المغاربة والأبوة الزائفة

محمد باليزيد

2018 / 1 / 16

"ربط مشروع قانون أعدته وزارة العدل لتغيير القانون رقم 15.01،(1) المتعلق بكفالة الأطفال المهملين، كفالة الأطفال المغاربة المهملين من طرف الأجانب بضرورة تلقين هؤلاء الأطفال التربية الإسلامية"(1)
يشير القانون المراد تعديله إلى ما يلي:
[[ الفصل الأول : الشروط المطلوبة لكفالة طفل مهمل
المادة 9
تسند كفالة الأطفال الذين صدر حكم بإهمالهم إلى الأشخاص والهيئات الآتي ذكرها....
1- الزوجان المسلمان اللذان استوفيا الشروط التالية :
أ ) أن يكونا بالغين لسن الرشد القانوني وصالحين للكفالة أخلا قيا واجتماعيا ولهما وسائل مادية كافية لتوفير احتياجات الطفل؛
ب) ألا يكون قد سبق الحكم عليهما معا أو على أحدهما من أجل جريمة ماسة بالأخلاق أو جريمة مرتكبة ضد الأطفال ؛
ج) أن يكونا سليمين من كل مرض معد أو مانع من تحمل مسؤليتهما؛
د) أن لا يكون بينهما وبين الطفل الذي يرغبان في كفالته أو بينهما وبين والديه نزاع قضائي أو خلاف عائلي يخشى منه على مصلحة المكفول.
2 – المرأة المسلمة التي توفرت فيها الشروط الأربعة المشار إليها في البند الأول من هذه المادة.
3 – المؤسسات العمومية المكلفة برعاية الأطفال و المنظمات و الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي المعترف لها بصفة المنفعة العامة المتوفرة على الوسائل المادية والموارد والقدرات البشرية المؤهلة لرعاية الأطفال وحسن تربيتهم وتنشئتهم تنشئة إسلامية.]]
يتضح من نص القانون (15.01) أن مسألة الخوف من تغيير دين الطفل المتبنى غير مطروحة إذا كان المتبني (المتبنون) أشخاصا لا هيئات. ذلك أن القانون ينص على صفة المسلم في الزوجين أو المرأة الراغبين في التبني.
نفهم إذن من السياق شيئين:
- إما أن الكلام يعني الهيئات والجمعيات. وهنا نتساءل عن الفائدة من التعديل في حين أن النص الأصلي يشترط على هذه أن تكون "متوفرة على الوسائل المادية والموارد والقدرات البشرية المؤهلة لرعاية الأطفال وحسن تربيتهم وتنشئتهم تنشئة إسلامية".
- وإما أن النص المراد وضعه مكان النص القديم هو نص سيفتح الباب أمام الأفراد غير المسلمين لتبني الأطفال المغاربة المتخلى عنهم. ولهذا اضطر المشرع إلى أن يشترط عليهم "تربيتهم وتنشئتهم تنشئة إسلامية".
قد يكون التعديل يقصد نسخة جديدة(معدلة) من النص (15.01).
فلينصب نقاشنا على جوهر المسألة.
لقد أثيرت منذ سنوات مسألة تنصير الأطفال المغاربة المتخلى عنهم من طرف متبنين إسبان وغيرهم. انظر مثلا المقال: (مغاربة إسبانيا يحملون بن كيران مسؤولية تنصير الأطفال المغاربة من طرف عائلات إسبانية)في الرابط:( http://zaiopress.com/19538 )
وهنا، العقل السليم، يجب أن يواجه تساؤلات عدة:
- هل يمكن لشخص، مسيحي مثلا، تبنى طفلا، إما رغبة منه في تربية أطفال لأنه لم ينجب أو رأفة منه بطفل وجده في وضعية صعبة، هل يمكن لهذا الشخص أن يربي الطفل تربية إسلامية؟ وإذا رغب كيف؟ مأزق السؤال الأول يكمن في أن الشخص المتبني هو مسيحي لأنه يؤمن بأن المسيحية هي أحسن الأديان وأسماها. ولو كان يؤمن بغير ذلك لغير وجهته هو شخصيا نحو الوجهة التي يراها أحسن. لأن بقاءه في المسيحية ليس إكراها خاصة في مجتمع علماني لا يعتبر من غير دينه مرتدا يجب معاقبته. وما دام يؤمن بأن المسيحية هي أحسن الأديان، فإن معاملته للطفل المتبنى كواحد من فلذات كبده يفرض عليه أن يعلمه المسيحية. أما إذا كان يؤمن بأن المسيحية هي أحسن الأديان وقبل أن يتبنى طفلا وبشرط تعليمه الإسلام فإنه بذلك يتعامل مع الطفل ك"بضاعة مكتراة" (دمية مثلا) اكتراها كي يقضي بها حاجته (مثلا الشعور بالأبوة/الزائفة) مع الاحتفاظ بها كما هي.
ثم حتى لنفترض أن هذا الشخص خضع لهذه الشروط، كيف سيربي الطفل تربية إسلامية؟ هناك مفهومين، على الأقل، للتربية الدينية. الأول هو المفهوم الإسلامي لها. هناك المبدأ المتمثل في الحديث: "علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا." وهذا المفهوم للتربية يتعارض إلى حد كبير، يتناقض، مع مفهوم المجتمع الغربي (المفهوم الثاني) لها حيث الإكراه على التدين لم يعد مسموحا ولا ممكنا. والممكن والواقع في الغرب هو أن الطفل يتشبع ويتمثل تدريجيا قيم ومعتقدات المحيطين به، المجتمع الذي فيه يعيش. وهنا نفهم أن هذا الطفل، حتى وإن لم يأمره الشخص المتبني بالتدين بدين ما، وهذا ما يحدث في الغالب، فالاحتمال الكبير هو أن يتجه هذا الطفل نحو دين أغلبية المحيطين به.
إننا هنا نتصرف بمنطق يشبه ذلك الذي يطبق في الزواج. فحيث أن التقاليد والدين والقانون( المادة 39 من مدونة الأسرة(3)) يفرض على المسلمة عدم الزواج بغير المسلم، نلجأ إلى مراوغة كل ذلك بأن ينطق غير المسلم الراغب في الزواج بالمغربية، ينطق الشهادتين أمام العدول و"يثبت" بذلك إسلامه ويحل زواجهما. جاهلين أو متجاهلين أن أكثر الراغبين في الزواج مستعدون للنطق بالشهادتين من شفاهم لا غير.
وإذا كان من الممكن أن يغير شخص، فعليا، دينه بسبب تعلقه بفتاة ورغبته في الزواج منها. لأنه قد يكون عاشر الفتاة مدة واقتنع بدينها. فأن يغير شخص دينه "من أجل منحه الحق في تبني صبي وجده في وضعية صعبة"، إن هذا لمستبعد كل الاستبعاد.
هفوة أخرى في القانون. نص القانون يعطي الحق فقط ل"زوجين مسلمين أو امرأة مسلمة" حتى ولو كانوا غير مغاربة. وإذا علمنا أن المغرب فيه مواطنين غير مسلمين، فإن نص القانون إذن يحرم هؤلاء من تبني الأطفال المغاربة. إذا طرحنا هنا السؤال: ألا يمكن أن يكون الطفل المهمل من أبوين غير مسلمين؟
إن سن مثل هذا القانون الذي لا أرضية واقعية لتطبيقه يعني أن المشرعين المغاربة لا يسنون القوانين التي يحتاجها الواقع المغربي وإنما القوانين التي تحتاجها مخيلتهم كي يوهموا أنفسهم بأنهم "يحمون الأطفال المغاربة" من التنصير.
إننا هنا كالجمعيات العالمية التي لا تقول شيئا أمام الحروب التي تؤدي إلى تشريد الآباء وهدم منازلهم التي يأوون فيها فلذات أكبادهم في حين تنادي بحقوق هؤلاء الأطفال، بعد أن ينتزعون من حضن آبائهم، تنادي بحقهم في اللعب والمدرسة والحنان...
إننا مجتمع نفاق. نتخلى عن أبنائنا ونطلب من الآخرين تربيتهم كما نريد نحن. نحن آباء(وأمهات) زائفون لأننا نتخلى عن أبنائنا وزائفون لأننا نطلب من المتبني أن يكون أبا(أو أما) زائفا يفرض على طفله دينا لا يقتنع به هو شخصيا.

1) الرابط (http://adala.justice.gov.ma/production/legislation/ar/droitsenfants/CodesetLois/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%82%20%D8%A8%D9%83%D9%81%D8%A7%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D9%85%D9%84%D9%8A%D9%86.htm)
2) جريدة هيسبريس الإلكترونية، الرابط: https://www.hespress.com/societe/377894.html
3) انظر مدونة الأسرة، الرابط: http://adala.justice.gov.ma/production/legislation/ar/Nouveautes/%D9%85%D8%AF%D9%88%D9%86%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%B1%D8%A9.pdf



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن