عشتار الفصول:10884 .الباحث والمؤرخ الرصين، بين الإقتباس، والتضمين، واختيار العناوين

اسحق قومي
ishak.alkomi@ok.de

2018 / 2 / 10

عشتار الفصول:10884
.الباحث والمؤرخ الرصين، بين الإقتباس، والتضمين، واختيار العناوين .

أكتب هذه الجزئية، وبعجالة لأنني وجدت أنّ الابحاث الطويلة لايمرها أحد. لهذا سأعتمد
التكثيف ،ولن يكون الموضوع انشائيا قدر الإمكان . وذلك حرصا منا على تقديم ما يفيد الأخوات والإخوة الذين يعملون في البحوث، ويكتبون كتبا تتنوع في مضامينها .
والسؤال الأول يقول كيف نختار عناوين الكتب التي نُريد كتابتها؟!!!:
1= اختيار العنوان
2= الإقتباس وأنواعه وحالاته
ومن هنا، نبدأ هذه الجزئية، التي يمكن أن يتمسك بها كلّ باحث، ومؤرخ يُريد أن يكون. ولا يكتب من أجل تفريغ أنفعالاته وحسب، بل ليترك عملا خالدا ،سيتم امتحانه عبر التاريخ، ولهذا أول ما يخطر ببال الباحث والمؤرخ معا هو العنوان.
وعلى الباحث، أن يختار عنوانا غير مطروق . وهذا يُحسب له فتحا إبداعياً، ويجعله شخصا غير مقلدٍ أولاً ،وثانيا لو اختار عنوانا تطرق إليه شخص آخر . فإنه لابدّ أن يمر بنفس الخطوات التي سبقته ،وهنا نعتقد بأنه لن يفلت من الإقتباس الزائد ممن سبقه أو سيقوم بسرقتها دون الإشارة للمصدر وسيقول لكلّ واحد أسلوبه.
فمثلاً :لنا كتاب فريد موسوم ب (مئة عام على بناء مدينة الحسكة 1992). وهذا العنوان هو لي أنا اسحق قومي .وقد انتهينا منه عام 2001م .وجاء أحد أبناء الحسكة أن يكتب عن مدينة الحسكة ، فلا بد أن يكون الكاتب الثاني سيمر بمجموعة عناوين لايمكن إلا وتتشابه مع الكاتب الأول ، على الرغم من عدم قراءة الكاتب الثاني لما كتبه الكاتب الأول، مثال .مكان وتاريخ البناء، أهلها الأوائل،الأعمال والمهن والصناعات، دور العلم وإلى ما هنالك من عناوين فرعية وجزئية..
ولهذا على الباحث ،والكاتب والمؤرخ، أن يستخدم التقنيات الحالية ،وقد وفرت علينا الجهد في البحث . كأن نضع العنوان الذي نريده في الباحث، لنتأكد من فرادته أو لنجد من كتب في هذا العنوان،مايشبهه ، القريب منه،وعلينا أن نُشير لمن تطرق لنفس العنوان ، وقد نتحاشى أن نتناوله، بل نعزف إلى غيره من عنوان يكون أفضل لنا.أو كأن نتناول مثلاً الغناء في مدينة الحسكة لكون الكاتب السابق لم يتطرق إليه بشكل مفصل.وهنا أيضا ،لابد أن نمر على العناوين الرئيسية في الكتاب الأول . وهذه إشكالية من لا يُبدع عنوانا جديدا يُضيفه للمكتبة الوطنية والعالمية.
والباحث المبدع يختلف عن الباحث المقلد ولا نقول غير هذا .
فغالباً العنوان الفريد يؤسس لباحث إضافي وليس لباحث مقلد .
أما الإشكالية الثانية فهي الإقتباس والتضمين ونبقى في حدود الإقتباس.
ماذا يعني الإقتباس أولا؟!!
وما هي الشروط التي يتحتم على الباحث اتباعها؟
على الرغم من أنّ الإقتباس مشروعاً في العمل البحثي ، إلا أن الباحث الذي لايتقيد بقواعده يسقط في فخ مايسمونه السرقات والانتحال ـ أي يسرق جهد غيره ـ مع قيامه بالتمويه هنا وتشويه هناك ،ويدعي بأن أسلوبه يختلف عن الباحث الآخر.
وحين تستدعي الضرورة للإقتباس، ونعطي مثلاً لهذا.وهو من معاناتي في نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن العشرين الماضي حين أردت كتابا عن القبائل والعشائر في الجزيرة السورية ، لأنّ هذا الأمر دفعني إليه كتابي عن القصور والقصوارنة عبر التاريخ ، ولكون القصوارنة كعشيرة مسيحية تعيش في الجزيرة السورية وتعتمد الزراعة البعلية ولها علاقات مع العشائر العربية والكردية كان لابد من البحث عن تلك القبائل ،ويومها لم يكن لدينا الباحث الحالي(كوكل)أو غيره . وكنا نعتمد على مدى قراءاتنا للكتب المختلفة في التاريخ الخاص بالقبائل، وربما كانت الكتب آنذاك مقتصرة على القبائل العربية وهذا من المؤكد، فكنا لابد أن نعرف، ونقرأ لمن سبقنا في هذا الجانب .ونعطي مثلاً موجزا.تعرفتُ إلى كتاب البدو لماكس فون أوبنهايم الرحالة وعالم الآثار والدبلوماسي الألماني الذي عاش فيتل حلف قرب رأس العين وكتب كتابا حول القبائل العربية في الجزيرة السورية وقد حصلت عليه كمرجع . من جارنا الشيخ المرحوم محمد أحمد المسلط أبو حسين رحمه الله، حين رحتُ أنهل من معرفته الشخصية وإحاطته النادرة والمترامية الأطراف بالقبائل العربية في الجزيرة السورية لكونه أحد أهم شيوخ الجبور وكان حليماً وهادئاً ومثقفا ومؤدبا ورحوما ، لابل متواضعا ، وأعتز بأنه أحد أهم المراجع في كتابي . .والكتاب الثاني كان ضالتي وهو كتاب الجزيرة السورية بين الماضي والحاضر لإسكندر داود ،وكتاب( عشائر الشام )للكاتب والباحث والرحالة الجركسي السوري وصفي زكريا . الذي يُعد مرجعا هاما في هذا الجانب.وقد أخذتُ عن هذه الكتب وغيرها الشيء الكثير والذي أثبتناها في نهاية الكتاب كمراجع بالإضافة إلى شهود عيّان أخذنا عنهم .ولكي لا نتهم بالسرقة أو انتحال جهد غيرنا كان لابد من مراعاة الأمور التالية:
1= الأمانة العلمية: ماذا تعني؟ تعني إذا اقتبسنا فكرة زادة عن ثلاث كلمات ،يجب أن نضعها بين مزدوجتين، ونشير لها في متن الكتاب (الصفحة).وإذا لم أفعل ذلك وأهمل هذه القاعدة البحثية والمهمة، فإنني أُعد منتحلا، لابل لصا وسارقا جهد غيري .
2=الدقة في الإقتباس . وتعني أنه يتوجب علي إلاَّ أشوه فكرة الباحث الأصلي ولا أصيغ الفكرة صياغة تجعلني أشوه الأساس لها.علي أن أتقيد بالمعنى الحرفي الذي أراده الكاتب الأول.
3= الاعتدال في الإقتباس :ونعني به ألاَّ يكون الكتاب كله مقتبسا دون أن نلحظ جهدا للكاتب أو الباحث أو المؤرخ. فلا يُعقل أن نجمع مقتبسات ونسميها كتابا لنا ..
4= الموضوعية في الإقتباس:. ونعني بها هو ألاَّ نقتبس فقط الأفكار التي تتناسب مع فكرنا ورغباتنا، ونترك الأفكار الأخرى التي تٌناهضنا ولكنها تخدم سياقات فكرة المضمون للكتاب الذي نؤلفه ،وهذا يندرج في سياقات أن نأخذ الآراء المناهضة للفكرة المكتوبة سواء من نفس الكتاب المقتبس منه أو غيره من كتاب ، ولهذا علينا أن نقتبس ما يخدم مجموعة آراء تخدم فكرتنا ، وليس باستنساخ رأيّ نراه أنه الأفضل .
وهناك أنواع للإقتباس .فمنها:
آ= الإقتباس الحرفي المباشر، ويقوم على نقل الفكرة ،بحرفيتها، ووضعها بين مزدوجتين مع رقم الصفحة التي وجدت فيها الفكرة المقتبسة ..
ب= الإقتباس غير المباشر.ونعني به أن نقتبس مضمون الفكرة لكونها بالأصل تتجاوز أربعة أسطر وهناك إقتباس لأفكار من أكثر من صفحة، وهنا علينا أن نُشير إلى الصفحات بالتتالي.
في الختام لابد من قول الحقيقة.
التأليف مسؤولية تاريخية ووجدانية وعلمية وموضوعية .
التأليف جهد بشري يجب أن نعترف به لأصحابه ولا نعبث به لمجرد توفر التقنيات الحديثة.
كأن نستنسخ مجموعة أفكار ونغربلها على طريقنا وندعي بأنها من تأليفنا.
الكاتب الموهوب والمثقف والرصين يختلف عن المختلس والذي تمكن من أن يُقنع مجموعة تُحيط به على أنه من الباحثين .
البحث والتنقيب والتأليف ثقافة وأخلاق.
وأخيراً.
قصيدة واحدة لشاعر أفضل من ألف ديوان.وكتابا واحداً لمؤلف خيرمن تجميع جهد أبناء الزمان .
وعلى المرء أن يعرف أنه يعرف فيما إذا كان مبدعاً أو مقلدا...
اسحق قومي
ألمانيا في 10/2/2018م
شاعر وأديب وباحث سوري مستقل يعيش في ألمانيا



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن