ألف أرنب.. باء بطة

اوليفيا سيد
oliveasayed@hotmail.com

2018 / 3 / 22

قديما قال الفيسلوف الصينى لاتسو: "راقب أفكارك لأنها ستصبح كلمات، راقب كلماتك لأنها ستصبح أفعال، راقب أفعالك لأنها ستتحول إلى عادات".

قبل أيام قلائل وفى خلال فعاليات الندوة التثقيفية السابعة والعشرون للقوات المسلحة، وفى حضرة الرئيس السيسى وكل من وزير الدفاع الفريق أول صدقى صبحى، ووزير الداخلية اللواء مجدى عبد الغفار، إرتجل أب الشهيد كلمة وجه فيها كلمة لأعداء الوطن قائلا: "انتم ماتعرفوش معنى كلمة مصر، مصر..الميم (محمد)، الصاد (صلى الله عليه وسلم)، الراء (رسول الله)..ضجت القاعة بالتصفيق تعبيرا عن استحسان الحضور لهذا التأويل لكلمة (مصر)، ولم أعجب لما قاله هذا الأب الطيب والرجل الريفى البسيط - رغم منصبه كما أعلن كمدير بوزارة التربية والتعليم - قدر ما تعجبت لتصفيق الرئيس ووزير الدفاع -حتى وان كان مجاملة أو على مضض- وراق لى تصرف اللواء مجدى عبد الغفار بالتزام الصمت وعدم التصفيق.

لكن قبل أن ندين كلمة الرجل فلندن كل ما يقال بحسن نية وسجية طيبة دون قصد..كدعاء امرء "اللهم اشف مرضى المسلمين"، قاصرا دعواه لمرضى ديانته دون غيرهم، لكنه لو تعقل دعائه حرفيا لشعر بالخجل والرثاء لحال انسان مريض يتألم دون النظر لدينه ومعتقده وطريقة إيمانه، يكفى انه انسان ضعيف يتألم، وما أضعف الإنسان!
اللهم اشف وارحم كل مريض يتألم.

من منكم يردد خلف إمام المسجد (آمين) مصدقا على دعوته على اليهود والنصارى بتيتم ابنائهم وترمل زوجاتهم، يحسب أنه يتقرب لله بذلك، يحسب ان دموع عينيه من خشية الله والتضرع بالدعاء يغسل حقد وغل قلبه.
لو تعقل هذا الشخص ما يقله لخجل من فكرة تصور الإله شخص سادى يعذب الخارجين عن ناموسه، لو تعقل ما يدعو به لوقفت الكلمات فوق لسانه قبل ان ينطق بها وهو يتصور ان الإله فى عقله قاتل مأجور يريد أن يخلصه من شخص ما فيسلطه عليه.
انه حسن نيته يسئ لفكرة الإله وينتقص من ايمانه ولا يعلى شأنه بل يدنيه.

نردد كلمات محفوظة ومعلبة نطلقها فى عدة مناسبات ومواضع دون التعقل فى ما وراء معانيها وما ترمى إليه.

هذا الرجل قدم تأويلا لكلمة (مصر) وفقا لمعتقداته الشخصية أو حالته النفسية بما يشبه إختبارات التداعى اللفظى فى علم النفس، ذلك عن طريق ذكر عدة ألفاظ أمام الشخص وتسجيل الكلمات التى تخطر بباله وربط الكلمة وتأويلها عند الشخص نفسه بناء على تجاربه وتأثير الكلمة فى نفسه.

وهذا الرجل قدم تفسيرا من وجهة نظره كرجل مسلم، يؤمن بأن مصر مهد الإسلام كما يؤمن المسيحى بأنها مسيحية فى الأصل قبل دخول الإسلام، وحقيقة الأمر -تاريخيا- سبقت المسيحية الإسلام فى مصر حيث توالت الديانات فى الظهور والإنتشار تباعا بترتيب الأحداث زمنيا ليس أكثر.

ولو سلمنا بتطبيق وجهة نظره ورؤيته من منظور مختلف، يكون تأويلها عند الرجل المسيحى كالتالى:
الميم (مسيح)، الصاد (صليب)، والراء (رب الأرباب).
وقد تفسر عند اليهودى كالتالى:
الميم (موسى)، الصاد (صهيون)، والراء (راحيل).

وحتى لو بعدنا عن التأويل تبعا للأديان، ليكن وفقا لأيدلوجية سياسية مثلا، الشيوعية نموذجا.. يصبح التأويل هكذا، الميم (ماركس)، الصاد (صراع طبقى)، والراء (رأس المال).

مادامت لعبة حروف وكلمات فليكن.. وفقا لأسماء حكام مصر عبر التاريخ، الميم "مينا نارمر" ، الصاد "صلاح الدين" ، الراء "رمسيس"، وهكذا.

وفى كتب تفسير الأحلام، وضع النابلسى وابن سيرين وغيرهم دلالات لتفسير كل رمز، غافلين اختلاف الرؤى ودلالاتها فى نفسية كل شخص، وليس هكذا تقاس المشاعر الانسانية او القياسات النفسية او الدلالات، انها ليست مسائل حسابية وقواعد فيثاغورث، لكنها تقاس هكذا عند أمة نائمة.

ليس فى الأمر جرم أو خطيئة، فالذنب ليس ذنب المردد بل ذنب الملقن.. غاية ما هناك هو ايضاح معنى ما نقله، ومغزى ما نرمى اليه كقوالب جاهزة تقدم كما هى دون التحديق فيها لنرى نواقص او قصور يجب معالجته.

علمونا فى المدارس حين كنا صغارا حيث كان عالمنا صغير مثلنا، أن حرف الألف يعنى أرنب، والباء يعنى بطة، والتاء تفاحة.. ولم تخرج مدرسة عن الإطار المألوف لتخرج لنا بكلمة جديدة تبدأ بنفس الحرف، هى اسطمبة واحدة، واقتصرت مفاهيمنا للحروف الثلاث على الكلمات الثلاثة، وحين كبرنا قليلا علمنا أن للحرف الواحد مائة كلمة ومائة تفسير، تعلمنا أن الألف أرنب، وإبرة، أب، أم، ألف فتحة وكسرة وضمة وشدة وسكون.
وحين كبرنا أكثر علمنا أن (الحرف يقتل).
علمنا أن العالم يتسع لحروف كثيرة وكلمات عدة ومفاهيم كثر فى ظل عالم رحب بالانسان والانسانية، دون إقصاء، دون استحواذ، دون تحيز.. دون تفسيرات وتحليلات تبعا للميول والرغبات والأهواء.

ليكن عالمنا يتسع للجميع.. لتكن مصر باقية وخالدة دون اضفاء صبغة دينية لبقائها وخلودها.
فلتحيا مصر وليحيا الإنسان بلا تمييز.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن