التابع والمتبوع، وأمام حراجة الموقف وتناقض المصالح الجيوسياسية وحتى في مفاهيم ومنطلقات الداعمين لها خرجت مؤسسة النجف بفتوى الجهاد الكفائي وحاولت ترقيع الجبهة السياسية بإبدال رأس السلطة وعراب الفشل بوجه أخر يكون مقبولا لأشتراطات دولة الأحتلال الكبرى أمريكا في قرارها مساعدة العراق للتصدي لهذا المأزق الكبير، وبدلا من أن تمضي المؤسسة الدينية في محاولتها هذه وتشترط محاسبة وعقاب وإدانة الأسباب والمسببين لكل ما جرى وتثبت ولائها للوطن أنحازت للطائفة وأنتصرت لفئويتها وإنعزاليتها المعروفة، وأكتفت بدعوة الناس لحمل السلاح ليبقى الواقع كما هو وتحت سيطرة الأطراف المتحكمة، مما ضيع فرصة أخرى على الشعب العراقي في وقفة نقدية جادة تدين المرحلة السابقة بكل تفاصيلها وفاعلاتها ومفعليها والعودة إلى المسار المطلوب.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن