قراءة جديدة في القضية الفلسطينية (5) مابين تهويد فلسطين وصهينة المنطقة

فتحي علي رشيد
Fathi43ra@gmail.com

2018 / 3 / 26

الحذر قد يجنب الوقوع في الخطر :
قد يبدوللكثيرين أن التحذير من احتمال تحويل فلسطين إلى دولة يهودية , مقدمة لتحويل المنطقة العربية إلى منطقة تابعة أوخاضعة للصهيونية فيه كثير من التهويل والتخويف لامبرر له .لكن هذا لايجب أن يمنعنا من القراءة .
كيف يمكن لذلك أن يحدث ؟
لن نعود كثيرا إلى الوراء , بل سنكتفي بالتذكير بما كتبه هرتزل في يومياته (التي قامت بترجمتها مي صايغ ـ مركز الأبحاث والدراسات الفلسطينية في بيروت 1976 ) من أن الدولة التي يحلم بها سوف تمتد من نهر الفرات إلى نهر النيل . وهو ما صرح به لصديقه هيرتش أثناء ذهابهما في القطار من فيينا إلى اسطنبول عام 1898 عندما سأله (كيف ستقيم تلك الدولة إذاكنت ستطلب من السلطان قطعة أرض حول القدس فقط ).أجاب هرتزل هذه هي البداية فقط , إذا نجحنا بها سوف نوسعها لاحقا وبصورة تدريجية , حتى يأتي يوم نعيد فيه بناء دولة إسرائيل القديمة من الفرات إلى النيل .
وهذا ما كان السلطان عبد الحميد يعرفه جيدا , فعندما جاءه هرتزل طالبا إعطاء اليهود ( المساكين ) قطعة أرض صغيرة في القدس مقابل سداد ديون الدولة العثمانية ,عرض عليه عبد الحميد العلم الصهيوني وفيه مايدل من الخطين الأزرقين عن أن الدولة التي يطمع الصهاينة في إقامتها فيما بعد لو حصلوا على قطعة أرض صغيرة في القدس من أنها ستطال يوما ما المنطقة الممتدة مابين الفرات والنيل . لذلك قال له : " هذه أرض مقدسىة لاتباع ولا تشترى , هذه الأرض ليست ملكي بل لشعبي (الشعب العربي والتركي والمسلم لايحق لأحد التصرف بها ) لا يحق لي التنازل عن شبر واحد منها ..وفر أموالك ربما بعد تمزيق دولتي , وعلى جثتي ستحصل على ماتريد دون أموال ..." .
وبالفعل أخذ الصهاينة بنصيحة السلطان , ووفروا أموال حركتهم , فدفعوا قسما قليل منها للاتحاديين (الماسونيون العرب والأتراك والأروم والأرمن ) ليتمكنوا بعد عشر سنوات فقط في عام 1908 من إزاحة السلطان عبد الحميد عن العرش . والقسم الأكبرمن رأس المال المالي اليهودي دفعوه بعد ذلك عن طريق بنكي روكفلر وروتشيلد للحكومة الأمريكية لتقدمها هي على شكل أسلحة وأغذية ومساعدات مالية لحلفائهم الانكليز والفرنسيين ( هذا ماأكد عليه وليم انيغدال في كتابه مئة عام من الحرب ) وبعد عشر سنوات تمكن الحلفاء (الأعداء ) عام 1918 من احتلال الوطن العربي كله وتقسيمه . وبعد ثلاثين عاما أي في عام 1948 تمكن اليهود الصهاينة من احتلال 78% من فلسطين والقدس . وبعد أربعين عاما أي في عام 1988 تمكنوا عن طريق القيادات الفلسطينية ( أو المتحدثة باسمهم ) من الحصول من القيادة الفلسطينيية على صك التنازل عما جرى احتلاله من فلسطين عام 1948 وترك الباقي للتفاوض حوله .
بدء الصهينة :
قبل ذلك بعشر سنوات (عام 1978) تمكن الصهاينة من ابرام اتفاق مع السادات في كامب ديفيد حولوا فيه مصرالنيل إلى مستعمرة غير مباشرة للصهيونية . وبسرعة وتحديدا عام 1994 أبرم كلا من الفلسطيينيين والاردنيين في أوسلو ووادي عربة اتفاقتين اعترفا بموجبهما بتحويل ماتبقى من فلسطين وشرق الأردن إلى محميات للصهاينة . وفي عام 2003 بعد أن تمكن الأمريكان من تدمير العراق جعلوه عام 2008 يخرج رسميا من خلال الدستور من خط الصراع مع إسرائيل ( ماكان يسمى الصراع العربي الصهيوني ) وليصبح جزءا من الصراع الفارسي ضد العرب . وبعد أن تأكد من انتهاء الثورات العربية , وبخاصة السورية . وبعد أن قسم سوريا والعرب إلى اثنيات وطوائف متصارعة و دمرت البنية التحتية للوطن العربي من الداخل بما يجعله لايعود بعدها قادرا على رفع رأسه .أصبح مهيئًا . لأن يتقبل الحكام العرب عام 2018 تقديم ترامب القدس ( العاصمة المقدسة للعرب والمسلمين والمسيحيين ) كلها هدية لإسرائيل وجعل منها عاصمة أبدية لما تسمى دولة إسرائيل اليهودية فقط . بمعنى أنه إذا سارت الأمور على هذا المنوال (حدوث أمر مدهش كل عشر سنوات )أي في عام 2028 بعد انتهاء الولاية الرابعة لبشار الأسد سينسى السوريين الجولان كما نسو لواء اسكندرون وستصبح جزءا من دولة إسرائيل التي ستصبح رسميا دولة يهودية يتمتع فيها العرب الفلسطينيون بحكم ذاتي مقبول . عندها لايعود هناك أي مانع من أن يطبع معها الحكام العرب ومن أن يقيموا أفضل العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والسياحية والثقافية معها. وربما بعدها في عام 2038 سيرتاحون من القضية الفلسطينيية وأعبائها وهمومها بصورة نهائية , فيحتفلون ويرقصون ويدبكون ويخلفون بنات وبنين .
وبمناسبة الاحتفالات والدبكات التي أقامها أبطال الجيش العربي السوري بعد تحرير"زملكا" في الغوطة الشرقية قالت حفيدتي الصغرى: لاأعرف لماذا تمنيت أن تكون تلك الاحتفالات في طيرة حيفا وليس في الغوطة . بينما قالت الأخرى لو أن كل تلك القذائف والصواريخ بعيدة وقصيرة المدى المجنحة والفراغية والارتجاجية والبراميل المتفجرة والنبالم ( اعتقد أكثر من مليون ) التي القيت على القرى والبلدات السورية والعراقية واليمنية والمصرية والليبية القيت على إسرائيل هل كانت ستبقى ؟ . قلت لها كون ذلك لم يحدث بل العكس تماما هو ماحدث . فهذا تأكيدعلى أن من قام بما حصل كان يعمل ذلك بوعي أو غير وعي , لكي تسود إسرائيل وتهيمن على كل المنطقة .
فتحي رشيد
25/ 3/ 2018



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن