لماذا تعددت تشريعات الإسلام بالمقارنة مع الأديان الأخري ؟!

محمد عبد القوي
m.abdelkawi@yahoo.com

2018 / 1 / 16

لماذا تعددت تشريعات الإسلام بالمقارنة مع الأديان الأخري ؟!
وهل يصح أن يحكم أحد علي تشريع ما بالإسلام بمنطق اليوم ؟! ...

إنني بعدما إنتهيت من قراءة (تحديدا) أمهات كتب التراث العربي والفارسي، سواء أكانت (فقه أو تفسير أو حديث أو سيرة وأخبار أو تاريخ ...إلخ) وجدت نفسي أمام سؤال مهم يدور في عقلي : أليست هذه النصوص لصيقة بشخصية كل من كتبها ؟! والسؤال بصيغة أخرى : هل ينفصل النص عن البيئة ؟! والسؤال بصيغة ثالثة : أليست تشريعات الإسلام جاءت بسبب البيئة الإجتماعية ؟! ومتوافقة (تماما) مع عقلية أبناء هذه البيئة بل هي نقلة نوعية هائلة للعرب بعدما كانوا همجا يقتتلون علي بعرة بعير ويقيمون حروبا سبعونية من أجل معزة وبقرة ؟! أليس الإسلام كان نقلة هائلة من البداوة والتشرزم للتحضر والإتحاد ؟! أليس الإسلام جاء علي أناس معدمين لم يكن لديهم نظام ولا قانون ولا أي شيء ؟!
وحتى فى مجال الإبداع الأدبى : هل كان الروائى الروسى ديستويفيسكى يكتب عن الشخصية الحجازية أو اليمنية، وعن مجتمع قريش واليمن، أم كان يكتب عن الشخصية الروسية والمجتمع الروسى ؟! وهذا السؤال - بصيغه المتعددة - ينطبق على كل نص للتأكيد على أن النصوص معبرة عن بيئتها

من هذا التأكيد البسيط يتضح لنا جليا أولا سبب كثرة تشريعات الإسلام بالمقارنة مع المسيحية وغيرها من الأديان، لأن كل الأديان نشأت وترعرعت وتطورت في ظل حضارات كبيرة لها أنظمة ولها قوانين مدنية بيروقراطية تراتبية وهرمية حاكمة للجميع ولهذا فلا حاجة لتشريعات دينية إضافية لأن التشريعات موجودة بالفعل، أما الإسلام - وهو الإستثناء بين كل الأديان - فقد نشأ في بيئة فقيرة ضنينة حيث اللانظام والفوضي يعم كل مكان ولهذا جاء الإسلام بتشريعاته الكثيرة التي حولت اللانظام والفوضي إلي نظام وحضارة تتفوق علي كل الحضارات حينها وتسودها لتبقي هي وحدها القوة العظمي الأولي في العالم

ثانيا، ومن التأكيد السابق، يتضح لنا جليا أن رفض تشريع ما أتي به الدين لعدم صلاحيته لزماننا الحالي هو قصور فكري وبلادة عقلية شاملة لأن قياس الفكرة لا تكون إلا بحسب زمانها ومكانها في المقام الأول، وطالما كانت صحيحة وقيمة إنسانية عظيمة حسب منطق زمانها ومكانها فلا يجب أن ترفض هذه الفكرة أو هذا التشريع أبدا بينما يتم تعطيل الحكم فقط لتغير الزمن، لأن هذه الفكرة كانت صالحة لهذا الزمن القديم وتناسبه بينما لا تصلح لزمننا الحالي، وسنة التطور هذه، والتعامل مع المعطيات الجديدة هو أمر منصوص عليه في صحيح الإسلام نفسه (القرءان الكريم والسنة العملية والسنة القولية المتفقة مع المصدرين السابقين) هذا بالإضافة إلي أن البشر يملكون عقلا ميزهم الله به، والله يعلم أن هذا العقل قادرا مع مرور الزمان وتراكم معارفه أنه سوف يكون قادرا علي إدارة شؤون الحياة العامة بجانب الشريعة التي تسير بجانبه حامية له، موجهة له ليأخذ منها الذي يوافق زمنه ومنطقه وصوابه، ويترك ما عطله الزمان
الله يعلم أن العقل الإنساني هو أداة تفكير وإبتكار وإختراع وإبداع فلا يصح أن يقول أحد هذه الحجة السخيفة (طب ليه ربنا مقالش كل التشريعات المستقبلية أو مقالش أن التشريعات دي هتنتهي في وقت من الأوقات) لأنه لو قال ذلك بشأن التشريعات التي تعني (توجيه حياة البشر وتسهيلها وتطورها) فهناك سؤال بسيط جدا : ما فائدة العقل إذن ؟! لماذا توهب عقلا مفكرا مخترعا مبتكرا مبدعا عظيما طالما كان هناك (سيستم) واحد موجود ستضبط عليه ؟! إن هذا هو عمل الروبوت الذي يوجه ويضبط علي نمط واحد فقط بينما الإنسان كائن مفكر مبدع، فكان العقل هنا تعويضا كبيرا غاليا عن عدم ذكر التشريعات المستقبلية أو تعطيل بعض الشرائع، وهذا تكريم شديد للإنسان ...فهل الإنسان المفكر الحالم المبدع الفنان أفضل أم الروبوت ؟!
والسبب الثاني في عدم ذكر التشريعات التي سوف تنتهي في وقت من الأوقات، هو أن ذكر هذا الأمر سينتج عنه صدمة وتخبط هائل بين الناس لتلقيهم ثقافة غير الثقافة وحضارة غير (ليست الحضارة حتي) وإنما البداوة والندرة حينها (قبل أن يتحولوا إلي حضارة) فكيف سيفهم هؤلاء معني الحرية كما نفهمها اليوم أو معني الديمقراطية أو معني الإنتخابات ؟! وكما قولت أن التشريع يحدث البيئة - خاصة أن التشريع مازال نديا ...
لهذا فلا يصح أن يحكم أحد علي تشريع ما من تشريعات الإسلام للمجتمع العربي القديم بمنطق اليوم، لأن كل هذه الأحكام التي يصدرها البعض هي أحكام سخيفة لا تعبر عن عقل يفكر أو باحث علم حقيقي للأسباب التي بينتها .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن