قراءة في كتاب (رهانات السلطة لماجد الغرباوي وطارق الكناني..)

سلام كاظم فرج
salamalyasr@yahoo.com

2018 / 3 / 9

جدل الماضي والحاضر وتوقعات المستقبل
( قراءة في كتاب رهانات السلطة لماجد الغرباوي وطارق الكناني...)..

سلام كاظم فرج...
(خارج المتن / في رأيي المتواضع ان ارتفاع منسوب الإلحاد الحاد في الشرق الأوسط واقترابه الى ما يمكن ان نسميه بالمد.. يعود (وبدرجة كبيرة ) إلى فشل الإسلام السياسي وخطابه الأيديولوجي وتعثر مشروعه في بناء دولة مؤسسات في كل من العراق ومصر اكثر منه الى جهود فكرية بحتة لكتاب ومفكرين ملحدين.. ودليلي على ذلك : انقطاع الشارع عن ابرز ممثلي الإسلام السياسي وتقاطعه معهم.. دون وجود بديل سياسي مادي وعملي يستقطب الجماهير ويوظف طاقاتها خارج متون النصوص المقدسة ولا بديل علماني فاعل يمكن من خلاله انقاذ الجماهير من السقوط في وهدة الالحاد او وهدة التخلف المريع والسلفية الضارة .. فكلاهما مؤذ ومدمر.... (سلام..)
يهتم مؤرخو السياسة والاجتماع ولأغراض مهنية صرفة ومن اجل توخي الموضوعية بدراسة التغيرات الدقيقة والتعديلات الشكلية والجوهرية على حد سواء في تبني الشعار وانعاكسه على الممارسة لكل الحركات السياسية والاجتماعية الفاعلة عند صناعة الاحداث.. وكتاب رهانات السلطة لمؤلفيه الأستاذ ماجد الغرباوي والأستاذ طارق الكناني سفر خطير يتوغل عميقا في محاولة فهم حراك ابرز التيارات السياسية المهيمنة على السلطة في عراق اليوم ..والبحث عن جذور ايديولوجيتها وانطلاقتها تنظيميا وفكريا وسياسيا وطبيعة تحالفاتها فيما بينها وفيما بين دول الجوار او دول العالم ومدى تمسكها بالثوابت الوطنية والعقائدية قياسا الى مصالحها الضيقة..
لقد تطلع طارق الكناني كباحث جريء ومدقق عميق لدراسة جذر المسألة من خلال إقتراح حوار طويل ومعمق وجريء (جريء جدا ) مع رجل عاش محنة الانتماء إلى المعارضة الوطنية العراقية في عز الضرب عليها بمطرقة العنف والاستبداد..وعاش مراحل تبلور الانشقاقات في حزب الدعوة الإسلامية على صعيد الفكر والممارسة.. أعني به الأستاذ الغرباوي..
لقد تحرى المؤلفان عن النفوذ والهيمنة الأجنبية في حصول تلك الانشقاقات.. .. ثم ينتقل المؤلفان الى الحاضر فيقدمان دراسة مستفيضة عن استمرار ذلك النفوذ الذي يتباين في شدته بين جناح وجناح... وجدل محاولات التوفيق بين نفوذ القرار الأميركي ونفوذ القرار الإيراني ومدى تأثيرهما على رهانات السلطة... ويتعمق الكناني في اسئلته ليصل الى كشف الحجاب عن صدق الرغبة لدى تلكم التيارات في تبني خطابا عراقيا صرفا ومدى قدرتها ورغبتها في تأصيل العملية السياسية الديمقراطية وتأصيل وطنيتها .. من خلال علاقات متكافئة ورصينة منفلتة عن أطر الانصياع لهذا الطرف او ذاك..
ان الاختلافات الشكلية من اجل التمايز بين هذا الجناح يؤشر الى عمق أزمة التيارات الإسلامية المتطلعة للسلطة ..وافتقادها الى البرامج السياسية الواضحة واتكاءها على مقولات جاهزة كالدفاع عن نصاعة المذهب وحماية جمهور الطائفة .. أسس لتجذر خطاب طائفي مغاير في الاتجاه مشابه في الطرح ....(وقد يطول الشرح في بيان ايهما أسبق في التأسيس!! ) أدى في نهاية المطاف الى زرع الاسافين بين طوائف الشعب المختلفة والذي أدى في دوره الى ضعف النزعة الوطنية والمدنية والدخول في معارك ومهاترات بين الاجنحة المتهافتة على مغانم السلطة والتي وجدت في الخطاب الطائفي الوسيلة الاسهل والانجع لكسب تلك المغانم الانتخابية والسلطوية وقد أدى كل ذلك إلى هشاشة القرار الوطني واحتياجه الى مساعدة هذا الطرف الإقليمي او ذاك..
عن جدل الماضي يقول الغرباوي جوابا على سؤال طارق الكناني المهم (لا يمكن لمعارضة تفتقد الرؤيا أية جدوى .. فهل تتفق معي.. ؟؟) يجيب الغرباوي:للأسف كانت قرارات المعارضة عبارة عن ردود أفعال فهي مقموعة تحت إرادة الدول المضيفة ..
وعن جدل الحاضر يتناول الباحثان دور كل من المستشار الجنرال قاسم سليماني عسكريا وسياسيا.. ودور جمهرة المستشارين الدوليين (وجلهم من الولايات المتحدة ..) ومدى التناغم او التنافر في التأثير على القرار العراقي الصرف.. وجرى البحث طويلا فيما يمكن ان نسميه ( لاعلاقية ) الوعي الجمعي العراقي بنفوذ تلك الاستشارات المتقاطعة..
ومن بين اكثر الرؤى جسامة ودقة واحتياجا الى دراسات معمقة ومستفيضة وتستند الى الموضوعية لا الانحياز المسبق مع او ضد هذا الطرف او ذاك ما طرحه الكناني عن الربط بين التحليل السايكولوجي والتحليل السياسي لموضوعة العنف في السياسة ( وما اسماه بالسادية ) او امراض الفوبيا بانواعها.. او كما اسماها بعقدة الشعور بالاضطهاد التي تشكلت في وجدان أولئك السياسيين الذين وجدوا انفسهم وفجأة امام مغانم السلطة بعد طول يأس وفقدان رجاء.. ويرى في بعض الممارسات ليست اكثر من سادية عميقة وكامنة.. ورغم انني وجدت تطرفا في هذا التحليل لدى الأستاذ الكناني إلا ان فيه بعض الصحة لدى بعض المتصدين للعمل السياسي . ولا ينسحب على الجميع.. فهناك من يحاول ان يحقق حلم العدالة القديم الذي (جاهد ) ناضل من اجله.. لكنه بقي كصوت ضائع في البرية..
ويقدم الباحثان دراسة معمقة لطبيعة الفساد المالي والإداري وما يمكن ان نسميه باللهاث على مغانم السلطة والذي يعيق تأصيل حاكمية المؤسسات المدنية.. ودور ما يسمى بالمكاتب الاقتصادية لكل حزب او جناح في استشراء ظاهرة العمولات والتي وجدت مرتعا خصبا لإفساد مشروع بناء دولة مدنية ..وصعود مسؤولين فاسدين مما شكل ظاهرة خطيرة واضحة للعيان.. أتلف كل رهانات العفة والنزاهة على المشروع الذي كانت تقدمه المعارضة أبان نضالها ضد الدكتاتورية..
ويخلص الباحثان الى حقيقة ان الإسلام عبارة عن مبادئ وقيم أخلاقية لا علاقة لها بأي شكل من اشكال الأنظمة السياسية والاقتصادية المعاصرة وإن الوقوع في شراك السلطة ورغائبها وصراعاتها ( فيما بين قوى الإسلام السياسي نفسها ) مؤذ لجوهر الإسلام اكثر مما هو مفيد... وهو يؤذي أيضا أية محاولة لبناء دولة قوية ومعاصرة وعليه لا خيار إلا في إبعاد الخطاب الديني او الطائفي عن خيارات السلطة ورهاناتها وهذا ما لم يتم تحققه بعد...
إن الأجيال الجديدة وفق طارق الكناني وماجد الغرباوي تنتظر تحولا شاملا في جوهر فهم الدين وفهم محدودية دور الداعية الديني واحتماليات سقوطه في فخاخ السلطة وإغراءاتها واحتمالات تحوله من رسول محبة وسلام إلى وحش كاسر لا يقل في وحشيته عن أعتى المجرمين.. وعندها يمكن ان نقول على الدين العفاء.. وهذا هو جوهر رسالة الغرباوي والكناني.. الخوف على الدين وليس الخوف منه...



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن