الخطاب التكنوقراطي كعائق لبروز وعي طبقي / اجتماعي -- العلاقات الزبونية والوعي الطبقي ( 13 )

سعيد الوجاني
zehna_53@hotmail.fr

2018 / 3 / 24


بالإضافة الى الخطابات السابقة التي تعادي أي تحول فكري او مفاهيمي يرتبط بالجماهير و بالشعب ، ويتحنط كالحلزون ( القوقع الصحراوي ) ضمن الخطاب الأبوي الفارض لوصاية بتريركية ، تجعل سكان الأرض ، الرعايا ، و مَن مِنَ المفروض ( ممثليهم ) من كائنات حزبية ونقابية وجمعوية ، ملكا للمشرفين على الباتريمونيالية والبتريريكة ، وتُحوّل الجميع خدما للأعتاب الشريفة التي تلف كل المجتمع ضمن التقاليد المرعية ، والطقوس القروسطوية ، وتميز نوع النظام السائد عن غيره من الأنظمة الفاعلة في العالم ، بطقوس البيعة ، والامارة ، والامامة ، والرعية ، والانتساب الى النبي ، رغم ان هذا لم يخلف من بعده ولدا ذكرا . ان هذا التغليف الأسطورة ، يكبّل الحركة ، ويحول دون الجديد ، ويمنع التجديد بدعوى ان كل المراسيم محبوبة من الله ، ومستمدة من القرآن ومن الإسلام .
وحين يجابه البتريركي بالقرآن والإسلام رعية تسيطر على مخيلتها الاقدار السماوية ، ولصيقة بالتقليدانية والمحافظة الشعبوية ، ويسكنها الخوف من القادم من غضب ( الله ) ، ويسيطر عليها الهول من هجوم الطبيعة ( الكوارث ) المختلفة ..... لخ ، فان أي انتقاد للبتريركي البتريمونيالي ، سيجلب غضب الله وسخطه ، وينتهي بأصحابه الى جهنم .
وبخلاف هذه الخطابات الأركاييكية ، سنجد خطابا آخرا رغم انه يحاول التمايز ، فانه يظل في كل اطوار تدحرجه ، خاضعا للخطاب الأبوي الخطاب الوحيد بالدولة البتريركية .
ان الخطاب التكنوقراطي الذي كانت تبلوره نواة برجوازية الدولة الناشئة ، كان يختزل مجموع المشاكل التي تعيشها البلاد في مشاكل تقنية ( عبدالله العروي ) او اقتصادية في احسن الأحوال ، وبذلك يطمس – هذا الخطاب – مجمل المشاكل الاجتماعية والسياسية ، وبالأساس مسألة الحكم السياسي وطبيعته .
وتتحول الطبقات والفئات الاجتماعية في منظور الخطاب التكنوقراطي الى طبقات إحصائية ، والى مجموعة ارقام ومؤشرات اقتصادية ، وتصبح الطبقات الاجتماعية بهذه العملية عبارة عن هيكل عظمي .
وفي ضوء هذا المنظور الأيديولوجي التقنوي ، تنتفي الطبقات والصراع الطبقي / الاجتماعي ، وليحل محلها تراتب الطبقات الإحصائية ، ومشاكل التوازنات الاجتماعية القطاعية منها او العامة .
ويتميز الخطاب التكنوقراطي بكونه يلغي من حقله النظري ، وعلى الصعيد العملي / السياسي كذلك ، مسألة التبعية والسيطرة الامبريالية ، بل هو خطاب يعول على المساعدة والتعاون التقني لتجاوز التخلف وكل المشاكل التي تتخبط فيها البلاد .
ويتناقض هذا الخطاب التكنوقراطي مع بروز الوعي الطبقي / الاجتماعي لدى الطبقات / الفئات المستغَلّة والمسُودة ، لكونه يخفي الطبيعة الاجتماعية / الطبقية للمشاكل التي تعيشها البلاد ، ويركز على جانبها التقني فقط أولا .
ولأنه يلغي دور المواطنين في حل هذه المشاكل ، ويلقي بكل الأعباء على الدولة التي وحدها تستطيع التصدي لهذه المشاكل سيما ان الجماهير الشعبية " لا تفقه شيئا " في قضايا التقنية المعقدة ثانيا .
ولأنه يرفع الدولة عن الانحياز ويصورها كجهاز فوق الصراعات ، أي جهاز لا طبقي ، الامر الذي يخفي طبيعتها الطبقية ودورها المنحاز ثالثا .
والى جانب كل هذا ، يفرز هذا الخطاب وهم " وحدة " مصالح كل مكونات الشعب وعدم تناقضها ، ويعامل الافراد والفئات والطبقات كمجرد ارقام وحصيلة مؤشرات اقتصادية وتقنية في خدمة الدولة البتريركية .
لقد شكلت العلاقات الزبونية التي استشرت بالمجتمع اكبرعائق لتبلور وبروز وعي طبقي / اجتماعي ببلادنا . وهذه الحقيقة ليست وليدة اليوم ، بل ترجع بالأساس الى الظروف السياسية والاجتماعية التي تبلورت منذ سنة 1956 .
فقبل الإعلان عن استقلال المغرب ، كانت شبكات العلاقات الزبونية تضطلع بدور اجتماعي / سياسي بارز في مجتمعنا . ، ولقد اشرنا الى استعمال هذه الشبكات الأخطبوطية من قبل الاستعمار وعملاءه ، للتصدي للمقاومة ولجيش التحرير والحركة الوطنية . لكن ، السؤال . هل أدى رحيل الاستعمار المباشر الى هدم شبكات العلاقات الزبونية ؟ وكيف كان موقف الدولة ، أي النظام ومن خلاله الطبقات السائدة من جهة ، والحركة الوطنية من جهة أخرى ، من هذه العلاقات الاجتماعية المتخلفة ؟
بعد الإعلان عن الاستقلال الشكلي لبلادنا ، كانت الحركة الوطنية ممثلة بحزب الاستقلال أساسا ، تحظى بتأييد شعبي واسع ، وبنفوذ سياسي كبير ، وكانت الطبقات السائدة ترى في هذا الواقع تهديدا دائما لسلطتها ، سيما ان مرتكزاتها الاجتماعية / الطبقية لا زالت هشة ، وقد لا تصمد امام زحف الحركة الوطنية وجناحها اليساري بشكل خاص . ولذلك سعى النظام ومنه الطبقات السائدة ، الى تقوية شبكات الزبائن التي كانت ترتبط بها قديما ، والى خلق شبكات جديدة من الزبائن من جهة ، وعملت على الحد من التطهير، ومن تقويض دعائم شبكات الزبائن التي استعملت من طرف الاستعمار ضد الحركة الوطنية والقصر ، وكانت حمايتها لهذه الشبكات ترمي الى الحفاظ على قوتها لتوظيفها من اجل توطيد مرتكزات سلطتها ( سلطة الطبقة السائدة ) لاحقا من جهة أخرى .
وكانت الطبقات السائدة مستفيدة في ذلك من نفوذها داخل الأجهزة المختلفة للدولة ، وتعمل على تمتيع الممسكين بخيوط هذه الشبكات ( كبار الملاكين ، الاقطاعيين ، القيّاد ، الباشوات .... لخ ) بشتى الامتيازات ( تسهيل تفويت أراضي المعمرين الفرنسيين للمعمرين الجدد ، تسهيلات الحصول على القروض ، الوظائف .... لخ ) مقابل تجنيد هذه الشبكات لدعم مخططات النظام الرامية الى بسط / تقوية هيمنته وتقويض سلطة ونفوذ حزب الاستقلال .
وكانت هذه العلاقات الزبونية بكل ما يصاحبها من تبعية شخصية وولاء ...لخ تخدم مصلحة تركيز قوة النظام من جهة ، وتساهم في تعميم وعي الطبقات / الفئات الشعبية المستغَلة والمسودة بمصالحها ، وتقوي تبعيتها لمضطهديها .
ولئن كانت الحركة الوطنية تعادي ظاهريا كل اشكال العلاقات الزبونية لكون الاستعمار يوظفها لمحاربتها ، فإن واقع ممارسات الحركة الوطنية ، قد كانت مخالفة لمظهرموقفها الحقيقي . ذلك انها لن تتردد في استعمال العلاقات الزبونية لخدمة القضية الوطنية ، وكان التجنيد والاستقطاب يوظف علاقات القرابة والاقليم والقبيلة لتوسيع نفوذ الحركة ونشر الفكر الوطني .
وفي بعض الحالات كانت القبائل تنضم الى الحركة الوطنية ، او تساند جيش التحرير ، لأن احد افرادها المؤثرين قد التحق بالحركة الوطنية. ولم تتوقف هذه الممارسات بعد خروج الاستعمار ، بل على العكس من ذلك ، حيث أدت سيطرة الحركة الوطنية على بعض أجهزة الدولة الى استغلالها لنفوذها بهدف توسيع شبكة الزبائن المؤيدة لحزب الاستقلال .
وبعد انشقاق 1959 ، ورث الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بعض شبكات الزبائن التي كانت موالية لجيش التحرير ، وأصبحت بعض القبائل اتحادية أباً عن جد ، وبعضها الآخر استقلاليا ، في حين اصبح بعضها الآخر يدين بالولاء للحركة الشعبية .
وكانت ممارسات الحركة الوطنية هذه ، تخفي جوهر التناقضات الاجتماعية وتذكي موضوعيا ، النزعات الإقليمية ، وبكل هذا تتناقض مع بروز وبلورة وعي الطبقات / الفئات المستغَلة والمسودة بمصالحها .
( يتبع )



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن