المؤمرة ونظرية المؤامرة

ياسين المصري
yasiensm@gmail.com

2018 / 2 / 16

كنت أود الاستمرار في عرض أصداء الحوار في البحث عن كيفية صناعة ثقافة تنويرية وحداثية في العالم الإسلاموي.

ولكن إتضح أن بعض المعلقين مثل الاستاذ عبد الحكيم عثمان وآخرين اختلط عليهم الفرق بين المؤامرة ونظرية المؤامرة، يقول الأستاذ في تعليقه:" إنك اعترفت بان المؤامرة موجودة"، واعتبر أن هذا الاعتراف المزعوم تحول فكري لصالح العرب والمتأسلمين " ... "وكان الأجدر لك أن تسعى لكي تنفي وجود المؤامرة أصلا"، ولم ينسى سيادته، طبعًا، أن يشكرني على اعترافي بوجود المؤامرة!!
ولأننا شعوب تتسم بالفكر الانتقائي، الذي يتصيد الأقوال وينزعها من سياقها، فإن هذا الفكر يقتضي الزئبقية في القول بحيث من الصعب التحاور معه والوصول به إلى نتيجة محددة.
قد يكون هذا الخلط بين مفهومي المؤامرة ونظرية المؤامرة، متعمدًا أو غير متعمد ويرجع إلى عوامل أخرى ليس أقلها عامل الزئبقية والمراوغة في القول.
يرى، الفيلسوف كارل بوبر Karl Popper (1902 - 1994) أنه « ينبغي التسليم بأن المؤامرات تحدث، ورغم ذلك فإن الواقع الدامغ Striking fact يدحض نظرية المؤامرة، بالنظر إلى أن قلةً من هذه المؤامرات قد تحقق لها النجاح. ذلك أن المتآمرين نادرا ما يكونون مسيطرين على كامل متطلبات مؤامرتهم». أنظر التفاصيل في:
http://en.wikipedia.org/wiki/Conspiracy_theory
وهنا مربط الفرس، فالمتأمرون لا يستطيعون السيطرة على ثقافة بالية وعادات صحراوية متخلفة وتصرفاتنا حمقاء وتغييرها، إذ من الثابت صعوبة تغيير كل هذا لدي شخص واحد، فما بالك بأمة بكاملها؟ الأمر كما سيأتي شرحه يتوقف على العربان والمتأسلمين أنفسهم، تبعا لقول قرآنهم، الذي يرددونه كالببغاوات ليلًا ونهارًا: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11]
ما هي إذن المؤامرة و نظرية المؤامرة وما الفرق بينهما؟

المؤامرة Conspiracy عبارة عن مخطط واقع يحدث بالفعل، بينما نظرية المؤامرة Conspiracy Theory فهي مجرد افتراض لا يرقى لليقين، من قبل نخبة دينية أو سياسية ذات سطوة قوية، متخفية أو ظاهرة وقادرة على استخدام الإعلام الموجه لجموع المشاهدين السلبيين لجرهم بوسائل الخداع إلى الاقتناع بأهدافها. وغالباً ما يوسم الشخص المؤمن بهذه النظرية بالهوس أو الجنون لتمسكه ودفاعه بشتى الوسائل عن مجرد نظرية لا ترقى إلى اليقين.
هذا التعريف العام بصورته هذه يحتاج إلى وضع النقاط على الحروف لكي نرى من المقصود بهذه العموميات فيما يخص قضايا العربان والمتأسلمين، دون التطرق إلى تآمر النخبة مثلا لزرع الفرقة بين المتأسلمين المسيحيين في عالم العربان، أو من هم وراء تأجيج العاطفة العرقية في العراق للاستمرار في رفض قبول "المارد العربي الموحد".
المؤامرة يا سادة يا محترمين فعل، إمَّا أن يكون قد تحقق على أرض الواقع، أو أن يكون في حيّز الإمكان، ولكنه لم يحدث بعد، والفعل ليس له نظرية، فالمشي مثلا فعل، إما أن يتحقق على أرض الواقع فأشير إلى شخص يمشي وأقول: "هذا الشخص يمشي..."، أو يكون الشخص جالس فأقول: "هذا الشخص جالس لا يمشي..."

أما النظرية، فهي فكرة ابتدعها صاحبها وافترض مبدئيا صحتها، ما لم يظهر دليل يثبت خطأها. فنظرية النسبية مثلا التي اكتشفها العالم الفيزيائي آينشتاين، لم يقطع بصحتها، بل جعل الباب مفتوحا لمن يريد أن يثبت خطأها، ولذلك سميت "نظرية".
المؤامرة، في فهمي المتواضع، هي اجتماع البعض من الأقوياء وأصحاب النفوذ وتدبير أمرهم على الإضرار العمد بالبعض الآخر أو إضعافهم أو سلب مصائرهم وقدرتهم على قيادة أنفسهم بأنفسهم.
أما نظرية المؤامرة كما يقول الأستاذ أحمد عناب:" هي أحد أسباب الموت البطيء للأمم والشعوب والتي تبدأ من دعوة إلى الركون عن التغيير وتنتهي بتفسير كل ما هو غير مألوف على أنه من صنع المؤامرة فلا يوجد أي ذكاء سياسي ولا تخطيط استراتيجي ولا تطور تقني ولا حتى مشاريع مستقلة ذات أهداف مستقلة كل ما يدور في منطقتنا يصنف على أنه من صالح العدو الخفي الذي يترصد بنا مع إهمال كل مسببات الأحداث أو الجذور التاريخية للمشاكل". راجع مقاله على الرابط التالي:
http://blogs.aljazeera.net/blogs/2017/5/21/نظرية-المؤامرة-هي-أكبر-مؤامرة
ويلمس الأستاذ أحمد جوهر الحقيقة بقوله: " نجد الكثير من بني جلدتنا يميل إلى عدم التحدث في المشاكل والمصائب التي تجري في منطقتنا وعدم إبداء أي رأي لأن العالم كله أصبح مؤامرة، لا حاجة للتفكير ولا حاجة لتنويع المصادر لفهم المشكلة ولا حاجة للتخطيط كل ما يدور هو مؤامرة علينا أن نعتزل العالم ونعلم أن كل ما نقوم به سوف يكون لصالح المؤامرة، نمط التفكير هذا ما هو إلا أحد أعراض تفشي نظرية المؤامرة في المجتمع والتي أصبحت مثل النار التي تحرق بيتنا الجميل وأصبحنا كالذي يرفض إطفاء النار ويرفض أن يبني بيته من جديد."
ويستمر سيادته في توضيح "الفرق بين إتباع نظرية المؤامرة وبين البحث عن الحقيقة"، فيقول:
وجب علينا أن نعرف أن الإيمان بنظرية المؤامرة يختلف عن الإيمان بوجود استراتيجيات سياسية وخطط تتبعها كل الأمم والمجتمعات منذ فجر التاريخ لتحقيق مكاسبها ولتعزيز قدراتها، الفرق بينهم أن الأول يقودك الى إغلاق عقلك وترجيح نظرية المؤامرة على كل المواقف الخارجة عن المألوف وعدم التفكير بأي تفسير للأحداث وعدم الاطلاع على أي نوع من المعرفة وعدم بذل أي جهد في التقدم للأمام لأن كل جهد هو لصالح المؤامرة، أما الثاني يختلف لكونه يحثك على فهم حقيقة أن المواجهة تتم بالإعداد والتخطيط والتطوير وأن هذه الأمم لم تصل الى ما وصلت له إلا لأنها بذلت جهدها في مجابهة أعدائها والتقدم عليهم وتحقيق مكاسبها على كل الأصعدة، وهذا التفريق هو ما يجعلك قادراً على أن تكون جاد في عملك لتحقيق التغيير."
يقول الأستاذ عبد الخالق فاروق في مقاله بعنوان: مفهوم «المؤامرة».. بين الفكر والممارسة السياسية.
« إن الإفراط في استخدام تعبير "نظرية المؤامرة" ما هو إلَّا محاولة "إيجاد (مشجب) لأوجه قصورنا وتعثر آدائنا ... فتحول عه المفهوم إلى ما يشبه الأداة التبريرية السخيفة التي تخفي عدم قدرتنا على تحليل نتائج أعمالنا، وأسباب قصورنا وتعثرنا" على حد قول ويخلص سيادته إلى أن «المؤامرة» هى «أداة أو وسيلة غير علنية - وغالبا غير المشروعة وغير أخلاقية - تستخدمها الدولة أو بعض أجهزتها من أجل بلوغ أهدافها وتحقيق بعض مصالحها الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية ».
التفاصيل على الرابط التالي:
http://www.elyomnew.com/articles/67520

إن العلاقة بين نظرية المؤامرة وبين المؤامرة التي تدخل ضمن سلسلة من الأحداث الناجمة عن الخطط السياسية والعسكرية، وخطط حملات العلاقات العامة، وأعمال التجسس والاستطلاع وغيرها، لتحقيق أهداف القوى الكبرى، فتقوم على خلل معرفي يضع النتائج قبل الأسباب. فالمؤامرة عنصر لاحق ومصاحب للحدث ينتج عنه ويحاول أخذ موقف منه، بينا النظرية تُستخدم لاختزاله، وتبسيطه، وتحويل معناه في الوعي الجمعي الشعبي من قبل السلطة العاجزة عن الفعل، مما يؤدي إلى تسطيح الحدث وتقديمه بشكل ترميزي مبسط أكثر مما هو عليه في الواقع، الأمر الذي يتسبَّب بخلل في تقدير الموقف، وتشتُّت في القرارات الصحيحة اللازمة للتعامل مع الاضطراب الناجم المفاجئ.
إن مصطلح “نظرية المؤامرة” أفرغ المؤامرة من معناها الأصلي، وتم حشوها مع تراكم نكبات العقل السياسي العروبي، بمعنى العجز وإلقاء اللوم دوما على الآخر، مما جعل هذا المصطلح يدل دوما على تعطل العقل وجمود الفكر، حتى بات هو نفسه مؤامرة بذاتها على عقولنا، بحيث كلما استعرضنا حدثا ما وحاولنا تفكيكه وإعادة قراءة تفاصيله بموضوعية، وصفنا بأننا مرضى بداء “المؤامرة”.
يقول الأستاذ خبَّاب بن مروان الحمد في مقاله: نظرية المؤامرة بين الرفض والقبول:
http://www.saaid.net/Doat/khabab/102.htm

يخطئ المجتمع العربي والإسلامي في كثير من الأحيان عندما يُسَوِّغ إخفاقاته وأخطاءه بالتهويل من (نظرية المؤامرة) التي باتت لدى كثير من المجتمعات كابوساً مخيفاً، أو شماعة يلقون عليها كافَّة الأعذار التي يرون أنَّها وحدها تحول بينهم وبين ما يتطلَّعون إليه من اللحاق بركب التنمية والتجديد والتنوير بمفاهيمها الإسلاميَّة لا الليبراليَّة، فيلجؤون لاتهام الغرب أو غير المسلمين بأنَّهم السبب الحقيقي لعدم تقدمهم.
 
قد يأتي هذا التبرير أحيانا من طبيعة النظريات الموجودة لدى كثير من الناس متدينين وغير متدينين، فبعضهم يعتقد أنَّ كل شر أتى لهذه الأمة فهو بسبب الكفار والغربيين تحديداً، وكل خطأ يقع في بلادنا من نواح سياسيَّة أو اقتصادية فهو بسبب عدونا، ويتناسون أنَّ هنالك الكثير من الأخطاء التي صنعناها بأيدينا ولكنَّنا عنها غافلون. 
وتحت عنوان: الحذر الحذر.....من نظرية المؤامرة، تتساءل "مدونة نقد":
http://kamalbalwi.blogspot.pt/2013/03/blog-post_21.html
لماذا تعيش نظرة المؤامرة وتزدهر في بلادنا؟ أن المقموع والجاهل لا بد له من البحث عن أجابة لما يحصل حوله، فلماذا كل هذا الظلم ولماذا كل هذه الهزائم، لماذا نحن بالذات - وهذا بالمناسبة سؤال الجهلة الدائم لأنهم لا يعلمون أنهم ليسوا وحدهم -
وتقول: عند محاولة تفسير كل هذا يجد المرء نفسه مدفوعا الى خيارين، إما البحث والقراءة بشكل مكثف حول أمور كثيرة من الصعب حصرها، وإما اللجوء الى التفاسير السهلة البسيطة والمريحة، ولن يجد أي شخص أسهل من نظرية المؤامرة لتفسير هذا الواقع المعقد المتشابك، فنحن مجرد أحجار على رقعة الشطرنج، مجرد أدوات، مجرد دمى يحركنا أشخاص من خلف حجب، ويعيش هؤلاء الاشخاص في غرف مظلمة يقضون وقتهم في التأمر علينا وتحركينا، كيفما شائت لهم أهوائهم ومصالحهم، لهم بروتوكولات ومصافحاتهم السرية، لكن هل يستقيم هذا الاسلوب في التحليل مع الواقع؟
أن حركة التاريخ والظروف المعقدة المتشابكة للنشاط البشري في أي مرحلة تاريخية تفترض لفهمها أدوات بنفس درجة التعقيد، أي أنه من أقتنع بأن التاريخ هو نتاج لجملة هائلة من العوامل الاقتصادية الاجتماعية السياسية الثقافية التي تتفاعل ضمن حركة جدلية مستمرة فلا بد له من أدوات لقراءة هذا الواقع المعقد، فالمحلل محتاج للأداة وللمعلومة، أي أنه يحتاج للمعادلة والمتغيرات لكي يخرج بالنتائج، وهي في حالات العلوم الانسانية دائما تكون نتائج تقريبية، بالمقابل نجد أن نظرية المؤامرة قائمة على مجرد لا تحتاج لا الى أدوات ولا حتى لمعلومات، مجرد وجود ظاهرة معينة كافي لكي تتفتق عقول البعض عن نظريات لا صرامة علمية لها ولا ضابط، هي قصص لا تجد ما يدعمها سوى الجهل، فعدم توفر المعلومة مثلا عن تاريخ تطور الحضارات يفسح المجال واسعا لنظريات المؤامرة حول الربيع العربي، فمرة أخرى لماذا يحدث هذا؟ لماذا نحن؟ لماذا الان؟ وكلها أسئلة مشروعة، ويجب وضعها تحت مبضع التحليل العلمي الدقيق، لكن ماذا لو لم يكن المبضع متوفرا، بالضرورة سيقودنا هذا الى إعمال الفكر في قصص أشبه ما تكون بالرويات والاساطير، بدون الدخول في عناء دراسة الوضع الاقتصادي الاجتماعي والتاريخي، فهذا على هامش أهتمامات أشباه مثقفينا أصحاب المخيلات الخصبة، فلماذا البحث والعناء، اذا كان التفسير الجاهز لأي أزمة عربية هي أسرائيل وأمريكا، ويحضر الى الذهن هنا ما كانت تبرر به الأنظمة العربية غياب الديمقراطية والتنمية، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
هذا لا يعني أن المؤامرات غير موجودة، فمحاولة بعض الدول الامبريالية تحويل خط سير معين بما يخدم مصلحتها هو أمر متوقع، لكن هذا لا يعدو أن يكون مجرد مؤامرة على تغير الخط وليس خلق ظرف غير موجود ولا أساس موضوعي لها، حاولت وتحاول الامبريالية خلق مؤامراتها نجحت حينا وفشلت حينا أخر، وقراءة المؤامرة هي جزء من القراءة العلمية للواقع الموضوعي، لكنها جزء فقط، حتى في الحالة التي تلعب فيها المؤامرة الدور الأكبر، لا بل أن أكتشاف وجود مؤامرة أمر قائم على القراءة العلمية الموضوعية، فعلى سبيل المثال لو أخذنا مؤامرة واضحة المعالم مثل الانقلاب على حكومة محمد مصدق في أيران، فهذه لاا يمكن فهمها بددون قراءة شاملة للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية للوضع االايراني الداخلي وللظروف الدولية التي كانت قائمة في ذلك الوقت، ما أحاول قوله هو أن المؤامرات جزء من ظروف معينة في مرحلة تاريخية معينة، والمؤامرات لا تسقط من السماء، فلا بد لها من ظروف موضوعية مؤاتية للنجاح، وعندما نأخذها بعين الاعتبار ضمن قراءة علمية شاملة يصبح بأمكاننا تحليل الاحداث المختلفة بعين العلم لا بعين الخرافة ونظريات المؤامرة الشاملة.
هناك مؤامرات؟ بالطبع، لكن هذا ليس مبررا للخوض في نظريات مؤامرة شاملة لتفسير كل ما يدور حولنا، المؤمرات جزء من واقع المحرك الاساسي له هو تناقضات على مستويات كثيرة، ولا بد من أخذ كل هذه المستويات بعين الأعتبار عند القيام بمهمة شاقة مثل تحليل أحداث بحجم الثورات، لكن حصر الواقع وتفسيره في نظرية المؤامرة بسبب جهل البعض بقوانين حركة المجتمعات هو جريمة بحق العقل، والأستمرار بالحديث عن مصطلحات مثل المؤامرة وغيرها دون وعي معناها هو كارثة بحق شعوبنا.     
ويقول الأستاذ عمر أبو القاسم الككلي: "حول نظرية المؤامرة" على الرابط التالي:
http://alwasat.ly/ar/news/kottab/55741/
" تنتشر نظرية المؤامرة، في التعامل مع الأحداث السياسية، وتسود على أعلى المستويات الثقافية في ما يسمى دول الجنوب، وبالذات في ما يخص علاقتها بالدول الإمبريالية والدول ذات التاريخ الاستعماري الواسع.
وإذا تغاضينا عن استخدام الأنظمة القمعية والاستبدادية في دول الجنوب نظريةَ المؤامرة كَتَعِلَّة لقمع المعارضة واستخدام المعارضة لنفس النظرية في الدعاية ضد هذه الأنظمة، فإن المنهجية نفسها منغرسة في التفكير العام، الأمر الذي يجعل تعلة الأنظمة والمعارضة تحظى بقدر واسع من القبول.
ترى نظرية المؤامرة أن كل ما يحدث في دول الجنوب من تغيرات وانقلابات عسكرية وتحركات شعبية وثورات، إنما هو نتيجةُ مكائدَ ومؤامراتٍ أجنبية حِيكت خيوطُها في مناسج أجهزة استخبارات الدول المهيمنة في العالم الآن عسكريا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا، وهي أمريكا إضافة إلى ثلاث أو أربع دول أوربية ذات ماض استعماري.
ينبغي تفحص كل واقعة منفردة، وبدون فرضيات مسبقة، لتبين ما إذا كانت قابلة لأن تكون نتاج مؤامرة أم لا، وإذا كانت قابلة فما هي حدود وطبيعة المؤامرة فيها
المؤامرات وفكرة المؤامرة موجودة منذ بداية تكون المجتمعات الإنسانية ونشوء الدول، لكن مصطلح «نظرية المؤامرة Conspiracy Theory» ظهر للمرة الأولى سنة 1909ولاحقًا أصبحت تسمى «التآمرية Conspiracism».
وتُعَرَّف المؤامرة، في السياق الذي يهمنا، وهو السياق السياسي، بأنها: الفكرة القائلة بأن عديد الأحداث السياسية الهامة أو الميول الاقتصادية والاجتماعية إنما هي نتاج مكائد سرية مجهولة لدى العموم. dictionary.reference.com/browse/conspiracytheory أو أنها «الإيمان بأولوية المؤامرات في سير التاريخ» http://en.wikipedia.org/wiki/Conspiracy_theory
لم تعد الدول الكبرى في حاجة إلى إحاطة مخططاتها بالكتمان التام لأنها لم تعد تخشى، كثيرا، من إحباط مخططاتها في حال اكتشافها. في الوطن العربي تنقسم النخب بشأن نظرية المؤامرة إلى ثلاثة أقسام:
قسم أكثري، يعتبر أن خيوط، تقريبًا، كل ما يقع في بلداننا متجمعة في يد الغرب يحركها لحظة يشاء وبالكيفية المناسبة، نافيًا عن شعوب هذه المنطقة أي قدر من المقاومة.
وهذه، في تقديري، رؤية عدمية تجعل من الغرب كليَّ القدرة Omnipotent وبالتالي فمن العبث محاولة اعتراض مخططاته ومقاومته. الاستسلام هو الحل الأمثل. ومن هذه الناحية فهو يمثل دعاية مثلى للغرب!
القسم الثاني، وهو أقل من الأول بكثير، ينفي دور المؤامرة في ما يحدث بالمنطقة من حوادث ويعتبرها نتيجة تفاعل وحراك داخليين. وهذه الرؤية، وإن لم تكن عدمية مثل الأولى، إلا أنها وحيدة الجانب.
القسم الثالث، وهو محدود جدا، يرى، مع كارل بوبر Karl Popper، أنه «ينبغي التسليم بأن المؤامرات تحدث، ورغم ذلك فإن الواقع الدامغ Striking fact يدحض نظرية المؤامرة، بالنظر إلى أن قلةً من هذه المؤامرات قد تحقق لها النجاح. ذلك أن المتآمرين نادرا ما يكونون مسيطرين على كامل متطلبات مؤامرتهم». http://en.wikipedia.org/wiki/Conspiracy_theory
وعليه، ينبغي تفحص كل واقعة منفردة، وبدون فرضيات مسبقة، لتبين ما إذا كانت قابلة لأن تكون نتاج مؤامرة أم لا، وإذا كانت قابلة فما هي حدود وطبيعة المؤامرة فيها.
فمثلاً، يرى كثيرون في الزلزال الاجتماعي والسياسي الذي تفجر مع نهاية 2010 في تونس، ثم مصر وليبيا سنة 2011، مجرد مؤامرة خطط لها وفَعَّلها الغرب. لكن لا يمكن قبول أن الشرطية التونسية التي صفعت البوعزيزي فعلت ذلك في إطار مؤامرة غربية، وأن الأخير أحرق نفسه بمقتضى نفس السياق، وأن الجماهير التي هبت محتجة وثائرة كانت تحركها خيوط يمسك بها الغرب. وكذلك هو الشأن بالنسبة إلى ما جرى في مصر وليبيا واليمن وسورية.
طبعًا هذا لا ينفي أن الغرب قام، بالتعاون مع بعض الوكلاء في المنطقة، بمحاولات لتدارك الأمر وتوجيه الأحداث الوجهة التي تلائم ما يمكن أن يكون موجودا لديه من مخططات مسبقة. لكن لا يمكن القول، حتى الآن، بأن الرياح تجري بما يناسب وجهة سفنه تماما. الوضع مازال في حالة تفاعل ومخاض، ومازال مُرَشَّحا لاحتمالات مختلفة."

هذا قليل من كثير نكتفي به، ولم يبقى سوي رجاء السادة المتشككين والمشككين أن يقرأوا المقال مرة أخرى مع التأكيد على أنه يركز في المقام الأول على منبع وجذور الإعتقاد بنظرية المؤامرة لدي العربان والمتأسلمين، وليس التطرق بشكل أساسي إلى المؤامرة ذاتها. وأن يتوقفوا ولو لمرة واحدة عن الانتقائية الزئبقية في أقوالهم ويناقشونه بموضوعية.

المقال القادم عن صدى الحوار في البحث عن كيفية صناعة ثقافة تنويرية وحداثية في العالم الإسلاموي بعنوان: "الإسلاموية وتدمير النفس البشرية".
دام الجميع بخير



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن