الخطاب العنصري / القبلي / الطائفي كعائق لتبلور وبروز فكر طبقي / اجتماعي / شعبي جماهيري ثوري ( 11 )

سعيد الوجاني
zehna_53@hotmail.fr

2018 / 3 / 9



عندما بدا واتضح للنظام المغربي حجم قوة حزب الاستقلال كأكبر حزب منافس جماهيريا للقصر ، مستندا على مشروعية دوره البرجوازي الميركانتيلي المستمد من الأيديولوجية ( السلفية ) / الدينية ، وحتى يبقى لوحده ، أي القصر ، هو الممثل الاسمى (للامة ) ، لم يتردد هذا في الدفع بالتناقض البارز في الحزب بين جناحين محافظ ، وبرجوازي صغير لم يصل بعد الى بلورة خط نضالي قاعدي لصيق بالجماهير ، وبقواها الأرضية ممثلة بحركة المقاومة المدينية وبجيش التحرير ، خاصة فريق الجنوب الذي كان البعض من قادته قد بدأوا يتأثرون بالنماذج السياسية لأنظمة برجوازية الدولة في الشرق العربي .
بطبيعة الحال ، وامام هذا التحول الأيديولوجي من الوطنية الشوفينية التي مثّلتها القيادة الماكارتية المحافظة ، الى الارتباط بالقضايا القومية ، ولتفادي اية تكرار لتجربة الجمهوريات العربية البرلمانية ، لم يتردد النظام ، وبتقديم وعود معسولة لاقتسام الحكم ، من دفع الجناح البرجوازي في الحزب الى اعلان الانشقاق عنه ، وتأسيس الجامعات الاستقلالية في 6 شتنبر التي ستتحول الى حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية . لقد لعب كل من المهدي بن بركة والفقيه محمد البصري ، وعبدالرحمان اليوسفي آ وآخرون دورا في هذا الانفصال ، حيث تم عقد لقاء خاص في احد ليالي خريف 1958 بمنزل المهدي الكائن بديور الجامع ، وحضره كل من ادريس لمحمدي وزير الداخلية ، و عامل الرباط المدبوح ، و(مولاي ) مصطفى العلوي .... لخ ، و ليعلن في اليوم الموالي للاجتماع ، عن ميلاد الجامعات الاستقلالية ، وبعدها تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية .
ودائما وفي اطار خطة اضعاف حزب الاستقلال ، ولتفادي اخطار التحولات السياسية والأيديولوجية التي كانت تلوح من بعض القياديين للحزب الجديد ، وحتى يتم خلط الأوراق ، بما يضعف الطبقة السياسية ، خاصة تلك التي كانت مرتبطة بحركة المقاومة المدينية ، وحتى يبقى القصر هو الأقوى ، والممثل الاسمى للدولة ، والملك للشعب ، تم خلق حزب الحركة الشعبية بخطاب إقليمي متناقض مع خطاب البرجوازية الفاسية ، الماكارتية ، الميركانتيلية المغلف بأيدولوجية سلفية / دينية تحيل الى علاقات مع الاخوان ( المعتدلين ) في الشرق ، ومتناقض مع خطاب الجناح التقدمي البرجوازي الصغير في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية . وهنا لا ننسى ان العناصر التي تم تسخيرها في عملية الانشاء ، كلهم كانوا عملاء عند الإدارة الكلونيالية ، وعلى رأسهم المحجوبي احرضان الذي ركب على كل هذه الاحداث ، ليصنع لنفسه مجدا قبليا مخزنيا ، مكنّه من السطوة والجاه ، وبسط اليد الطولى على كل ضيعات وخيرات المعمرين ( مثلا ضيعة الفرنسي جُوردة ) بقرية ولماس بهضاب زمور ، واحتكار البرلمان والمناصب الوزارية منذ تأسيس الحركة ، و مبارك البكاي لهبيل الذي سيصبح وزيرا أولا ، وعبدالكريم الخطيب الذي كانت له علاقات خاصة مع حزب المؤتمر لجنوب افريقيا ، وعلاقات مع الاتجاهات الموْدودية ( المودودي بباكستان ) بآسيا وبالشرق العربي . كما ان العقل المدبر لكل مخططات القصر ، كان احمد رضى أگديرة وزير الداخلية ، وصديق الملك ، ومستشاره الخاص في الشؤون السياسية .
منذ انطلاقاتها الأولى ، شكل حزب الحركة الشعبية الذي طرح النزعة الإثنية والقبلية كتناقض لبرنامج البرجوازية الفاسي الماكارتية ، الميركانتيلية التي استأثرت بكل مفاصل الدولة ، ولبرنامج البرجوازية الصغيرة التي كانت تبحث عن نظام شبيه بأنظمة الشرق العربي ، وبتجربة جبهة التحرير الوطني الجزائرية ، خاصة في شقها الراديكالي الذي مثله بن بلة ....لخ ، آلة حرب بيد النظام ضد الحزبين المذكورين . حزب الاستقلال المحافظ ، وحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية البرجوازي الصغير للحد من نفوذهما وسيادتهما ، خدمة للقصر .
كانت الحركة الشعبية في أنشطتها المحْمية والمُدعّمة من القصر ، تستند الى شبكة معقدة من العلاقات الشخصية والعائلية ، وتستعمل بكثرة الاطار القبلي للتحرك السياسي . غير ان انها كانت تستمد قوتها من عدة عوامل في مقدمتها ، اعتمادها على الاعيان القرويين ، وشبكات زبنائهم مِنْ مَنْ تعاونوا مع الاستعمار الفرنسي من الخونة ، والذين كانت المقاومة المدينية وجيش التحرير المغربي بشكل خاص ، والجناح التقدمي داخل الحركة الوطنية ، تهدد أسس سلطتهم الاقتصادية ونفوذهم السياسي أولا ، والدعم الخفي الذي كانت تحظى به الحركة من قبل الملك شخصيا ، كيف لا وهو من يقف وراء انشاءها كحزب مدعم له . وخاصة وان الصراع بدأ يلوح في الأفق مع دعاة الملكية ( البرلمانية ) ، ومع دعاة ( الجمهورية العربية ) ، ومع طموح البرجوازية الفاسية ، المكارتية للاستفراد بالمغرب ، بدعوى مشروعية النضال ضد الكلونيال . فالقصر كان يسعى بذلك الى تقليم أظافر الأحزاب المعارضة ، بالحد من سلطة واحتكارية حزب الاستقلال الذي روج للخطاب الشعبوي ثانيا ، وفضلا عن ذلك استفادت الحركة الشعبية من بعض الاخطاء التي ارتكبها حزب الاستقلال في إدارة شؤون البلاد والبادية منها بشكل خاص ثالثا .
لقد نصبت الحركة الشعبية نفسها ( مدافعا ) عن مصالح " البربر " و " العروبيين " أي " الجبال " و " البوادي " . فكانت تقيم تماثلا مبسطا يستهدف استعداء الجماهير الريفية والامازيغيون منهم بالخصوص ، ضد جماعة آل الفاسي من خلال حزب الاستقلال / العرب / فاس . فهي كانت تنطلق من القول ان الجماهير الريفية ( ممثلة في جيش التحرير ) هي التي قدمت اكبر التضحيات من اجل طرد الاستعمار ، لكنها أصبحت مهمشة ومنسية ، ولم تنل حظها من منافع استقلال البلاد التي احتكرها آل الفاسي ، بل ان المستفيدين من الاستقلال هم بعض الانتفاعيين والانتهازيين الذين يمثلهم هذا الحزب الرجعي ، وكأن الحركة الشعبية في خطابها وتوجهها كانت حزبا تقدميا .
لذا فإن البادية تحولت الى مركز نشاط الحركة الشعبية ، وادى ذلك الى حدوث عدة قلاقل واضطرابات ( عدي اوبيهي عامل تافيلالت ) (احداث الريف في 1958 ) ، فاستغلت الحركة تدمر الجماهير الريفية وامازيغ الاطلس المتوسط والبادية / العروبيين لإحراج حزب الاستقلال ، ثم بعده احراج الاتحاد الوطني للقوات الشعبية .
ان الحركة الشعبية التي اضحت مختصة في محاربة الفكر الوطني من خلال محاربتها لحزب الاستقلال ، ومحاربة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية / الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ يناير 1975 ، لم تكن تتصدى للفكر الوطني مباشرة ، وما كان بإمكانها ان تفعل ، وانما بشكل مستتر ، وخجول ، ونفاقي ، وجبان ، وملتوي ، بل وباسم " الوطنية الحقة " تارة ، و " الاشتراكية الإسلامية " تارة أخرى ....لخ . وعمليا كانت تذكي الروح القبلية والعداء للعرب / حزب الاستقلال / فاس / الاتحاد الوطني للقوات الشعبية / المدن .
لقد كانت جولات لحسن اليوسي واحرضان ..... لخ ، ونشاطاتهم المختلفة في صفوف القبائل ، شهيرة في هذا الصدد . وليس نفي قادتها والى اليوم لتهمة التفرقة ، الاّ محاولة لإخفاء الممارسات التي تحاول الاستناد على المغاربة البربر ، لضرب حزب الاستقلال / الاتحاد الوطني للقوات الشعبية / الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في ثمانينات القرن الماضي .
هكذا فان الحركة الشعبية من حيث تأكيدها على العلاقات الزبونية والقبلية / الإقليمية من جهة ، ولكونها تسعى دائما الى نشر واحياء الوعي القبلي والإقليمي ، وتعمل على تحويل الصراعات الاجتماعية / الطبقية الى مجرد صراعات إقليمية قبلية ، ببوادي وجبال ضد مدن ، عرب ضد بربر من جهة ثانية ، كانت ولا تزال تحول دون بروز وتبلور وعي الطبقات المستغَلة والمسودة بمصالحها ، وتبقي على تبعيتها وولائها " للاعيان " / القصر / الملك .
ان لجوء الحركة الشعبية للخطاب الوطني ، بل وحتى للخطاب القومي ، لم يكن الاّ للمزايدة على الأحزاب الأخرى . حزب الاستقلال / الاتحاد الوطني للقوات الشعبية / الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية / حزب العدالة والتنمية / جماعة العدل والإحسان / الحزب الاشتراكي الموحد / حزب النهج الديمقراطي ... لخ ولإخفاء الطباع / الجوهر / الإقليمي / القبلي لفكرها وايديولوجيتها العنصرية .
( يتبع )



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن