الارادة من كوباني الى عفرين

عادل احمد
adilahmed1@sympatico.ca

2018 / 1 / 28

صرح اردوغان ان ما يقوم به من هجوم عسكري على مدينة عفرين السورية يتطابق مع القانون الدولي. وقال ايضا ان هذه العملية تهدف الى حماية الامن القومي للدولة التركية. وان كلا من امريكا وروسيا وفرنسا اتخذوا الصمت ازاء هذه العملية العسكرية علنا. مالذي يجري في عفرين، وماهي الاهداف الحقيقية لهذه العملية العسكرية؟.
ان وقوع مدينة عفرين بيد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ليس وليد اليوم وانما جاء بعد سحب الحكومة السورية كل قواتها العسكرية والامنية من هذه المدينة، وتسليمها لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي والتي تم بالاتفاق تجنبا للصدام، ومن ثم انشغال الحكومة السورية بحربها مع الاطراف الرئيسية للحرب وهي الجماعات الموالية للسعودية وقطر وتركيا. واديرت هذه المدينة بحكما ذاتيا تحت نفوذ حزب الاتحاد الديمقراطي وشكلت قوتها العسكرية "قوة حماية الشعب" و"قوة حماية المرأة" منذ بداية الازمة السورية. اذن سيطرة الاكراد وقوات سوريا الديمقراطية موجودة منذ فترة ليست قليلة أي منذ ما يقارب السبع سنوات. ولكن تدخل الحكومة التركية في الوقت الحاضر بحجة وجود القوات الكردية على حدودها كما تدعي هي دعاية اعلامية وكذبة كبيرة، من اجل اخفاء الاهداف الحقيقية لهذه العملية وتدخل تركيا العسكري بشكل اخر ومباشر، فوجود الاكراد في هذه المنطقة مر عليه سنوات ولم تطرأ عليه أية تغيرات! وان التغير الوحيد الذي حدث هو فشل كل السياسات التركية السابقة في سوريا، من دعمها للارهاب الداعشي والنصرة والزنكي وغيرها من الارهابيين الاسلاميين، وكذلك فقدان مكانتها وفضحها من جراء كشف كل الاعيبها السياسية ودعمها للارهاب.
بعد ان تمكنت الحكومة السورية من بسط سيطرتها على اكثرية المناطق وخاصة بعد استرداد مدينة حلب من تحت سلطة المليشيات الارهابية التابعة لتركيا والسعودية وقطر بالمساعدة المباشرة من روسيا، تغير ميزان القوى لصالح روسيا والحكومة السورية وايران، وخسرت تركيا اللعبة بعد طرد اكثرية التيارات والجماعات الموالية لها من اكثرية المدن والمناطق التي احتلتها منذ بداية الازمة السورية في عام 2011. ولم يبقى لتركيا قوة كبيرة كي يستمر تأثيرها على المعادلات على ارض الواقع وفي رسم السياسة المستقبلية لسوريا. وان تقاربها مع روسيا جاء بعد فشل كل محاولاتها السابقة لدعم الجماعات الارهابية الاسلامية. وان تدخلها العسكري المباشر في عفرين يأتي من باب ايجاد منفذ اخر من اجل مؤطيء قدم في مستقبل سوريا. وان هذا ارهاب اخر من قبل الحكومة التركية لقتل الابرياء وتدمير المدينة كما دمرت المدن الاخرى مثل حلب ودير الزور والرقة وغيرها... وتشريد الملايين من المواطنيين الفقراء.
ان مدينة عفرين كانت بعيد عن الحرب والاقتتال الدائر في سوريا منذ الازمة، وان ادارتها الذاتية وكانتونها ادار المدنية وكرس فيها القوانين المدنية وحقوق المرأة وانتخابات مباشرة من قبل مواطنيها. وان كل القوميات والطوائف بأمكانها ان تشارك في هذه الكانتونة بدون صراعات قومية وطائفية، ومشاركة المرأة في شؤون الادارة والخدمات والسياسة فيها لا مثيل لها حتى في حكومة اردوغان الاسلامية.. اذن مهاجمة هذه المدينة السلمية عن طريق الدبابات والطائرات والمدافع العسكرية لحلف الناتو والاطلسي وبمشاركة المرتزقة من الارهابيين الاسلاميين امثال النصرة واحرار الشام والزنكي وجماعات وحشية متنوعة، لها رسالة واضحة وصريحة. ان الهجوم على كانتون عفرين بحجة ملاحقة حزب العمال التركي وابعاده عن حدودها لا يجد من يصدقه حتى اصدقاء تركيا ومرتزقتها يعرفون الاهداف وما ورائها. ان الهدف من تدمير مدينة بكاملها وتشريد سكانها وقتل اطفالها وجلب الارهابيين الاسلاميين اليها لها رسالة واضحة، وهي ان تركيا منذ اليوم الاول من الازمة السورية كانت ولا تزال تدعم الارهاب وتعمل على تدمير الدولة السورية فقط من اجل تحقيق احلامها العثمانية في الشرق الاوسط، وحاولت ان تستخدم اكثر الاساليب القذرة لتحقيق اهدافها، من الدعم الدائم والصريح والمباشر لتنظيم داعش في العراق وسورية والان دعم النصرة والارهابيين الاسلاميين بشكل مباشر وصريح.
ان امريكا لا تريد مواجهة عسكرية مع حليفها في الاطلسي من اجل الاكراد وهذا واضح بأن امريكا تستخدم القوات الكردية من اجل التدخل في رسم السياسة السورية، وهذه وسيلتها الوحيد والمفضلة في الوقت الحاضر، واستطاعت ان تجلب تعاطف الاكراد نحو سياساتها بدعمها الأكراد في القتال مع داعش. ولكن امريكا ليس لها صديق وانما تتبع مصالحها، والحكومة الروسية تعمل من اجل مساعدة الحكومة السورية لبسط سلطتها على كافة الاراضي السورية بما فيها مناطق الاكراد، وان عدم تدخلها في ايقاف الجيش التركي مقابل تسليم ادلب للحكومة السورية وفي النهاية أضعاف تدخل تركيا في مستقبل سوريا. الهجوم التركي على عفرين جعل القوات الكردية تستنجد بالحكومة السورية من اجل حل قضية مناطق الاكراد وهذا ما حصل، والاخيرة اعلنت في بيان بأنها ستتدخل لمواجهة القوات التركية في عفرين وبقية المناطق الكردية. وان هذه العملية سوف تخدم روسيا لاخراج القوات الكردية من احضان امريكا وجعلها جزءا من القطب الروسي. وستساعد في أفشال سياسات امريكا مرة اخرى امام الزحف الروسي في الشرق الاوسط.
ان عفرين مثل كوباني تعتمد على ارادتها وان المقاومة الشعبية لمواجهة الارهاب الاردوغاني هي الحل الوحيد لافشال المخطط التركي لتدمير هذه المدينة، والوقوف بوجه فرض السياسات والقوانين الرجعية بقوة الحديد والنار عن طريق قوات المرتزقة الاسلاميين. لا الدعم الامريكي ولا الدعم الروسي ولا الدعم الغربي يصب في مصلحة الجماهير في عفرين، وانما فقط الارادة الانسانية والمقاومة الشعبية هي بأمكانها افشال المخطط الدولي والاقليمي ضد ساكني عفرين. وان هذه الارادة وهذه التضحية هي غاية كل التحررين والقوة الانسانية، وان على الجميع الوقوف مع هذه الارادة لجماهير عفرين في مواجهتها مع اكثر القوة استبدادية ورجعية في المنطقة وهي الحكومة التركية. النصر السياسي سيكون من حليف هذه الارادة حتى وان فشل عسكريا.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن