هل سأذهب الى للتصويت في هذه الدورة من الانتخابات

اسماعيل شاكر الرفاعي
Kitab333@hotmail.com

2018 / 5 / 11

هل سأذهب للتصويت في هذه الدورة الانتخابية ؟
الجزء الثاني

11 -
ما ساعد الأحزاب الدينية على الاستمرار باستراتيجية عزل العراقيين عن معطيات عصرهم العلمية والفكرية ، وتفقيرهم روحياً وتجفيف منابع الجمال في عيونهم : هو غياب الوعي بضرورة الحاجة الى وجود دولة عصرية يديرون شانهم العام من خلالها ، نتيجة استسلامهم المطلق لمفاهيم الموروث السياسية عن الدولة وطريقة بناءها ، وقد لعب مفهوم : الولاء والبراء الديني دوراً حاسماً في تشكيل موقفهم من الدولة ، فالدولة داءماً دولة طاءفة او قبيلة او عاءلة : توالي عضو الطاءفة او القبيلة الموالية ، وتنزع حقوق المواطنة من أعضاء الطواءف والقبائل والديانات الاخرى ، بحيث يتم قَص جذور المعارضة منذ البداية . وانتفاء وجود معارضة رسمية في اي بلد من بلدان العالم اليوم يعني بما لا يقبل النقاش ، انتفاء وجود حرية التعبير والتجمع والنقد . ولهذا لم يمارس العراقيون ثقافة التسامح والانفتاح على الاخر والاعتراف بالتعددية الدينية والفكرية ، وهذا ما قاد الى تعثر بناء الدولة العصرية في العراق ، والشعار المرفوع الان كدعاية انتخابية : عن ضرورة بناء دولة موءسسات عصرية لم يختمر يوماً في وعي الجماهير العريضة ، ولهذا تم فرضها من الخارج على مجتمع غير ديموقراطي ، وهذه هي المفارقة الكبرى في تجربة البناء العراقية لدولة ديمقراطية .


12 -
شُل الموروث الطاءفي الثقيل الذي ورثه أعضاء الطواءف عن اسلافهم قدرتهم على التفكير ، ففي المجتمعات الزراعية حيث كان الفلاحون يشكلون النسبة الكبيرة من السكان تصل الى اكثر من 90٪‏ من السكان ، كانت القلة من السكان 2 ٪‏ او اقل ، المتكونة من حاشية الخليفة وولاته على الولايات التابعة له ، وروءساء جنده ، ورجال الدين ، واصحاب الاراضي الكبيرة ، وبعض التجار والكتاب والشعراء والرحالة : يمارسون التفكير نيابة عن الملايين .
لا تسمح هذه الروءوس بالتفكير انطلاقاً من منهج مستقل عن المنهج الساءد : منهج القياس .
القياس هو المنهج الذي يجعل الناس مرهونة الى الماضي الذي تمت فيه عملية انتاج اصول الفقه وعلم الكلام والدراسات اللغوية والفكرية ، واصبح كل شيء يأخذ شرعيته من هذه الأصول القديمة ، ولا شرعية لأي حركة سياسية او دينية او خطبة او قصيدة او مقامة او ظاهرة اجتماعية تخرج عن الأصول التي حددها الماضي . فالقياس هو منهج الاتباع لا الإبداع ، وهو الحبال القوية التي تشد وعي الناس الى الماضي . هذا في ما يخصنا كعرب ومسلمين ، اما الامم التي انجزت خروجها من عالم التخلف الزراعي فقد تحول هذا الماضي عملياً - اذ لم يعد مشاركاً بتكوين ظواهر الحياة - : الى وثائق لفرجة الهواة ، ووثائق للدراسة من قبل المختصين ، ووثائق لأخذ العبرة ، لكي تتجنب حروب العالم الزراعي الأهلية ، كما حدث في تاريخنا الذي استمرت فيه حروب العواءل القريشية حتى يومنا ، تحت عنوان الدفاع عن هذه العاءلة القريشية او تلك ..

13 -
يخترم مفهوم القدر هذا الموروث من اول كلمة فيه الى اخر كلمة . القدر هو المقولة الدينية الاولى في هذا الموروث ، يتوضح معناه ، وتتضح دلالته العميقة بالارتباط بالمفهوم الاخر : مفهوم اللوح المحفوظ . وإذا كان مجال فعل القدر هو التحكم الدقيق بأحداث الحاضر والمستقبل ، فان مفهوم اللوح المحفوظ يشير الى اللحظة التي تم فيها إنجاز وضع مخطط لما ستسير عليه احداث الوجود والحياة وما ستصير اليه .
يشير مفهوم اللوح المحفوظ الى ان ولادة الأشياء والأكوان وتطورها وموتها مقدرة سلفاً ، ومكتوبة بدقة في قراطيس هذا اللوح ، وانه ليس بإمكان اي موجود : شجراً كان او حجراً ، بحراً كان او محيطاً ، نهراً كان او جبلاً ، طيراً كان او بشراً ، تجنبه او التمرد عليه . وكل ما بحدث من عواطف الحزن والرثاء او من عواطف الفرح والانشراح مكتوبة وتحدث في ميقاتها بالضبط .
لكن تبدى ان الحياة أوسع بما لا يقاس من هذه المفاهيم ، وأنها تضم من التجارب ما لا تستطيع مثل هذه المفاهيم حصره ، ومنعه من اختيار مسارات خاصة به ، وجاءت دولة الموءسسات الديمقراطية لتكون العينة والشاهد : فهذه الدولة لم تقع يوماً في قبضة القدر المسيحي ، ولا في قبضة قدر اي دين اخر من أديان مرحلة الحضارة الزراعية ، لقد أسست نفسها بنفسها من غير ان تستوحي في بناءها لذاتها مثال سابق في التاريخ ، وزادت على ذلك بان مفاهيمها جميعاً نحتها موءسسوها على الضد من المفاهيم الدينية المسيحية عن القدر واللوح الذي رسمت فبه مصاءر الكائنات .
وهذا ما لا توءمن به الأحزاب الدينية الحاكمة في العراق . فما الدافع الذي يدفعها الى ادعاء القدرة على بناء دولة عصرية لا توءمن بمفاهيمها السياسبة ولا بوظيفتها في الحياة ؟ لا يوجد دافع اخر غير دافع ازاحة القوى والتيارات القادرة على التصدي لمثل هذا البناء ، لتأخير عملية خروج العراقيون من تخلفهم .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن