أحمدي نجاد أم عودة الاحتجاجات ؟!

نجاح محمد علي
najahmali@gmail.com

2018 / 3 / 4

يرى عارفون في إيران أن الرئيس الايراني السابق محمود أحمدي نجاد، المتهم من قبل خصومه بإثارة الأزمات في البلاد، يستفيد من حجم المعلومات التي يمتلكها ،والملفات السرية التي تدين بعض أقطاب النظام وكان وضع يده عليها بعد إقالته وزير الاستخبارات حيدر مصلحي آنذاك في ولايته الثانية وخلق أولى أهم أزماته مع المرشد الولي الفقيه علي خامنئي عندما عين نفسه مشرفاً على الوزارة لحين تقديم وزير جديد، من واقع أن وزارة الاستخبارات من ضمن بضع وزارات، تخضع مباشرة لاشراف المرشد الولي الفقيه، وهو الذي يقترح أسماء الوزراء فيها.

فبعد اتهامه بالتحريض على الدراويش الكناباديين عندما أخذت أزمتهم مع نظام الجمهورية الاسلامية في عهده بعداً أمنياً حاداً ، وأنه كان وراء التشجيع أيضاً على المظاهرات الأخيرة "العامة"، يقول العارفون إن أحمدي نجاد أصبح جزءاً من منظومة أزمات داخلية تُنفذها "القوى الخفية" التي تتعمد إثارة الأزمات في البلاد فتقدم الذريعة لأعداء إيران في الخارج للتدخل فيها بشكل أو بآخر ، ويؤكدون أن هذه "القوى الخفية" وراء رسالة أحمدي نجاد الأخيرة الى المرشد خامنئي ، وقد مست صلاحيات الولي الفقيه وتضمنت الدعوة الى إقالة رئيس القضاء صادق لاريجاني الذي يعينه المرشد ، والى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة مبكرة وعاجلة بدون تدخل وتقنين من قبل مجلس صيانة الدستور ، ودعا الى إيجاد تغييرات في مكتب خامنئي نفسه وقال إنه يعتبر نتائج الانتخابات الأخيرة التي جددت للرئيس حسن روحاني غير شرعية وطعن بها بسبب تدخل مجلس صيانة الدستور الذي حرمه ومساعده حميد بقائي وصهره إسفنديار رحيم مشائي من خوضها كمرشحين منافسين، فهو إذاً يريد العودة للرئاسة !

ويتساءل العارفون في إيران إذا لم يكن يملك بالفعل ملفات يعتقد أنها تدين رموزاً بارزة في النظام ، فلماذا يُترك النظام أحمدي نجاد يسرح ويمرح ويلقي الخطابات الحادة التي تهيج الشارع وتخلق الأزمات، إذا كان الحرس الثوري اعتقله مؤخراً ومساعده حميد بقائي وصهره اسفنديار رحيم مشائي وأفرج عنهم بتدخل مباشر من أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني المحسوب على الحرس الثوري والذي رفض أيضاً محاولة الحرس الثوري وجهات أخرى فرض الإقامة الجبرية عليهم، من واقع إنه يرفض تكرار ماحصل في عهد أحمدي نجاد نفسه مع الزعيمين الإصلاحيين مير حسين موسوي (وزوجته زهراء رهنورد) ومهدي كروبي ، وفرض الإقامة الجبرية عليهم منذ 2011 دون وجه قانوني، فقط لأن أحمدي نجاد رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي آنذاك ، والحلقة الأمنية التي كانت تؤيده ، أرادوا ذلك؟!.

وقد تعكس رسالة أحمدي نجاد الى خامنئي التي تعمد نشرها على الملأ مطالب معظم التيارات السياسية التي رفعت خلال السنوات الماضية لإيجاد تغييرات جدية في طريقة إجراء الانتخابات بدون إقصاء من مجلس صيانة الدستور، إلا أن أحمدي نجاد ومن سانده ذلك الوقت اتهموا تلك التيارات وزعماءها وأنصارها بأنهم متآمرون وأنهم خانوا النظام و الشعب. وكانوا يقمعونهم بذرائع متعددة منها تضليل الرأي العام والإضرار بالأمن القومي.
لكن اليوم، فإن احمدي نجاد وهو أيضاً أحد أعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام وكان يتولى دفة الرئاسة في البلاد، ويدلي بتصريحات لو كان أحد غيره قد أدلى بها لكانت الدنيا قامت ولا تقعد... حتى يتم تهميشه.

حقيقة
الامر الآخر .. يعتقد الكثيرون أن على مساندي أحمدي نجاد القدامى تقبل المسؤولية في الوقت الحالي وأن يردوا على السؤال التالي: ألا وهو لماذا لا ينزلون للشارع مرتدين أكفانهم تعبيراً عن الاحتجاج على أحمدي نجاد كما فعلوا ضد موسوي وكروبي ومحمد خاتمي والراحل رفسنجاني وكما يفعلون الْيَوْم مع الرئيس حسن روحاني، مع ملاحظة أن رسالة أحمدي نجاد وسابقاتها، تصدر عن شخص يعتبر المتهم الأول في العديد من قضايا تجاوز القانون والإلتفاف عليه؟!.
سكوت ثقيل
إن سكوت من كانوا بالامس من أنصار أحمدي نجاد ثم إنقلبوا عليه يشير إلى عدة أسباب من بينها. إما أنهم متفقون فكريا مع أحمدي نجاد أو أنهم وهذا يعني أنه من المفروض أن يخرجوا للعلن ويدافعوا عنه بكل قوة. أو أنهم لا يجرأون حتى أن يحتجوا ضد ما يقوله. او أنهم يخشون أن تتم تصفيتهم بأي طريقة ومنها بالتشهير وكشف المستور بما يملك من ملفات وأسرار كما يروج هو وأنصاره .
لكن الفرضية الأخرى تقول إن سكوتهم هو مصدر قوتهم، لذا يمكن تسمية هؤلاء بداعمي فتنة أحمدي نجاد الرئيسيين، وإن الذين كانوا يدّعون بالأمس بأنهم من الغيورين على مصلحة البلد، قد اقدموا على خراب البلد من أجل المصلحة الفردية لشخص كأحمدي نجاد، وخلق أجواء التهرب من المسؤولية في النظام الإداري. لدرجة أن يتسائل المرء لماذا وثق الشعب بشخص كهذا؟
ليستيقض النائمون
والمثير للدهشة حقاً رؤية الأقطاب الدينيين وزعماء سياسيين كانوا يطالبون بمعاقبة موسوي وكروبي وخاتمي ومحاكمتهم بتهم خطيرة ، أصبحوا اليوم صماً بكماً يبدو وكأنهم لا يشعرون بشيء مما يصرح به أحمدي نجاد بما يتعارض مع حاجة البلاد الى الهدوء والاستقرار بعيداً عن إثارة المزيد من الأزمات.
اين الذين كانوا يهددون بالأمس بأنهم سيلجأون لتطبيق مانص عليه الشرع لكي يتحكموا بالتيارات السياسية. لماذا اليوم فضلوا السكوت أمام أحمدي نجاد؟!
عقوبة مؤلمة
كان البعض من هؤلاء يقول إن بإمكانهم تطبيق جزء من عقوبة الآخرة في هذه الدنيا وكانوا في التسعينيات من القرن الماضي يجولون ويقمعون دون أي أن يقف في وجههم أي حسيب أو رقيب. كانوا يتصرفون بطريقة وكأن القيامة قد قامت وأنهم وكلوا أمر تصفية حسابات يوم القيامة، حينها ركبوا الموجة. إلا انهم اليوم يواجهون شخصا قد تخلى بسهولة عن حلفائه السابقين ويحمل في رأسه طموحات جديدة وأهدافه غير واضحة المعالم.
شعبوي الأمس، والمطالب بالحرية اليوم!
كتبت صحيفة آرمان عن رسالة أحمدي نجاد التي كان يخاطب فيها المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية السيد `علي خامنئي` : إن السر وراء تصرفات أحمدي نجاد هو طلب الشهرة وجمع المزيد من الأنصار حوله وكان يخاطب رئيس السلطة القضائية مباشرة ويقلب الدنيا رأساً على عقب عليه، لدرجة أن المتحدث باسم السلطة القضائية وبعد سكوت طويل يرد بقوة على تصريحاته.
وتستذكر الصحيفة كيف كان مساعدوه يتصرفون، فقد كان مساعده حميد بقائي الذي يحاكم بتهم فساد كبيرة يذهب للمحكمة و يحمل في يده سلة حمراء، وكأنه يهددبنشر ما يعتبر من الخطوط الحمراء.
وفي يوم آخر يأمر أحمدي نجاد من حوله بالذهاب إلى دور مرقد شاه عبد العظيم جنوب طهران والاعتصام فيه، وهاهو اليوم يوجه رسالة للمرشد الأعلى!
تضيف "آرمان" ؛ احمدي نجاد لم يدخر أي جهد على نفسه من أجل الشهرة، ولايمكن أن ينسى الشعب تصرفاته الغريبة والتظاهر بأنه رئيس شعبي، مشيرة الى أن موقع جهان نيوز الذي كان يعتبر من مويديه السابقين انتقد تصرفاته الأخيرة وكتب ضده خصوصاً لجهة تدخله في شؤون المرشد ووظيفته ومكتبه.
فقد كتب موقع "جهان نيوز" مايلي:
"في الوقت الحالي ومن تصرفاته التي تبعث على الاستغراب انه يطالب اليوم بإجراء انتخابات مبكرة وتغيير رئيس السلطة القضائية وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين!
فما جاء في رسائله يتنافى تماما مع أدائه طوال فترة حكمة و ما تلته من سنوات لاحقة. كما أن اصراره على نشر رسالته للمرشد علنا يُظهر أنه يخفي أهدافا أخرى".
"لقد طرح أحمدي نجاد في رسالته الأخيرة للمرشد مطالب غريبة بشكل بتنا نتسائل عن الرابط بينها وبين أي من مسؤولياته السابقة.
كما أن مطالبته الغريبة باطلاق سراح المعتقلين السياسيين تثير السخرية. فمن كان يلقي بمعارضيه بالأمس في السجون كيف له أن يتحول اليوم إلى مطالب بالحرية؟!".
لكن....لماذا الاحتجاجات ؟!
ورغم أن أحمدي نجاد وحلقته قد يكونون فعلاً متورطين في إثارة الأزمات، إلا أن ذلك لايعني أن ماتشهده البلاد من أزمات داخلية كلها من صنعه والحلقة الضيقة التي تؤيده، فقد سلطت النتائج الأولية للتحقيقات التي أجرتها مراكز البحوث والدراسات التابعة للنظام حول الإحتجاجات "العامة" الأخيرة التي إندلعت في إيران ، الضوء على مدى الغضب الكبير في الشارع وإنعدام الثقة بين الشعب والحكومات المتعاقبة وصل الى أعلى سلطة في البلاد، كما تشير التوقعات عن إحتمال نزول الإيرانيين للشارع من جديد.
وتطرقت شبكة السياسات العامة "شمس" التي تعمل تحت إشراف مركز الدراسات الإستراتيجية التابع للحكومة الإيرانية في تقرير لها إلى العوامل والاسباب التي كانت وراء إندلاع الإحتجاجات أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، وأظهر (التقرير) مدى غضب الشارع الإيراني واحتقانه بسبب الأداء السيء للحكومات المتعاقبة،مشيرا الى الإختلاف الجذري وإتساع رقعة الإحتجاجات وإختلاف الطبقات الإجتماعية التي شاركت فيها، أو حتى إختلاف الشعارات التي رددها المتظاهرون، وإعتبرها فريدة من نوعها مقارنة بما سبقتها من إحتجاجات تكررت في البلاد على مدى السنوات الماضية منذ إنتصار الثورة في العام1979 .
وحسب ما جاء في تقرير الشبكة، أنه "رغم النجاح في السيطرة على المظاهرات وعلى قوتها وإسكاتها، إلا أنه لابد من أن ندرك بشكل معمق بأنه من المتوقع إندلاع إحتجاجات عامة مماثلة مع أول شرارة ".
ولفت التقرير بشكل صريح الى مصير زعماء في المنطقة مثل الرئيس العراقي السابق صدام حسين، والليبي معمر القذافي، واليمني علي عبدالله صالح ، والمصري حسني مبارك والأفغاني ملاعمر ، وذكر أنهم كانوا ذات يوم من أقوى القادة في بلدانهم، ويجب أن يقلق مصيرهم قد قادة نظام الجمهورية الإسلامية .
وإعترف التقرير صراحة أن جذور الإحتجاجات وإنعدام ثقة الشارع الإيراني بالنظام، تكمنان في عجز النظام عن تلبية الوعود التي تكررت خلال العقود الأربعة الماضية.
وحسب ما نشره التقرير فإن النظام عجز عن تحقيق وعوده، ومن أبرزها تلك الوعود التي تطلق بداية كل عام إيراني تبشر بالخير والأمل ولَم يتحقق منها شيء.
ويضيف التقرير، أن على النظام وفي ظل ظروف كهذه ، إحداث تغيير جذري في أساليبه لمواجهة قضايا البلاد الملحة. وإن على أصحاب القرار في إيران أن يتحلوا بالقليل من الجرأة والشجاعة وإحداث تغيير في بنية وهيكلة النظام، وأن لا يوكلوا أمر التغيير لوقت مجهول.
وجاء في جزء آخر من التقرير: أن أداء التلفزيون الوطني ومؤسسات الدولة والنظام والسياسات العامة خلال السنوات الماضية ، كان السبب وراء إندلاع الإحتجاجات الشعبية العارمة التي إندلعت مؤخراً.

تناول مركز البحوث والدراسات الإستراتيجية التابعة لوزارة العلوم والبحث العلمي في ثلاث دراسات نشرها مؤخرا "الإحتجاجات والإضطرابات الأخيرة؛ الأرضية والحلول"، وأشارت واحدة منها إلى أن إتساع رقعة الإحتجاجات قد فاجأت المراقبين للشأن الإيراني، وأن التحذيرات المتكررة حول إتساع الفجوة بين طبقات المجتمع الإيراني إجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، قد أفقدت الكثير من تلك القضايا أهميتها سواء بين الاوساط السياسية أو داخل المجتمع الإيراني، وفي ظل ظروف كهذه، لم يتوقع أحد بأن الإحتجاجات قد تنتشر بهذه السرعة وفي وقت قصير للغاية".
وذكرت دراسة ثانية أن الأوضاع الإقتصادية المتردية ونسبة البطالة العالية كانت من أبرز أسباب خروج المحتجين للشارع .
وحذر الدراسة الثالثة من أنه وظل غياب آلية شاملة ومؤثرة في النظام السياسي لتلبية مطالب المحتجين، ستواجة البلاد أزمة إطالة أمد الإحتجاجات والتي لن تفضي إلى أي نتيجة سوى إعادة مشاهد أعمال العنف في الشارع، لكنها تطلق جرس الانذار الحقيقي في إيران كي لايلقى المسؤولون مصيرًا مشابهاً لمصير صدام والقذافي وملا الطالبان في أفغانستان .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن