المقاومة السلمية وفلسفة اللاعنف

طلعت رضوان
talatradwan@yahoo.com

2018 / 4 / 6

المقاومة السلمية وفلسفة اللاعنف
طلعت رضوان
أطلق الشاعرالهندى البديع (روبندرونات طاغور1861- 1941) على فيلسوف المقاومة السلمية (غاندى) لقب (المهاتما) وهذه الكلمة فى اللغة السنسكرينية تعنى (الروح العظيمة)
بعد ثمانى سنوات من ميلاد طاغور، أنجبتْ الهند ابنها العظيم (مونتانداس كرمشايد غاندى: أكتوبر1896) وأغتيل من متعصب هندوسى فى30يناير1948. أى أنّ الهند كان من حــُـسن حظها أنْ يكون العملاقان الكبيران (طاغوروغاندى) من جيل واحد، فقرأ غاندى روايات وأشعارطاغور، وعايش طاغورنضال غاندى ضد الاحتلال الإنجليزى، ولذلك فإنّ الوصف الذى أطلقه طاغورعلى غاندى (الروح العظيمة) لم يكن من فراغ، وإنما هوتشريف استحقه غاندى عن جدارة نظرًا لإبداعه العبقرى عندما مزج السياسة بالحكمة ولخـّـصها فى فلسفته التى أطلق عليها (فلسفة اللاعنف) وأردفها بتعبير(المقاومة السلمية) ولذلك فإنّ الشعب الهندى طوّرتعبيرطاغور(الروح العظيمة) إلى تعبيرأكثردقة فأطلق الهنود على غاندى (أبوالأمة الهندية) ولم يكتف الشعب الهندى بذلك وإنما وصل التكريم لدرجة اعتبارتاريخ ميلاد غاندى (2 أكتوبر) عيدًا قوميـًـا للهند كلها.
فى عام1893سافرغاندى إلى جنوب أفريقيا (وكان عمره24سنة) ليتعرّف على ظروف معيشة أبناء شعبه الواقعين تحت سطوة حكومة الأقلية البيضاء. وعندما رأى مظاهرالبؤس على الفلاحين والعمال والموظفين الهندوس، وعرف أنّ نظام الحكم العنصرى قسّم المجتمع إلى : 1-تجارعرب مسلمين 2- عمالة هندوسية 3- جماعات مسيحية. وذلك بهدف ترسيخ العداء بين هذه الجماعات رغم الاختلافات العرقية والدينية فيما بينهم، بالتطبيق للسياسة التى اتبعتها بريطانيا فى الهند (منذ الاحتلال عام1858) ومصرمنذ الاحتلال عام1882) سياسة تعميق العداء بين الشعب الواحد وبين كافة الشعوب والتى أخذتْ التعبيرالشهير(فرّق تسد)
حاول غاندى إلغاء هذا التمييزالعنصرى السائد فى جنوب أفريقيا، بعقد الاجتماعات فى منزله بين السياسيين. كما دافع عن المعتقلين السياسيين وطالب بالإفراج عنهم لأنهم ((ضحايا نظام استعمارى يستغلهم ويـُـسخـّـرهم لأغراضه النهبوية..ولا يحصلون إلاّما يكاد يجعلهم يعيشون على الكفاف)) وكان غاندى يترافع عنهم أمام المحكمة العليا، حيث أنه فى عام1882 سافرإلى لندن لدراسة القانون. فى البداية وجد الكثيرمن الصعوبات فى تعامله مع المجتمع الإنجليزى، وفكــّـرفى العودة إلى الهند، ولكنه تحامل على نفسه، واستمرفى الدراسة حتى عام 1890 فحصل على الإجازة الجامعية التى تــُـتيح له ممارسة المحاماه.
عاد غاندى إلى الهند عام1915فنظم اضرابات واعتصامات الفلاحين والعمال الهنود ضد المحتل البريطانى، ورفع المتظاهرون طلباتهم وهى: إلغاء الضرائب الباهظة على الأراضى ووقف سياسة التمييزالعنصرى. وفى عام1921تولى غاندى قيادة المؤتمرالوطنى، والعمل على تخفيف معاناة الفلاحين والعمال والدفاع عن حقوق المرأة ومساواتها بالرجل. وحث الهنود على نبذ وكراهية أى شكل من أشكال التمييز(سواء العرقى أوالدينى) وذلك بهدف (بناء مجتمع يقوم على الوئام والانسجام بين كل أبناء الشعب الهندى) كما كان يقول فى كل خطبه. وكان يرى أنّ الخطوة الأولى لطرد الإنجليزتكون بمقاطعة كل السلع الإنجليزية، وأنّ هذا لن يتحقق إلاّ إذا كان الاعتماد على الموارد الطبيعية من داخل المجتمع الهندى.
مسيرة الملح أوثورة الملح:
أعلنتْ بريطانيا فى سنة 1930 احتكاراستخراج الملح من الأراضى الهندية، فى صورة من صورالاستغلال لموارد الشعب الهندى، ليس ذلك (فقط) وإنما قمة الاستهزاء بالشعب الهندى، كما عبـّـرغاندى فى خطبه للجماهيرالشعبية، وأخبرهم ببدء المسيرة التى فكــّـرفيها لتكون هى الرد العملى على قرارالمحتل الإنجليزى.
ونظرًا لإيمان الشعب الهندى بالأب الروحى للهند، لذلك بعد أنْ أعلن غاندى عن فكرة المسيرة، إذا بالمئات الذين تكاثروا فصاروا بالآلاف. وقد ذكركل من أرّخ لحياة غاندى ولتلك المسيرة، أنّ مسافتها بلغتْ400 كم، رفع فيها المتظاهرون الشعارات التى أخرجتْ حجم الغضب والسخط ضد المحتل الإنجليزى، ولذلك كان الشعارالأول هوخروج الإنجليزمن الهند أما الشعارالثانى فهوأنهم لن يسمحوا للمحتل احتكارالملح الهندى أوأى موارد هندية طبيعية.
تعتبر(مسيرة الملح) أو(ثورة الملح) من أبرزصورالنضال ضد الاستعمارفى العصرالحديث، نظرًا لما فيها من جسارة وإرادة، رغم كافة الصعوبات (بل والكوارث) التى لاقاها الشعب وتحملها، حيث سقط الشيوخ من الارهاق وسقط كثيرمن النساء والشباب والرجال برصاص قوات الاحتلال..ونظرًا لكثرة أعداد الضحايا، بادرتْ أكثرمن منظمة حقوقية، وكذلك العديد من الدول، بالهجوم على الاستعمارالبريطانى، الذى– كما جاء فى تعليقات بعض الصحف والمجلات الأوروبية- وصل إلى أقصى درجات التوحش واللاإنسانية.
كما أنّ تلك المسيرة دخلتْ التاريخ من أوسع أبوابه، وخلــّـدها كثيرون سواء من المؤرخين أوالمفكرين، بل إنّ السينما العالمية شاركتْ فى تكريم الشعب الهندى، من خلال تسليط الضوء على مسيرة الملح، فى الفيلم الذى يعتبرضمن كلاسيكيات السينما العالمية عن (غاندى) وهوانتاج عالمى مشترك بين شركة انتاج هندية وأخرى بريطانية. وتـمّ عرضه لأول مرة فى الهند فى نوفمبر1982، وحصل على أوسكارأحسن فيلم، بالاضافة إلى ثمانى جوائزأوسكارفى مجالات فنية أخرى، وأخرج الفيلم المخرج الكبير(ريتشارد أتنبره) وأدى دورغاندى الممثل الإنجليزى (بين كنجسلى) وفازالمخرج والممثل بجائزة أوسكار. وقصة الفيلم مقتبسة من كتاب (قصة تجاربى على حقيقتها) وهوالكتاب الذى يعتبرالسيرة الذاتية التى كتبها غاندى.
ورغم صلابة غاندى وقوة شخصيته فإنه خضع للجانب الرومانسى فى تكوينه العقلى، عندما وافق على أنْ تقف الهند بجانب بريطانيا فى الحرب العالمية الأولى، بوعد من المحتل بالخروج من الهند بعد انتهاء الحرب، وهوالوعد الذى لم يتحقق كما كان الحال فى مصر، وعندما اكتشف غاندى حقيقة مراوغة وكذب الإنجليزأدان نفسه وأنبها على موقفه الرومانسى (الموسوعة العربية الميسرة- الطبعة الأولى- عام1965- حرف الغين)
المرآة كما رآها غاندى وقصة زواجه:
ورث الشعب الهندى العديد من الموروثات (عبرآلاف السنين) وهذه الموروثات كان غاندى يرى بعضها (خاصة فيما يخص المرأة) غيرأخلاقى ويجب التخلص من هذه الموروثات التى تحط من شأن المرأة وتهدركرامتها، ورفض أنْ تكون مجرد أداة أووسيلة لإشباع رغبات الرجال الجنسية، ومن كلماته فى هذا الشأن ((يجب أنْ نــُـنمى أنفسنا احتراما للمرأة..ويجدربنا نحن الرجال أنْ نـُـطأطىء رؤوسنا خجلا، ما دمنا نــُـكرّس المرأة لشهواتنا. وإنى أفضل أنْ أرى انقراض الرجال، على أنْ نصيرأفظع من الوحوش، فنجعل أنبل مخلوقات الله غرضـًـا لشهواتنا)) والفقرة طويلة ختمها قائلا ((إنى أريد بقوة أعظم الحريات للمرأة)) (فتحى رضوان- فى كتابه: المهاتما غاندى- حياته وجهاده- طبعة أولى عام1934، وطبعة ثانية- هيئة قصورالثقافة- عام 2011- ص176، 177)
واجتمع مع عدد من النساء اللائى أجبرتهنّ ظروفهنّ الاجتماعية على المتاجرة بأجسادهنّ، ووعدهنّ بتوفيرالعمل فى مجال الغزل والنسيج، وبالفعل حصل على موافقة أصحاب المصانع، فاستجابتْ لدعوته كثيرات وهجرنَ حياتهنّ السابقة.
وكان من بين الموروث البغيض ((خرافة دينية قديمة يتم بمقتضاها أنْ يهب بعض الهنود بناتهم للمعبد، وتكون البنت فى طاعة كهنة المعبد (بما فى ذلك الممارسة الجنسية) إرضاءً للآلهة وتقربـًـا منهم. ومن العادات الأخرى التى قاومها غاندى (زواج الأطفال) حيث أنّ الطفل يتزوّج وهوفى سن السابعة. ونظرًا لانتشارهذه العادة، ونظرًا لأنّ الأزواج والزوجات من الأطفال، فإنّ أغلب هذه الزيجات انتهتْ بالفشل السريع، وبالتالى انتشرتْ (ظاهرة الفتيات الأرامل) وهى الظاهرة التى تصدى لها غاندى وقاومها فى محاولة للقضاء عليها، ولكنه واجه (مقاومة عنيدة من العرف السائد) وهذا العرف جعله يتطرف فى آرائه لدرجة أنْ سيطرتْ عليه فكرة (أوأمنية) لوكان الزواج يتم من بين الفتيات الأرامل (فقط) فكان يقول فى خطبه لمريديه ((لاتتزوجوا إلاّمن الفتاة الصغيرة الأرملة..ابحثوا عن فتاة صغيرة ترملتْ..أنا أسميها فتاة صغيرة أرملة))
انعكس ذلك على زواجه حيث عثر- بعد معاناة البحث- على رفيقة حياته الفتاة (كاستور- بى) وصارتْ زوجته بعد أنْ وافقتْ على أنْ تعيش معه ((كصديقة، لاكزوجة، ولاتنام معه فى حجرة واحدة)) ووصفها من رأوها وكتبوا عنها فقالوا إنّ ((وجهها صغيركوجه طفل..وتتجوّل مع زوجها فى القرى والمدن، وتعمل مع رفيقاتها على (نول المغزل) وتساعد فى قضية تحرير المنبوذين. وسافرتْ مع المهاتما إلى جنوب أفريقيا. وعندما اشتدتْ حركة المقاومة ضد المحتل وضد التميزالعرقى والدينى ومن أجل انصاف (المنبوذين) كانت النتيجة اعتقال الكثيرات من الهنديات اللائى اشتركنَ فى المقاومة، وكانت زوجة غاندى من بينهنّ، وكان غاندى قد طلب منها القيام بأعمال أخرى لصالح الهند، دون أنْ تتعرض للسجن، فإذا بها تغضب منه وقالت له ((إذا كنتَ أنت قادرًا على احتمال الصعاب، وكذلك غيرى من السيدات، فكيف لا أستطيع أنا.. ولذلك لابد أنْ أنضم لحركة المقاومة)) وعندما طلب منها أنْ تتريث وتعيد النظرفى قرارها قالت له ((ليس عندى ما أفكر فيه..فقد عزمتُ رأيى بصفة نهائية))
وفى عام1921 قال غاندى فى مؤتمرعام: إنّ نساء الهند فى الإثنى عشرشهرًا الماضية قمنَ بالمعجزات لخدمة وطنهنّ..ولذلك أقول لهنّ: إنّ خلاص الهند الاقتصادى والأخلاقى يتوقف عليكنّ. ومستقبل الهند الآن فى (حـِـجرالمرأة الهندية) (المصدرالسابق- من ص181- 183)
ومن الأمورذات الدلالة أنّ والد غاندى كان من السياسيين البارزين، وشغل منصبًـا حكوميـًـا فى ولاية (بورباندار) ولكنه ترك الوظيفة عندما اختلف مع حاكم الولاية الإنجليزى (راجكون) وفى مناسبة أخرى فإنّ والد غاندى اعترض على حديث أدلى به حاكم الولاية الإنجليزى وقال له ((حديثك غيرلائق ولامستساغ)) فغضب الحاكم الإنجليزى وطلب منه الاعتذار، ولكن والد غاندى رفض الاعتذار، فتم القبض عليه وسجنه. وطلب منه البعض كتابة اعتذارليخرج من السجن ولكنه فضل السجن على الاعتذار(المصدرالسابق- ص29)
وهكذا تعلم غاندى من والده (كيف يكون حب الوطن) كما تعلم منه عدم التعصب لأى دين أوأى مذهب. والحذرمن الوقوع فى (وهم حب الغيردون معرفة) لذلك قال غاندى ((لستُ أريد أنْ أنضم إلى أية جماعة دينية، ما دامتْ معرفتى بدينى ضعيفة. وليس من حقنا أنْ نمدح حضارة سوانا ونحن لانعرف حضارتنا. ولامن حقنا أنْ نـُـعجب بغيرنا ونحن نجهل أنفسنا)) (ص52) وعن اعتزازه بالهندوكية قال: لا أستطيع أنْ أصف شعورى إزاء الهندوكية أكثرمما أستطيع أنْ أصف شعورى إزاء زوجتى، فهى تـُـسيـّـرنى أكثرمن أية امرأة سواها. لا لأنها بريئة من العيوب، ولكنى أحس أنّ ثمة رابطة لا انفصام لها بيننا. وهكذا أشعرنحوالهندوكية بكل عيوبها ونقائصها، فليس ثمة موسيقى يؤثرنى طربها مثل موسيقى (الجيتا) وحماستى للإصلاح لاتحملنى على نفى تعاليم الهندوكية الأساسية (ص74)
وذكرمستر(رينيه فيلوب) فى كتابه (غاندى: الرجل المقدس) أنّ شخصـًـا مسلمًـا اعتدى على غاندى بالسلاح، حتى سقط أقرب ما يكون إلى الموت. ورفض غاندى تقديم الشكوى المطلوبة للتحقيق مع المعتدى. وبعد اجراء الاسعافات اللازمة كتب غاندى نداءً إلى مريديه، طلب فيه منهم عدم اتخاذ أى إجراء قانونى ضد المعتدى..هذا الشخص الذى حاول قتلى لايعرف ما يفعل. وأكيد أنّ أحدًا غيره هوالذى أقنعه بإنى عدوللإسلام..ولكننى أحبه وسأظفربه عن طريق الحب. وبعد مرورسنة على هذه الحادثة فإنّ الشخص المعتدى كتب رسالة لغاندى طلب فيها أنْ يشمله بعطفه. وفى مناسبة أخرى تعرّض فيها غاندى لمحاولة قتله وعنها ذكرمستر(أندرو) أنّ غاندى بعد الاعتداء عليه لم يفكرفى الانتقام، فكان يرقد ويستمع للأناشيد الروحية من طفلة صغيرة.
لقد عاش مسلموالهند فى حالة عداء متبادل مع الهندوكيين، وكان التطرف من الجانبيْن، فإنّ الهندوكى لايحتمل رؤية بقرة تـُـذبح، فيشتعل القتال بين أبناء الوطن الواحد. وكان حـُـكام الأقاليم الإنجليزيـُـدركون أهمية هذا التعصب عند الطرفيْن، فكانوا يؤججونه بكل الوسائل، وهوما أدركه غاندى ولخصه فى جملة أنّ بريطانيا تعمل وفق سياسة (فرّق تسد) ولذلك قال يخاطب شعبه: إذا أردنا أنْ نعيش هندوكيين، ومنبوذين، ومسلمين ومسيحيين كشعب واحد، فلابد من التخلص من التعصب الطائفى، ويكون ولاؤنا للهند قبل معتقداتنا الدينية أوالمذهبية (ص168)
وفى عام1921تصاعد الصراع الطائفى بعد انتشارالدعاية لعودة الخلافة الإسلامية، وانتشرتْ المظاهرات فى جميع ولايات الهند. فأعلن غاندى أنّ من حق المسلمين الاعتقاد بما يؤمنون به. وقال: إنّ قضية المسلمين هى قضيته. وقال فى المؤتمرالوطنى ((بناءً على أنّ حكومة الهند وحكومة بريطانيا قد فشلتا فى علاج مسألة الخلافة الإسلامية، وفى القيام بواجبهما (لوأد الصراع) وبما أنّ رئيس الوزارة حنث بوعده الذى سبق أنْ أعطاه للمسلمين، فإنه من واجب كل هندى غيرمسلم أنْ يـُـعين أخاه المسلم فى محاولته للنجاة من محنته الدينية التى وقع فيها)) (ص240) ومن أقواله المهمة عن المعتقد القومى قال: إنّ الهندوكى يرفض تغييردينه لا لأنه يراه خيرًا من بقية الأديان، وإنما لأنه يعرف أنّ فى إمكانه التعايش معها. وما أقوله عن الهندوكية ينطبق- كما أعتقد- على بقية الأديان.
وذكرفتحى رضوان أنّ التاريخ لم يشهد محاكمة غريبة كما حدث عندما طلب غاندى من قضاته أنْ يحكموا عليه. وأنّ رئيس المحكمة استأذن المتهم فى اختيارالعقوبة. مع رجاء بأنْ تعفوالحكومة عن المتهم الذى أصرّعلى ما كتبه فى مقال بتاريخ12فبراير1930قال فيه ((كيف يكون هناك تفاهم، ما دام الأسد الإنجليزى يهزمخالبه الحادة فى وجوهنا؟ إنّ الامبراطورية البريطانية التى تقوم على استغلال الشعوب، وعلى استعراض دائم للقوة الوحشية لايمكن أنْ تدوم..وأطلب من الله أنْ لاتجعلنا سياستها القمعية اللجوء للعنف)) (ص256)
000
أما الزعيمة الهندية (أنديرا غاندى: 1917- 1984) ابنة الزعيم الوطنى الكبير(نهرو) فكان من حـُـسن حظها- كما كتبتْ فى مذكراتها- أنها تتلمذتْ على يديه وتشرّبتْ أفكاره وفلسفته. وذكرتْ أنه فى عام1932كان والدها (نهرو) وقادة آخرون فى السجن. وفى يوم18سبتمبربدأ المهاتما غاندى الصيام حتى الموت ((وذهبتْ لمقابلته فى سجن (بيرافادا فى بوان) كان يبدوضعيفــًـا جدًا. ولاحظ ازدياد وزنى فكتب إلى والدى: لقد صارللهند لحم إضافى)) (سيرة ذاتية بعنوان حقيقتى- تحريروتقديم: إيمانويل بوشباداس- ترجمة وفاء غازى- دارالوحدة- بيروت- لبنان- عام1986- ص30) وكانت آخرمرة رأته فيها يوم29ديسمبر1948قبل اغتياله بيوم. وهوالذى طلب رؤيتها مع آخرين. وكتبتْ ((عندما دخلتُ عليه كان يصلى..وأنه كان نبيـًـا غيرعادى. ولم تكن فلسفته تستند ((على الترغيب والتهديد)) ولم ينحن للأهواء. لقد كان القديس الذى ينطق بالحكمة (المصدرالسابق- ص71)
وعن الاعتماد على الذات من خلال موارد الهند الطبيعية (مع الاعتراف بعلوم الغرب وتطبيقاتها التكنولوجية) كتبتْ متأثرة بفلسفة غاندى ومنهج والدها ((نحن دولة لاتشعربأنّ عليها أنْ تكون نسخة من الغرب. لكن بعض الأمورعلينا أنْ نقوم بتعلمها من دول أوروبا، خاصة فى مجال العلوم الطبيعية والتكنولوجية..وأشياء أخرى حتى فى الثقافة)) ولكنها- كما لوكانت تتعمّـد إحياء فلسفة غاندى- اختتمتْ هذه الفقرة قائلة ((ولكن كما قال غاندى: يجب أنْ لانقتلع أقدامنا من هنا. بل يجب أنْ نحافظ على جذورنا)) (المصدرالسابق- ص228)
000
لقد اكتشفتُ- من خلال قراءاتى فى كتب التاريخ والفلسفة- أنّ أكثرمن مؤرخ وأكثرمن فيلسوف، وأكثرمن عالــِـم فى الأنثروبولوجيا، فى حديثهم عن أهمية (الثقافة القومية لكل شعب) أوما يـُـطلق عليه (الخصوصية الثقافية لكل شعب) أنهم كانوا يستشهدون بجملة قالها غاندى، لخــّـص فيها الموضوع الذى حيـّـركثيرين، وطرحوه فى سؤال: هل الاعتزازالقومى يعنى الانغلاق؟ حسم غاندى هذا الموضوع بكلمات قليلة فقال: ((إننى أرغب أنْ تهب على بيتى جميع ثقافات العالم..ولكننى أرفض أنْ تقتلعنى من جذورى إحدى هذه الثقافات))
***



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن