سجن الرّوح -12-

نادية خلوف
nadia_khaloof@yahoo.com

2018 / 4 / 13

في بعض الأحيان كنت أحاول أن أجد منافذ للفرح، وأحاول أن أكون جزءاً من الحياة اليومية في هذا الكون. أنتقل إلى حالة إيجابية، وأخبط قدمي بالأرض متحديّة: الحياة مستمرّة، وسوف أنجح. أخطّط لزيارة، أو لتقديم واجب اجتماعي ما، وأعتقد أنّني سوف أستطيع أن أثبت وجودي فجميع الموجودين قد -لا يرتقون إلى مستواي التعليمي-ولكي أبسّط لك الصورة سوف أروي هذه الحادثة وعليك أن تقييميها. هذا ما قالته لي إحدى النساء الشّابات التي لا تربطني بها صلة، ورأيتها بالصّدفة تجلس على كرسي مع مجموعة من الجيران فجلست معهم. تقول السّيدة الشّابة: أخشى أن أطرد. صدقيني أخشى ذلك، ففي أحدى المرات قال لي أخي أخشى على خصوصيتي عندما تزوريننا كثيراً. أليس لك بيت يحتويك؟
قالها مازحاً، ضحكت للنّكتة، وبقيت أبكي وأنا في الطّريق إلى منزلي، وليس هناك قوة تستطيع أن توقف عويلي، سألت نفسي مراراً: لماذا؟ وماذا فعلت؟
لا يمكن أن أقفل بابي. فزوجي مشغول طوال اليوم أحياناً في عمله، وأحياناً أخرى في الاحتفاء بنفسه، وأبحث في زوايا المنزل عمّن أتحدّث معه غير الجدار فلا أجد وأصاب بحالة غثيان.
اشتريت البارحة هديّة من أجل زيارة قريبة لنا لتهنئتها بالمولودة الجديدة. كان هناك عدّة نساء غيري. شعرت أنّني غير موجودة، ولم تكترث المرأة بالهديّة مع أنّها ثمينة. أصابني الإحباط. أصبحت ألوم نفسي على أنّني لا أعطي قيمة لنفسي، وهو فعلاً كذلك، فحتى لو كان أخي. ليس بالضرورة أن أقتحم منزله رغماً عنه. وبالمختصر أقول لك أنّ بناء العلاقات الاجتماعية لا يحتاج إلى مواقف ودّية . فقط يحتاج أن تتمتّعي بالوفرة المادية، وهم يقومون بإقامة علاقات، وتأمين علاقات مناسبة.
اعتذرت من المرأة وانصرفت. يبدو أنّها بحاجة لمن يسمعها ويعالج أمورها، وهذا غير وارد وكما يقال" دقّ الميّ، وتبقى ميّ"
. . .
قبل قليل قمت بغلي فنجان من الماء كتجربة لأختبر الفرق بينه وبين القهوة والنبيذ. كان ممتعاً جداً، ولم أعرف عنه شيئاً إلا بعد أن أنهيت كتابة ما أردت، نظرت فإذ بالفنجان فارغ. ابتسمت مع نفسي وقلت: ماذا لو ألّفت كتاباً عنوانه: شرب الماء السّاخن يفتح الذهن. أثارني العنوان، وربما الفكرة، لكنّني عدّت بذاكرتي إلى تلك المرأة التي رأيتها بشكل عابر، رأيتها تلمع في ذاكرتي وتقول لي: ممكن أن يحصد جائزة أيضاً، فقط إن وجد من ينشره ويسّوقه. إن كنت تعرفين أحداً في اتحاد الكتّاب العرب، أو رجل مخابرات له قيمة. يمكنك أن تنشري ويسوّقوا لك، وإلا كفّي عن العبث. صرخت بها: ليس كل ما تقولين صحيح، نظرت وإذ بي أمام نفسي. تكوّرت على سريري كالجنين، وداعبت الاحباط بأطراف أصابعي، وفتحت عين واحدة كطفل متوحدّ.
اليوم عرفت مقولة أنّه ليس للفقراء سوى الله، وهي ليست بمعنى أنّ الله يساعدهم بل بمعنى أنّهم يلجؤون من خلاله إلى الدعاء والخشوع حيث يعطيهم ذلك الأمل بأن الحياة ليس لها قيمة، وسوف يؤجلون استحقاقهم إلى الآخرة.
عندما اضررت إلى إطعام أولادي حيث كنت أعيش بعيداً. سرقت الطّعام. نعم، لكن عندما تحسّنت أموري المادّية عرفت أنّ السّرقة عمل لا أخلاقي ، وتبت عنها، لكن في بعض الأحيان أحنّ لها. ولا أوافق على النّهي عن السّرقة. لن أسرق لو أعطيتني كفايتي!
. . .
ابتكرت أشخاصاً لتسليتي
البعض منهم أشباح
والآخرون من الجان
رقصت معهم حتى الصّباح
أضأت حياتي بهم
ألجأ إلى مبدأ التّعويض كي تستمرّ الحياة، ففي النهار إرهاق وصمت، وفي الليل مرح وحبور في عالم لي.
هذا الكلام ليس لي. قد أكون صغته بطريقتي، لكنه كلام طبيبة نفسية تزوّجت من ابن عمّها فرأت معه نجوم الظّهر. قالت لي:
عندما تفوح رائحة المكان الذي تعيش فيه عليك أن تحمي نفسك. أن كنت لا تملك النّفوذ أو المال لا تتعب نفسك في النّضال، فمن غيّر العالم ليس الفقراء, القراء يثورون ويموتون دفاعاً عن فكرة يجدون فيها خلاصهم، لكن إن لم تكن تلك الفكرة قد نشأت من قبل شخص يملك قوة أو نفوذاً لن تنتشر، وقلت لها أنّ عملها يجلب المال. قالت: هو من يستلم!
أرغب أن أسقط بعض ما أحسست فيه في الماضي على الحاضر، وعلى الكتاب والشّعراء والرّسامين الذين يخصّصون وقتهم للزعيق من أجل الثورة، ويكسبون، نعم يكسبون، وبما أنّني أقدّر الجهد لذا لن أذكر أسماء. حضرت فيلماً من سيناريو وحوار وتمثيل أخوين، وعندما بدأ البطل يفتح ذراعيه للرّيح وينطق بالخرافة أغلقت اليوتيوب، وقرأت مقالاً لشخص ثوريّ جداً لم أستطع أن أقرأ سوى السطر الأول حيث كانت سيرة حياة مزيّفة، ونفس الكاتب هو صديق فيسبوكي أحمرّ خجلاً عندما أقرأ منشوراً على صفحته . لا أدري من أفهمه أنّ الثّورة هي فكر بالدّرجة الأولى، واستعمال الألفاظ الخاصة بالمرأة إذلالاً لها.
لدي عشرين رواية على النت، وقصص أطفال، وشعر، وبعض المسرحيات لا أفكر بنشر أيّ منها خارج النت، فلو نشرت على حسابي عليّ أن أسوّق، وأنا جاهلة بالتّسويق.
. . .

من أصعب الأشياء التّعايش مع الرّجال المدمنين، وهناك فرق بين الأشخاص.
جيلنا هو جيل تمجيد الفقر، والتّسكّع والإدمان على الكحول. نؤلّف له القصائد ونعتبره ضمن السّياق الطبيعي والنّشوة ضرورية للخيال. بعض النساء من الفئة الغنية نسبياً يحاولن مجاملة أزواجهنّ دون جدوى حيث لا فائدة من ذلك. لكن قلّة قليلة جداً من النساء تدمن، أما الطبقة السياسية على مستوى القادة الكبار والصغار فتجمعهم الكأس، وتبقى بيوتهم تعيش الفقر.
في الاجتماعات الحزبية الموسعة للحزب الشّيوعي قبل أن ينشطر وبعده كان برنامج العمل في فرع المخابرات، وليس هذا فحسب فقد كان القادة يباركون لرجال الأمن ترقياتهم وبينهم رفاقية في النّضال، لكن إن كان قريب أحد الأعضاء لديه علاقة مع الأمن يتهم بالخيانة إلا إذا قدم لهم بعض الخمر، وجلسات الأنس.
عائلات هؤلاء " القادة" الذين ليسوا بقادة حقيقة فهم في أسفل الهرم تعاني الظّلم، فعندما يذهب القائد" العظيم" للنّضال. على المرأة والأطفال أن يحلّوا أمورهم بطريقتهم، فقد يكون المناضل كاتب " كبير" يكتب عن عظمته، ويمجّد بعض الأشخاص، ويتسكّع بين خيمات العزاء وحانات المشروب.
إحدى رفيقاتي قالت لي:" أخشى أن أشتم الحزب فليس هو من جعل زوجي مجنوناً. إنّه لا يطاق. صحيح هو لا يأتي إلى المنزل بحجّة عمله النضالي الشّاق ، لكن في الحقيقة لا عمل له سوى الشّرب في المساء"
من المفارقات التي حدثت معي، وقبل أن أترك السّياسة. أن رئيس اللجنة المنطقية في القامشلي أخبر زوجي أنه سوف يأتي ويسلم عليّ بعد أن عدت من السفر، وسوف يأكل "الشنكليش "في بيتنا. لم أوافق. استغرب زوجي، وقال لكنك تجلسن معهم في الاجتماعات. قلت له إن أردت لن أجلس بعد الآن. اختلفنا وتركت المنزل، ذهبت أنا وابنتيّ إلى بيت أبو الياس وكانوا أصدقائي، وجيراني. عدت في الحادية عشر ليلاً، رأيت بيتنا معتم، وعندما دخلت سألت زوجي: ألم يأت رفيقنا؟
قال: بلى. قرع جرس الباب عدّة مرات ، وكنت أسمع صوت سيارته تروح وتجيء، لكنّني جلست على العتمة فأنا لا أعرف كيف أحضّر له سفرة، وهو جاء يسلّم عليك لا عليّ. منذ ذلك اليوم حرّمت المشروب في منزلي، وبالتدريج حرّمت دخول بيتي من الغرباء إلا إذا كان أخي أو أخاً لزوجي. شكا زوجي مرّة لعائلتي: قال. تكبدت عناء السّفر ألف كيلومتر لأتزوّج إنسانة اعتقدت أنها منفتحة فإذ بي أتزوّج حاجة. كلّ ما حرّمه الدين حرّمته. طبعاً عاتبني بعض الأهل واتهموني بالتزّمت فهم أيضاً من أنصار الكأس؟ لست متشدّدة، لكنّني ضدّ الإدمان هو مدمّر للعائلة. لم أكن أعرف يومها أنّ شرب الكحول فيه مشكلة ، فيما بعد أصبحت أرى برامج غربية عن الإدمان، وعرفت أنّه مشكلة عالميّة، وعندما أتيت إلى الغرب تأكدّت أن الإدمان يتسبب بفصل المدمن عن العائلة إن أبلغت عن إدمانه.
. . .
لن يكون جميع الكلام عن الماضي، فالحاضر هو امتداد لثقافة عشّشت في أذهاننا بالوراثة الاجتماعية، وإذا كان الفيس بوك لا زال هو وسيلة التّواصل الأكثر شعبيّة، فإنّ من اختار الدّفاع عن الثّورة مثلاً لا علاقة له بما يجري، أغلب المتحمسين هم في الخارج، ولا نعيب حماسهم، فمقتل هذا العدد يستحقّ
أن نصرخ من أجله، لكن ليتهم لا يصرخون، وسوف أنقل بعض التعابير المقتضبة عن بعضهم، وهم سياسيون يثيرون غيرتنا في تنقّلهم بين أجزاء المعمورة وإرسال فيديوات لايف تعبّر عن مكانتهم العالمية حيث تمّ تحييد أزمة منتصف العمر فيها.
الكثير من أصدقائي يتحفنا بذكوريته وخفّة دمّه، وهناك ألفاظ أخجل منها، سوف أعرض نموذجين مختصرين لثائرين أحدهما يمرّ بأزمة منتصف العمر فيعرض لنا جماله وثقافته الثورية حيث قال مخاطباً أنصار النّظام، وغير أنصاره حول الضّربة الأمريكيّة فبدأ منشورة ب:
"إلى أبناء القحاب المزاودين علينا بالوطنيه مرةً جديده" وكرر الحديث الخفيف الظّل خلال المنشور أكثر من مرّة.
أما الثّاني فصاحب تيّار معارض معروف فقد اعتذر عن بذاءة النكتة ثم عرضها على شكل صورة مكتوب عليها:
ضربة ترامب تذكرني بنكتة.. . . . مضمون النكتة قذر، سوف أعرض جملة منه فقط وهي الجملة الأخيرة وهي" لا نجتنا، ولا خليتنا ننام"
لا أعرف إن كانت الدّماء تستحقّ الطرائف الجنسية. هذا أحد الأسباب الذي دفعني إلى إهمال فيس بوك فكلا قرأت لصديق عرفت كيف ينظر للمرأة ولو استعملت الحذف لما أصبح عندي سوى قلّة من الأصدقاء، لكنّني لم أحذف إلا من يتطاول على شخصي.
أما الصّفحات الموالية فقد أجمعت أيضاً على عدالة القتل، والتّشفي بالقتل بلغ أقصاه، والأمر ليس مزحة فهذا الكره وإثباته بطريقة مرئية يشبهنا. هل فعلاً هذه هي قيمنا؟ سؤال برسم الإجابة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن