المقاومة وجيش التحرير كعائق لبروز وعي طبقي / اجتماعي جماهيري شعبي وثوري ( 10 )

سعيد الوجاني
zehna_53@hotmail.fr

2018 / 3 / 5


في الحلقة السابقة اوضحنا التناقض الأساسي بين النضال الوطني وبين النضال الطبقي / الاجتماعي الشعبي الجماهيري ، لأن النظام الممثل للبرجوازية الكمبرادورية ، وبالتحالف العضوي مع البرجوازية الميركانتيلية لجماعة آل الفاسي بقيادة عرابها علال الفاسي ، وظفوا وركزوا على النضال الوطني للالتفاف وتحنيط ، بل نفي واعدام النضال الطبقي / الاجتماعي ، الذي ستتضح ملامحه بعد استقلال ايكس ليبان ، حيث نجح النظام الكمبرادوري وبالتحالف مع البرجوازية الفاسية ، في تمييع دور( البرجوازية الوسطى وما فوق المتوسطة ) لجعله في نهاية المطاف خاضعا للبرجوازية الفاسية ( الوطنية ) للتّمكن من بسط الهيمنة على كل مفاصل الدولة بعد الاستقلال . وقد استمر نفس الخطاب يتردد طيلة الفترة التي تلت من الثلاثينات وحتى تسعينات القرن الماضي ، لتركيز دكتاتورية طبقية مفروضة على الشعب .
خلال هذا المرحلة لم يكن حزب الاستقلال بقيادة البرجوازية الفاسية ، الميركانتيلية ، الكارثية ، المكارتية ،( المحافظة ) ، وحده من يشغل الساحة بأفكاره التي كانت تؤثث لمرحلة ما بعد الاستقلال ، بل كان الى جانب الحزب ، حركة المقاومة وجيش التحرير كطرفي نقيض للحزب . وقد انعكس هذا التناقض بين الجانبين في مرحلة بداية الاستقلال ، حيث كانت اللجنة التنفيذية للحزب ، مسؤولة عن اغتيالات المقاومين بشوارع الدارالبيضاء ، بدعوى تصفية الحسابات عن مرحلة ما قبل الاستقلال . كما لا ننسى احداث دار بريشة ، وتصفية مناضلي الحزب الليبرالي لمحمد بن الحسن الوزاني ، وامتداد يد الاجرام لتصفية رموز جيش التحرير وعلى رأسهم عباس المسعدي .
ومما يجب على شباب اليوم معرفته ، ان اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال ، وفي تناقضها الصارخ مع المقاومة التي رفضت الخضوع لتعليمات الحزب ، كانت تستنكر عمليات المقاومة المسلحة ، التي تعتبرها ازعاجا للحزب الذي اختار النضال السلمي البوليميكي الموجه الى الغرب ، والولايات المتحدة ، والشرق العربي .
اما عن جيش التحرير وبخلاف المقاومة المدينية ، فكان على طرف نقيض من الحزب . فإذا كانت المقاومة المدينية قد تكونت من اهل البادية الذين كانوا يقطنون مدن الصفيح و أنْوايلْ ، خاصة بالدارالبيضاء ، ووادزم ، والشاوية .... لخ ، فان جيش التحرير تكون من القبائل البربرية التي استوطنت البلاد الثورية التي كانوا يسمونها ببلاد السيبة ، أي الأراضي الثائرة ضد النظام المركزي السلطاني بفاس ، وضد الاستعمار الفرنسي والاسباني . ( سنعود بتفصيل الى دراسة هذه الحقبة التي تآمر فيها علال الفاسي على الثورة المسلحة للقبائل البربرية التي كان يرى فيها تهديدا له ، ولمشروعه الهادف للسيطرة على الدولة ولطبقته وعائلته وللنظام ) .
ان ثورة المسلحة لجيش التحرير من خلال ثورة وعصيان القبائل البربرية ، كانت سابقة على دخول الكلونيال الفرنسي الى بلادنا ، فهي كانت تستهدف النظام الذي لم يجد بدا من الاستعانة بفرنسا لحمايته من هذه الثورات التي كانت تهدف الى بناء نظام جمهوري كما حصل في الريف . وكان لاتفاقية الحماية التي وقعها السلطان عبدالحفيظ ، اكبر الأثر في تحديد اطراف الصراع الفاعلة في الساحة الوطنية . فمن جهة كان الحكم المركزي ومعه البرجوازية الفاسية ، الميركانتيلية ، الماكارتية ، الكارثية ، ومن جهة الكلونيال الفرنسي الاسباني المتحالف مع القوة الأولى ، ومن جهة كانت المقاومة المدينية خاصة تلك التي انبثقت عن الجناح البرجوازي الصغير الذي فشل في إيصال أفكاره البرجوازية الى جيش التحرير ، وكان كتناقض عن كل هذه الفئات ، القبائل الثورية المسلحة بقيادة جيش التحرير التي حكم علال الفاسي بفشلها ، ودعا الى استبداله بالنضال السلمي البرجوازي المحافظ ، تمهيدا للاستيلاء على الدولة ، وعلى الشعب بعد الحصول على الاستقلال .
ان جذرية الأساليب النضالية (الكفاح المسلح ) التي اخذت بها حركة المقاومة وجيش التحرير المغربي ، لم يصاحبها تحول ثقافي ، أيديولوجي ثوري فعلي ، لفكر المقاومة المسلحة ، وللمفاهيم السياسية البرجوازية التي حكمت سير الحركة الوطنية ، وكانت سائدة في صفوفها .
ولئن وُجدت براعم هذا التجاوز الأيديولوجي / السياسي في فكر وممارسة المقاومة وجيش التحرير، فهي بقيت جنينية ولم تصل لعدة أسباب، مداها الأقصى ، لتؤطر مجمل نشاط حركة المقاومة وجيش التحرير .ان هذه الحركة في نضالاتها ، لم تتجاوز سقف البنية الفكرية الأيديولوجية / السلفية / الدينية لمجموع الحركة الوطنية ، ولحزب الاستقلال تحديدا ، رغم انه لم يكن أي رابط تنظيمي يجمع بينهما .
وقد حصرت المقاومة برنامجها السياسي في النضال من اجل عودة الملك من المنفى ، وإعلان استقلال البلاد ، دون ان تتجاوز هذا المستوى العام لتُجدد تصورا ، ولو اوليا ، للمجتمع المستقل ....لخ .
وبالرغم من التأطير البرجوازي الصغير وقاعدتها الشعبية (اشباه بروليتارية ، عمال ، فلاحين ... لخ ) ، بقيت المقاومة وجيش التحرير ، خاصة جيش الجنوب ، غارقا في الأيديولوجية السلفية / الدينية ، ولم تتحرر من هكذا نمط تقليدي لتبلور تصورا ثوريا مغايرا .
وكانت منظمات المقاومة بمختلف اتجاهاتها، ومن خلال مناشيرها النادرة ، تتوجه الى الشعب المغربي قاطبة ، وليس كطبقة ، وتؤكد باستمرار على " وحدة الشعب " ، وعلى تلافي التفرقة من اجل مواجهة قوى الاحتلال . ونفس الاتجاه تؤكده المرافعات السياسية لمناضلي المقاومة ، خلال المحاكمات العسكرية والمدنية التي شهدتها بلادنا خلال فترة المقاومة المدينية . كما ان البعد القومي والإسلامي ( منْ خلال نشاط " مكتب المغرب العربي " بالقاهرة ) ، لم يشكل تحولا نوعيا في فكر وممارسة حركة المقاومة وجيش التحرير ، سيما ان الاتجاهات القُطرية هي التي كانت لها الغلبة ، فضلا عن كون الإنجازات النضالية المشتركة بين الحركات التحررية لبلدان المغرب العربي ، بقيت محدودة بالرغم من كل ما قيل بهذا الشأن .
وإذا كانت الوثيقة التي أصدرها المجلس الوطني للمقاومة المغربية ، بعد اعلان الاستقلال ، قد تضمنت تنديدا صريحا بالخونة والاقطاعيين الذين استفادوا من نِعَم الاستقلال ضدا على مصالح الشعب ...لخ ، فإنها كانت مع ذلك ، تؤكد على " وحدة " الشعب ، وبقيت المقاومة بالرغم من تقدم وعي بعض قادتها البارزين في اطار الوعي السائد آنذاك ، متشبثة بالأيديولوجية / الفكر الوطني ، ولم تدرك بكل وضوح طبيعة المرحلة الجديدة و آليات الاستعمار الجديد ، سيما ان التناقضات الاجتماعية / الطبقية كانت تكتسي صبغة إقليمية او قبلية ( عدي اوبيهي ) ، وتخفي طابعها الطبقي / الاجتماعي .
والحصيلة الأساسية هي ان الحركة الوطنية ، بمختلف مكوناتها ، نظرا لطبيعة النضال الوطني ، وللتناقضات والتحالفات الطبقية التي تمخضت عنه أولا ، واعتبارا للقوى السياسية التي تصدرت هذا النضال ، وشكلت القيادة الفعلية السياسية / الأيديولوجية والتنظيمية للحركة الوطنية ثانيا ، تكون قد عملت على عرقلة بروز الوعي الطبقي / الاجتماعي لدى الفئات والطبقة شبه الشعبية على امتداد مرحلة النضال الوطني ، وبعد اعلان الاستقلال .
بيد ان الحركة الوطنية قد ساهمت بنضالها الأيديولوجي / السياسي ، في بلورة وسيادة الوعي الوطني ، ذلك انها صهرت في بوتقة واحدة ، وفي خضم مواجهة الاستعمار ، وعي الجماهير الشعبية ، أيا كان انتماؤها الإقليمي او القبلي في قالب الوعي الوطني . كما عملت على ان يصبح الوعي / الإحساس بوحدة الوطن / الامة ، ووحدة المصير ، هو الموجه والمحرك للنضال الشعبي ضد الكلونيال . وبذلك تكون الحركة الوطنية قد اضطلعت بدور بارز، في نسف النزاعات في الفكر / الوعي القبلي / الإقليمي التي كان الاستعمار يعتمدها ،ويستند اليها لشق وحدة الشعب ، ومجابهة إصلاحية الحركة الوطنية التي تمسكت في مرحلة من تاريخها بمطلب تطبيق اتفاقية الحماية .
لكن ما هي البدائل التي طرحت لتجاوز الوعي الوطني غداة استقلال البلاد ، وما هي علاقاتها بالوعي الطبقي / الاجتماعي الجماهيري الشعبي الثوري ؟
لئن كان الوعي الوطني يمثل بكل تأكيد ، مرحلة متقدمة من تطور الوعي بالمقارنة مع اشكال الوعي الإقليمي ، القبلي او العشائري ...لخ ، فإن البدائل المقترحة لتجاوز هذا الوعي ، كانت تستمد قوتها من بقايا الفكر القبلي / العشائري ، وتعمل على بعثها من الرماد . فكانت كل هذه البدائل تسير في اتجاه معاكس لبروز وعي الطبقات الكادحة ، وادراكها لمصالحها الحقيقية . ونستثني من هذه البدائل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، حيث يشكل الفكر الاتحادي النموذج الوحيد المتقدم لتجاوز الأيديولوجية / الفكر الاستقلالي ل ( سيدي علال الفاسي هههههه ) ، دون قطع الصلات مع الوعي الوطني ، ودون الانغماس في الوعي والممارسات الإقليمية / القبلية .
وإذ شكل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المعبر عن الوعي الوطني التقدمي ، فانه لم يجسد ، في بدايته ، اختيارا طبقيا واضحا ، سيما انه طرح نفسه كامتداد طبيعي للحركة الوطنية في شقها الميركانتيلي المكارتي ، وفي نفس الوقت وريث شرعي للمقاومة وجيش التحرير .
( يتبع ) .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن