كتاب -مروة-: ترحيل اليسارلخدمة الراسمال؟؟(2/2)

عبدالامير الركابي
amir.rekaby@hotmail.fr

2018 / 4 / 9

كتاب"مروة": ترحيل اليسار لخدمة الراسمال؟؟(2/2)
عبدالاميرالركابي
غالبا مايطغى النزوع العملي على العراقيين، مع قلة ميلهم، لابل وعدم رغبتهم بالتركيزعلى العمل النظري، والاغلب انهم سيجدون اليوم، وبعد خمسة عشر سنة، من الممارسة المخزية عند اواخر حقبة من التفكر العربي البدائي النقلي، من جاء من خارجهم ليبشر بريادتهم المخزية، وهاهو كريم مروة، يحاول ان يبرر، او يمنح سلوكهم مظلة من الشرعية عديمة الصلاحية، لقد ايدوا الاحتلال الامريكي للعراق، وعملوا ضمن مشروعه السياسي، ومازالوا مواضبين على النهج نفسه، منذ اول لبنة وضعها بريمر، باسم "مجلس الحكم" اساسا لمشروع حكم "الطائفوقراطية"، وهذا من دون شك، انصع واجلى مثال، يمكن ان يعتبره صاحب الكتاب مدار البحث، نموذجا عمليا غير عادي، لما يريده، ويأمل بتعميمه كنهج معتمد من قبل من يسميهم "اليسار العربي" الذي يتخيله.
وسواء تعلق الامر بالشيوعيين العراقيين، او بكريم مروة، فان مانحن بمواجهته اليوم، يعود لانعكاس وفعل ظواهر ومتغيرات عالمية اساسية، وكيفية ومدى تهافت تلقيها، والتفاعل معها، من قبل من يعتبرون انفسهم معنيين بها، اهمها : انهيار الاتحاد السوفياتي، وانتقال الراسمالية الى الطور العولمي، وهو مايظهر ان انعكاساته على ممتهني الترديد الببغاوي، قد بدا ، وراح يتجه ربما الى التنسيق بين الاطراف المتائرة به، او الراغبة في التاقلم مع قوة مفعوله.
واذا اردنا التحقيب، وجمع المعطيات الابرز، بناء عليه، متابعة لظاهرة اليسار والشيوعية في العالم العربي، بصفتها ظاهرة نقلية استعارية، مفتقدة لاي قدر من الابداعية الوطن/ كونية،ضمن اجمالي افكار "الحداثة العربية" وكفرع منها، ارتكزت من حيث بنيتها الاساس، الى المتحققات الراسمالية الموضوعية، بشقيها، الكلاسيكي، والاختصاري المسمى اشتراكي، لتدمجها غائيا، بموضوعات النظرية الماركسية الاوربية. فسنجد مما يتوجب ذكره والمرور عليه، مايلي من معطيات حرية بالاستعادة:
ـ الطبعة الاولى التاسيسية من الظاهرة مدار البحث، عند بدايات القرن العشرين، وقد وجدت مستندة اساسا، الى المتغيرات المبتكرة ضمن سيرورات الغرب الراسمالي الحديث، ليس على مستوى الخيار الاشتراكي اللاحق، بل بالاصل واساسا، على صعيد توفير المبرر التاريخي الاساس، فالاستعمار الراسمالي الكولونيالي القديم، هو الذي "اقام الكيانات"، يوم كان وقتها معنيا ب "صناعة الامم"، الامر الذي كان يستجيب في حينه، لميكانزمات تنسجم مع مقتضيات عملية النهب الاستعماري، ومع تكتيل الامم والبلدان، واسباغ صيغ استيهامية، تحيلها الى النموذج الغربي، وتطابقها عليه افتراضا، امكن وقتها اعتبار الطبقات والصراع الطبقي ، المفبرك بفعل قيام الكيانات المقارنة اعتباطا، على الكيانات الراسمالية الغربية، امرا واردا، منح الايديلوجيا المستعارة جملة وتفصيلا، وجاهتها التوهمية.
ـ لم يكن الانحياز للماركسية والشيوعية ممكنا، او مبررا باي شكل، لولا "فضل" الراسمال الاستعماري الكلاسيكي الكولونيالي، الاول، به وانطلاقا منه، برر في وقت لاحق، الانحياز الى الطرف المناقض للراسمالية الامبريالية، دوليا لاموضوعيا، ابان الصراع والقطبية الثنائية، فلم يكن مايعتبره مروة، اتباعا للماركسية الروسية وقتها، خيارا حرا، خارج ذلك الاستقطاب، بحكم وقوف من يعتبرون انفسهم يساريينوبالذات شيوعيين، ضمن جبهة رفض ومعارضة الهيمنة الاستعمارية، وانتفاء اي افق، او سبيل ذاتي، نظري، او عملي فاعل، يمكن الالتجاء اليه، لتامين شكل من المقاومة "الوطنية" المطلوبة. ان الشيوعية مقارنة بالقوى القومية او الليبرالية، المستعارة هي الاخرى، هي قوة استعارة شاملة من حيث الاساس، قاعدتها التبريرية "المادية"، ترتكز للنموذج الغربي الغالب، وتحديدا الاطار الكياني الذي يقيمه خارج بلدان الراسمالية، وهو ماينطبق على الخيار النظري، والبنية الايديلوجية، الاتباعية الممنوعة من اي ملمح ابداعي.
ـ ليس ماهو حاصل، ومايريد كريم مروة اخبارنا عنه اليوم، سوى اعلان اعادة توضع من نفس الفصيلة، بناء على المتغيرات الحاصلة دوليا، وفي البنية الراسمالية. مدلولها الرئيسي الوحيد، دعوة لاتباع الخيار الراسمالي بصيغته العولمية، اي اسقاط جانب الرفض، باسم الدولة "الديمقراطية" او " المدنية"، التي اكل الدهر عليها وشرب، والسبب واضح "وانتهازي بامتياز"، مؤسس على واقعة غياب الجبهة، او الكتلة الحامية او الساندة، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، بما يعني اختيار الاستسلام، ووضع القوى المتبقية ممن ينتمي لعالم "اليسار"، او يمكن ان يدرج في خانته، بخدمه المشروع العولمي، مع بعض التحفظات الخجولة، تتحول في بعض الحالات الى خداع، وكذب وادعاء،عن اوهام قابلة للتحقق في غمرة عولمة الاقتصاد لصالح الشركات متعددة الجنسية.
ـ نحن امام مسلسل يزداد تهافتا وابتذالا، عن نمط صار معيبا من انماط التفكير واشكال تزويرالتعبير عن الكينونة والذات الوطنية، بالاستعارة والاتباع المجرد من اية اصالة، او انحياز للخاصيات، غير اللائق بالمرة بتاريخ هذه المنطقة، ولابحجم اسهامها الحيوي في التاريخ، وتاريخ الحضارة الانسانية، لااثر فيه لروح هذه المنطقة، او حضورها الحي، الامر الذي يوجب من هنا فصاعدا، اخراس هذه الاصوات النشاز، باعتبارها ظواهر مرضية، المفترض اليوم بعقل المنطقة المازوم، وبالمعرفة ومواطنها الحية المتعثرة، والتي تتنفس وسط الخراب الشامل، ان تضعها جانبا، مع السعي الدؤوب لحفر قسمات الذاتية الوطن/ كونية لهذا الجزء من العالم، بالاخص حين تاتي على شاكلة سلوك الحزب الشيوعي العراقي، او التنظير الملاحظ مؤخرا، تبريرا وتدعيما لمثل هذا النمط من السلوك المشين،عدا عن القناعة والصلف المثير للدهشة، القائل بصلاحية منطلقاتها، وموضوعاتها البائدة والمعيبة،والذهاب لاعلانها والاحتفاء بها على اوسع نطاق، كاننا في زمن انتصارها او بعثها.
يقول كريم مروة ـ طبعا بعد تجاوز الفذلكات الفارغة ـ ان الاشتراكية التي يتصورها او الثورة الاشتراكية الاولى التي كان عبدا لها، قد انهارت، وان الراسمالية تجددت بالعولمة، وبما اننا اصلا وفصلا، متبعين للغرب، فان مهمتنا تتلخص اليوم في مماشاة الغرب الراسمالي العولمي، هذا هو اليسار الذي يعرفه مروة، ويتحاذق وهو يغرقه في المستنقع، بدل ان يدعو الى اعلان حالة الاستفار الوطني التاريخي، ويجعل من تنادي القوى الحية العربية مجتمعة الى قراءة تجربة الحداثة العربية خلال القرنين المنصرمين، واسباب انتهائها الى الكارثة الحالة عليها اليوم، للبحث المفتوح في العلل الكبرى، التي اليها يعود السبب فيما هو حاصل، وما وصل اليه الحال، بما في ذلك ومن بين ظواهره، كتابه العظيم، وخلاصة تجربة الحزب الشيوعي العراقي، المشينه والمعيبه، في خدمه الغرب الامبريالي والطائفوقراطية.
هذا من دون نسيان العنوان الرئيسي لمثل هذا اللقاء، المفترض انطلاقه بالدرجة الاولى من اشكالية الدولة، واشكال السلطات في بلدان الريع، وتراث غياب الملكية الخاصة، عدا عن التجارب التحديثة المزورة المنهارة، مع مايسمى "الربيع العربي"، اضافة لواقعة هي الابرز حاليا، تقول بامتناع العامل الدولي الراسمالي، عن السماح بقيام الدول "الديمقراطية" خارج عالمه، في بلدان ماقبل الراسمالية، وتفضيلة، لابل وسعيه العضوي، والمباشر الى تفتيتها وسحقها، كما حصل في العراق، بعد تجربة الدولة "الحديثة" على مدى 82 عاما، عدا عن بقية اجزاء المنطقة، مما يوسع ويعمق، نطاق المجابهة النظرية، ويطيل امدها، ويستحث طاقات العقل الحية الكبرى، لا الببغاوية، التي يعود ليكررها ضمن اسؤا ظرف يمكن تصوره، اليوم كريم مروة.
لاشك ان العالم ومنطقنا بالدرجة الاولى، قد دخلت منذ العقد الاخير من القرن المنصرم، زمنا انقلابيا، مختلفا عن ذلك الذي شهده العالم والغرب عند بداية القرن الماضي، مع انسداد الافق امام " العقلانية الغربية" الحديثة، المتشكلة في القرن الثامن عشر، بتحولها بعد ازمة الفلسفة في اواخر القرن التاسع عشر، الى بداية القرن العشرين، حين حلت الايديلوجيات القاتلة المدمرة، مكان الفكر، وصار الغرب ايلا للنهاية وبمواجهة طريق مغلق، بدلالة ترسخ الفاشية والاشتراكية المتوهمة القسرية، والحربين العالميتين، ليقتل وقتها مايزيد على السبعين مليون انسان، اضيفوا لمايقارب عددهم من المبادين على يد الغرب في القارة الجديدة، هم وحضارتهم، لاستيطان ارضهم، ومحاولة اعادة انتاج الغرب بدلهم، باسم "التقدم"، وتحت دعوى القضاء على البدائيين والهمج. ان القرن العشرين، هو قرن الجريمة الغربية الكبرى، وهو ماكان يجب ان يحفز العالم، والعالم العربي قبل غيره، الى الاقتناع، بان طريقه ليس هو طريق المستقبل الانساني، الذي يستحق ان يقتفى اثره، ناهيك عن تعبد ترسيماته في مجال الحياة والتاريخ والمستقبل.
ـ يتبع ـ
(كتاب مروة: بحثا عن طريق آخر/ملحق)

.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن