أردوغان في الجزائر ... تعاون أم هيمنة ؟

الطيب آيت حمودة
aithamoudatayeb@yahoo.fr

2018 / 3 / 2

°°تركيا كانت سيدة الشرق تمتلك أمبراطورية عظيمة لا تغيب عنها الشمس زمن سليمان القانوني ، أفل نجمها في أوائل القرن العشرين ، بعد أن اشتد وطيس الحروب ضدها وأركعها الغرب بفضل العلم و القوة الإقتصادية وتطور الصناعة الحربية ، فأعاد كمال أتاتورك بناءها بمنظور ( قومي علماني) ، وقال البعض بأنها كانت الأولى في الشرق فحولها أتاتورك إلى الأخيرة في الغرب .

°°°الأخيرة في الغرب ... لكنها الأولى في الشرق .


°°انتبه الأتراك أخيرا أن المنعة ليس في بناء الجيوش الجرارة وإنما المنعة في الأخذ بأساليب العلم والحضارة دون التفريط ولو شكليا في معتقد شعبها الإسلامي ، فسارت حذو اليابان في اقتباس نظم الغرب ، فكانت تركيا أوربية في لغتها وجنسها ولباسها و اقتصادها و عسكرها الذي كان ولا زال جزءا من حلف الناتو .

°°تداول على حكم تركيا رؤساء وزراء بنزعتي التمشرق مثل ( عدنان مندريس) والتغرّب ( عصمت اينونو ) فكانت تركيا مسرحا للتجاذبات الهوياتية منذ أمد طويل .

°°استفاد الأتراك كثيرا من تجربتهم ( العلمانية ) ، ودخلوا حضيرة العشرة الكبار اقتصاديا وعسكريا ،

°°طيب أردوغان من نجباء تلاميذ الأتاتوركية ، مشبع بالفكر العلماني المضاد للإسلام ، براجماتي متميز ، له استراتيجية وكاريزمة قوية في الإستقطاب سئل مرة عن فساد المجتمع التركي وانحلاله ، فأجاب بأنه سيهتم في سياسته با لإنماء الإقتصادي الذي يمكنه من كسب التأييد الشعبي ويعمق الولاء له ، ثم أعمل على توثيق الراوابط مع العالم الإسلامي ، فقضية الإنحلال والفساد هي أولويات ثانوية بدليل أن النبي صلوات الله عليه كان في بداية نشوء الدولة الإسلامية مهتما بأسس ببناء الدولة أكثر من اهتمامه بإصلاح المجتمع الذي كانت تنخره ظاهرة البغاء والمتاجرة به فيما يعرف ببيوتات صاحبات (الرايات الحمر ) .

من هنا يمكن النظر لأردوغان بأنه من عظماء تركيا الحديثة ففشله الإنضمام للإتحاد الأوربي لدواع مختلفة جعله يغير الإتجاه بإحياء النزعة العثمانية ومجدها ، فهو يقف شامخا بين نقيضين ( العلمانية والإسلام ) دون تفريط في أي منهما .

°°° انعكاس القوة الداخلية على الخارج .

تركيا حاليا ضمن مجموعة العشر دول القوية عالميا ، فكلمتها مسموعة في المحافل ، وديناميكية رئيسها متابعة إعلاميا ومستفيضة تحليلا واستشرافا ، فكلما زاد وزنها الإقتصادي كلما زاد طموحها الإستراتيجي للهيمنة الدولية ، كيف لا وهي سليلة العثمانية ، وأردوغان لا يقل حنكة من ( محمد الفاتح ) أو ( سليمان القانوني )، أو قل بأنه صورة نمطية [ لنابليون بونابرت ] .


°°°حراك أردوغان الإفريقي المقلق .


°°استفاد ت تركيا كثيرا من الصراع ( السلفي الإخواني) بين (السعودية) ( وقطر ) ، فدويلة قطر الصغيرة بأرضها وشعبها (قوية بأموالها) ، فالمال القطري يشتري الولاءات ، قد يكون السر الأكبر في فشل السعودية في اخضاع وتدجين قطر مكمنه النفوذ التركي ، فقد أمد الترك امكاناتهم العسكرية لقطر و أصبح لهم قاعدة قوية في( منطقة العديد ) ، ولم يكتف أردوغان بهذا بل أراد تطويق ( السعودية ومصر) عبر البحر الأحمر ، فكانت زياراته الماراطونية لإفريقيا الشرقية قد حققت له الحصول على ( مواطيء قدم في جيبوتي و الصومال والسودان ) .

°°° جزيرة سواكن ... التي حركت السواكن .

جزيرة ( سواكن) الواقعة على الساحل السوداني المطل على البحر الأحمر ، كانت تابعة للسلطة العثمانية ، فقد نجح أردوغان الفوز بالإشراف عليها وتسييرها وترميم ترثها العثماني ، بجعلها قطبا سياحيا ومركز عبور واستراحة للحجاج الأتراك القاصدين الحجاز ، هكذا الإعلان الرسمي ، أما الخفايا فقد تكون شيئا آخر توجست منه السعودية ومصر .
ففوز الأتراك بقواعد عسكرية في [ جيبوتي ]المطلة على مضيق باب المندب الذي هو بوابة للبحر الأحمر ، و قاعدة ثانية في [الصومال ] ، و ثالثة في [سواكن ] ، ورابعة في [العديد بقطر ]، من شأنه أن يخلق ( الريبة والقلق ) في الوسط السعودي والمصري المناوئان لتركيا .


°°°وماذا عن قاعدة الجزائر ؟؟ .

يتطلع الأتراك للفوز باستثمارات واسعة في الجزائر ، بعد أن فازوا باستقطاب سياحي جزائري مربح ، بتوظيف تاريخ عثماني مجيد في ( أيالة الجزائر العثمانية ) فالحضور التركي في الحوض الغربي للمتوسط لا يكون إلا بالجزائر ، فهل سيفعل اردوغان عندنا ما فعله في ( سواكن ) السودان ؟ ، و(عديد قطر) ؟؟ في ظل رقود الرئيس ونومه نومة أهل الكهف .

°°ما معنى تكفل تركيا ماليا بإعادة ترميم جامع كتشاوة العريق وتدشينه بنفسه ؟ وما معنى إعادة ترميم حي القصبة ؟؟؟ ، أهي نفس سياسة فرنسا التي أحيت وبعثت ورممت الآثار الرومانية في الجزائر لتثبت لنا قدم تواجدها عندنا ؟ .

أردوغان ركب موجة إحياء المجد العثماني ، وإعادة تأسيس أمبراطورية تركية الجديدة استلهاما من التاريخ ، ولو باستغلال العاطفة الدينية .

°° في الوقت الذي رفضت ( أنجيلا ميركل )، ورفض (مانويل ماكرون) زيارة رسمية للجزائر ، بادر أردوغان بطلب زيارة للجزائر لأهداف استراتيجية له ،انتقاما من فرنسا ، أو لعله يريد استبدال (حضور ةفرنسي) ب(حضور تركي ) ، عارضا على حكومتنا الحالية تعاون اقتصادي حالم ، إن كان الأمر تعاون اقتصادي وثقافي متساو يحقق الفائدة الثنائية ، فإن كانت لنا فائدة من العرض التركي فلا تُعارض ، أما إن كان الأمر عبارة عن توهيمات و وعود تجعلنا نستبدل هيمنة بأخرى بذلك يعد بلادة سياسية .

°°فالواجب حاليا يدعونا إلى تكوين قيادة جزائرية قوية بشخوصها ، قوية بتصوراتها و استراتيجياتها ، قوية بطموحها ، و الإلتفاف شعبيا حولها ، فالواقع السياسي الجزائري الحالي [عفن] غير مطمئن يبحث لنفسه عن تنفيسات تزيد من بقائه ، لا عن مخارج آمنة لجزائر قوية ذات منعة لا يطمع فيها الغير ، أما أن نُصبح في مرتبة الصومال و السودان وجيبوتي فلا وألف لا .

°°° الإخوان عائدون وبقوة .

تركيا الأردوغانية وقطر التميمية هما الممثلان الأقوى لتيار الإخوان ، فقد اجتمع الثالوث النافذ ( الدهاء، والعسكر ، والمال ) فالأولان تركيان و الثالث قطري ، فتهليل وتغريدات ( عبد الزاق مقري ) دالة على ذلك بلا ريب ، وهو ما يدل على انحسار التيار السلفي خاصة وأن السعودية نفسها بدأت تتراجع عنه بشكل ملفت وظاهر .

°°فتيار الإخوان سينتعش مجددا في ظل سياسة تركيا في العالم الإسلامي ، فكل انتصار تحققه قطر وتركيا سيجعل أسهم الإخوان ترتفع في بورصة السياسة ، فقد يعود نفوذ الإخوان القوي في مصر و السودان وتونس والجزائر ، فكل الوقائع ترشح ذلك .



°° الجزائر في وضعها الراهن الواهن عرضة للإنجذابات والإستقطابات ، فالشارع الجزائري منقسم حاليا على نفسه بأقليتين متصارعتين ، أقلية تغريبية فرنكوفونية نافذة ، وأقلية أخرى عروبية متاسلمة تريد التنفذ ، وسط [أغلبية صامتة ] تبحث لنفسها عن الخبز والماء والهواء ، هذه القوة الصامتة لو تسيست هي القادرة على ترجيح ميزان القوة لصالح هذا أو ذاك .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن