مدرسة بمعلم واحد

مفيد بدر عبدالله
nnn777176@yahoo.com

2018 / 3 / 8

الفرحة لم تسعني حين طلب مني أستاذي الكاتب الكبير طالب عبدالعزيز أن أصحبه معي بسيارتي الى القاعة الرياضية الذي كنت أتمرن فيها، فاللقاءات القصيرة التي كانت تحصل بيننا بين الفينة والاخرى لم ترو سوى جزء يسير من عطشي للقائه والاستماع لكلماته، فهي تبعث في نفسي الامل وتكسر حالة الضجر والياس التي تتسلل الى نفسي، الفرحة تترجم علاقتي الوطيدة التي تربطني بنتاجاته الادبية، لها نكهة خاصة وسحر، أستسيغها وأهضمها بيسر، تمور في ذاتي وتفتح أبواب الجمال الكامن فتزيدني حبا للحياة، لا تشبهها غيرها من الكلمات، تصنع للحياة معنى آخر، وتضع الانسان بمرتبة أعلى، وتتغزل بالمكان، فعشق طالب كبير وابدي للنخل التي أنس لأفيائها، والأنهار التي عام فيها، وغيرها من الاشياء الساحرة الخلابة شكلت له ذكريات يحملها معه، كلماته ترجمة لتلكم العلاقة الحميمة التي تربطه بالأمكنة التي تقلب فيها ايام الطفولة والصبا، وتشكل مفاتيح للأبعاد الانسانية التي تتضمنها مفرداته، وحافزا مهما وكبيرا لمواجهة تيار الخراب، فالسيد طالب يحرق حياته قرباناً لأجل الآخرين يكتب بصدق الانبياء وحكمة الاوصياء، لدي ثقة كبيرة أن أكثر من 90% من الكتّاب المعاصرين لا يمتلكون شجاعته، ينسون أو يتناسون عن عمد أننا نمر بمرحلة شديدة الخطورة تقتضي من النخب شجاعة حقة، وقدرة على مواجهة الردى بصدر مفتوح .
في الطريق الواصل بين منزله والقاعة الرياضية كنت احرص أن أسير ببطيء، وأحرص على الاستماع لكل ما يقول، فصحبة المفكرين مكسب كبير، لم يبخل علي بالنصائح، ولعل أهم ما علق منها في ذهني " كن منسجما مع ذاتك وأحرص ان تعيش بلا أقنعة "، ما اروعها من عبارة، لا زلت أذكر أنني رددت قائلا : قليلون من يمتلكون تلك الشجاعة سيما واننا نعيش مجتمع التناقض الأخلاقي طغت فيه المصالح على ما سواها . من يتمعن بكتابات طالب يجده عراقيا، بصريا، خصيبيا حد النخاع، الطفولة والصبا لاتزال تلازم ذاكرته، له قدرة فريدة في جر الماضي إلى ساحة الحاضر، رجل مسكون بالجمال وسحر الطبيعة، يبكيه قتل نخلة او ردم نهر، تؤرقه العشوائيات التي انبثقت في إحياء مختلفة من البصرة وغيّرت من طبيعة مجتمعها الآمن، المتآخي، المتسامح وجعلت من الفرقة واعمال القتل امراً ملموساً، أننا ندفع ثمنا باهضا لإفرازات السياسة الخاطئة في الإدارة ولدت الخراب والفساد والهدر في المال العام والسرقات، فلقد أضحت المدينة غير قادرة على استيعاب ساكنيها.
شهر مضى مسرعا، غادر القاعة الرياضية ومعه غادرتني الابتسامة واللغة والصور، كلماته لم تزل حاضرة في ذهني حتى الساعة، تعلمت منها المعنى الحقيقي للوطنية، وأننا عندما نريد ان نبني دولة لابد ان نتنازل عن كل ما يثنينا عن ذلك، تعلمت منه كيف أكتب بفضاءات حرة بعيدا كل أنواع التبعية، وأن امنح مدننا حيزا فيما أكتب، فهي عشقنا الاول ومأوانا الابدي، فنحن لسنا كالأخرين نحمل جنسية لوطن آخر نذهب اليه عندما يجف ضرع البقرة الحلوب. شهر مضى وأنا أنهل من تلك المدرسة الفكرية الرائدة ، مدرسة رصينة وعظيمة معلمها الوحيد الاستاذ طالب عبدالعزيز .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن