قديس فى الحانة .. لص فى المسجد

محمد السعدنى
elsaadani5@gmail.com

2018 / 2 / 26

فى ملهى ليلى مات الأول، فى المسجد مات الثاني، الأول دخل لينصحهم، يعذرهم وينذرهم ويهديهم، والثاني دخل ليسرق الأحذية، فراح ينافقهم ويخاتلهم ويلهيهم، ولحكمة له سبحانه فقد قبض إليه الإثنين كل على ماكان عليه ليبلوكم أيكم أحسن عملا، لهذا لست أنا ولا أنت من يحكم بالجنة والنار، وأن هذا قديس وذاك سارق، وهذا وطنى والآخر مارق، إذ ليس لنا إلا الظاهر، وقد يكون خادعاً ليس بصادق، فمن الحمق أن تحكم على أحد من ظاهر ما تراه منه أو مايحكى لك غيرك عنه، فقد يكون في حياته أمور أخرى لو علمتها لتغيّر حكمك عليه، وفى حكايتى سر مقولتى: "عاش رسّام عجوز في مدينة صغيرة يرسم لوحاته الجميلة ويبيعها لزواره وقاصديه من كل ناحية، وفي يوم من الأيام أتاه فقير من أهل القرية وقال له: أنت تكسب مالًا كثيرًا من أعمالك، فلماذا لا تساعد فقراء القرية؟ ألا تنظر جزار القرية الذي لا يملك مالًا كثيرًا ومع ذلك يوزّع على الفقراء كل يوم لحوماً مجّانية، وخبّاز القرية برغم أنه رجل فقير ذو عيال إلا أنه يعطي الفقراء خبزاً مجانياً كل يوم. ابتسم الرسام فى هدوء ولم يرد عليه. خرج الفقير منزعجاً من عند الرسّام وأشاع في القرية بأنّ الرسام ثريٌ جداً يكتنز الأموال ولكنّه بخيلٌ لا يساعد الفقراء أو يحنو عليهم، فنقم عليه أهل القرية وقاطعوه وهجروه. بعد مدّة مرض الرسّام العجوز ولم يعره أحدٌ من أبناء القرية اهتمامًا فمات وحيداً. مرّت الأيّام ولاحظ أهل القرية بأنّ الجزار لم يعد يرسل للفقراء لحمًا مجّانيًا، وكذلك الخباز الطيب المحسن ماعاد يمنح الفقراء خبزاً مجانياً برغم توافدهم عليه ورجاؤهم له، وأمام إلحاح الناس عن سبب توقّف الجزار والخباز عن العطايا والإحسان، قالا : بأنّ الرسّام العجوز الذي كان يعطينا كل شهر مبلغاً من المال لنعطي الفقراء اللحم والخبز قد مات فتوقّفنا إذ لاحيلة لنا فى رزق ولا شفاعة لنا فى موت". وكما تبادلها أصدقاؤنا على "الواتس" فقد انتهت الحكاية ولم تنته بعد حكمتها.
ماذا أريد أن أقول؟ واجابتى ببساطة: قد يسيء الناس بك أو بغيرك الظنون، وقد يحسبك آخرون أطهر من ماء الغمام، ولن ينفعك هؤلاء، ولن يضرك أولئك إذ المهم حقيقتك كما يعلمها الله عنك، وقد يكشف لهم الله الحقيقة ذات يوم، وقد يسرها فى علمه لحكمة عنده أنت لا تعرفها، فالله وحده علام الغيوب، ماض فينا حكمه، عدل فينا قضاؤه وهو بصير بالعباد.
هل تريد أن تسحب هذا إلى عالم السياسة؟ لا أنصحك، فقد ساد ذلك العالم التضييق والالتباس وراح ينضح بالحمق والجهل الذى يزداد التماعاً بالسطحية والغباء. فالسياسة حين تخاصم العقل والوعى ومقتضيات الأمور تصبح ضرباً من مقاصد الحيرة والمغامرة للاعبين والسلطة التى تتحكم وتتغول وتصادر المجال العام، وهى حين تخاصم لغة العصر ومتطلباته فى ملعب ديمقراطى مفتوح يسع طموح الجماهير ويلبى تطلعاتها تصبح مسخاً لاقيمة له أو قحطاً كما أرض يباب، وعندها يصبح الإعلام بديلاً باهتاً للسياسة بلا قيمة إلا الصراخ والكلام الفارغ من كل معنى فيستحيل أمام ناظرينا بلياتشو ماعاد يضحك أحداً، خصوصاً وأنه يتفنن فى اتحافنا كل مساء بحكايا "أمنا الغولة"أبورجل مسلوخة"،ويوزع علينا كل مساء قائمته فيمن هو وطنى ومن هو مارق، ويعيد ويزيد عن أولئك الذين يحاولون اسقاط الدولة، لكأنه لايعرف أنها أقدم دولة فى التاريخ، وأنها الدولة المستمرة بغير انقطاع وقد استعصت على كل المستعمرين، وظلت محتفظة بأرضها وحدودها ثابة طوال تاريخها وحتى عهد قريب. إن مايقدمه إعلامنا لامع الغباء لهو دليل على مفارقته لكل معطيات العصر وضرورات العقل وتجليات المعرفة، وهو نموذج سئ لتجريف السياسة، وهو بما يقدمه من أحكام مسبقة على المواقف والشخوص ومجريات الأحداث بدا كما أحمق راح يوزع صكوك الغفران وسندات الإدانة على خلق الله، فأدخل ذلك جنة الوطنية وألقى بهذا فى نار الخيانة، فانصرف الناس عنه إلى من عداه وبات هو نفسه كمن مات فى المسجد وقد دخله بقصد سرقة الأحذية لا الصلاة.
ياسادة، لا تغتروا بما يقول ويفعل بارونات الإعلام فهم نجوم من ورق، ولطالما تربحوا وأكلوا على موائد كل سلطة وكل نظام، وإن حاولوا إيهامك بغير ذلك، فعليك أن تنظر فيما يمليه عليك ضميرك نحو المجتمع والناس، ولا تتسرع فى اتخاذ المواقف وإصدار الأحكام، لا تحكم بعين المشاهدة، واحتكم إلى ضمير المطلع على حكمة الأشياء فوحده المنصف من لاتجرفه الأقوال بعيداً عن حقائق الجد والفعل والنضال.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن