خطورة أن يصبح الكذب مألوفاً

حميد كشكولي
hamidkashkol@yahoo.se

2018 / 4 / 28

إذا سألك أحدهم إن كنت تكذب فيكون جوابك على الأغلب ،لا، لا أكذب. فهل أنت قد كذبت بهذا الجواب على سؤاله؟
إن الكذب مفهوم معقد للغاية. فثمة كذب صريح، وكذب جسيم، وكذب أبيض، وأنصاف حقائق، وكذلك اخفاء وقائع وحقائق. كما هناك دعايات، واشهار وحيل بلاغية للتلاعب بعقلية الجمهور والتدليس.
كيف يمكن التمييز بين الكذب والخطأ؟
يجري الكلام عن الكذب بدون التفكير بشيء غيره في حالة واحدة وهي إذا نقل لنا المتكلم حدثاً لم يحدث في الواقع قط وعن وعي وسبق إصرار. أما إذا كان المتكلم مصدقا لما يقوله من أمور غير واقعية ويعتقد بها فالمسألة حينذاك ستدور حول الخطأ. وعلينا أن لا ننسى أنه يمكن أن تكون عواقب الخطأ أوخم من عواقب الكذب.
المواقف من الكذب تتفاوت وفقا لمستوى تطور المجتمع و مستوى الانسان الثقافي و النمو العقلي . وإن أخلاقيات الكذب معقدة للغاية، ففي صغري كانت الأمور بسيطة للغاية وتعلمنا لاحقا أن الكذب حرام وأن الانسان الصالح صادق . وأن حبل الكذب قصير.
كما ذكروا لنا الحديث النبوي الوارد في صحيح مسلم : آية المنافق ثلاث وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان. وقيل انه حديث ضعيف أي أن مسلم على الأغلب كذاب.
في الثقافة السويدية بعكس الكثير من الثقافات الأخرى لا يحق لك أن تكذب. لكن في الثقافة السويدية كان الكذب في السابق يواجه بالتسامح. كثير من الناس هنا يتسامحون مع معايير معينة من المديح والثناء. فقليل من الكذب يمكن أن يضفى على الكلام شيئا من الجمال. ! و أهم سبب لذلك أننا على الأغلب نتواصل عبر الشبكة. قد تكذب بسهولة وأنت جالس أمام الكومبيوتر حيث لا يرى أحد لغة الجسد لديك، ولا تقاسيم وجهك، و لا نظراتك و لا يعلم القارئ إن كنت سكران أو تعبان، أو كنت تحت تأثير المخدرات أو ما شابه. من يكون صادقا تماما في الفيس بوك؟ من يكون صادقا بالتمام حين يكتب سيرته الذاتية ؟ فقد اصبح عاديا للمرء أن يبالغ في سياقات كثيرة. وقد أخذت المبالغات منحى عاديا . وقد تحولت المشكلات التافهة إلى أمور كبيرة، و خيالية و مثيرة للغاية و عجيبة وغريبة. نتشوق لكل شيء ، ونحب اللي يسوا و اللي ما يسوا ، فالجميع أذكياء و هكذا . ومن أهم الأشياء أن تكون إيجابيا، وتبتدع روحا إيجابيا خير لك من أن تواجه بحقيقة مملة و مزعجة.
لقد ألقى الرئيس الأمريكي أثناء حملته الانتخابية وبعدها وقودا جديدا في النقاشات الدائرة حول الكذب. وقد وجهت وسائل الاعلام إليه تهمة الكذب بينما ادعى هو بدوره أن وسائل الاعلام هي التي قامت بنشويه الحقائق. وفي الحقيقة أن يكذب رؤساء أمريكيون ليس بظاهرة جديدة. وليس السياسيون الأمريكان وحدهم يلوون عنق الحقيقة. فالأحرى أن أغلب السياسيين يلجؤون إلى الكذب لحماية أنفسهم أو الدفاع عن سياستهم. والأرجح أنه من غير الممكن وفي زمن الرأسمالية الجشعة و البرجوازية المتفسخة أن يحرز السياسي النجاح في حياته المهنية إن كان صادقاً على الاطلاق. فإنه على الأقل يلجأ إلى الكذب الناعم.
وهل ثمة من صادق تماما في الفيس بوك؟ هل ثمة باحث عن العمل يذكر عيوبه ونقاط ضعفه في سيرته الذاتية التي يبعثها إلى صاحب العمل؟
ما هي خطورة أن الكذب أصبح مألوفاً؟ لقد أدى الكذب في تاريخ بلداننا دورا كبيرا في تضليل الرأي العام و تغيير المعادلات السياسية. ما الذي يمكنه أن يضع حدا للكذب في افساد السياسيين و الناس العاديين؟ فهناك بلدان كثيرة مثل العراق أصبح الكذب فيها مألوفاً و تحول الفساد إلى آفة.
من السهل أن تجد السبب وهو أن رأسماليين كبارا من أمثال ترامب و وجميع من لديهم ميول دكتاتورية والمحميات من كتل برلمانية وأحزاب تافهة ، يمتلكون وسائل الاعلام الكبرى أو يمكنهم استئجارها من صحافة وقنوات تلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي واستثمار حريات التعبير والتظاهر و التجمع . وهذه الحريات التي انتزعتها الجماهير و الطبقة العاملة بنضالها و دمائها وعرقها باتت البرجوازية تتراجع عنها و تنتهكها . إن الصحافة الحرة والموضوعية كانت تشكل ولا تزال خطرا على السياسيين الذين يلجؤون إلى الكذب لتبرير سياساتهم. وإنّ الصحفي الحر غير المرتزق له تأثير على أصحاب السلطة ويضطرهم إلى أن يفكروا مرتين قبل أن يكذبوا. ولكن وسائل الاعلام الحرة لا تعني اختفاء الكذب ، إلا أنها قد تحد من التزييف.
من الطبيعي أن وسائل الاعلام ليست خالية من العيوب إذ يوجد شيء من الحقيقة في انتقاد ترامب لوسائل الاعلام والتي تلجأ أحيانا إلى معلومات خاطئة و المبالغة و بث تقارير انتقائية. لذا فمن الضروري أن ينتقد المرء وسائل الاعلام كذلك.
يمكن لبوتين أن يكذب بدون أن تنتقده وسائل الاعلام الروسية التي هي تعمل تحت رقابة الدولة مع استثناءات ضئيلة. طبعا، أن الرقابة ليست بدرجة ما كان في فترة الاتحاد السوفييتي. وضع ترامب يختلف تماما وترى وسائل الاعلام شرف المهنة في اكتشاف الحقيقة و نشرها.
هل يكذب السياسيون اليوم أكثر من قبل؟ كثيرون يعتقدون ذلك، لكني لا أرى ذلك. وفي الحقيقة أن حبل الكذب أصبح أقصر في يومنا هذا في مجتمع التقنيات العليا. فقد في أواسط القرن العشرين استطاعت بلدان مثل الاتحاد السوفييتي و الصين إنشاء جدار حديدي ( التعبير من تشرتشل) لمنع مواطنيها من الحصول على معلومات من العالم الغربي، إضافة إلى عرقلة وسائل الاعلام الغربية من الحصول على أخبار الجرائم وانتهاكات حقوق الانسان في البلدان الشرقية.
في زمن العولمة وعالم الانترنت حيث يحمل كل فرد معه هاتفا جوالا بكاميرا ، وحيث الأقمار الصناعية التي بإمكانها تمييز الأفراد وتشخيصهم في كل مكان و الخدمات الجاسوسية التي يمكن نصبها في ملايين الحواسيب للحصول على معلومات يكون أصعب من أي وقت للتغطية على الجرائم و الأكاذيب.
وأخيرا: هل يوجد كذب في هذا المقال؟ لا أتصور، لكني قد أكون مخطئا في نقطة ما . وسبحان من لا يخطئ.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن