سارق النوروز!!

سامي عبد العال
abdelaalsami@gmail.com

2018 / 3 / 21

النوروز هو عيد الحياة، أغنية الطبيعة التي تعلن ميلاداً جديداً للزمن. إنَّه بهجة النغم عبر قيثارة الجبال والوديان والأشجار والأزهار والرياح والشمس والضوء بأنفاس الحب والأمل. وأبداً لم تكن البهجة شكلاً زائفاً ولا ابتسامة فارغة المعنى، فالأعياد تجعلها روحاً يشمل الكائنات والأحياء. هكذا يجدد النوروز جوهر الأشياء وينثر عبق الإنسان الفوَّاح بتنوعه وحيواته. يعطيها ألقاً مختلفاً يحسه القاصي والداني، كأنَّ الحياة تضم إلى راحتيها جميع أبنائها في لحظات كونية تنتظر السعادة الهائمة من الماضي والمستقبل.

كلُّ ذلك كان بالنسبة لشعب الكرد نبضاً للطبيعة واحتفاء بحقيقتها. لكن فجأة نضبت المعاني من أرواحهم كما تجف أغصان الأشجار بالخريف، لقد دفعتها أطماع " الغراب العثماني" ( أردوغان ) إلى حافة الهاوية. إنه خاطف السعادة والأمل والحقيقة والطبيعة من أعناق الرجال والنساء.

لقد أشار السلطان العثماني في غير مناسبة: أنه لن يسمح بقيام دولة كردية جنوب تركياً خوفاً من تقوية أكراد الداخل، فشتت المجتمع الكردي. ولوح مراراً باستعمال القوة الدموية لتصفية أية تجمعات ضمن هذا العنوان بالشام والعراق، فأحدث الفوضى وحاصر المدن. ولم يترك باباً إلاَّ وطرقه لانزال التهديدات التركية على تلك المنطقة كالصواعق التي تنذر بالموت. وليس هذا فقط بل حذر أمريكا وروسيا من مساعدة الكرد في استعادة أراضيهم وحقوقهم من الدواعش أو الاقتصاص لكرامتهم التي أراقها الإرهاب.

الكرد كانوا وما زالوا أغنية حزينة حائرة في " أحداق الشرق " ما بين عرب وترك وفرس. لم ينالوا منهم سوى الملاحقة والضياع والقهر والاحتلال والقتل. وكانوا هم الوقود الحي لجميع الحركات الهدامة والارهابية بالمنطقة. بالأمس القريب دمر الدواعش بلدانهم وشردوا عائلاتهم واستباحوا أسرارهم وسبوا نساءهم أمام العالم أجمع. ولم يقل أحد لأي داعشي أنت عدو الحياة التي هي الأنشودة الأصلية.

حتى بدا أنَّ دمار الكرد كان سببه الأول أنَّهم أصحاب تلك الأنشودة من عصر إلى عصر، يدركون كيف تكون أدق معاني الحياة وأسرارها، وهي ما طبيعتها؟ ولماذا هي نيران تطاول قمم الجبال وتسرج بأنينها منذ آلاف السنين؟! ولماذا يضيء بريقها المستقبل تحت سنابك الظلام الكثيف؟

في الأساطير اليونانية القديمة لم يكن ديونيسيوس Dionysus ليسرق النيران من الآلهة لكي يأخذها لنفسه، بل فعل ذلك معطياً إياها للبشر. لكي يحيوا ويمارسوا الحرية ويتمردوا ويبحروا تجاه المجهول دون حدود. وضع لهم نيران الكرامة والحياة طي أفعالهم وغرائزهم. فإذا كان العيش رغبة وطاقة، فالجانب الرمزي هو اشعال فتيلها من الآلهة التي تستأثر بكل شيء. إذن لماذا لا يكون الأمل تمرداً على أي كائن ولو كان إلهاً؟! من هنا كان عمل ديونيسوس عيداً للتحرر واغترافاً من معين الرغبات والملذات ومظاهر النشوة.

أما السلطان العثماني الجديد فهو سارق النوروز، أعاد أجواء الكآبة إلى ساحة الكرد بشمال سوريا والعراق وجنوب تركيا. ولم يكن بينه وبين أي داعشي فروق تذكر، هذا قتل وذبح، وذاك العثماني أباد وهدَّم المدن الكردية في عفرين وكوباني والقامشلي. ولم يعترف بالتنوع العرقي ولا الثقافي الذي توفره الكيانات العرقية والتاريخية. مع أن المعادلة التي حسبها خطأ سترتد عليه، بمعني أنه لو أباد كرد الخارج سيؤسس لاحتقان تاريخي مع كرد الداخل!! وسيكونون قنبلة موقوتة بين أقدام الأتراك في أي مكان!!

ورغم ذلك لم ينتبه السلطان إلى المعضلة ولا النتائج، فالكرد الآن تحت مقصلة الإرهاب باسم دولته المجاورة ( تركياً ). ولم يخف على المتابع أن أردوغان راع للإرهاب الإخواني الذي يفتح له الطريق هناك. لقد دخلت جحافله السلطان على كرد سوريا لتنهب وتهجر وتعيد التلاعب بالديموجرافيا وأنماط السكان لصالح جماعاته الدينية. ولم يكن ليمر إرهابي واحد إلى شمال سورياً إلا ويحميه العثماني الجاسم على التلال القريبة من الحدود. وكان يسمح بخروجه وعودته ثانية وتجنيد سواه في المعارك لأجل هذا الغرض.

يتعلق وجه الغرابة في أنَّ السارق يلبس خطاباته رداء الوطنية والحرية والدفاع عن الأراضي. وبدلاً من أن يحتفل الكرد مع تجليات الطبيعة الأم، أخذوا يعانون جراحهم الدامية منذ أزمنة بين العرب والترك والفرس والدول الطائفية المستبدة. ثم كانت تركيا العثمانية طامة أخرى في حلقة يبدو أنها لن تنتهي قريباً. لم ينس الأتراك هذه الظلال العثمانية الغابرة التي كانت تحتل الشرق العربي برايات الخلافة الاسلامية. إن الأعلام التركية التي ظهرت وهي تتدلى من نوافذ المنازل في عفرين تعكس الخطوط الاستعمارية الراهنة لأشباح تلك الخلافة. ولم يتورع أخوان سوريا واخوان المشرق كله في الحلول مكان أهل البيوت المدمرة. وقد تركوا الجثث في الشوارع تنهبها الكلاب الضالة ذاهبين إلى نهب الدكاكين والأسواق والسيارات و الاستيلاء على المزارع.

وتثار نفس الغرابة في تسمية الحرب العثمانية على عفرين بـ" غصن الزيتون". وهنا تكتمل أركان السرقة الرمزية للنوروز. ما دخل الزيتون الرامز للطبيعة والسلام والأمل بالدمار الناتج عن الاشتباكات؟! هل سيبرئ " زيتون السلطان" جرائمه ضد الإنسانية من الإدانة الدولية لاحقاً؟ إنَّ الأمر خداع لا متناه تحت لافتات سلمية، حتى يكون القتل حلالاً على الطريقة الداعشية مرة أخرى. لقد استعادت تركياً دور البديل الارهابي في تصفية حساباتها الخاصة. إنه زيتون الدم، مغموس بروائح الموت وشواء الجثث وبقر البطون وتشريد الأهالي.

إذا كان التحرش بالأوطان كارثة، فإنَّ انتهاكها واستباحة ساحتها وتصفية سكانها هي أم الكوارث. ربما لم يكن ذلك وارداً بوضوح في الحالة السورية إلاَّ عندما ذكر السلطان العثماني( أردوغان ) إنه في طريقة لإعادة هذه الأراضي إلى أصحابها. لكن السؤال المبدئي: من أصحابها أيها السلطان؟ إنه يعزف على وتر تزييف الحقائق تحت نظر الرأي العام الدولي، فالكرد تاريخيا يستوطنون هذه البلدان. وهم كتل سكانية لهم عاداتهم وتقاليدهم المشهورة في التاريخ الثقافي للمنطقة حتى قبل الديانات الإبراهيمية.

من هم أصحاب تلك المناطق إذن؟! إن السلطان العثماني يرى في جماعات الإرهاب سكاناً أصليين. في مشهد يصور الوجود الكردي كأنه احتلال لمدن لا يملكونها. ولئن كان الأمر كذلك، فلماذا يجيء إليها كلُّ أخواني قريب أو بعيد؟ لقد رفعوا الاعلام الخاصة بالجيش السوري الحر، وهو الغطاء المعروف لتنظيمات مسلحة قائمة على تجنيد افراد الجماعات الدينية بجانب بعض فصائل المعارضة منذ اندلاع الثورة السورية.

وعندما أعلن السلطان العثماني تحرير عفرين خرجت المشاهد صادمة. بقايا أناس يجرجرون آمالهم في الهروب من القصف والقتل. وغبار يطارد العصافير ونعيق البوم يحل وسط النهار. واتسعت آمال السلطان في تصريحاته الخاصة بأنه سيوسع رقعة عصن الزيتون إلى مدن الكرد الأخرى لتكتمل أركان الكارثة.... أخيراً: من ينقذ الكرد من زيتون السلطان؟ ولماذا يتركه المجتمع الدولي يعربد على جثث الضحايا باسم الخلافة؟!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن